رواية ” أنت مكافأتي”

الفصل17

“سامحيني يا جدتي، والله هربت غصب عني! ”

الجدة فجر بحنان : هو مين يسامح مين يا نور عيني
أنتي اللي سامحي جدتك العجوزة اللي عجزت عن حمايتگ يا ضنايا!

سجدة وهي تقبل كف جدتها الحبيبة : ماتقوليش كده يا جدتي، أنا طول عمري عايشة تحت جناحك وبرعايتك، ولا لحقت ادوق حنان أمي ، ولا اتهنيت بحنان أبويا رغم أنه لسة عايش..
حتى بعد طلاقي، محدش وقف جمبي غيرك، أنتي كل حاجة ليا في الدنيا، وسندي بعد ربنا..

الجدة وأصابعها المرتجفة تتخلل خصلات شعر حفيدتها بحب:

خلاص يا سجدة ، مبقاش في عازة لجدتك الضعيفة
بقيتي تحت جناح راجل يحميكي ويصونك يا بنتي
وخلاص هموت وأنا قلبي مطمن إنك مش هتعيشي في الدنيا بطولك!

أحتضنتها سجدةبقوة، وراحت تتمسح بوجهها بصدر جدتها، گ قطة تطلب الأمان من صاحبتها، بعد أن تبلل وجهها بعبرات الخوف من القادم!

فلا تدري تلك الحنونة أن زواجها ، مجرد تصرف شهم من هذا الزوج المزعوم،  وأنه حل مؤقت للخروج من أزمتها، وليس زواج حقيقي كمان تظن ، ولكن كيف لها أن تخبرها، وتقتل تلك الفرحة والاطمئنان الذي سكن قلبها، وتمحي من ملامحها تلك الراحة!

 

حمد لله على سلامتگ..أخبار الصين أيه على حسگ؟!

ما أن أبصره بلال، حتى أدرگ سبب تجاهل أروى لرسائله باليومين السابقين… “معاذ! ”

ومن غيره تنفُذ كلمتهُ عليها گ أمرٍ غير قابل للجدال!  تتآكله الغيرة من تقاربها منه بهذا الشكل، وطاعتها العمياء له، هو ليس لها أخٍ أو أب حتى تمنحه تلك السلطة النافذة!
صبرًا يا أروى..!
يومًا ما ستكون كلمتي عليكي، هي العُليا..!

معاذ مقاطعًا شروده ببرود مستفز:

_ما قولتليش ،جبتلي معاگ حاجة من الصين؟؟

رمقه بضيق لم يحاول إخفائه قط، متمتما:
_أعتقد المكان هنا مش مناسب لكلامنا يادكتور!

هز معاذ كتفيه ببرود :
تمام، شوف أنت المكان المناسب لكلامنا..!

استأذن بلال صديقه معتصم ليتولى أمر العمل مكانه بين الزبائن لحين عودته!
……………………

_كان لازم أفهم أنك السبب في بعدها عني فجأة !

تجاهل معاذ عبارة بلال، وهو يتطلع حوله مستندًا مثله على سياج السطح الذي يحيط غرفته من الخارج ..فلم يرفض معاذ اقتراحه بالمجئء لمسكنه ، حتى يتحدثا بحرية أكثر ..

تمتم وهو يتأمل للمكان من حوله:

_تعرف إن مكان سكنگ مريح جدا للأعصاب ، واضح إنگ مهتم بيه ، والزرع اللي في كل زاوية، زاد من جماله ونقاء هواه!

غاب بلال بضعة ثواني، عائدًا بصينية كبيرة ، يعلوها مكونات بسيطة لصنع قدحين من الشاي الساخن ..

وتمتم وهو يصب أول قدح من الشاي لضيفه :

دي مملكتي المتواضعة يا دكتور، والحمد لله مبسوط فيها وراضي ..

معاذ بعد التقاط قدحه الساخن :
سر سعادة الإنسان، وراحة باله…  هو الرضا!

أرتشف القليل من قدحع بتروي ثم قال:

دلوقتي بقى نركز في موضوعنا، وأجاوب سؤالك!

منحه نظرة متفحصة لعمق عيناه ، وتمتم :

_دايما الصح مافيش عليه خلاف يا بلال ..
أنك تتواصل مع أروى عن طريق الواتس، حتى لو مش بتبادلك كتابة الرسايل، كان غلط، لأن كان ممكن يكون مكانك حد تاني غير أمين عليها!
ومادام المبدأ غلط ، يبقي الأستمرار فيه خلل كبير!!

رغم قناعته التامة  بصحة قوله ، جعلته الغيرة يصر على مجادلته بعناد :

_فين الغلط وأنت عارف نيتي أيه يا دكتور ، وكل حاجة جوايا وضحتهالك بكل صراحة و بدون كدب .. غلطت إني كنت بحاول أقربها ليا وأحسسها بحبي ليها ؟! ربنا عالم ماقولتش كلمة ممكن تأذي مشاعرها ولا اتعديت حدودي بحرف واحد .. أنا لو أذنبت في حقها ربنا هيبعدها عني ..ومش هفوز بيها!

معاذ : مش يمكن تكون أذنبت من غير ما تحس، عشان كدة فعلا بعدت عنك؟!
أنت أيه شكل علاقتگ بيها عشان تكلمها؟!
تفتكر لو والدتها دخلت عليها وهي بتكلمگ، وسألتها بتكلمي مين هتقدر ترد؟! ولا هتكدب؟

لو بتحبها وبتحترمها .. ماكنتش هتحطها في الموقف ده اصلا يا بلال!

لم يجد بلال ما يدافع به عن سلامة نواياه ، أمام منطق معاذ الذي ألجمه ، فصمت!.. وتمتم الأخير :

بلال أنا واثق فيك وعارف أصالة معدنك وأخلاقك، و إنك أمين عليها ، بس في ثوابت لازم نتعلمها ونمشي عليها بدون ما نتخطاها.. والغلط لازم يتقال عليه غلط، ولازم نرجع عنه!

ثم استطرد حديثه : عموما أنا جاي انهاردة عشان سببين

_أولا ، أعرفك إني مسافر قريب وهغيب فترة ممكن تزيد على السنتين ..
_ وثانيا ، قبل ما اسافر عايز أعرف وصلت في مشروعگ لفين؟ ياترى قدرت تبني أساس لأرض صلبة تكمل عليها حلمگ،وتبدأ حياتگ وأنت مرتاح؟

بلال بثقة : الحمد لله، أنجزت كتير أنا ومعتصم في مشروعنا ، وعملنا سمعة كويسة ، واكتسبنا خبرة مش بسيطة ، وأبتدينا نفكر أزاي نكبر ونتوسع، أحنا طموحنا مالوش حدود، وبأذن الله هنوصل للي بنتمناه

معاذ : ربنا يزيدكم وتحققوا خطوات أعلى وأهم بأذن الله .. صدقني أنا فخور بأمثالكم يا بلال!!
بس مع كده يا طيب، مش هينفع تتواصل مع أروى تاني بدون أي مسمى اجتماعي لتواصلكم ده، أنسى انه يحصل تاني ، وهي نفسها مش هتسمحلگ تقرب ، لأنها بفطرتها السليمة،  حست أنها غلط ، وده كان سبب أنها تحكيلي!

أكمل بعد برهة صمت تفحص بها وجهه :

_ودلوقتي الكورة في ملعبك يا بلال!

لم يصعب على بلال فهم مقصده، فإن كان معاذ يدفعه ليأخذ تجاهها خطوة..  فهو يريد أن يطير إليها
حتى وإن كان غير مستعد ماديًا بوضعه الحالي..  ولكن لعله خير، هي مقادير الله ولن تحمل له سوى كل جميل!!

تمتم بلال بثقة وثبات وعزم :

يوم الخميس الجاي الساعة 8 بالدقيقة هكون واقف قصاد باب أروى…  ياريت دكتور توصل طلب زيارتي بطريقتك عشان يستعدوا..!


بهاء : أظن أنا مش محتاج أفهمك شكل حياتنا هيكون ازاي يا سجدة!!

أومأت برأسها دون التفوه بشيء ، وعيناها شاردة بما يقصده، هي لا تتوقع معه حياة زوجية سعيدة، هو تزوجها شفقة لإنقاذها، وهي تقدر له صنيعه الطيب، ولن تنكر عليه استحقاقه كل الثناء والشكر ..

تنحنحت بعد صمتها القصير :
ماتقلقش، أنا فاهمة قصدك، وعارفة إن جوازنا هيكون مؤقت ..

بهاء مقتربا من مجلسها فوق الفراش الوحيد بالغرفة :
بردو أفضل التوضيح أكتر .. شوفي يا بنت الناس، أنتي مالكيش عندي أي حقوق أكتر من إني اتقي الله فيكي وبمعاملتي ليكي ، لكن حقوق والتزامات وواجبات بنا گ زوجين .. مافيش!!

مش عايز احس بالذنب ناحيتك أو إني ظلمتك معايا، الجواز ده حاجة بعيدة عن حياتي، عمري ما هكون زوج لواحدة ، وأنتي أي وقت هتحسي إنك بقيتي قادرة تواصلي حياتك من غير مساعدة ، أطلبي حريتك مني، وهتاخديها كاملة!!

كم قاسي هو إحساس الرفض والزهد من أحدهم على نفس الأنثى!! حتى وإن زهدت هي قبله..!
فلا ترتوي براعمها إلا بالاهتمام والرغبة فيها گ سمة أي امراءة خُلقت على وجه الأرض.. ولا يقتل روحها، ويجرح كرامتها ، سوى شعور النبذ..!

تنهدت، وحاولت ألا تظهر حزنها لكلماته متمتمه :
ياريت ماتوضحش أكتر من كده لأني قلتلك  فاهمة!

ثم رفعت وجهها إليه ،مصوبة لعيناه نظرة قوية :

أنت كمان مالكش أي حقوق عليا كزوج، ليك كل الحرية في تصرفاتك، إلا إنك تحاول تهين كرامتي .. طاعتك في أمور محددة، واحترامك، واجب عليا قصاد الناس، وحتى من وراهم ، مادام مافيش تعدي على الحدود اللي بيني وبينك!!

صمت قليلا، ثم أكملت :
وعشان ده أول حق ليك عندي .. أنا بشكرك على واقفتك قصاد خالي، وسامحني على المهر الكبير اللي دفعته لواحدة اضطريت تتجوزها إنقاذ موقف!
وفلوسك اللي خسرتها ، للأسف مش هقدر في يوم ارجعهالك مهما أشتغلت!

تبدلت ملامح بهاء، وملئت عيناه نظرة حزينة متذكرًا ماضيه :

ياريت كل الخسارة فلوس! في حاجات كتير أهم، بنخسرها، ومابنعرفش نرجعها مهما عملنا..!

رمقته سجدة بشفقة .. فملامحه تكاد تصرخ بمأساة تركت بصمتها داخل نفسه!

احترمت صمته الذي طال قليلا، واستكانت بجلستها على الفراش تراقبه، وهو يقف متطلعًا عبر نافذة غرفتهما ..
وبعد برهة أخرى ، أدار زاوية وجهه إليها، وتسائل بعد أن عاد الهدوء لملامحه :  أنتي بتشتغلي أيه يا سجدة؟!

أجابت : مشغولات يدوية وتطريز ملابس ، في مشغل قريب من هنا بشتغل فيه بقالي فترة!
بهاء : طب الشغل ده متعب ليكي؟
هتفت : مافيش شغل مريح ، لكن أنا بحب التطريز جدا ومهما تعبت ببقى مبسوطة وأنا بتكفل بنفسي وبصرف من عرق جبيني ، من غير ما أمد إيدي لحد!

ومضة إعجاب خاطفة، برقت بعينه، أخفاها سريعًا، ولكنها لم تخفى عن عين سجدة، التي تجاهلتها عمدًا..!

تمتم قائلا : عموما أنتي طبعا ملزومة مني، وليكي فلوسك الخاصة  .. وشغلك أنتي حرة تكملي فيه أو تسيبيه ، مش هجبرگ على حاجة ..

سجدة بحزم : شغلي ده أساسي، أنا محدش هيصرف عليا.. !
بهاء : بصي، في ثوابت بنا مش محتاجة تتقال ، إني اتكفل بيكي وأكفيكي ماديا ، دي أقل حقوقك، وهتاخديها، لأني ما اقبلش تكوني على ذمتي وتحتاجي حاجة .. إنما شغلك، مش همنعك عنه ، مادام حابة تكملي ..

انهى جملته ، و دارت عيناه بالغرفة :
ودلوقتي بقا نيجي للمهم ، غرفتنا سرير واحد ، وطبعا مش هيكفينا.. !

تم التفت لها مازحا : بذمتك مش تحسي أننا في مشهد من رواية ، وجو الجواز الغصب بقا وكده!

هزت رأسها مبتسمة : ولسة بقيت المشهد المعروف ، أننا نمثل السعادة والحب قصاد الأغراب!!
واكملت بنفس روح المرح :
عارف أنت جو لبني عبد العزيز ورشدي أباظة.. !

ضحك بهاء بشدة ، عندما قارن بمخيلته حياتهما كما بالفيلم الشهير ، ثم أكمل مازحا :
أوعي تكوني بتعملي نفس النجرسكوا بتاع لبني!!

ضحكت سجدة دون أن تشعر، حتى أغمضت عيناها تلقائيًا، ولم تلحظ إفتتان بهاء وتأمله الخاطف بضحكتها التي يراها لأول مرة!!

قالت من بين ضحتكها : لا ماتقلقش أنا في الأكل ممكن أدهشك .. ثم أكملت بدعابة :
يعني أنا لو كنت عايزة أمشي على منهج ( الطريق لقلب الراجل معدته )
كنت وصلتلك بسهولة وأبهرتك!!

فباغتها بسؤاله : وانتي طبعا مش عايزة توصليلي، صح ؟!

أجابت بنبرة قاطعة ، بعد أن اختفى من صوتها كل آثر للمزاح : لأ… . مش عايزه!

ثم رمقته بنظرة أكثر ثبات :
زي ما أنت زاهد……  أنا زاهده!!


عريس مين ده اللي طلب أروى منك يا معاذ!!

القت بيسان جملتها مستفسرة ، بعد أن أخبرها معاذ  عن طلب بلال وزيارته لهم ، بنهاية الاسبوع الساري ..

معاذ :  كلها كام يوم ويجي يقابلكم بنفسه ، وابقي اعرفي كل شيء منه ..لكن اللي اقدر اكدهولك ، إنه شاب ممتاز وهيصون أروى ويخاف عليها

بيسان : واضح إنك تعرفه يا دكتور!!
معاذ : حاجة زي كده!
بيسان : خلاص قولي معلومات عنه مادام عارفه

معاذ بهدوء : لا ده شيء يخصه ، وهو اقدر الناس على تعريف نفسه ليكم .. كلها كام يوم تُشبعي فضولك ناحيته!
واستأذنها للمغادرة، فأوقفته هاتفة:

_أتحدد كتب كتابي بعد شهر..!

استنشق كل ما يستطع من الهواء برئتيه ، واستجلب كل هدوءه، وكل براعته بالتمثيل أمامها واستدار قائلا:  مبروك يابيسان!
فهتفت مترقبة وجهه : هتحضر ؟!
ابتسم بمرارة : طب انتي رأيك أيه؟!

أجابت وهي تحاول استفزازه : لو الأمر مافيهوش خسارة ليگ..  ومش هيأثر فيگ ..  هتحضر!

ولأنه عاشق أيقن خسارته منذ زمن أجاب:
يبقى مش هحضر!
…………………………
راقبت ابتعاده بحزن .. وهزت رأسها بيأس!

فكلما حاولت إستفزاز العاشق داخله .. كلما صدمها هو بخنوعه!  ..فرغما عنها تتمسك بأمل طفيف أن يحاول السعى لنيلها إن أيقن بضياعها منه للأبد .. ولكن دائما هو المستسلم.. وكم تكره أستسلامه!!

تذكرت قاسم .. فملأ ذاتها الخجل!!  كيف تفكر بتلك الطريقة وهي على مشارف حياة أخرى معه..
هذا الرجل الذي تعترف داخلها بنبل أصله وجمال شخصيته ورقي تفكيره ، فتقبله لها بظروفها كمطلقة، جعلها حقا تعجب به .. ولكن هل يكفي هذا الإعجاب وحده ، لتأسيس حياتهم سويا؟! حقًا لا تعلم!
وكم تخاف القادم بتلك الخطوة المتهورة منها..!!

تنهدت ولسان حالها يقول :  الله يسامحك يا معاذ!
دخلتني في دوامة هتغرقني ومافيش حد ينقذني منها غيرك أنت!!!
…………… …… ..

بعيدة..!

هكذا يشعر قاسم تجاه بيسان خطيبته ، والمفترض انها ستكون زوجته بالقريب العاجل!
كلما صارحها بإحساسه بعدم حماسها لارتباطهما، أخبرته انها فقط تحتاج وقت للتأقلم معه ..
لا يعلم هل حقا تحتاج وقت أم هي لا ترغبه!

يمر بذاكرته مواقف شتى ، حركت مشاعره تجاهها منذ أن رآها كيف تتعامل مع من حولها بحب، ورفقها الشديد بالمرضى،الذي جعلها بنظره مثال نابض لملاك الرحمة!
هي المفضلة لديهم والفائزة بكم دعوات كثيرة من أفواههم، سمعها بأذنيه مرات ومرات، الود الكبير بينها وبين زميلاتها، مراعاتها لأي ظرف لإحداهن!

تشكلت داخله رغبة قوية للاقتران بشخصية گ بيسان!  وأفصح لها عن رغبته فيها،  فاستقبلت طلبه بدهشة كبيرة!!
نعم هو طبيب لم يسبق له الزواج، أما هي مطلقة!  ولكن لم يعنيه ابدا كونها كذلك.. ربما لمح بريق إعجاب منها عندما اوضح لها طريقة تفكيره.. ولكن لم تتخطى ابدا مشاعرها الإعجاب..  وهذا ما يؤرقه!

صارحها إن كانت مازالت تأمل برجوعها لطليقها معاذ ، فنفت أن يعودا سويا .. لا يعلم لما افترقا ، وشعر بعدم رغبتها بالحديث عن تلك الفترة ..ولكنه رغما عنه يغار من معاذ!

كما يضايقه كثيرا ، أن والدته لم ترضى حتى اللحظة عن زواجه بها ،دائما ما تظهر أعتراضها على بيسان ، وانه يستحق فتاة بكر بكون هو رجلها الأول!! ، كحال كل الامهات .. ولكنه متمسك برغبته ويصر على موقفه، هي بالنهايه حياته، ولا تخص سواه!!

……………………

على فكرة يا أنسة ، قطعة الجاتوه الواحدة فيها تقريبا 350 سعر حراري!!

التفتت رغد لترى من يحدثها، فلم يكن سوى الطبيب أبن عم رقية، صديقتها العروس! فهتفت بتهكم :

وانت مالك يا أخينا، انت هتبصلي في الأكل!!

سيف : أنا دكتور بيطري ، مش أخينا وممكن تقولي سيف .. وأقصد انصحك فعلا!!

رغد ببرود : متشكرين، خلي نصايحك لنفسك
وماتدخلش في شئون غيرك!!

سيف بضيق لفظاظتها:
الحق عليا بنبهك لسعرات أكلك ، بس شكلك هتطلعي من الفرح وزنك زايد 5 كيلو ع الأقل!!

اجابته غضب:

ازيد 5 كيلو ولا حتى 10 .. يخصك في أيه وزني؟
انت هتشيلني أخر الفرح؟!!!

سيف بسخرية :
ليه كنت مستغني عن ضهري!

جرحها تلميحه لبدانتها، وسخريته اللاذعة، فتمتمت بملامح حاولت ألا تعكس ضيقها لإهانته:

على فكرة أنت معندكش ذوق، ولأخر مرة بقولك خليك في حالك .. وماتدخلش في حاجة ما تخصكش!!!

غادرته رغد ، فوقف يلوم نفسه ،كان يظن انه يقدم لها نصيحة، فجرحها  دون أن يقصد!!..  لم يكن عليه الحديث هكذا، ولكن رغما عنه استفزه التهامها قطع الجاتوه بهذا النهم!!
وكأنها لا تعبأ لزيادة وزنها..!
لما لا تخاف على صحتها تلك الحمقاء!

لا يعرف لما تخيل هيئتها إن استطاعت خفض وزنها، قطعا ستكون أنثى فاتنة ومختلفة!!

تنهد وتمتم داخله

حسناً ياسيف، دع الخلق للخالق يارجل، ولا تحتك بتلك البدينة ثانيًا..هو مجرد وقت وينقضي حفل خطبة أبنة العم .. ولن تلقاها بعد الآن!!

الفصل 18

اليوم سترى من نجح بإطلاق سهام عشقه بقلبها،و اختراق أسوارها بحرافية شديدة… بلال!

فبرغم غموضه، حتى ملامحه لديها مجهولة ، ولا يملك عقلها له سوى هيئة مظلمة وبعيدة ..إلا أنه أستطاع جذبها لمداره حتى أصبحت تسبح بفضاء عالمه الخاص، بات قريب منها بشكل صار يدهشها..!

تتسائل أروى داخلها كيف سيكون حالها عند رؤيته؟ ربما ترتجف يدها وتعجز عن حمل مشروبًا تقدمه له .. ويغلب عليها الخجل ، فتهرب من لقاءه رغم لهفتها لرؤيته..!

تنهدت بضيق محدثة نفسها :
كم يحزني أن أخي معاذ لن يحضر تلك المناسبة
ويتولى أمري .. بل سيحل محله قاسم خطيب بيسان .. سامحني يا الله ، مازلت لا أتقبل وجوده بيننا ، أو حتى أستوعب أنه سيتزوج شقيقتي، الوضع يؤرقني بشدة، ولكن ما باليد حيلة
فمن سينصت لرأيي، وأنا الصغيرة بينهم!!

حسنًا يا أروى، إهدئي، اليوم سيأتي بلال ، ويمر الأمر بسلام ، ولن تحدث كارثة، گ تلك التي تتكرر بمثل هذه المواقف!!

.*********************

لا يصدق بلال أنه بتلك اللحظة جالسا في منزل حبيبته أروى لطلب يدها…! ويجاوره صديقه معتصم ووالدته أيضاً .. لدعمه بهذا الموقف گ أهل له .. وهما حقاً بالنسبة له كل أهله وأحبائه..

ربما هو ليس بتوقيت مناسب كما خطط مسبقًا، كان يتمنى أن يحصل أولا على سكن لائق قبل إقدامه على طلب زواجها ، ويتقدم بخطوات أكثر ثبات وقوة بمشروعه.. لكن لرب الكون تدابير أخرى لا نعلمها

حسناً، فلتشاركه أروى وتدعمه بكل خطواته القادمة!
.********************

يابنتي، الناس قربت تمشي، أخلصي يا أروى وأطلعي قدمي العصير للعريس وأهله!

أروى فاركة أصابع كفيها بتوتر شديد :
مكسوفة وخايفة وقلقانه يا بيسو ، وحاسة لو مسكت حاجة في أيدي، هتقع مني!!

بيسان بحنان : ياروح قلبي خايفة ليه، كلنا معاكي ، وانا هكون جمبك ، ماهو لازم تخرجي عشان تشوفيه ويشوفك يا حبيبتي ، وبأذن الله مش هيحصل حاجة

أروى بتساؤل : طب انتي شوفتيه يا بيسو .. أيه أنطباعك الأول عنه ؟
بيسان برضا: بصراحة يا أروى، شاب يشرح القلب ، محترم ومهذب جدا في كلامه ، لفت نظري ان عيونه مش بتركز وهو بيتكلم غير على قاسم ، واضح انه عارف يعني أيه غض البصر وشاب مؤدب!
ثم غمزت بعيناها : بس اكيد اما تخرجي هيركز فيكي انتي يا صغننة ..!

أزداد دقات قلب أروى فأسرعت تقول:
يبقى مش طالعة يا بيسان!!

التقطت بيسان يدها لتجبرها على الخروج خلفها، وهي تطمئنها بكلمات مشجعة، أن الأمر أبسط مما،تتخيله !!
.*********************

طغى عطرها المكان بأكمله، وكأنه يعلن عن قدوم ملكته المتوجة… أروى!!

تمشي صوب الجميع مطرقة رأسها بخجل شديد ، يكاد يلمح أحمرار وجهها الجميل!
تهتز يدها بما تحمل من أكواب عصير طازجة ، يود لو يمسك يدها ليحتويها ويسيطر على ارتجافتها ويطمئنها..!
لكن صبرا .. لم يحن الوقت بعد ، بلحظة قريبة جدا، سيمتلك هذا الحق ، وينعم بلمس يدها الناعمة بين يديه!!
………………
قدمي العصير للضيوف أروى ..

أومأت بطاعة لوالدتها ، واتجهت لتمتد يدها بما تحمل للجميع.. فرفعت وجهها تلقائيًا حتى ترى من أمامها، فدارت عيناها سريعًا بين وجوههم ..

أولهم يجلس قاسم جوار والدتها، ثم سيدة عجوز، يجاورها شاب يشبهها قليلا، ثم يجلس بقربهما شاب أخر، ما أن رأته حتى اتسعت مقلتيها بذهول وزادت ارتجافة يدها  وعلت دقات قلبها وصارت تطرق داخلها بعنف وكأن قلبها سيغادرها.. ولقطات سريعة تتدفق بعقلها وهي تتذكر أين ومتي شاهدته!!!

أنه نفس الشاب الضخم الذي رأته وحدثها بغضب يوم حادث تحرش بهاء لها .. وربما هو أيضاً من احتجز بالقسم ثلاث أيام بعدها، ولجأت بشأنه لمعاذ!!

شعرت بالمكان يدور حولها، وفقدت الشعور تماما بيديها، فارتخت رغما عنها ، وانسكب ما تحمله على اقرب شخص بمحيطها..  قاسم!!
والذي بدوره انتفض بضيق صائحًا بصوت عالي:

أيه يا أروى ، مش تاخدي بالك!!

_ماتزعقلهاش كده!!

هكذا نهره بلال بصوت هادر وغاضب لخطيب شقيقتها هذا القاسم! فهل جُن ليصيح عليها هكذا وفي حضرته؟!!

بمجهود جبار أستطاعت أروى تحريك قدميها، فهرولت لغرفتها، مختبئة من الجميع!!

.********************

توتر الجو ، بعد التبادل الحاد بين قاسم وبلال ، لولا تدخل معتصم بينهما ، وتهدئة الاجواء مرة أخرى .. وقامت بيسان بتنظيف المكان الذي انسكب فيه العصير ، واعتذرت عن هذا الخطأ الغير مقصود!!
ولم تبخل على قاسم بنظرة حادة رمقته بها قبل أن
تذهبت لتفقد حال شقيقتها..!!!

_ حبيبتي أهدي ماحصلش حاجة لكل ده!!
فداكي العصير ، وقاسم مايقصدش يزعقلك ، ده كان رد فعل متسرع، وهو بنفسه جه واعتذرلك عنه ، لأنه فعلا مقصدش إهانتك.. ولولا كده ماكنتش هعدي صراخه عليكي بالساهل..  بس لحق نفسه واعتذر!!

لم يكن يشغلها كل ما ذكرت بيسان ، لم تهتم بما انسكب ، او برد فعل قاسم المهين لها..!
او حتى اعتذاره وندمه الذي بدا حقيقيًا بعيناه!!
ربما فيما بعد ستعيد تشكيل فكرتها عنه بوقت لاحق..!!

اما الآن .. فلا يسيطر عليها سوى أن بلال هو نفسه من تمنت لقاءه يوما لتشكره على صنيعه ودفاعه عنها يومًا ما!! .. هل طوال الوقت كان قريب منها إلى هذا الحد ؟! و يراقبها منذ ذلك الحين ، لقد ذكر لها اشياء كثيرة يعرفها عنها..!
إذًا كان يتتبع أخبارها ، وهي التى كانت تجهل حتى شكل ملامحه!!

تشعر أنها مبعثرة ومشوشة، تريد الاختلاء بنفسها ، لا تود الحديث ، أو الظهور أمامه ثانيا .. فقط تريد الصمت لتستوعب تلك الحقيقة!

بيسان : حبيبتي ، هو في حاجة انا معرفهاش ؟!
العريس معجبكيش مثلا؟! أنتي اول ما شوفتيه اتوترتي جدا، ده كسوف ولا حاجة تانية ؟

كيف تخبرها عن ما زلزل كيانها ووترها ، وهي التي اخفت عنهما ، موضوع بهاء وتحرشه بها ، وأن الشاب الذي تحدثا عنه يوما حين تعارك مع ابن العمة ، لم بكن سوى بلال ، الجالس بتلك اللحظة بمنزلهم!

اروى وهي تتصنع الهدوء : مافيش حاجة يا بيسان ، انا بس اتوترت واتكسفت ، ووقع مني العصير غصب عني ..
بيسان وهي تحتضن راسها وتقبلها : ولا يهمك يا قلبي ، دي حاجة وارد تحصل ..تعالي دلوقتي نطلع نقعد معاهم ، عشان…………
قاطعتها أروى برجاء : ارجوكي يا بيسان ، أعتذري بالنيابة عني ، مش هقدر اطلع تاني!!


ضيق شديد يخنق صدره.. كان يتمنى أن يراها قبل رحيله ، ويجلس يحدثها ويوضح لها أمور كثيرة، ولكن اعتذار شقيقتها بالنيابة عنها ، بعدم حضورها لوعكة أصابتها ، جعلته لا يصر على رؤيتها..
فهو يعلم حالتها وارتباكها بعد ان تذكرته وعلمت من هو!! ربما حقًا هي تحتاج وقتًا لتنسج الخيوط جميعها بعد معرفته لتضح الصورة كاملة!!

حسنًا حبيبتي..  سأنتظرك دون ملل فقد مضى الكثير ولم يعد سوى القليل للأرتواء بقربك!!

تذكر حديث والدة “معتصم” التي تولت هي أمر عرض زواجه باهتمام شديد، وكم امتن لتلك السيدة التي تعاملت مع الأمر باهتمام وحب ظاهر وهي تسرد أمام والدة “اروى” محاسنه واخلاقه وظروف عمله الجيدة ، ومستقبله الباهر ..

وقد لمح بشائر الرضا على وجه والدتها وشقيقتها الكبرى بيسان .. بكل ما تقوله والدة معتصم ..
فوعداَ بالتفكير بأمر طلبه ، بعد استشارة صاحبة الشأن ، والسؤال عنه بالطبع..!

أما الطبيب قاسم ، أكتفى بالإنصات لجميع الأطراف دون محاولة ابداء رأي ..فارتاح بلال لذلك كثيرًا ، فلم ينسى بعد صيحته الغاضبة على حبيبته “أروى”

ولولا تدخل معتصم وتهدئة الاجواء بينهما .. ربما كان مصير تلك الزيارة الفشل ، رغم أن قاسم لا يتمتع بسلطة حقيقية في نظره .. هو مجرد خطيب الأخت الكبرى ، ولم يكن هو ليرضخ لقراره إن جاء بالرفض.. ولكن يبدو أن الطبيب أدرك موقعه وتصرف من خلاله .. وعلم انه لا يملك بالأمر قرار..!!

.*********************

هتسافري ياعمتي ! وكمان عم راضي معاكي !

العمة برفق : غصب عني يا بهاء ، ابن عمتك يوسف المفروض كان نازل من السعودية بعد اسبوعين، عشان اشوفه هو واحفادي ، بس للأسف مراته تعبانة اوي ، وهو محتاجني أنا وأبوه ، فاقترح يبعتلنا كارت زيارة، واهو بالمرة نعمل عمرة هناك ..وكلها شهرين بالكتير ونيجي ..

بهاء بحزن : يعني هتسبوني لوحدي انتوا الاتنين ؟!

ملست على رأسه بحنان : لوحدك ازاي يا قلب عمتك .. انت نسيت إن سجدة معاك ؟ هي هتاخد بالها منك في غيابي ، انا وصيتها عليك ..

فراق عمته وزوجها، يكاد يخنق صدره ضيقا، منذ وفاة والدته ولم يتعلق بسواهما ، أو يهون عليه فراقها غيرهما.. ولكن لن يكون أناني ، يوسف يحتاج والديه ، كما من حقهما رؤية أحفادهم والنعيم بقربهم،
حسناً يا بهاء ، فتتعلم المضي بمفردك من الآن،،!

رسم علي وجهه ابتسامة زائفة :

خلاص ياعمتي ، سافري انتي وعمي بألف سلامة ، وسلمولي كتير على يوسف ومراته وولاده .. والأرض هتكون مسئوليتي لحد ما ترجعوا، وكأن عم راضي موجود وأكتر ..

العمة برضا وفخر: ربنا يحفظك يا بهاء، أنا عارفة أننا سايبين راجل يسد عين الشمس ، مش هيقصر في الأمانة .. بس………………… ..

ترددت بقول ما تريد، فحسها بهاء على الحديث :
بس أيه يا عمتي ، اتكلمي .
منحته العمة نظرة غامضة : الأمانة مش الأرض بس يا بهاء!!
ضيق حدقتاه متسائلا : مش فاهم ، هو في حاجة غير الأرض والبيت أخد بالي منهم ؟!
أجابته بهدوء : سجدة !
لما يجيبها سوى صمته ، فقالت :
سجدة بنت غلبانة ، مايغركش قوتها اللي بتحاول تظهرها، هي أصلا ضعيفة واتظلمت كتير .. اتقي الله فيها يا ابني واوعى تظلمها أنت كمان !

ابتسم بمرارة : هو أنا ناقص ذنوب تاني في رقبتي .. أكيد مش هظلمها ولا اضايقها… أطمني !

.*********************

تقف بعيدا تراقب جلسته الصامتة كعادته كل يوم
منذ سفر العمة خديجة وزوجها من أيام معدودة!!
حيث يخرج صباحا ليعمل بالأرض ويرعاها، ويغيب النهار بأكمله ، ثم يعود ويأكل القليل معها، ويتركها لخلوته بذلك المكان القريب لبيته .. مكانه المفضل ..
تذكر أنها وهي ببيت جدتها ، كانت دائما ما تلمحه يجلس به ، وأحيانا كان يصاحبه ذلك الطبيب سيف ..
تشفق عليه كثيرا .. الحزن يسكن ثنايا ملامحه، لم تشاهده يضحك او حتى يبتسم منذ سفر أحبائه ..

أوصتها العمة خديجة كثيرا عليه ، بألا تتركه لوحدته وتحاول ان تؤنسه بغيابهما .. كما نبهتها لشيء غريب أنه له عادات معينة تساعده علي النوم، ودائما ما يهذي بنومه وتصاحبه الكوابيس، فعليها أن توقظه حتى لا يتآذي دون أن يشعر!

شردت بخيالها متذكرة أحداث أول ليلة لهما بمفردهما حيث مكث هو بغرفته طويلا ولم يذهب لمكان خلوته المعتاد..  كما ظلت هي حبيسة غرفتها لا تدري ما عليها فعله.. هي غريبة معه حتى وإن كانا زوجين!!

جاهدت كي يأتيها النوم لتنتهي تلك الليلة وتريح عقلها من التفكير..  وما أن استسلمت بالفعل لنومتها حتى وصلها آنينه!  فأسرعت إليه فوجدت جبينه غارقًا بعرقه ووجه ازرق كأنه يختنق حقًا..!!
فزعت من مظهره، والتقطت زورق المياة وببلت أصابعها ونثرت على وجهه الماء حتى يفيق!!
افاق بشكل جزئي ولم يعي لها ويبدو أنه نسي وجودها معه وظن أنها عمته هي من توقظه!!

وفجأة قام بفعلٍ حبس أنفاسها وهو يحيط خصرها بذراعيه دافسًا وجهه بصدرها متمتمًا بصوت ناعس:

العبي في شعري وأقرأي قرآن يا عمتي وخليكي معايا لحد ما أنام..!!

تصلب جسدها كليًا ولا تدري ما تفعل!!!
هو يحتضنها معتقدًا أنها العمة!!

إن حاولت التملص منه، سيفيق ويراها بهذا الوضع ولن تحتمل خجلها إن وجدها كذلك!!
وإن ظلت حبيسة ذراعيه ستذوب أكثر، فجسدها ينتفض من هذا العناق!!
أخذت نفسًا شديد العمق وصوت عقلها يحدثها:

_اهدائي يا بلهاء. أنسيتي.. هو زوجك. ويظنك العمة.. أفعلي ما يريد حتى يغوص بنومه أكثر وتستطعين الهروب قبل حلول صباحكما الأول!!

عادت تنظر له وهو يختبيء بصدرها كطفل يطلب الأمان.. كم شعرت بالأسف تجاهه.. لما تحدث له تلك الأشياء لما يعاني حتى بنومته..  وماذا يشاهد بتلك الكوابيس..  ليتها تعلم!!!

تحركت يدها دون إرادة وراحت برفق شديد تغوص بأصابعها بين خصلات شعره الكثيف!
فتململ برأسه مصدرا صوتا ينم عن راحته وكأنه يشكرها رغم أن حروفه لم تكن واضحة لسمعها، لكنها فهمت أنه يشكرها..  يبدوا أنه يرتاح بتلك الحركة البسيطة وتساعده على النوم حقًا .. فهاقد بدأ صوت شخيره يصدح .. فضحكت بخفوت، ثم استمر بها الحال كذلك .. تداعب شعره وترتل بصوتٍ خافت آيات الذكر الحكيم..  حتى ارتخت ذراعيه تلقائيًا عن خصرها واستطاعت أخير الهروب من آسر ذراعيه، وهرولت لغرفتها مغلقة بابها عليها ولا تصدق أنها تحررت ونجت من موقف مخجل كهذا أمامه!!
الحمد لله لم يراها ولن يعرف أنه غفى علي صدرها بليلتهما الأولى….  وهذا من ستر الله عليها..!

عادت بذاكرتها ثانيًا للحظتها الراهنة وهي تراقبه من بعيد ومازالت تتسائل!!
ما وراءه من خبايا لا تعرفها عن رجلًا المفترض أنه زوجها..!! وهل من حقها أن تتسأل وتعلم؟! وإن كان حقها كيف ستعلم هو لا يعطيها أي فرصة للأقتراب.. حقا يعاملها برفق واحترام ، ولكن بالوقت ذاته يضع بينهما مسافة ويتجنب مصاحبتها أو التسامر معها.. لا تعرف ماذا تفعل للتسرية عنه .. لا يجوز أن يحيا بتلك الأجواء الكئيبة المنعزلة..  هي معه وأقل حقوقه أن تخفف بعض معاناته بأي شكل!!

ومض بعقلها فكرة مباغتة ، ربما تكون مناسبة لاختراق خلوته، ومصاحبته تلك الأمسية..!
………………………..

تسربت لأنفه رائحة شهية ، وشعر بخطوات رقيقة من خلفه ، التفت فوجد سجدة تقترب حاملة بيديها صينية كبيرة ، تحوي فوقها أطباق صغيرة ، وقالت بعد أن دنت منه :

أنا عرفت من عمتي إنك بتحب دي أوي، يارب تعجبك

نظر لأطباقها الصغيرة الممتلئة بالحلوى المفضلة لديه ” أم علي ” ..
نقل بصره بين حلواها وبين وجهها المترقب لرد فعله بقلق ، كان سيرفض متعللا بعدم رغبته بتناولها ليلا.. ولكن لم يستطيع كسر خاطرها، فهي تستحق الشكر على صنيعها.. أمتدت يده والتقط أحد الطبقين :

_شكرا .. تعبتي نفسك ..

أرتسمت ابتسامة مشرقة على وجهها ، وحمدت الله داخلها انه استجاب لمحاولتها في التسرية عنه..

قالت بغرور يغلفه المرح وهي تجلس جواره : لعلمك أنا أشطر واحدة تعمل طبق أم علي!!

رفع أحد حاجبيه بتعجب : أيه الغرور ده ، طب سيبيني أنا أحكم يا ست الشطورة!!

ابتسما بثقة : طب اتفضل ، ليك دقيقة، دوق بتركيز ، وقول رأيك ..
تبسم قليلا ثم تناول أول ملعقة، وتبعها بأخرى، ثم ثالثة ، حتى انتهي تماما من التهام طبقه كاملا !

صمتت تراقبه، منتظرة انطباعه عن حلواها ..
فتغيرت ملامحه للامتعاض، وكأنه تناول شيء سيء

فقالت بقلق : أيه!!  هو ماعجبكش؟!
هز رأسه، فعلمت أن حلواها لم تنال إعجابه!

أطرقت رأسها بحزن، كانت تعتقد أنها صنعت شيء طيب لأجله ، ولكن علي ما يبدو أنها فشلت..!

نظر لإطراقة رأسها وحزنها، فأشفق عليها.. هو خدعها حلواها كانت رائعة حتى أنه التهم الطبق عن أخره ، ولكن أراد التسلية بها قليلا..!

امتدت أصابعه ، ورفع ذقنها ليطالع تلك النظرة التي ملأت مقلتيها، وقال متأملا ملامحها، بفعل إضاءة السماء الخافتة : جميلة..!!

ارتجفت للمسة أصابعه المباغتة، وتحيرت بتفسير كلمته التي نطقها..! ماذا يقصد؟!
من الجميلة؟! ..هي!  أم حلواها..؟!!!

فأجاب سؤالها الغير منطوق : أم علي .. جميلة..!!

ابتسمت بسعادة ، فتأمل ابتسامتها، وقال دون وعي :

وأنتي كمان جميلة..!

error: