رواية مدثر للكاتب محمد حافظ

#مدثر#الجزء الواحد والعشرون

لن أنكر فقد أزدت ألما ووجعا أكثر مما كنت عليه، تمر الأيام واكتشف اني كنت على الطريق الخطاء فقد أعطيت الكثير، وقد حان الوقت لكي اخذ، ولكن لا أريد سوى حقي اعلم جيدا اني سأعود اقوي مما كنت، أما الانكسار بداخلي فلا يمكن إصلاحه حتى بعد مائة عام، هل أخطأت امي حين كانت تقول: “اخواتك امانه بين ايديك حافظ عليهم”، فماذا افعل اكثر مما فعلت، لماذا لم تقل لهم ايضا هذا أبوكم الثاني هو من يحميكم هو من أفنى عمره من أجلكم ومازال يفعل، تبا للقلوب التي تعيش لنفسها ضاربة بعرض الحائط كل شيء، اضحك وأقول لنفسي ‘اذا لو كنت فقير من البداية لاختلف الأمر كثيرا حقا’.
اسمع طرقات على الباب ومعها صوت الكبير ينادي “مدثر مدثر انا عمك عبد الحميد يا والدي ومعايا سعاد جايه تقولك على حاجه”، انهض ببطيء شديد وافتح الباب ولكن قبلها مسحت وجهي من اثر البكاء وان كانت علامته واضحة، يبتسم الكبير كعادته بينما سعاد مازالت ملامحها متجمدة بعض الشيء جلس الكبير بجوار شقيقته وذهبت أنا للجلوس في نفس المكان وان كان بعيد عنهم قليلا، يندهش الكبير ويقول “خير يا مدثر مالك انت مش فرحان ان صافيه اختك وبنتها جم يحضروا فرحك”، تتبع كلامه سعاد باتزان شديد وتقول “شوف يا مدثر يا ولدي انا عرفت كل حاجه من عبدالحميد اخويا وعرفت انت تعبت اد ايه علشان تربي في اخواتك وكنت ليهم كل حاجه وهم مردوش الجميل بس دي مش نهايه العالم انت راجل ولازم تبجي اجوي من كده النهارده چت صافيه بكره يچي الباقين كل حاجه بالصبر حلوه واوعي تنسي مهما عملوا انهم اخواتك وتضيع عمرك على الفاضي في الانتقام عمرك هيخلص وفِي الاخر ملكوش غير بعض احنا ضيعنا اربعين سنه كنّت محتاجه فيها اخويا الكبير وبكر كمان كان كده بس كنا بنكابر مع اننا اللي غالطنين”، انظر لها في ضعف وأنا اجلس مكاني ثم أقول “انتم كان عندكم النيه في كده رغم المشاكل اللي دعيتوا بيها لكن انا وضعي غيركوا اخواتي عاوزين يضروني واتبروا مني وفضحوني كل ده علشان فلوسي راحت ومبقتش زي الاول خافوا على نفسهم مني لاعرهم ولسه بيحربوا فيه مش هضحك عليكم انا تعبت بجد ووصلت اني عاوز ابعد عن الدنيا كلها ساعات بيبقي جوايا احساس أني عاوز انتقم منهم بس مش هكدب عليكم أوقات كتير بتخيل انهم في حضني”، ينهض الكبير و يقترب مني ويقول “طب ما صافيه جت اهي تفرح معاك” ارفع راسي وقد ملأت الدموع عيناي وأنا انظر له قائلا “صافيه مش جايه تفرح دي جايه توقعني يا كبير انا عارف حضن اختي كويس وحافظ وشها ولما تكون صادقه ولما تكدب وصافيه جايه مزقوقه من اخوها للاسف”، اتسعت عيون الكبير ثم ينظر الى سعاد ويقول “انتي قولتي نفس الكلام قولتي البنت دي جايه ونيتها الغدر بس ياريت اكون ظلمها”، تبتسم سعاد وتقول “انا لحد دلوقتي مش عاوز اظلمها ولحد لما خلصت كلامي مع مدثر بقوله اختك جت يمكن الباقين يحنوا بس اتاكدت لما سمعت منه الكلمتين دول دي حاجات بتتحس”، يغضب الكبير ويقول “دي لو مكنتش اختك انا كان هيبقي ليا تصرف تاني معاها بس تكرم علشان خطرك”، “شكرًا يا كبير طول عمرك بتفهم في الأصول” قلتها لأقف بجواره، ليقول “انسي النهارده كل ده انت عريس افرح الليله دي وانسي كل حاجه واحنا جنبك واهلك وناسك”، تقف سعاد أيضا وتقول في تردد وهي ترفع يدها “انا عاوزه منك طلب يا مدثر”، وجدتني أقول لها دون أن اشعر “طبعا يا امي اتفضلي”، تفيض عيناها دمعا وتقول “انا ربنا مرزقنيش بالذريه متجوزتش اصلا بس حاسه اني لو خلفت ولد كان هيبقي زي، دلوقت، تعالى في حضني يا ابني”، اقترب منها وهي تفتح ذراعيها واحتضنها بشدة، لا اعلم هل هذا ما ابحث عنه ام ما تبحث عنه هي ولكني شعرت بالراحة الحقيقية لتقول وأمازيغ حضنها “من هنا ورايح تقولي يا امي مش عاوزه اسمع غيرها” لم أرد عليها ولكنها شعرت برأسي وأنا أوافق
*****^^******************

كان الكبير قد أعد مفاجأة لفريده فقد احضر ايضا مريم والحج طه وجاءت معهم حبيبه، وقد فرح جدا شريف لوجودها، كلف الكبير أيضا مريم بشراء فستان ابيض على نفقته الخاصة وبالفعل قامت بذالك، كان الجو دافئ جدا، ظلت صافيه بجواري وكذلك شهد التي كانت تجلس فوق قدمي أداعبها فلا ذنب لها بأي شيء على الإطلاق، أما أمها فكنت اضحك في وجهها وكانت عندما تسألني مالك أتحجج بأي شيء.
ظهرت فريده، كانت جميلة وبسيطة و سعيدة جددا، تركت ألامها ومستقبلها المجهول واكتفت بحاضرها و بالفرحة التي تعيشها، انطلقت الزغاريد مع قدوم المأذون ليعقد القران وبالطبع لن يكون الشهود اشخصا آخرين غير الكبير وبكر، داعب شريف حبيبه التي بدت هي أيضا سعيدة بقربها من شريف الى ان نطق قائلا “ططب مما اتتجووز أأنا ككمان ببالمره”، كنت اضحك في الظاهر، وبداخلي ألاف الطعنات، فكيف املك أسرة تحبني منذ أيام ويتركني من تربطني بهم علاقه دم مند سنين طويلة، وعند انتهاء القران جلست فريده بجواري لتقول “انا مش مصدقه نفسي انا بقيت مرات مدثر الحسيني خلاص”، حقا لم أكن أتوقع أن أتزوج بهذه السرعة، وان تتغير حياتي بالكامل، حاولت على قدر الإمكان ان ارجع كما كنت مع صافيه بضحكات كاذبة لم أتعود عليها وبعض كلمات النفاق التي اكرهها، ولكن كان لابد من فعل ذلك حتى لا تشك.
و مرت أيام قليلة، غادر الجميع، بينما بقيت أنا و فريده والكبير الذي كان مستمتع بالرجوع الى أهله قضيت أوقاتا سعيدة جدا حاولت ان انسي بقدر المستطاع وان أعطي فريده السعادة التي تستحقه…
الي ان فاجأتني بعد مرور شهر او اكثر قائلة وهي تضع يدها على بطنها “الظاهر كده في مدثر صغير”، شعرت بالسعادة وتذكرت وقتها ادم وعائشة أبنائي فكم انا بحاجه إليهم أيضا، شعرت بي فريده ولكنها لم تتكلم، حتى جاء موعد العودة، كنت خائفا جدا فقد حدثت أشياء كثيرة كلفت بها شريف ووليد والباقين تمت كلها بنجاح ولكني اليوم وعند عودتي طلبت منهم إحضار رمزي مكبلا فقد فاض الكيل منه وأريد ان اثأر منه ومن أفعاله وتصرفاته.

ودعت الجميع ولكن المفاجأة ان رافقتنا أمي سعاد الى القاهرة لتقضي بعض الوقت بجوار أخيها، فِي سيارة الكبير الذي قال انه وجد لي مكان أمن أعيش فيه مع فريده، شكرته وقمت بإجراء بعض المكالمات كانت أولها لوليد الذي طمأنني و أن ما طالبته سيكون جاهزا عند وصولي وسيتحدث مع طارق لوضع اللمسات الأخيرة للقاء متى وأين سيكون، وبعده شريف الذي قال أن جميع أجهزة المجموعة أصبحت مراقبة جيدا وان ياسمين قامت بتسهيل الكثير من دخولهم حتى إتمام المهمة وقد ساعده في ذلك عنتر وأشرف، هم يساعدون أيضا، لكن اليوم هما برفقة وليد فيما طلبته منه.
عند وصولنا نزل الكبير وأعطاني مفاتيح جديدة لمنزل بأحد الأحياء الراقية لا يعلم احد عنوانه، كان هذا المنزل لطارق قبل انتقاله من التجمع، شكرته و ودعت امي سعاد وكذلك فعلت فريده، ووعدتها بلقاء عن قريب، وعند صعودنا الى المنزل ومع خوفي الشديد كنت انتظر المساء بفارغ الصبر كان الكبير قد احضر كل شيء داخل المنزل بعناية فائقة وترك لي مبلغا من المال ليس بقليل، طلبت من فريده ان تستريح للحفاظ على نفسها وعلى ما تملك في أحشائها، كانت مطيعة لم اسمع منها ما يجرحني وكذلك فعلت أنا رغم انفعالي وتوتر أعصابي، حاولت ان أكون أكثر هدوءا، مرت الساعات بطيئة الى ان رِن هاتفي لأجد مكالمة من طارق الذي كان ينتظرني أسفل المسكن وقد تحدث بثقة قائلا “كل حاجه طلبتها جاهزه وودناهم المجمع السكني انزل انا مستنيك”، لم تمر دقيقتين حتى نزلت مسرعا لأركب بجوار طارق، تحدثنا في بعض الأمور ومنها اقتراب زواج رؤوف النصاب بملك وكيف استطاع ان يقنعها ببيع ‘الفيلا’ التي تملكها للانتقال الى القصر وان ما هي الا ايّام ويصبح ثمن ‘الفيلا’ في جيبه، سألني طارق عن القصر وكيف دخله رؤوف هكذا بمنتهي السهولة، قلت له ان هذا الشيء من اختصاص ياسمين التي تعد كل شيء بمنتهي الإتقان، انا مدين لهذه الفتاة بما تبقي من عمري وان كانت تستحق أكثر.
وصلنا الى الموقع وكان في استقبالنا مسعد الذي جعل الابتسامة تعود الي حين قال “استاذ كريم حمدلله علي السلامه انت خرجت من السجن امتي”، كان أخر ما يتذكره مسعد هو القبض علي داخل الحارة وبعد ذلك انقطعت أخباري، رغم سؤاله لوائل عني كان يجاوبه اني في السجن حتى لا يتفوه بكلمة لأحد نظرا لذكائه الشديد ولَم يقتنع حتى ألان ان اسمي مدثر رغم سماعه ألاف المرات، وعند دخولي انا وطارق قال “في ضيوف جوه عرفت انهم تبعك وأكرمتهم علي الاخر”، وقتها تغير لون طارق ليسأله ماذا فعل يقول مسعد وهو مبتسم “خليت الرجاله يدوهم علقه تمام”، وما كان مني إلا ان قلت “الله يخربيتك يا مسعد”، دخلت غرفة كبيرة لم ينتهي إنشاءها بعد كان رمزي ورأفت مكبلان بالحبال وملقيان على الأرض سحبت مقعدا ووضعت أقدامه بين بطن رمزي وجلست بالمقلوب ليسير تحت قدمي، وحين رآني تغيرت ملامحهم على الفور، لم افعل أي شيء سوي أني سالت رمزي أولا في حدة:
“ليه يا رمزي، هو انا عملتلك حاجه وحشه”، كان يتحرك بقوة مما جعلني أضع حذائي فوق ذراعه لأثبته، أمرت عنتر بنزع الشريط اللاصق من على فمه وفعل، ليقول رمزي “انا معملتش حاجه بالعكس انا كنت بقولهم عيب مينفعش تعملوا كده في اخوكم اللي رباكم بس هما مسمعوش الكلام”، ضحكت ثم نهضت وأنا أقول “لاء فيك الخير”، لأجلس أرضا واقترب من رأفت وأقول “طب وانت يا صاحب عمري ياللي مكنتش بتأخر عليك في حاجه ليه تعمل كده ده انا يوم اللي حصل فيه المصيبه اتصلت بيك عشر مرات وانت كنت بترد من اول مره ومن اول رنه عليا ولما روحتلك البيت الست ولدتك قالتلي انك سافرت ومش راجع دلوقتي كنت متاكد وقتها انك جوه البيت اخدت بعضي ونزلت قعدت علي الرصيف شويه بعديها بنص ساعه الكلب رمزي فات عليك ونزلتوا تسهروا للدرجه دي نسيت كل اللي عملتهولك يا رأفت”، انزع الشريط اللاصق بيدي هذه المرة ليقول “انت متعرفش حاجه انا عملت كده علشان أوقعهم واجبلك حقق منهم لا انا ولا رمزي لينا دعوه بالموضوع ده”، ابتسم وأقول “طب وقعدتكم عند لولا والصور دي اللي انتوا متعرفهوش ان انا اللي زاقك لولا عليكم والصور بتاعتي اللي دفعتوا فيها ميت الف جنيه متركبه صح يا شويه بهايم بس رزقها بقي،
والضرب اللي هي اخدته منكم بعد لما اتفضحتم مع فرفشه انا هخدلها حقها منكم”، يأتي وليد ويعطيني ظرف به مجموعة من الصور الفاضحة اجعلهم ينظرون إليها وأقول “دي بقي حقيقيه مش تركيب تحبوا بقي انشرهلكم علي الفيس بوك ولا الانستجرام، والله ياريت تنفع في الجرايد الرقابه هترفض”، يتكلم رمزي ويقول “ابوس ايدك متفضحناش”، لأصرخ في وجه وأقول “اومااال انتم عاوزين تفضحوني ليه انا عملتلكم ايه”، يقول رمزي في خبث “يعني يرضيك اختك وبنت اختك يتفضحوا”، ابتسم وأقول “مش هتفرق كتير انت كنت عاوز تفضح اخوها وخال بنتك محصله بعضها”، اضحك وأنا أقول “صحيح عرفت ان جاسر رمى الصور المضروبة في وشك وقالك ولا بشلن يعني رايح لواحد شغال في الميديا وتبعتله صور مش سليمه”، يبكي رمزي ويقول “انا مستعد اعمل اي حاجه علشان تسامحني والصور دي مش حتتنشر”، اقول في ثقه “يبقي المعرض بتاع صافيه يرجعلها اللي انت بعته لنفسك بالتوكيل”، ليقول “موافق فورا”، ثم أكمل “وطلق اختي انا ميشرفنيش انك تبقي جوز اختي وكده بقي ترجع للشارع اللي جيت منه”، يقول “بس بس..”، اجلس بجواره وأقول “بس ايه ده لسه الفلوس اللي انت عاينها نسيت اقولك انها هتوصلني كمان شويه هما يطلعوا كام مليون يا رمزي”، تتغير ملامحه ويبتلع ريقه وقد شعرت وقتها بدقات قلبه وأخذ يقول وهو يرتعد “لا لا لا الفلوس لاء يا مدثر ده شقي عمري”، انظر الى عينيه وأقول “هو انت فاكر اني مكنتش هعرف انت مخبيهم فين يا رمزي”، ليقول “بس محدش يعرف المكان ده غيري انت بتضحك عليا”، أجري مكالمة وأنا افتح ‘الاسبيكر’ وأقول:
“ايه يا رؤوف انت فين دلوقت”، يجيب قائلا “انا جبت الكنز والاوراق اللي جوا الخزنه ونص ساعه وأكون عندك”
أغلق الخط وانا اضحك واقول “شفت اني مش بضحك عليك”، يحاول فك نفسه وهو بعلم انه لا يستطيع ويقول “الشقه دي مفيش مخلوق يعرفها حتى العفاريت انت وصلت هناك ازااي عاوز اعرف”، اضع يدي على خده وأقول “معلش ما انا كمان عفريت يا رمزي”، أفك وثاقه ليمضى على توكيل لزوجته أعده وليد جيدا ثم اقول “بالسلامه انت كويس اني سبتلك الشقه وأي حركه منك اقسم بالله هنشرلك الصور دي في كل حته”، يفر هاربا من أمامي انظر إليه وهو يعبر الطريق اعلم جيدا أين هو ذاهب، يقترب طارق من رأفت ويقول “طب والكلب ده هنعمل معاه ايه”، انظر الى طارق واقول “اديك قولت كلب واللي زي ده ميتبكيش عليه بس الاول ياخد علقه حلوه مينسهاش طول عمره”، اخرج انا وطارق ووليد واتركه مع عنتر وأشرف ليقوموا باللازم، يقول وليد “انا مش عارف سبت رمزي يمشي ازااي” كنت أتابع هاتفي فقلت مسرعا “دلوقتي هتعرف”.
ركبنا سيارة طارق وكنت أتابع ‘الچي بي اس’ للتعقب الى ان وصلنا لأجد في انتظاري رؤوف ومعه شخصين مفتولي العضلات شاور رؤوف على المنزل فصعدنا جميعا بمنتهي الهدوء وقفنا تمام باب المنزل حتى اخرج رؤوف شيء صغير من جيبه ليفتح الباب، ينجح في ذلك رغم توترنا الشديد وعندما دخلنا وجدت رمزي يحمل حقيبة كبيرة وكان مستعد للخروج، اضحك وأقول له :
“معلش يا رمزي عنك انت انا فعلا مكنتش اعرف الشقه بس خوفتك وقولتلك اني اخدت الفلوس وكنت متاكد لما اسيبك انك هتيجي تتاكد وفعلا كنت عند حسن ظني بغبائك”، اذهب بثقة واسحب الحقيبة وأقول “طول عمرك متعاون يا رمزي.
*تـــابعونٰــي

error: