رواية مدثر للكاتب محمد حافظ

مدثر# الجزء السادس عشر

ذهبت مسرعا في اتجاه طارق وهشام وقد وقف وائل بينهم، لتبدأ كلمات التهديد والوعيد من كليهما للأخر، أقف وأنا اقترب منهم محاولا جذب انتابهم ارفعا يدي كالساحر ثم قلت:
“دلوقتي اللعبه دي لازم تنتهي وبسرعة وغصب عنك انت وهو هتنهوها حالا وده امر”،
يقف الجميع في حاله اندهاش واضح مما أقول لأكمل “حدوته الاربعين سنه خلصت مين سرق مين ومين حاول يقتل مين انتهت خلاص يا استاذ انت وهو ابوك يا طارق بيه”، قلتها وأنا أضع يدي على كتفه لينظر إلي في اهتمام “ابوك يا هشام بيه”، ويدي الأخرى على كتف هشام موجها نظري إليه، ثم أقودهم بخطوتين فقط وكأني أسحبهم ثم أكمل “الاتنين دلوقتي حضنين بعض وبيعيطوا من الفرحه مش معقول انتم بقي هتقفوا تتخانقوا مع العلم ان ابو واحد فيكم لو قال خلاص يابني انت وهو هتبقي نهايه لعب العيال بتاعكم ده، ويشرفني اني اقولكم ان انا اللي خطط للموضوع ده بتاع الصلح هتسالوني ازاي..”، اتركهم وأسير أمامهم و يدي المتشابكة خلف ظهري، انظر إلى أرضيه المشفى وأقول فالتفت إليهم ” احب أعرفكم بحاجه ياريت تتعلموها مني”، نظرت إلى هشام لأوجه له سؤال “لو انا جتلك يا هشام وقلتلك طارق بيكرهك وبيتكلم عليك في كل مكان بكلام وحش هتحبه ولا هتكره”، يرد هشام ببساطة “طبعا هكرهه”، ثم إلى طارق وأقول “طب لو انا جيت قولتلك يا طارق هشام بيتكلم عنك بالخير وبيشكر فيك في كل حته هتحبه ولا تكرهه”، تردد طارق قليلا ليقول “بس….”، أقاطعه وأنا ابتسم لأقول “مفيش بس جاوب على قد السؤال” فأجابني “واحد بيجيب سيرتي بالخير طبعا هحبه”، اضحك وأقول “ده اللي انا عملته بالظبط بدائت اكلم ابوك يا هشام والغريبه ان الراجل ده زي ما يكون مستني حد يكلمه عن اخوه وبعت جبته من البلد علي أساس هيجي يشوف هشام وكنت هحضر مقابله بالصدفه بينهم لكن تعب الكبير المفاجاء ده جاب عم بكر على وشه..”، ظهر وائل أخيرا ليقول “يابن اللذينه يا مدثر حلوه اللعبه دي”، اضحك ثم أقول “انا سلمت حسن النيه وواجهت الكبير اللي قابل كده حدرني وانا بكلم اختي صافيه بلغه تهديد وقتها قالي بلاش ياولدي ولما جالي امبارح وطلب مني اسامحها عرفت اد ايه هو نفسه يصلح بكر اخوه، الحاجات دي بتتحس بس عاوزه ذكاء في التعامل”.
ينظر هشام لطارق ويقترب منه ويقول:
“متزعلش من يابن عمي”
يضحك طارق ويفتح ذراعيه ويضم هشام بقوة
***************************
منزل طه

“مش هتبطل يابني الزفت اللي انت بتخده ده”،
قالها الحج طه وهو يلوم ياسر على كثرة استخدامه للمهدئات، ليرد ياسر وهو ينزل قنينة المياه من على فمه ويخطو أمامه “اهو اي حاجه تنسيني القرف ده”، يدق جرس الباب ليغير ياسر طريقه ويفتح الباب فتسمر مكانه، ولكن علت الابتسامة وجهه وهو يقول “حنين اتفضلي”، لتدخل وحين رائها الحج طه أدار وجهه وذهب إلى غرفته.
حنين زوجه ياسر وأم نور امرأة ذات شخصية قوية تهوى السهر وحياة الترف، يحبها ياسر بجنون فقد عشقها ولا يرى غيرها على الأرض، كان الانفصال بسبب عدم تحمل ياسر طلباتها المستمرة من شراء وسفر وسهر فقد كان ياسر لا يملك سوي راتبه ومصروف شهري يعطيه له والده، وعندما كان يضيق به الحال أكثر تساعده مريم وفريده ولكن بطريقة غير مباشرة فقد كانوا يعطون الأموال إلى أبيهم حتى لا تجرح كرامته،
منذ سنوات قليلة طلبت حنين الطلاق من ياسر الذي رفض بقوة ولكنه وافق بعد ذالك فأصيب باكتئاب على إثرها، تناول خلالها المهدئات بصفه منتظمة وزاد الحمل عندما أعطته حنين بنتهم نور لأنها تقيد حريتها وكانت تراها من الحين للأخر بمدد متقطعة بعيدة قد تصل إلى شهرين أو ثلاثة و لبضع ساعات فقط، حين تزوجوا في الحارة في المنزل المقابل لمنزل والده وقتها أصر طه على انتقال ياسر للعيش معهم نظرا لحالته الصحية وقتها وقد اعتن به كثيرا وكذلك مريم وفريده تولتا رعاية الطفلة نور.
رحب ياسر وأشرق وجهه لرؤيته حنين التي كانت تجلس في خجل في بادئ الأمر إلى أن استجمعت قواها لتقول:
“ازيك يا ياسر اخبارك ايه”
أجابها ياسر في لهفة ظهرت في عينيه “الحمدلله كويس علشان شوفتك يا حنين وحشتيني اوووي”،
علامات خجل تظهر عليها ثم تسأل عن نور، لينطلق ياسر إلى غرفة فريده ومريم اللتان سمعتا صوت حنين فلم تشاءا الخروج إليها نظرا للكره الشديد لها جراء مما فعلته بأخيهم، دخل ياسر يسأل عن نور التي كانت نائمة لتدير مريم وجهها عنه لما فعله بها بالأمس أما فريده فقد نهرته قائلة “سيب نور نايمه هي اللي بره دي لسه فاكره ان عندها بنت دلوقتي”، يطلب منها ياسر أن تخفض صوتها حتى لا تسمع حنين، وذهب يداعب نور إلى أن استيقظت ليقول “عارفه مين بره يا حبيبتي وعايز يشوفك”، ترد في برائة “مين يا بابي”، يضحك ويقول “مامي جت ومستنياكي”، تقفر نور فرحا وتلقي نفسها بحضن ياسر الذي أخدها إلى الخارج، متجاهلا فريده حين قالت:
“والله تستاهل تديك علي قفاك فالح بس تعمل راجل علينا جاتك خيبه”
***************************
المطار

ذهب عاصم ورمزي لكي يستقبلوا ماركو الايطالي صاحب المصانع والتوكيلات الأوربية للسيارات، وكان معه ابنته فرانشيسكا.
قاموا بإنهاء الإجراءات سريعا وذهبوا إلى احد المطاعم القريبة لتناول الغداء ولحقت بهم ياسمين، دار الحديث بينهم عن العمل وكيف تسير الأمور بعد إفلاس مدثر، إلا أن ماركو أبدى قلقه على مستقبل الشركات والمعارض والمصانع في مصر التي كان يديرها مدثر بإتقان، كانت ياسمين تجيد الايطالية ببراعة من خلال فترة عملها مع مدثر فأدارت الحديث بتميز ولعل ماركو يعرفها جيدا ولكنها المرة الأولى التي تلتقي بفرانشيسكا، طمأن عاصم ورمزي ماركو على مستقبل المجموعة و زعما أنها ستسير أحسن مما كانت عليه، مما جعله يشعل سيجارا فخما زاد من هيبته ووقاره، فكان احمر الوجه تلون شعره بالون الفضي كلحيته القصيرة، عيناه بلون البحر يرتدي ثيابا ماركه ‘هيرمنت بلانت’ بدت مناسبة له تماما وجملها ‘اسكرف’ من الصوف الخفيف زادته وسامه رغم سنه الذي يطل على الستين بقليل، سحب نفسا عميقا ثم قال:
” اتمني ان الأمور تمشي زي ما انتم بتقولوا”،
لاحظت فرنشيسكا نظرات رمزي وهو يبتسم لها بغباء لتقول “بتبص عليه كده ليه يا عبيط”، وبطبيعة الحال لم يفهم لترد عليها ياسمين قائلة “ده حمار وحلوف متخديش بالك منه”، يضحك ماركو وفرانشيسكا وياسمين،
فيسأل رمزي ياسمين عما قالت الفتاة الايطالية، لتشرح له بدورها كاذبة “لا دي فرانشيسكا معجبه بيك”، فيقول رمزي “وانتي قولتلها ايه”، لترد ياسمين “انا قولتلها انك ظريف” يضحك رمزي أكثر لفرانشيسكا لتضحك هي أيضا قائلة “يالك من غبي”.
يقول ماركو وهو يضع قدما على أخرى “انا هديك يا عاصم فرصه سنه واحده وعارف انك بتدي رمزي عربيّات بصفته وكيل معتمد بعد السنه دي هقرر اذا كنّا هنكمل ولا لاء”، يأتي النادل الذي لوح له عاصم أن ينتظر قليلا ثم قال موجها كلامه لياسمين “قوليلوا ان السنه دي هشوف فيها نتايج مشفهاش مع مدثر في خمس سنين” نقلت ياسمين ما قاله عاصم ليبتسم ماركو متمنيا له التوفيق وحذره من الطريق السيئ الذي أدى بمدثر إلى هذه النهاية، ليرد رمزي قائلا “ملناش في الشمال احنا بتوع ربنا”، تنظر له ياسمين في استهزاء ثم تقول ساخرة “ودي اترجمها ازاي انت فاكر نفسك بتتكلم في مصمت يابتاع ربنا انا عارفه انك بتبيع سبح”، يضحك عاصم ويقول “جايب لنفسك التهزيق يا رمزي”، تنظر فرانشيسكا موجهه حديثها إلى ياسمين لتقول بلغة الثقة:
“لو شفتي مدثر بلاغيه بالرسالة دي:
(واثقه انك هترجع اقوي من الاول بكتير اللي زيك مينفعش يفضل على الأرض مكانه على قمم الجبال)
*************************
المستشفي

“انتم اكيد اتجننتوا في دماغكم مستحيل اللي انتم بتقولوا ده”

قالتها صافيه حين علمت بنية الأخوة، وما ينون فعله مع مدثر تنظر لها هايدي في غرور وتقول:
“انتي نسيتي نفسك ولا ايه ما انتي اخدتي الشقه ومعرض السيارات
ومبلغ يعدي الخمسه مليون جنيه جايه دلوقتي ترجعي في كلامك
زي ما عملنا انتي كمان عملتي”،
تقاطعها صافيه وتقول وهي تنظر لهم “انا غلطانا خدوا الفلوس وكل حاجه بس سيبولي اخويا”، كانت تبكي وهي تضع يدها على قلبها، ينهض عمر ويقول:
“معدش فيه رجوع يا صافيه احنا جهزنا كل حاجه ايه هتبلغي عننا هنقول انك مشتركه معانا فوقي يا صافيه”
**************************
منزل طه

“يلا يا مريم خلينا ننزل حبيبه اتصلت بيا ولازم حبيبه مستنيانا عندها هننزل كلنا مع بعض”،
تنهض مريم حين سمعت كلام فريده ولكن كان بداخلها شيء يمنعها من الذهاب ولكنها استسلمت لكلام فريده، في الصالة ظلت نور محتضنة أمها في شوق وكان ياسر سعيد بهذه المقابلة وزادت سعادته حين سمع حنين تقول” ياريت يا ياسر نرجع لبعض انا ندمانه على السنين اللي ضاعت دي وانا بعيد عنكم”، ليعلن ياسر موافقته دون تفكير ولا يعلم ماذا يدور في ذهن حنين التي كانت على علاقة بهايدي ومروه ودار بينهم اتفاق خفي
*************************
بعد ان استقرت حاله الكبير تركناه يعيد ذكرياته مع بكر وطلب مني طارق ان اذهب معه إلى مكان ما لم يصفح عنه بينما ذهب هشام إلى عمله بعد ان كلفته بأحد المهام وكذلك وائل الذي ذهب إلى المجمع السكني
في السيارة حاولت أن اعرف أين نحن ذاهبون لكن كان جواب طارق “دلوقتي هتعرف”، وصلنا الى احدى الكافيهات في وسط البلد وكان في انتظارنا شخص لا يتعدى عمره الخمس والثلاثون عاما شعره ناعم عينيه عسلية اللون ابيض البشرة كان واضح انه ابن ناس في هيأته وثيابه كما نقول نظرت إليه وأنا اقترب منه لأهمس في أذن طارق “ده بقي النصاب اللي انا قولتلك عليه صح”، يضحك طارق ويقول “هو انا معرفش أعملك مفاجأه ابدا اه يا سيدي هو”، أوجه سؤال الى طارق وأقول “على ضمانتك”، يقول طارق في ثقة “برقبتي”، نجلس سويا يقوم بضيافتنا بمنتهي الكرم فهذا أسلوب النصاب المحترف اسأله عن اسمه ليقول ضاحكا “الاسم اللي انت عاوزه ساعات شوكت ممكن مراد ولو عاوزني هيثم ولا هاني كل اسم على طبيعة المهمة” أعجبت بطريقة كلامه فأنا فعلا ابحث عن شخص مثله لأقول من جديد “طب اسمع انا عاوزك في شغلانه صعبه شويه تقدر عليها” يقول بمنتهي الثقة “جرب مش هتخسر حاجه يتدخل طارق ويقول “اسمع يا مدثر اي حاجه هيعملها انا واثق من كده بس اهم حاجه عنده الفلوس ومتقلقش من حاجه انا جاهز”،
اضحك وأقول “متحرمش منك يا طارق انا عاوزه يتجوز وهديله حقه من اللي هيتجوزها”، ثم أحكي لهم ما أريد
*************************
منزل الشيخ حسن

يفتح وليد الباب ليجد مريم وفريده يرحب بهم لتأتي حبيبه من غرفتها عند سماعها صوتهم وما من دقائق حتى دخل شريف أيضا ليقول “اززيكككمً ججمميعاا ” يردوا عليه التحية يلقي نظرة على حبيبه التي كانت متوردة الوجه وضعت بعد المكياچ الخفيف زادها جمالا يقول وليد “ايه جاهزين نمشي” يرد عليه شريف قائلا ” لسسه ممككلم ممددثر ققالي اانه ممع ططارق الرراووي ففي مششوار وععرفت ككمان ان الككبير في الممسستشفي بس ططمني عليه”، يشعر الجميع بالذعر على الكبير فلا يعلم احد ما حدث له فقد أصابته الأزمة بعد خروجه بقليل من منزل مدثر ولَم يعود إلى منزله وذهب مباشرة إلى المشفى سمع الشيخ حسن ما حدث للكبير فأصر علي الذهاب اليه رغم مرضه الشديد ولَم يعرف احد ان يثنيه عن قراره وحين طلب منه وليد الذهاب معه رفض بشدة وقال انه سيتصل بالحج طه ويذهب معه بينما استعد الباقين للقاء مدثر كانت فريده متوتره جدااا تريد ان تقول شيئا لاختها قبل اللقاء ولكنها كانت مترددة جدا وعند وصولهم للمكان المحدد ارادت ان تستفرد بدقائق قليله بمريم فاستأذنت الجميع وأخذت مريم وتحدثت معها على احدى الطاولات المجاورة الى ان سمع الجميع صراخ مريم المفاجيء وهي تنظر الي فريده التي سالت الدموع ايضا على وجنتيها ولكن طلبت منها فريده ان لا تلفت انتباه الاخرين ولكن قامت مريم من مقعدها وضمت فريده الي صدرها في حنان بالغ وظلت تبكي بينما ضحكت فريده وقالت “انا يا ستي مش زعلانه والله المهم بقي هتسبيني اتجوز مدثر”، لتقول مريم وهي تبكي “اه طبعا اه طبعا هتتجوزي مدثر” وعند وصولي اندهشت لما ارى فسالت وليد عن السبب فهز رأسه بأنه لا يعلم شيئا اقتربت من فريده ومريم لاسال ماذا يبكيهم تبتسم مريم وتقول:
” دي دموع الفرح مبروك عليك فريده يا مدثر”
*بقلم*
محمد محسن حافظ

error: