رواية مدثر للكاتب محمد حافظ

#مدثر# الجزء التاسع

“بابي ….باابي وحشتني اووي”
“وانتي كمان وحشتيني يا عائشه”، ترتمي في حضني كعادتها لأجد حنان العالم بين ذراعيَّ،
ثم تقول وتعانقني “انت ليه مش بتقعد معانا وعلي طول في الشغل”، أخرجها من صدري والمس شعرها الناعم الأسود وأقول وأنا انظر إلى عينيها “انتي عارفه يا شوشت ان بابي عنده شغل كتير اوووي بس في الاخر مش بجبلك كل اللعب والحاجات اللي انتي عاوزاها”، لترتمي من جديد في حضني وتقول “بس انا عاوزاك انت انت يا بابي”، ثم تبتعد عني جريا وهي تبكي، يلحقها ندائي “عائشه عائشه عاااائشه…”، تختفي عن نظري و أنا أصرخ باسمها رافعا يدي كأني أريد لمسها و الوصول إليها “عاااااااايشه……..”.
“مممالك يا ممدثرر أأنت ككنت بتتححلم” قالها شريف قبل آن تقترب مريم أيضا وفِي يدها منشفه لتمسح جبيني الذي تصبب منه العرق ثم تقول “عائشه دي مين بقي يا مدثر ؟”، يرفعني شريف قليلا ويضع وسادة خلف رأسي اشعر ببعض الألم في صدري، أضع يدي اليمني بجوار قلبي و أقول “عائشه دي بنتي وحشتني اووووي عاوز اشوفها الساعه كام دلوقتي هو انا بقالي كتير نايم”، لتقول انت بقالك يومين نايم وانا بركبلك محلول يعوض الدم اللي انت فقدته وبحطلك في الدوا، وساعه دلوقتي عشره ونص الصبح”، أحاول نزع الأنبوب المعلق في يدي ولكنها تمنعي من فعل ذلك، إلا أنني لم استسلم يحاول شريف هو الأخر ولكن محاولتهم باءة بالفشل، ثم أنهض وأقول “شريف ساعدني البس هدومي انا هروح اشوف عائشه وآدم دلوقتي”، دمعات عيناي تجري بقوة مثل المطر وأنا أكمل كلامي” انا هشوف ولادي دلوقتي حالا..”، فقدوا السيطرة أمام إصراري الواضح كنت اشعر وقتها بضعف شديد وافتقد الأمان ولا يوجد احد على ظهر الأرض قادر علي أعطائي إياه
سوي كلمه بابا من قلب ادم وعائشة، اجلس على الأرض وأنا ابكي ثم أنام ولَم تتوقف دموعي وأقول “ابوس ايديكم انا عاوز اشوف ولادي”، تنهار مريم باكية فتقترب وتجلس بجواري وترفع راسي علي صدرها و تصرخ “كفايه كفايه حرام عليك نفسك انك مستحمل كل ده ازااي”، ثم سمعت شريف يتحدث في هاتفه بصوت منخفض وقد خرج من الغرفة لم اسمع ما يقول ومع من يتحدث ولَم تمر سوى لحظات ليعود وهو ينظر إلي وكان على وجهه ابتسامة لم افهمها ولكن عندما تحدث “خخلاص ههنرروحح ننششوف وولاددك
ببس الككبير ههايججي ممعاننا”، شعرت بمعني ابتسامته وشعرت أيضا ببعض الراحة كانت مريم تضم رأسي بيديها في حنان واضح شعرت بأناملها على وجهي وهي تمسح دموعي المتساقطة لتقول في بكاء هي الأخرى “وانا كمان جاايه معاكم..”
***********************
قسم الشرطة
“نورت يا هشام بيه ان شاء الله تبقي مبسوط معانا هنا القسم نور”، ينهض الجميع وتنحني الرؤوس وتمتلئ القلوب رعبا، تسمع احد العساكر وهو يقول للأخر “ده ياسر بيه طه
ارحم من عزرائيل ده شكلنا كده هنشوف ايّام سووده”، لم يلتفت إلى احد، كانت نظرات الشر تطاير من عينيه وظهر غروره وتعاليه من خلف نظارته وهو يتجه صوب مكتب المأمور ليطرق الباب طرقة واحدة ويدخل دون أن يأذن له بالدخول وحين يراه المأمور ينهض مفزوع ويقول “ايه النور ده هشام بيه بكر هتشتغل معانا”، يمد يده ويقول وهو يخلع نظارته “اهلا يا تري جواب النقل اتمضي”، يجيبه المأمور “طبعا تقدر تستلم شغلك حالا بس اقعد اشرب قهوتك معايا الاول”، ليرفع يده في تحيه هزيلة ويقول وهو يأخذ اتجاه العودة ويعطي ظهره للمأمور “الايام جايه كتير هشربها في مكتبي” ثم يخرج ويترك المأمور في ذهول وإحراج.
**************************
سيارة الكبير
يجلس عبد الحميد بجوار سائقه، وفِي الخلف مدثر يتوسط مريم وشريف لتسير خلفهم سيارة أخرى سوداء بها أربعة رجال مسلحين، تكلم الكبير وهو يجلس بسيارته ذات الدفع الرباعي الفارهة وفي نظرة إلى الخلف “على فين يا مدثر يا بني” أجيبه “على اكتوبر يا كبير المدرسه بتاعتهم هناك”، يأمر السائق بالتحرك وما هي إلا دقائق قليلة حتى سمع الكبير صوت هاتفه يرن، ينظر إلى اسم المتصل ويقول مبتسما “صباح الخير عليك يا حضره المأمور
يارب تكون بخير ايه الاخبار ياتري مين مسك المباحث مكان ياسر طه”، يسكت الكبير وهو يسمع اسم رئيس المباحث الجديد” لتتغير نبرة صوته يرد على الحديث قائلا “وملقوش غير ده، على العموم ربنا يسهل اشكرك يا جناب المأمور، مع السلامه”، سكت الكبير وكأنه يفكر ليقطع شريف تفكيره قائلا “ههو اانت تتعرف رئيسس الممباححث الججدييد ييا ككبيرر”، ليقول الكبير وهو يهذب شاربه الطويل “بأنامله ايوه اعرفه عز المعرفه هشام بكر” أقول في “اهتمام تعرفه منين يا كبير”، ليقول “دي حكايه طويله يا مدثر ياولدي احكيهالك بعدين ربنا يجيب العواقب سليمه”، “على كده ياسر اخويا كان ارحم يا عم عبد الحميد” قالتها مريم وقد ظهر عليها الاهتمام بأخيها ليقول الكبير “طبعا يا بنتي ياسر ارحم بس مشكله اخوكي متهور مش قادر يفهم”، ترد على كلامه في دفاع عن أخيها هذه المره “ياسر طيب بس اتغير من ساعه لما مراته سابته، وتصرفاته بقت عجيبه”، يقول الكبير “بس اخوكي فاكر ان انا السبب في النقل بتاعه وده مش صحيح يا بنتي كلاتكم عرفني لو عملت حاجه بقول الحق ومش بخاف من حد”، “ططبععا ييا ككبير دده اننت رراجل ججدع ططول ععمرك بس تتفتكر ممين اللي نققل ياسسر”، ليقول الكبير وهو يهز رأسه “العلم عندَ الله”، ثم يأتي تحذير السائق إلى الكبير من اقتراب لجنه تفتيش.
************************
منزل الشيخ حسن
“ماما انا نازل اروح اشوف مدثر قبل ما اروح المحكمة امبارح كنت جنبه وكان نايم مش حس بيا”، “طب استني خدني معاك يا وليد هلبس على طول” قالتها حبيبه في لهفة واضحة ظهرت في صوتها و عينيها، لينظر وليد إلى أمه في اعتراض واضح مما قالته أخته، بنظرات متبادلة فهمته أمه ثم تقول بعد أن دخلت حبيبه غرفتها وهي تبتسم “اختك بتحبه يا وليد وأبوك عارف كمان بس دي قلوب ملناش حكم عليها يا بني”، ليقول وقد ظهر عليه الغضب “ايه اللي انتي بتقولي يا ماما…”، لتضع يدها على الكرسي تستند عليه للنهوض فيساعدها في ذلك ثم تقول “ربنا خلق جوانا القلب علشان نحس بيه وعندك سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام كان بيحب سيتنا عائشه بنت ابو بكر اكتر من باقي زوجاته وكان بيدعي ربنا ويقول اللهم فعلي فيما املك فلا تلمني فيما تملك ولا املك
وكان لما بيقول لا املك بيحط ايده علي قلبه”، ليقول صح “انا مش هاخد معاكي حق ولا باطل يا مرات الشيخ”، ليدخل الشيخ حسن مبتسما وهو يسمع آخر جملة لابنه ويقول “مالها مرات الشيخ يا وليد يا بني”، يبتسم وليد وهو يهز رأسه “اتعلمت منك” وفِي هذه اللحظة خرجت حبيبه وهي تقول “انا جاهزه ياوليد يلا..”، يسألها والدها قائلا في استغراب “ايه رايحين فين”، ليقول وليد وهو ينظر إلى أخته “ابدا يا بابا كنت رايح اشوف مدثر حبيبه قالتلي استني هاجي معاك”، لينظر الشيخ حسن لهما وهو يجلس بجوار زوجته ويقول “ملوش لزوم مدثر نزل مع الكبير راح يشوف ولاده واخد معاه مريم وشريف” فتتغير ملامح حبيبه وتذهب في غضب إلى غرفتها.
*************************
الطريق السريع
“رخصك…” قالها الضابط وهو ينظر إلى السائق الذي التفت بدوره إلى الكبير الذي أومأ برأسه بالإيجاب حتى يعطيه الرخص، وقد تعالت أصوات القلوب حين قال الضابط “أركن علي جنب وكله ينزل”، ليتدخل الكبير قائلا في ثقة و هدوء “والعربيه اللي ورايا معانا كمان دول الحرس بتوعي”، لينظر الضابط لعبد الحميد ويقول في سخرية “ولا تزعل يا حج والعربيه اللي وراك كمان هتتفتش”، يضحك الكبير ويقول هي “ايه دي اللي هتتفتش يا حضره الظابط، عربياتي مينفعش تتفتش اديله الرخص وخلّينا نمشي علشان مستعجلين”،
كلام عبد الحميد يستفز الضابط فيخبط على باب السيارة ويقول في غضب “انزله من العربيه..، حط الحواجز يا بني انت وهو” قالها وهو يشير للعساكر بوضع الحواجز الحديدية،
“خليكم ياولاد محدش ينزل انا هنزل اخلص الموضوع” يفتح الكبير باب سيارته وهو ينظر إلى العربة في الخلف يأمرهم ملازمة أماكنهم ويأخذ الضابط إلى مكان ليس ببعيد ويمد يده في جيبه ويخرج منها بعض البطاقات، على إثرها تغيرت ملامح الضابط وقدم الاعتذار،
وجميع من في السيارة يترقب الموقف في اهتمام واضح، ليركب الكبير من جديد ويفتح الضابط الطريق وهو يزيح الحواجز بنفسه، كا من في المقعد الخلفي علت على وجوههم علامات الاستفهام وهم ينظرون إلى بعضهم البعض في ذهول ولَم يتجرأ احد على الكلام،
تقترب السيارة من المدرسة وأنزل في لهفه وكان الألم يعتصرني، أدخل بسرعة وأنا أمسك كتفي، لينزل الكبير أيضا ورائي بينما ظل شريف ومريم داخل السيارة ينتظرون، فِي غرفه مدير المدرسة تكلمت في حدة بعد أن قوبلت بمنتهي الفتور ولكن الكبير هدأ من روعي ونظر إلى المدير قائلا.” ده اب ومن حقه يشوف ولاده” ليقول المدير “صدقني مش هينفع خالص قدر موقفي وانت اكيد عارف ان مدثر بيه عنده مشاكل اد ايه الموقف صعب صدقني”، يخرج الكبير سلاحه من تحت عباءته ويلوح به في وجه المدير قائلا “اسمع مَش هنمشي من اهنا غير لما مدثر يشوف ولاده يأما هنخدهم وتتحمل انت بقي المسئوليه” يفزع المدير وهو يهز رأسه بالموافقة ويمد يده إلى المكتب ليضرب الجرس الصغير أمامه وما هي إلا ثواني ودخلت السكرتيرة الخاصة ليأمرها المدير بإحضار عائشة وآدم الحسيني، وما كان من الكبير إلا انه وضع سلاحه جانبا حتى لا تراه السكرتيرة، تمر الدقائق طويلة عليّ إلى أن يدق الباب من جديد لينتفض معه قلبي بقوه وأنا التفت في بطيء، فيفتح الباب أيضا ببطيء، المح وجه ادم وعائشة ثم اجري في لهفة متناسيا ألمي و أضعهم بجوار قلبي بعناق و أنا القي على وجوههم ألاف القبل قبل آن تختلط دموعهم بدموعي ليقول ادم في برائه “بابي هو انت مش عايش معانا ليه انا بحبك اوي” لأنظر له في شوق “وانت كمان يا قلبي وحشتني اوي” ثم انظر إلى عائشة التي سكتت وتكلمت عينيها بالدموع الغزيرة ولكنها لم تستطيع المقاومة حتى ارتمت في حضني وتقول ذات العشر سنوات “وحشتني اوووي اووووي”، لأحضنها وقد عاد العالم وملك الأرض لي في هذه اللحظة وأقول في اختناق “معلش يا شوشت فتره وهتعدي استحملي انا عمري وعدتك بحاجه ومش نفذتها”، لتهز رأسها ثم تقول “محلصش يا بابي انت كده طمنتني وانا هستناك”، و برد مني في ثقة “وأنا اوعدك مش هتأخر عليكي” يضع الكبير يده على ظهري وتأتي السكرتيرة من جديد ولكني قلت لعائشة “خالي بالك من آدم انتي الكبيره” فتبكي وتنصرف من أمامي، أستند على كتف الكبير ونعود من حيث أتينا، نعود إلى السيارة و وقتها قال الكبير “معدش ليك مكان فيه الحاره يا مدثر مش هترجع هناك تاني علي الإقل اليومين دول انا بعمل مشروع سكني لسه تحت الإنشاء تروح تداري هناك لحد ما تخف وبعد كده لازم نقعد مع بعض ونحل موضوعك ده بس لازم نوطي للريح اليومين دول بات لليلتك النهارده في الاوضه وبكره الصبح يحلها الحلال”، لاقول” اللي انت شايفه يا كبير”، ينظر شريف إلى الكبير ثم يقول “ططب مما ييججي يققعد مععايا أأنا قاعد لووححدي”، أقاطعه قائلا “خليك انت بعيد انا محتاجك في حاجه اكبر بكتير” ليضع يده على ركبتي ويقول “رراقبتتي ييا ممدثثر”، “يعني ايه هتسبنا يا مدثر” قالتها مريم في حزن واضح، ليقول الكبير وهو يحاول أن ينظر لها “معلش يا مريم يا بنتي يومين ويروحوا لحالهم”
*********************
في القسم يرن هاتف هشام، يرد
“الو مين..”
“ايوه يا هشام انا ياسر طه”
“خير يا ياسر”
“كنت عاوز اقبلك ضروري في حاجه مهمه”
“مفيش حاجه مهمه بيني وبينك يا ياسر مع السلامه” ليغلق الخط في وجهه
**********************
تنتظر فريدة مدثر في شرفة منزلها غاضبة، و بعد أن تلمح السيارة، تجري على السطح ما إن رأتني ترتمي بين ذراعي، كان معي شريف الذي احمر وجهه في خجل حين سمع فريدة تقول لي “وحشتني..”، قبل أن تصعد مريم هي الأخرى لترى أختها بين يدي فسقطت أرضا
من هول الصدمة
تـــــــــــــــــــــابعونــــــــــــــــــــــــــــا
بقلم محمد محسن حافظ

error: