رواية مدثر للكاتب محمد حافظ

#مدثر# الجزء الخامس عشر
على ضفاف النيل”ايه يا مدثر الكابوس ده ايه اللي حصل في الدنيا يابن امينه وعايشه الكل هاجم عليك كده ليه هي وصلت يا عمر انك عاوز تقتلني نسيت اني اخوك هو انا عملتلك ايه بس عاوز اعرف وافهم ربيتك وكبرتك وعلمتك ورايح تتفق مع جوز اختك وصحبي هو ده اللي اتعلمتوا في كليه الحقوق يالي بتنفذ العدل يا اخي نفترض اني وحش في حاجه اسمها رحمه انا مقتلقش اكلني وشربني يا ترى اخواتك عارفين اللي انت ناوي عليه ولا لاء صعبتها اوي يا عمر انت ورمزي ومعدش قدامي اي طريق تاني امشيه بقي طريق اتجاه واحد وإجباري وانا مكنتش عاوز كده كل ده علشان خاطر الفلوس يا اخي ملعون ابو ……. ميعرفوش ان فيه الف حاجه اهم منها”،
“اهدى يا مدثر”،
لقد كنت أتحدث إلى نفسي، وقفت أتأمل النيل من فوق ‘كوبري قصر النيل’، لم أشعر بالبرد فقد مر عليّ ما هو أصعب، مضت ساعتين بعد انتهائي من جلستي الأخيرة مع هشام الذي قال قبل أن ينصرف “مدثر في بنت وانا بسأل عليك في بيت الحج طه وقفت زي الاسد تتكلم البنت دي بتحبك”، لم أشك لحظه انه يتكلم عن احد سواها هي فريده جريئة وقوية، فقد سهل علي الاختيار ولكن مريم ؟، يأتي صوت من خلفي “ايه مش سقعان يا اونر”، ابتسم دون أن التفت ومازلت ارمي عيني بداخل المياه المتلألئة بالأضواء ويدي داخل جيب ‘الجاكيت’ يحميها قليلا من البرد لأقول “بالعكس يا ياسمين مش حاسس بالبرد”، لتكمل كل أعوانك باعوك لريتشارد”، لأضحك وأقول بنبرة الراحل حمدي غيث -هل سمعتم قبل ذلك عن احد خدع ريتشارد-، نضحك وكل منا ينظر في اتجاه مخالف إلى أن تقف بجانبي وتنظر هي الأخرى إلى المياه وتقول “المايه شكلها حلو، صافيه اووووي”، أغمض عيني وأقول “صافيه”، تضحك وقد التفتت اتجاهي وتقول “انا اقصد مايه النيل مش اختك”، ثم تكمل وقد تغيرت تقاسيم وجهها لتقول “شكلك اتغير اووي يا مدثر كبرت فجأه كل ده يحصلك في اسبوعين”، “لما عمري يضيع من ايدي وكل اللي عملته في حياتي يبقي زي الهوا يبقي لازم اكبر فجأه لما اسند علي اقرب الناس في عز تعبي وابص حوليا ملقيش حد، يبقي لازم اكبر فجأه، لما اكون مصدر سعاده لكل اللي كانوا سبب حزني لازم اكبر فجأه”، تدمع عينا ياسمين من كلامي وتقول “بس انت اقوى من كده واذكى من اي حد، ولما ترجع زي الاول لازم كلهم ينسوا مدثر الاولاني ويشوفوا واحد ميعرفهوش، اتعلم تقسى اتعلم تبيع خلّي الكل يخااف منك بس في نفس الوقت يحبوك، شايف الكبير ده اتعلم منه كل حاجه ده صّخره تتكسر قدمها اي حاجه وهو مش بيتكسر، راجل واقف على رجله معدي السبعين الكل بيحترمه وبيحبه وفِي نفس الوقت مع كل خطوه بيمشيها القلوب بتتهز من هيبته، اوعدني يا مدثر انك تبقي زيه”، وقتها اضحك وأنا استعد للانصراف ثم أرفع كلتا يدي في الهواء وكأني استعد للطيارين وقول وهي تقف في دهشة من تصرفي “الكبير ده اضعف مما تخيلي، بس هو ممثل شاطر الكبير زي حلاتي طيب وكل اللي بيعمله ده من وراه قلبه، مع السلامه يا ياسمين”، “مدثر استني” قالتها وأنا أعطيها ظهري وارفع يدي لتحيتها “طب خالي بالك من نفسك يا مدثر علشان خاطري” سمعتها وأكملت سيري في هدوء أرى نفسي متحديا لكل من حولي فأنا حقا لست الأقوى
ولكني الأذكى بالتأكيد
*************************
من داخل منزلي

“كنت فين يا مدثر كل ده” سمعت صوته وأنا افتح النور بمجرد دخولي إلى المنزل، أخطو خطوتين، أضع المفاتيح في جيبي ثم أكمل طريقي
واجلس أمامه وابتسم قائلا:
” انت بتراقبني يا كبير”،
يتأمل وجهي في نظرة قوية لم أتحملها لأنهض وأقول “تشرب شاي معايا يا كبير”، “اجعد يا مدثر انا بكالمك” قالها ليجعلني انظر حولي ثم أطاوعه واجلس من جديد ونظرت إلى الأرض ليقول “انا مش محتاج اراجبك يا بني كل ما في الامر اني وصلت اختك صافيه ورجعت اطمن عليك واقولك بلاش تبدأ بالشر يا مدثر هي جت ومدت أيديها وقالت انها غلطانه عفا الله عن ما سلف سامحها واللي عند ربنا مش هيروح..”، اضحك في استهزأ مما قال، وأجيبه في تحدي “وانت جاي تنصحني بحاجه معرفتش انت تعملها من اربعين سنه يا كبير”، تغير وجهه إلى اللون الأحمر ويقول “تجصد ايه بكلامك ده”، انهض من مكاني واجلس أمامه على ركبتي وأقول “انت فاهم قصدي كويس، انت كنت مدثر من اربعين سنه صوره بالكربون بس الفرق اللي بيني وبينك ان مراتك وقفت جنبك واستحملت معاك واخدت طارق ربيته لحد لما شد حيله علشان كانت خايفه من اخوك بكر ابو هشام، بعد لما حرقتله ارضه وجيت على مصر تشتغل وانت مستخبي في حوارها وكنت بتتسحب كل كام يوم تروح تطمن على طارق وأمه من غير ما حد يلاحظ غيابك، لحد لما جه هشام واخد حبيبه طارق ابنك وخطبها وبعد كده سابها هشام واتصل بطارق وقاله خطبتك متلزمنيش واتنقلت العداوه بين ابنك وابن اخوك، وعارف ان بكر حاول يضربك بالنار والطلقه جت في ذراعك وانت مش اتهمت حد..”.
نظر إلي الكبير ونهض من مكانه واستند بقوه على العصى وقد بدت عليه ملامح أخرى، ثم التفت إلي ووجه يكسوه الحزن وقال “وانت عرفت ده كله منين يا مدثر”، لأقول مش مهم عرفت منين يا كبير المهم انك عاوزني أسامح، والجديد بقي ان اخويا عمر اتفق مع ياسر ورمزي ورأفت وعاصم انهم يُخلصوا مني ويقتلوني بس طبعا ده مش هيعرفوا ينفذوا غير لما يوقعوا بين طارق وهشام، اللي هما ما يعرفوش ولا انت تعرف انه صحبي اصلا”، يلف الكبير في اتجاهي ويقول في عنف وهو يقترب إلى أن أمسك ذراعي بقوة ليقول “بقي ده جزاتي يا مدثر اني سعدتك ووقفت جنبك تردي الجميل بالخيانه”، لأرفع صوتي أنا الأخر قائلا “انت مش فاهم حاجه انا الوحيد اللي واقف قصاد اللي عاوزين يقتلوا ابنك زي ما انت بتحميني انا كمان بحمي طارق افهمني يا كبير لو انا خاين زي ما بتقول هاجي أحكيلك كده بسهوله انا لسه كاشف لهشام ورقي النهارده زيك بالظبط، واتفقت معاه اني اوعده يبقي في امان بس على شرط ان طارق هو كمان يبقي في امان، انا صحيح مش مدثر بتاع الاول بس قدرت انقل ياسر في مسافه الليل صحي لقي نفسه منقول بتليفون مني لمدير أمن الجيزه السابق وده كان ماسك الشركات والمصانع بتاعتي، وراجل نفسه يخدمني ورغم انه على المعاش بس كان محبوب جدا من تلاميذه في الداخليه اللي نفذه قرار النقل فورا وف نفس الوقت طلبت هشام لما عرفت صله القرابه اللي بينكم بالصدفه لما قلت لنفس الشخص اللي هو مدير الامن انا عاوز هشام بكر يمسك قالي انا عاوز اسمه ثلاثي ومكنتش اعرف اسمه ساعتها انت عارف الظباط بيستخدموا اسمين بس الاسم بتاعهم وبعديه اسم الاب او الجد، وهشام اختار اسم ابوه ولما قالي ان اسمه هشام بكر الرواي وان الملف بتاعه بيقول انه من الصعيد بدائت اتاكد وجمعت معلومات عن طريق سكه تانيه خالص، بعدين هتبقي تعرفها انا عمري ما انسي الجميل ولا اعض الايد اللي اتمدتلي..”
**************************
منزل طه

يدخل ياسر غاضبا ووجهه يحمل كل الشر ليرفع صوته ويقول:
“يعني أغيب عن البيت كام يوم ومحدش فيكوا يعرفني ايه اللي عملوا هشام معاكوا”،
وقفت فريده ومريم والحج طه ينظرون له، تشجعت فريده
وقالت “عاوزنه نقولك ايه واحنا شايلين همك وخايفين عليك انت لسه منقول ومنعرفش السبب لحد دلوقتي وقلنا كفايه عليك مراتك القديمه وشغلك”، يثور ياسر وهو يقترب منهم ويجلس على المقعد القريب يتوعد هشام قائلا “حاضر يا هشام حسابك معايا بعدين كله بسبب الزفت اللي اسمه مدثر هو فاكر ان الكبير هيحمه مني”، يقاطعه والده ويقول “يا بني ابعد عن الشر بقي وخليك في حالك اديك شوفت اللي جرالك هو انت ليه مش عاوز تتعلم”، ثم تتكلم مريم الحاضرة الغائبة دوما وتقول “مش مدثر السبب انت اللي عملت في نفسك كده صوتك العالي في كل حته الناس بدائت تكرهك يا ياسر ان مكنتش كرهتك فعلا قاعد تفتري على خلق الله”، وما كان من ياسر عند سماعه هذه المحاضرة من أخته إلا انه قام وصفعها على وجهها مما جعل فريده تصرخ في وجهه هي الأخرى إلى أن توسطهم الحج طه الذي حاول أن يهدأ من الموقف ونهر ياسر على فعلته،
دخلت مريم غرفتها وخلفها فريده التي ضمتها إلى صدرها و هي تشعر ببعض الألم هي الأخرى وأخذت تفكر وهي تسمع صوت عقلها:
“اومال لو مدثر اتجوز واحده فينا هتعمل فينا ايه يا ياسر”
***************************
“صباااح الخخير يا ممدثر”،
كانت الساعة العاشرة صباحا كانت ليلة طويلة مليئة بالإحداث، سمعت صوت شريف عبر الهاتف وأنا مازلت على فراشي ألقي عليه التحية وقد كان صوته في منتهي السعادة، فاليوم سوف يخرج مع حبيبه وأنا أيضا سوف اخرج مع فريده ومريم حيث قررنا أن نتقابل جميعا في إحدى ‘الكافيهات’ لنحتفل سويا وقد ينضم إلينا وليد أيضا، وحين أغلقت الخط سمعت جرس الباب.
افتح لأجد أمامي مسعد مبتسما قائلا “صباح الخير يا كريم بيه”،
لأقول “صباح الخير يا عم مسعد خير”، ظلت ابتسامته على وجهه وقال “وائل بيه بعتلك الفطار ده وبيجولك كمان شويه هيجي يشرب معاك الشاي”، امسك الكيس من يده ولكنه يرفض ويقول “لا والله انا هدخله بنفسي” ليضع الكيس فوق المنضدة، اخرج سندوتش ووضعه في فمه ثم قال من جديد “واقف كده ليه مد ايدك متتكسفش”، اذهب إلى غرفتي وأنا أقول “ابقي قول لوائل اني مستنيه”، يجلس مسعد يكمل فطوره ثم اسمعه بعد قليل يفتح الباب اعتقدت انه سينصرف ولكني فوجئت بمسعد يقول: “اهلااا طارق باشا نورت الدنيا”
ليقول “اومال فين كريم”
**************************
النيابة

“دخل يا بني المتهم اللي عندك”
قالها عمر الحسيني رئيس النيابة، ليدخل المتهم ومعه المحامي المتطوع الذي عرف نفسه قائلا “وليد حسن حاضر عن المتهم”، ليقول عمر “افتح المحضر”، يتكلم وليد مدافعا عن المتهم ” يا فندم الراجل ده اعترف انه ضرب اخوه بسبب فقدانه لابنه وده شعور احنا مش هتحس بيه عارف حضرتك معني اخ يربي ويكبر والتاني يطلع قليل الاصل وواطي”، وجه وليد كلمات كانت مثل اللكمات على وجهه عمر الذي انزعج كثيرا وقام بفك ‘الكرافت’ المحيط بعنقه وقد تحول إلى حبل للمشنقة من دفاع وليد الذي كان يعلم جيدا علاقة عمر بمدثر، حتى انهى وليد كلامه لرئيس النيابة قائلا “طبعا حضرتك لو ليك اخ رباك وساعدك وجه في يوم احتاجك هتعمل ايه”، كاد عمر أن يصاب بنوبة قلبية وقام بإخلاء سبيل المتهم.
“سبنا لوحدنا يا مسعد” قالها طارق الذي قابلته بعناق شديد وبعد أن ألقيت التحية سألني عن ما حدث في الليلة الماضية، سألته كيف عرف بزيارة الكبير قال لي أن الكبير تعرض لازمة قلبية مما أدى إلى نقله إلى العناية المركزة قفزت من مكاني أرتدي ثيابي في سرعة وقد تساقط دموعي وأنا أرتدي قميصي لأقول “الكبير لاء الكبير لاء انا نازل معاك لازم اروحله”، ليرد علي طارق “وهو كمان عاوز يشوفك” ثم طمأنني وأكمل “أنا مكنتش اعرف انك بتحب ابويا اوي كده”، لأرد “هتعرف بجد انا بحبه اد ايه”، ركبنا السيارة وقد التقينا بوائل الذي أصر هو الأخر على الذهاب معنا إلى المشفى، وفِي الطريق لم أتكلم وكنت أقوم بإرسال بعض الكلمات عبر ‘الواتس اب’.
وصولنا، ارتميت بين أحضانه باكيا و قائلا “سمحني يا عم عبد الحميد”، يبتسم ويقول “حلو عبد الحميد منك انا مش زعلان منك يا ولدي انت بس فتحت جرح كبير ودوست عليه”، وفِي الخارج وقف طارق ووائل في انتظار خروجي، و بعد خروجي دخل وائل للاطمئنان عليه وقفت أنا وطارق نتحدث ولَم يمر عشر دقائق حتى ظهر رجل طويل يرتدي جلبابا أنيقا وفوقه عباءة سوداء وخلفه راجلين وعلى رأسه عمامة انتقه، ضخم الجثة وجهه اسمر مستدير، خليط بين شعر أبيض و أسود في شاربه، وحين اقترب سأل عن غرفة الكبير، فأرجع طارق السؤال “وحضرتك مين يا حج”، ليقول الصعيدي “انت اللي مين” ليبتسم الرجل قائلا :
“انا عمك بكر يا ولدي”،
ينظر له طارق في غل ويقول “وجاي ليه”، ليقول بكر “جاي اشوف اخوي عندك مانع يا طارق”، خرج وائل وأراد طارق الدخول ولكني استأذنته بالدخول أولا، مرة أخرى نظر إلي وهز رأسه وعندما دخلت نظرت إلى الكبير قائلا:
“لو فيه حد نفسك تشوفه يبقي مين يا كبير انا عارف انك مش هتكدب علي”،
سكت الكبير لثواني ثم قال “طبعا احب اشوف اخوي قبل ما اموت”، ابتسم وأقول” أنا عارف انك كنت هتقول كده اتفضل يا عم بكر”، قلتها مما جعل الكبير يعتقد أني امزح وحين رأى وجه بكر فتح ذراعيه وأراد آن ينهض وقال بصوت هز جدران المستشفى:
” بكر اخوي”،
ليرد عليه بكر
“عبد الحميد”،
ليرتكب بين ذراعيه هذا الجبل المتمثل في صورة إنسان وبكى بكر مثل الأطفال تماما وتعالت الأصوات، في الخارج هشام يقف أمام طارق وبينهم وائل.
*بقلم
محمد محسن حافظ

error: