رواية ” أنت مكافأتي”

الفصل الخامس

واقفًا بلال ، وعيناه تترقب باب البناية.. فحبيبته ستخرج منه بين لحظةٍ واخرى..

واخيرًا بدأت الفتايات بالتوافد تباعا ، وظهرت رغد بمفردها دون أروى .. ماذا يحدث ، ولما لا تصاحبها؟!

انتظر قليلاً ، ربما تعود رغد لتأخذها، او تظهر أروى امام عينيه فيطمئن..
ولكن لم يحدث شيء ، ولم يعد غيرها بالداخل ..

..مخالب القلق بدأت تنهش قلبه دون رحمة . ثمة شيء يجري لا يعرفه ، يكاد يشُم رائحة خطرٍ تقترب .. فقرر أن يدخل ويتبين الأمر بنفسه .
وما أن تحرك خطوتين حتى ظهرت حبيبته …!!

تجسدت أمامه بهيئة مضطربة ، تبكي ، وكفها المرتجف يعيد هندمة خصلات شعرها المبعثرة !

تنظر خلفها بغضبٍ واشمئزاز …

يا الله .. ماذا حدث لها ؟!
هل نال الأذى حبيبتي وانا هنا اقف منتظرا ؟؟!!!!

جُن جنونه لهذا الخاطر.. وبدون وعي ،ذهب إليها ، ووقف أمامها مباشراً قائلا والغضب يكاد يفجر الدماء بوجهه : حصلك أيه جوة ؟؟؟؟؟

أنتفضت أروى من ظهوره المفاجئ !

شاب ضخم الجسد ، يسد طريقها .. يوقفها ، ويحدثها بغضب شديد .. وكأنه ذو سلطان عليها !!

من هذا الكائن .؟؟؟؟؟

ظلت صامتة بعين متسعة ترمقه بذهول !!

وماهي إلا لحظات .. حتى ظهر على باب البناية .. بهاء بجسده النحيل نوعا ما ، بالمقارنة بجسد بلال ..
يهندم ملابسه .. ويتلمس بألم جانب وجهه الأيمن، وقد وضح بشكلٍ جلي آثار خربشات اظافر على خده ..
انطلقت من عين بهاء سهام الحنق والغل والتوعد حين رآها، متناسيًا كل خذيه الذي انتابه منذ قليل، وكأنه تبدل لنفس الشخص الوقح الذي كان عليه منذ قليل !!

فعاد بلال بنظره إلي أروى ، فوجدها تصد سهام هذا الهزيل بأخرى حاقدة وكارهة، مذرفة دموعٍ نقية تشفُ بشرتها القمحية.

لم تغب عن فراسه بلال، هذا التبادل الناري بينهما..

وأدرك بسهوله ماحدث بالخفاء .. هذا الوغد تعرض لحبيبته ، وقاومته.. بدليل أثار اظافرها على جانب وجهه!

كما لم يغب عنه نظرة التوعد التي أرسلها هذا الهزيل لمهجة قلبه.. والأكيد أن ما حدث ، لن يمر دون عقاب وثأر لها ،وإلا ما استحق تردد انفاسه القادمة داخل صدره!

لم يستغرق تحليله للموقف سوى لحظات!

ألتفت على أثرها مطلقاً صوتٍ آمر وجهوري :

_أمشي على البيت دلوقتي حالاً..!

أنتفضت أروى من صوته .. تجاهد لاستيعاب ما يقول هذا الضخم .. هل يأمرها ؟؟؟!!..
من أين أتي بهذا الحق ؟!!..
همت بالحديث ، فقاطعها وقدميه تلتهم المسافة الفاصلة بينهما، وزئر بنبرة أكثر غضب وقوة:

_قلت امشي على بيتك حالا …!!!

تسمرت ٱروى بوقفتها ..فصرخ عليها قائلا :

_بقولك امشي!

هل خافت ؟!… . نعم ، وكثيرًا !!

هرولت أروى خائفة من زئير هذا الغريب !
تاركةً ابن العمة .. بين انياب هذا  الأسد الغاضب.. !

…………………

كتلة من نار تشتعل بقلبه ، كيف يحدث ما حدث وهو بالخارج ولا يدري شيئًا !!

وبغضبٍ مستعر داخل نفس بلال توجه مثل قذيفة ملتهبة لهذا القذر بعد أن رحلت أروى
فلم يكن يجعلها تشاهد بعينيها البريئة ما سوف يحدث لهذا الوغد..

وبكل الغل والقهر داخله راحت قبضتيه ، تكيل له
لكمات قويه ، سريعة متتالية وغاضبة، قاصمة للضلوع ..

ابرحه ضرباً حتى سمع بلال حقًا طقطقة عظامه !

وقد امتلأ جسده النحيل بكدمات زرقاء!
وكأن بلال تحول الى ٱلة ضربٍ وثأر لحبيبته ..
ولم يعي بتجمع الناس حولهما محاولين فصلهما
وإيقاف عراكهما الدامي ..
استطاعوا أخيراً تقيد بلال ، وإيقاف لكماته القوية..

وجاءت الشرطه والاسعاف، وامتلأ. المكان ضجيجا بقدومهم المهيب ..

امتدت يد الشرطي تكبل معصمي بلال بأساور حديدية… قائلا بحنق :
عامل فيها بلطجي … ومستقوي بعضلاتك ياحيلتها !

انجر معايا على البوكس …..!!


خدعهم تقيؤ أروى المتكرر بتلك الساعة المعاقبة لعودتها ، فظنت بيسان ووالدتها ، أنها مريضة بمعدتها كما اخبرتهما كذباً بتوعكها ، وكان هذا مبررها للعزوف عن تناول طعام الغداء معهما ..

ولم يدركوا أن الألم النفسي هو ما أصاب قارورتهم الهشة ، بعد محاولة تعدي ابن العمة الفاسد عليها..

………………… .

أحتمت بغرفتها تبكي بصمت .. يسيطر عليها الغثيان
كلما تذكرت فعلته وهو يحاول النيل منها .. واقترابه ، حتي اشتمت رائحة أنفاسه وشفتيه تحاول انتهاكها!

وعندما حاولت الصراخ ، كمم فمها بكفه ، وبيده الاخرى قيد معصميها ، مجبرا اياها علي التحرك باتجاه ذلك التجويف المظلم أسفل الدرج!

فدافعت عن نفسها بغرز أظافرها بوجهه بعد أن افلتتها من قبضته ، ونجحت في ركله بقدمها أسفل معدته ، ففقد السيطرة على نفسه وابتعد عنها، وماهي الا ثواني وخرجت من مدخل البناية الى الشارع ، ومن ثَم إلي بيتها!
…………………… ..

ظلت أروى طوال الأيام الثلاثة الماضية، تمكث في فراشها باعياء ، ونفسية سيئة ،حزينة لما حدث، متسألة كيف كان سيكون الأمر، إن كان هناك من يدافع عنها ويثأر لها .. أخٍ يحميها، أو والدٍ يرعاها!
كم تفتقد هذا السند الآن ، من سوف ياخذ بحقها الآن ..!؟

اثناء شرودها وحديثها الذاتي .. سمعت ما لفت انتباهها بين والدتها وشقيقتها بيسان  !!

تركت الفراش واقتربت من الباب واختبئت خلف أحد ضلفتيه المواربة ، وسمعت بوضوح ما قيل ..

فشقت الابتسامة طريقاً لثغرها بعد ما سمعت!
…………….

_ مسكينه عمتك شمس .. هتتجنن على بهاء!
_  مع انه عاق وقاسي وواد بايظ .. بس لسه بتخاف عليه ..
_ضناها يابنتي، مهما عمل ماتتحملش عليه الهوا ولا حتى خدش صغير ..

_ طب مين ضربه كده وليه ياماما ؟؟؟

_ اهي بتقول اتخانق مع واحد وضربه جامد لدرجه كسرله دراعه ولولا الناس خلصوا بهاء من ايد الشاب ده كان زمانه موته!

_ اكيد ياماما عمل مصيبه مع الشاب ده خلاه يضربه بالغل ده..
_ اظاهر كده يابنتي .. يمكن عاكس اخته ولا حاجه
بس للأسف عمتك قالتلي بهاء قدم في الشاب محضر و محبوس بقاله أكتر من يومين يا كبدي !!


اغلقت باب غرفتها ثانياً ، وهي تشعر براحة شديدة
وكأن رب العالمين ، سمع شكواها، وبعث من يثآر لها من بهاء.. ولكنها انتبهت فجأة في غمرة سعادتها تلك على معلومة احتجاز الشاب الذي اشتبك مع بهاء بالقسم ،دون ذنبٍ اقترفه ، سوى أنه تصرف بشهامة وثآر لفتاة لا يعرفها !!

أمعقول ان يكون هو نفس الشاب الضخم الذي ارعبها وهو يأمرها صارخا الرحيل ؟!!!.

إذاً هو من انتقم لها وشفى غليلها و أثلج صدرها

شعرت بالامتنان الشديد تجاهه .. ليتها تقابله ثانيا حتى تشكره على صنيعه الطيب لأجلها ..

والأن ماذا تفعل لمساعدة هذا الشهم . لابد ان تجد له مخرجا.. فلن تتركه بهذا المآزق بمفرده ..

ربما عليها الاستعانة بشخص ما .. وهي تعلم لمن ستلجأ…!!


يجلس بسكون داخل غرفته بالمنزل ،يطالع إحدى ابحاثه الهامة بتركيز شديد ..قبل أن يقاطع تركيزه، رنين هاتفه، فالتقطه ليرد بعد ان ابصر هوية المتصل: السلام عليكم .. !

أروى : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
معاذ : اخيراً افتكرتي تكلميني يا اروي ..
لم تجيب، تجاهد رغبتها بالبكاء منذ أن سمعت صوته فشعر باضطراب أنفاسها وكأنها تبكي ،فتملكه بالقلق هاتفا:
أروى مالك ، في حاجة حصلت معاكي ؟ انتي بخير ؟

قالت بصوت باكي : مش بخير يا آبيه معاذ .. ومحتاجة ليك أوي!

وانفجرت باكية ، بعد أن عجزت تماما عن السيطرة على رغبتها اكثر من ذلك!

فتضاعف قلق معاذ وسقط قلبه في قدميه وأخذته الظنون لخواطر سيئة !!

فقال: أروى اهدي ارجوكي وفهميني حصل ايه؟ .. بيسان فيها حاجة ؟ ولا ماما تعبت تاني ؟؟فهميني حصل ايه بالراحه ومتخافيش انا معاكي ..

أروى وهي تكفكف دموعها بظهر كفها هاتفة بصوت متقطع:

ماما وبيسان كويسين .. بس انا …..وسكتت !

وصل قلقه للذروة :

أهدي بس واحكيلي ، ومهما كانت المشكلة هحلها، بس اتكلمي بالراحة عشان افهم!

أروى : عارفه ان حضرتك الوحيد اللي هتساعدني .. وماتقلقش انا بخير دلوقتي ، بس في حد تاني واقع في مشكله بسببي، ولازم اساعده، واتصلت بيك لاني عارفة انك هتلاقي حل مناسب..بس كلامي في التليفون مش هينفع، لازم اقابلك.. بكرة الصبح بمعاد مدرستي ينفع؟

معاذ بتأكيد:
الصبح بعد المدرسة هتلاقيني مستنيكي بأذن الله!

أروى : قبلها مش بعدها .. مش هقدر استنى ارجوك..

معاذ: خلاص  الساعة 7 ، هكون عند مدرستك

هاخدك في مكان نفطر سوا واحكيلي كل شيء..

بس لحد ما نتقابل ..اهدي .. واوعي تخافي من حاجة وأنا موجود، أي مشكلة في الدنيا مهما كانت أنا كفيل بحلها .. خليكي دايما مطمنة وماتحمليش هم!

أروى بتأثر وامتنان شديد : صدقني يا آبيه  .. لو ليا أخ كبير ماكنتش هعزه أكتر منك .. ولو مش متأكده من كلام حضرتك ،ماكنتش كلمتك..

معاذ : ايه لو ليا أخ دي .. ما أنا اخوكي ياهبلة..
وانا اللي هيسلمك للمسكين اللي هيتجوزك .. وأنا اللي هطحنه لو فكر يزعلك!

ضحكت أروى وقد تناست ما بها:

_يا سلام !! مسكين ليه اللي هيتجوزني ؟ ..ده مامته هتبقي داعياله في ليله القدر كمان! ..أنا مافيش مني 2 في كوكب الأرض أصلا ..!!

معاذ :يووووه، يا بنتي كوكب زحل مليان منك ..

أروى : ماشاء الله! ..هما بدأو البنية التحتية لزحل كمان !

معاذ: امال يابنتي كوكب الارض بقي زحمة .. خلينا نتمطع شويه وننتشر في كوكب تاني ..

ضحكت مرة اخري قائلة :

ماشي يابرنس ،ننتشر مش غلط بردو .

معاذ بغضب مصطنع :

أيه برنس دي!!.. ماشي يا أروى! بكره ليكي عقاب محترم عندي!


يجلس مقابلا لها باحدي الاماكن العامة ،وبينهما طاوله خشبية لامعة ، يعلوها بعض الفطائر المحشوة بالجبن واخري محشوة بمعجون الشيكولاته .. فهو يعلم ما تحب واحضره لها..وأصر عليها أن تتناول إفطارها أولا، فما أن رآها حتى ابصر شحوبها وحزنها!
انتهت من طعامها القليل، فسألها :

ودلوقتي بقي يابرنسيسة ، احكيلي ايه مزعلك كده ..

اروي : في حد في مشكله بسببي !

معاذ مستفهما : مين ده وبسببك ازاي ؟؟؟

قصت عليه اروى ماحدث من ابن عمتها
من أول ما تحرش بها في مدخل تلك البناية

الى ظهور هذا الشاب الضخم فجأة وهو يأمرها بالرحيل، واخيرا ماسمعته على لسان والدتها عن اصابه بهاء وحبس هذا الشاب!!

معاذ وقد احمر وجهه غضبا من هذا الوغد :

الحيوان الكلب ازاي يتجرأ يعمل كده .. اقسم بالله لأندمه على وقحته واعلمه الأدب واربيه من جديد!  ثم نظر لأروى فوجدها تبكي بصمت! فهتف برفق:

حبيبتي اهدي ماتبكيش ..انا هجيبلك حقك!  وإن كان على الشاب اللي ضربه علشانك، هتصرف وأخرجه!

اروى وهي تجفف دموعها بكفيها :

طب انا ممكن اروح معاك واشهد في القسم ان بهاء ضايقني ،والشاب ده دافع عني عشان يخرج..حرام مالوش ذنب يتحبس كده بسببي ..!

معاذ بحزم :أروى .. الموضوع خلاص بقا عندي مالكيش انتي دعوه يتحل ازاي..ومعندناش بنات تدخل اقسام شرطه .. انا هتصرف بطريقتي ،قومي دلوقتي اوصلك .. وكويس إنك معرفتيش ماما وبيسان وكلمتيني أنا ..

ثم رمقها بحنان أخوي صادق :

اروي انا هقولها تاني.. انتي اختي الصغيرة اللي مش هسمح حد يمسها بسوء .. اوعي تواجهك اي مشكله وتخبيها عني مهما كانت ،انا اكبر منك ودايما هعرف اتصرف والاقي حلول .. انتي مش لوحدك ،اوعي تنسي ده ابدا في اي لحظه بحياتك ..

اروي بامتنان :

صدقني  ، حضرتك الوحيد اللي فكرت فيه.. صحيح  انفصلت عن أختي .. وانا معرفش السبب بس هتفضل اخويا الكبير وسندي بعد ربنا!

وكأنها بذكر انفصاله عن بيسان قد هيجت شوقه الشديد لها ..لكنه نفض عنه ذلك الشعور، وهو يستعيد غضبه ثاينا من هذا الذي تجرأ عليها ،وتجاوز معها بهذا الشكل .. ظننًا منه، أن ليس لديها من يحميها!

قام بتوصيلها،ثم اتجه مباشرا لبيت بهاء.. فقد حانت لحظة محاسبته !!


error: