رواية ” أنت مكافأتي”
الفصل 13
بنتك شكلها هتطلع شقية اوي يا مدام زينة ..!
ضحكت زينة الممددة أسفل غطاء أبيض على ذلك الفراش الخاص بالاشعة ، تراقب حركة ابنتها بشاشة السونار الصغيرة :
دي مجنناني ، ومش بتبطل خبط في ضهري ليل نهار.
معاذ مازحًا : خدي بالك دي هتحتاج معاملة شديدة عشان تسيطري على شقاوتها دي!
زينة بابتسامة حزينة : بس هي تيجي بالسلامة يا دكتور ..
معاذ محاولا التخفيف عنها : هتيجي بأذن الله وتنور حياتك وتشبعي شقاوة وسهر وبامبرز كمان ..
ثم حمحم قائلا :
عفوا لو تسمحيلي بسؤال ، فين زوج حضرتك؟
زينة بابتسامة : زوجي كان معايا أول 4 شهور من حملي .. كان طاير من الفرحة لما ربنا عطانا بعد الصبر ، بس سافر لشغله بالسعودية ، لأن صعب يفضل أكتر من كده ، وهينزل بأمر الله على معاد الولادة
ثم اكملت : أنا بصراحة مخبية عليه التطورات الأخيرة دي يادكتور .. مش عايزاه يعيش نفس القلق والترقب والتفكير ، بنتنا هتعيش ولا لأ
مشفقة عليه من الحالة دي ..
تنهدت قائلة : انا مسلمة امري لله وراضية بالمكتوب علينا ..وحياة بنتي في أيد ربنا ..!
هز معاذ راسه تفهما لوضعها : بأذن الله ربنا هيفرحكم سوا بالجميلة اللي بتلعب وتتشاقي جوة دي .. وتتولد بصحة وعافية ..
زينة بامتنان :
ليها حق بيسان تشكر فيك يادكتور معاذ ..
رفع معاذ عويناته قائلا بتواضع : بالعكس يا مدام زينة.. الدكتور اللي تابعتي معاه قبلي ممتاز وأفضل مني وأشهر في الحالات الصعبة ..!
زينة بهدوء : بصرف النظر عن التواضع الشديد منك .. وإن سمعتك گ طبيب مش قليلة أبدا
بس في حاجة عندك ماكانتش عند الدكتور اللي قبلك ..
انتظر معاذ استكمال حديثها وهو يجفف لها تلك المادة اللزجة المستخدمة مع جهاز السونار
فقالت :
الطب مش بس أدوية وتحاليل وأشعة وبس..!
أنت عندك كمية أمل بتوصلهالي بشكل غريب، ماسمعتش منك كلمة إجهاض ابدا .. طول الوقت بتقولي هتسمي بنتك أيه .. وهتعملي سبوع ولا عقيقة.. وأيه لون أول سالوبت هتلبسها اما تتولد
وغيرو من كلام كله أمل إن بنتي هتكون بخير ..
ابتسم معاذ : طول ما ربنا موجود .. هتفضل قدرته آية في خلقه .. إن بنتك تتولد بخير طبيا معجزة .. بس من الناحية الإلهية ، شئ هين جدا عند ربنا .. والأمثلة كتير ، سواء بعصرنا أو عصر الأسلاف زي السيدة مريم العذراء وقصتها، وسيدنا ذكريا ، وزوجة سيدنا ابراهيم .. ده غير حالات تابعت معايا وكنت طبيا بقول مستحيل حملها يوصل للأخر، بس دايما قدرة ربنا كانت بتدهشني في الحالات دي ..!
وآيات كتيرة جدا لا تُحصى كلها بتؤدي لنتيجة واحدة،قدرة ربنا مالهاش حدود ، ولا خاصة بزمن واحد ، او ناس معينة .. عشان كدة بعطيكي أمل أنتي فعلا محتاجاه، وواثق إنه هيفرق في حالتك ..!
بعثرة حدثت داخله .. صدى كلماته لزينة يدق داخل نفسه ..گ ناقوس بعقله ..الأمل في الله ..!
هل كان ينقصه الثقة واليقين بقدرة خالقه ؟! هل تعجل بانفصاله عن بيسان ؟!
لما لم يتسلح بتلك الطاقة الإيمانية التي حاول بثها بمريضته زينة، ويتذكر تجارب السابقين ،وقدرة رب العالمين التي تجسدت بهم؟!
لما لم يستجيب ليدها التي امتدت له وتمسكت به؟!
ضاق صدر معاذ ، وداهم مخيلته صفحات گ صور ضوئية متتابعة لفحوصات أجراها ، وكل نتيجة صُدم بها.. وتلك الجملة اللعينة التي سمعها كثيرًا
( قدرتك على الإنجاب… مستحيلة! )
لا لا… لم يتعجل ، كان يجب أن يتحمل قدره بمفرده ولا يخاطر بأي أحتمال لمعاناتها معه.. هو أخذ قرار صائب .. نعم لم يخطئ!
أغمض عينه ليوقف تلك الحرب الدائرة بعمق ذاكرته.. ثم رفع يده تدرعاً لله :
اللهم إن رآيتني أبتعد عنك .. فردني إليك ردا جميلاً..
.*********************
انتي بجد وافقتي على دكتور قاسم يا بيسان ؟!!!
بيسان وهي تعلق كنزتها بدولابها الخاص :
وأيه يخليني أرفض !! عريس مناسب من كل الجهات ، وشاريني .. رغم أني واحدة مطلقة، لكن هو بالنسباله أول جوازة ..أكملت بتهكم :
يعني ابوس إيدي وش وضهر على الجوازة دي ..!
ثم قست ملامحها : هقول لأ ليه بقا وعشان مين!
أروى : وآبيه معاذ ؟!
بيسان بحدة : شكلك ناسيه إن آبيهك معاذ ده طليقي .. ومبقاش له اي دور في حياتي .. وصفحة واتقفلت!
أروى بحزن : متاكدة أنه صفحة واتقفلت ؟
بيسان بنبرة يأس وهي تعتلي فراشها وتُثني قدميها وتحيطها بذراعيها :
أيوة يا أروى.. اتقفلت ، بس هو اللي قفلها مش أنا ..!
أروى وهي تجاورها بحزن : بس انتي لسة بتحبيه وهو كمان يا بيسان ، ماتقفليش الطريق بينكم للأبد
انا حاسة أنكم هتر……………………
بترت عبارتها ، بمقاطعة شقيقتها الغاضبة:
طريق أيه اللي بتتكلمي عنه ، أفهمي ! مبقاش ممكن يجمعنا طريق تاني ، هو اتخلى عني وسابني
وأنا مش هفضل اخلق قصاده الفرص للرجوع وهو يخذلني كل مرة، واقعد ابكي على أطلاله !!
ثم أستطردت بصوت أكثر قسوة :
اللي مايتمسكش بيا ويبعني ..عمري ما هشتريه ..!
.***************
عايز تسافر الصين يا بلال؟!
اجاب : ايوة يامعتصم ، ليه يبقي في وسيط عشان نجيب بضاعتنا.. الحمد لله عملنا سيولة معقولة ، وبقى لينا زباين بتثق في بضاعتنا ، وآن الآوان اننا نتوسع شوية و نتعامل بشكل مباشر مع المستورد اللي اكيد هناخد منه بضاعتنا ارخص، ويبقي المكسب كله لينا .. بدون وسيط يقاسمنا فيه!
معتصم وهو يحك ذقنه بعلامة تفكير :
عندك حق..وممكن كمان نجيب سلع مش موجودة حوالينا ، ونكون اسبق في تنزيلها ..
بلال : بالظبط ، عشان كدة قررت اشوف طريقة اتواصل مع حد هناك، و أسافر يومين ،هاخد فكرة واتعاقد على بضاعة من هناك ، تفيد نوعية الزباين اللي بتيجي محلنا ..
ثم استطرد قائلا : وبفكر نشوف المحل اللي حكيتلي عنه عشان نستأجره ، بحيث نخصص واحد للادوات المنزلية الخفيفة ، والتاني لادوات تجميل واكسسوارات وبرفانات وخلافه .. أيه رآيك ؟
معتصم بحماس : ياريت يا بلال وإذا ربنا أكرمنا بالمحل التاني ، أكيد الخير هيعم على الجميع، وهنشغل عدد أكبر من شاب منطقتنا محتاج يحسن ظروفه وهما أولى من الغريب ..
ثم واصل :
بس في مشكلة .. هتتعامل هناك ازاي وانت ما تعرفش تتكلم صيني ؟
بلال بهدوء : الصين منتاجاتها غرقت معظم البلاد العربية .. تفتكر مش هيكون في عندهم مترجم يسهل عملية التواصل مع العملاء بتوعهم ؟
معتصم بمزاح : ما شاء الله ، شوفت عشرتك معايا فرقت في مستوى ذكائك وتفكيرك ازاي؟
بلال بتهكم : أه واخد بالي من موضوع الذكاء ده
ماتقولش لحد بقى أحسن يحسدك..!
عازمك على رغيفين كبدة كلابي هتاكل صوابعك وراهم !
بهاء ممتعضاً : كبدة كلابي يا سيف!
سيف : صدقني هتندم لو ما دوقتهاش ..!
بهاء : لا ياسيدي أنا عايز اندم .. بجملة سلسلة الندم اللي انا عايشها… خد كبدتك وكلابك وابعد عني ..!
سيف : يا ابني أنا دكتور بيطري.. يعني كاشف على الكلب ده قبل ما يدبح!
بهاء ساخرا: لا كده طمنتني.. أنا كنت خايف إن الكلب يكون مريض.. قوم يا سيف روح واقعد مع الحاجة والدتك شوية!
هم سيف بتناول قضمة كبيرة: خليك كده واد فافي
بهاء : ماشي يا سبع ..المهم هتسافر القاهرة أمتي؟
سيف : الصبح بأذن الله ، هنحضر فرح بنت عمي ونشوف كمان أخويا بدر وولاده.. يعني يومين وأجي، وربنا يسترها بقي على لسان مرات عمي وكلامها اللي يطفش!
بهاء متسائلا : ليه يعني ؟
سيف : أصلها كانت عايزاني اتجوز رقية بنتها، بس أنا عملت نفسي عبيط!
بهاء : طب ليه ، هي بنت عمك مش مناسبة ليك؟
سيف بنفي : بالعكس رقية يتمناها أي شاب ، لكن أنا بعتبرها أختي، عمري ما تخيلتها غير كده ..
حتي هي نفسها بتعتبرني كده، وده اللي ريحني جدا من ناحيتها ..
هز رأسه بتفهم : كده فهمت، أكيد مرات عمك هتحاول تحسسك انك خسرت الأميرة بقا والجو ده ..
سيف بمزاح : دي هتظبطني ، أصلك ماتعرفش اسلوبها ازاي، دي أخر طبعة من كتالوج ماري منيب، بس انا هعمل نفسي غبي! ربنا عالم أنا فرحان عشان رقية فعلا، وهقف كتفي بكتف عمي قصاد عريسها.. ربنا يسعدها..
قال مبتسماً : اللهم أمين.. وألف مبروك يا سيف وعقبالك يا دوك.
سيف : الله يبارك فيك يا صاحبي ، طب ما تيجي تحضره معايا وتغير جو ؟
بهاء رافعًا حاحجيه بتعجب:
أيه يا ابني ، أنت كل أما تروح فرح عايز تاخدني معاك؟!..هو أنا أبن اختك ؟!
سيف : مش احسن من قعدتك الكئيبة دي ، حتى فرصة تروح وتزور أهلك وقرا……………… ..
بهاء مقاطعا بحدة :
قلتلك خلاص ياسيف بلاش إلحاحك ده.. قلت لأ ..!
وقف سيف مستعدا للمغادرة : ماشي يا بهاء ، هسيبك بقي يدوب هنام عشان هسافر بدري!
زفر بهاء بضيق ، يعلم أنه تعامل بفظاظة مع صديقه الذي نثر ملحًا على جراحه التي لم تلتئم بعد!
لمن يذهب وأين يمكث.. ؟! وهو لم يترك خلفه أثرًا طيبًا يشفع له عند أحدهم .. ولم تُثمر كل علاقاته بصديق حقيقي يقف جواره ويهتم لأمره! [
هم سيف بالمغادرة فأمسك بهاء كفه مجبراً قائلًا : استنى يا سيف ، أنا أسف مش قصدي اتعصب عليك سامحني وماتزعلش ..
منحه سيف نظرة ثاقبة ثم قال :
أنا مش زعلان يا بهاء ، أنا عارف أن جواك تعبان وموجوع .. بس نصيحة أسمعها مني .. واجه مشاكلك وذنوبك وطهر نفسك .. طول ما انت حابس نفسك في دايرة ندمك وحزنك هتفضل تعبان ..
لو أذيت حد ولسة موجود، أطلب منه السماح واعتذر
ومش مهم يقبل إعتذارك أو لأ… المهم أنك واجهت أخطائك بشجاعة وقلت أنا كنت غلطان ، رمم صورتك المكسورة في عينهم، وأنا متأكد انك هتلاقي في قلوبهم مكان يضمك تاني ..
أرخي بهاء يده بضعف، ثم رفع عيناه للسماء ، وقال بنبرة تقطر ألم حقيقي:
طب لو اللي أذيته ما بقاش موجود ، أعمل أيه ؟!
أطلب السماح منه ازاي ؟! واعرف منين إنه سامحني!
وقف سيف أمامه مباشرًا و قبض كتفيه بقوة ناظرًا لعمق عيناه قائلا بحزم:
أطلب المساعدة من الوسيط اللي بينك وبينه..
ثم أشار له للسماا متمتما :
“ربنا”… . أندم ،أستغفر ،واترجى لقبول توبتك..
كل مرة هتستعطف ربنا وتدعيه وتطلب السماح، هيزيد رصيدك عنده لحد ما يجي يوم ويقولك بطريقته.. أنك وفيت دينك بالكامل.. واتحررت من ذنوبك ، وهيفتح قصادك دنيا جديدة !
دنيا هتيجي لحد عندك وتمدلك أيدها عشان تعيش فيها كل اللي اتحرمت منه!
.*******************
قابضة بكفها ذاك السلسال تاركة قلبه يتدلي متأرجحًا بين أناملها يمين ويسار ، كتأرجُح مشاعرها الوليدة تجاه هذا المقتحم لعالمها دون استأذان.. بلال!!
تتذوق الأسم بحيرة .. من هو؟! .. ماذا يريد؟!
وأين اختفى بعد ظهوره الغريب ؟!
شهر مضى منذ استلامها هديته، لم يبعث رسائل ، تاركاً خلفه هالة من الغموض والحيرة أهلكتها ..!
زفرت أروى بقوة وهي تعيد سلساله كما كان بعلبته الأنيقة ، ثم تمددت بفراشها متكئة على جانبها الأيمن مسلطة بصرها على دبدوبه الضخم ، والتي اضطرت كذباً إخبار والدتها أنه هدية رغد لها ..وما أن تذكرت رغد حتى ضحكت ضحكة قصيرة خافتة ، تذكرت أحداث اليوم السابق ، وكيف عادت هي وندي مسددين فاتورة الغداء ..وكيف كان رد فعل رغد العنيف حين رآت عودتهم فهرولت إليهم محاولة الثآر منهما دون مراعاة لرواد المطعم حولهم..!
فتمتمت بصوت ناعس وهي تعدل نومتها : تستاهلي يا رغد ، عشان تحرمي تتدخلي في أمورنا تاني..
أغمضت عيناها استدعاءً للنوم ، فسمعت صوت رسالة من هاتفها ، فانتفضت بلهفة والتقطته ..
فوجدت رسالة من تطبيق “الواتس آب” بنفس الرقم الغريب ،فتحتها لتجد تلك الجملة !
( أنا مسافر الصين يا أروى.. أدعيلي تكون خطوة خير في شغلي… مقدرتش أسافر إلا أما أقولك عشان تدعيلي ..هتوحشيني أوي )
أرتجفت يدها عند قراءة رسالته ، فعاجلها برسالة اخرى فاجأتها..!
( بصي من الشباك .. هتلاقيني مستنيكي)
جحظت عيناها عن أخرهما ، هل أعاد الكرة وأتى كما فعل سابقاً ؟!!
دون إرادة منها وجدت نفسها تغادر الفراش وتقترب من النافذة وتحرك المقبض ضلفتيها وتفتحهما ، فوجدته يقف بهيئته المظلمة ، نفس الوقفة ، ويحيطه الظلام ، لا ترى ملامحه ، فقط جسد مظلم ..!
أهتز هاتفها لوصول رسالة أخرى ، وكان فحواها!!
( أنا عارف إني لخبطت حياتك بظهوري .. وأسف إني خوفتك المرة اللي فاتت .. بس لازم تفهمي يا أروى إن محدش هيخاف عليكي قدي ، ومستحيل حد يأذيكي بوجودي حواليكي .. قريب جدا هحكيلك
كل حاجة وأنا بكلمك في النور ، وبمباركة من أهلك ..
خدي بالك من نفسك لحد ما ارجعلك .. وماتنسيش تدعيلي..! )
عادت ببصرها إليه بعد قراءة رسالته ، فرفع يده ملوحاً لها بالمغادرة .. ثم اختفى من محيطها بهدوء!
أغلقت النافذة وعادت لفراشها ببطء وكأنها بوعي غائب ، شاردة بهذا الغامض، فتكونت سحابة مائية بعيناها أمطرت دموعاً لا تعرف لها سبباً ، وقبضة في صدرها منذ مغادرته ، وكأنها فقدت شيئا ما داخلها برحيله ، تائهة مبعثرة معقدة گ أطراف خيوطٍ متشابكة ، لن تُفك عقدتها
إلا بيده هو……… بلال..!
ألحقيني يا بنتي ..زينة تعبانة أوي ، وشكلها هتولد..!
بصوت مرتجف وقلب مُلتاع .. أستغاث العم جلال بجيرانه بوقت متأخر ، حيت هاجم ابنته زينة ألم الولادة ، فهرول يطرق باب الحاجة عائشة لطلب المساعدة ..
بيسان وهي تبحث عن هاتفها : ماتقلقش يا عمو جلال .. هتصل بالإسعاف تيجي حالا ، وبدكتور معاذ يحصلنا على المستشفي ..
وبالفعل أجرت أتصالها ، أعقبه أخر بمعاذ، الذي تحرك بالفعل لإغاثة مريضته ..!
………………………… ..
زينة بصوت ضعيف لاهث :
عايزاكي تحضري العملية مع دكتور معاذ يا بيسان .
بيسان وهي تقبض يدها بحنان : حبيبتي أنا مش ممرضة عمليات ، ده تخصص زميلات غيري هيكونوا معاكي .. أنا هكون معاكي بعدها مش هسيبك!!
زينة بصوت اضعف : دي رغبتي ، أرجوكي حققيها ، عايزة احس إني مش لوحدي ..
صمتت لتلتقط أنفاسها :
لو. ربنا أراد لبنتي تعيش .. عايزاكي تكوني أول أيد تشيلها وتحممها وتلبسها يا بيسان ..
لم تستطع بيسان سوى الرضوخ لرغبة صديقتها وهي تقدم لها وعد بالمرافقة أثناء الولادة ، بعد استأذان طبيبها بالطبع .. فلم يكن معاذ أقل من بيسان رغبة بتحقق رغبة مريضته .. وحضرت بيسان ولادة صديقتها المتعثرة برداء خاص وكمامة معقمة .. داعية الله من صميم قلبها ، بنجاة الطفلة وسلامة الأم ..!
يجلس العم جلال أرضا يحتضن بكفية مصحفه الصغير .. يقرأ ويقرأ ، وعيناه تترقب ذاك الباب المغلق الذي اختفت خلفه أبنته الوحيدة زينة
باكياً بصمت ودموعه تتعرج بين ثنايا وجهه المجعد ، رفع يده عاليًا مترجيا من ربه سلامة فلذة كبده ، وحفيدته، التي يتمني رؤيتها ثم أهلاً بالموت بعدها..!
تعاقبت الساعات وطال الوقت ، ومازال الباب مغلق
ومازال منتظرا داعيا باكيا
واخيرا انفرج الباب المغلق ، وظهر طبيب ابنته
فارتجف فؤاده خوفا من سماع ما يفطر قلبه ..!