رواية ” أنت مكافأتي”

الفصل 29


_أخيرا هتفرح قلبي وتخطب .. ودي مين دي يا واد إلي خليتك تقول يا جواز؟!
_ بكرة هتشوفيها يا ام معتصم ، وواثق هتحبيها
_ يارب يا حبيبي لو فيها خير ليك ، يقربك منها، ولو فيها شر ، يبعدك عنها .. أمين!
_ اللهم أمين ..


لا تصدق إلى الآن أن معتصم كان بمنزلها، وجلس مع والديها طالبًا القرب .. إذًا هو علم بكذبة خطبتها!!
ولكن ماذا يظن .. لن تقبله .. كما لن ترفض أيضا!
ستلعب بأعصابه وتحرمه النوم وهو يترقب كلمتها الأخيرة.. ولن تُريحه! …… .فلينتظر إلي حين!


أتعودت عليكي يابنتي وعلى وجودك حواليا ، بس مقدرش أمنعك ترجعي لحياتك ولمكانك الطبيعي!

_ وانا مش هنسى عمري مساعدتك ورعايتك ليا في وقت ما كنت ضعيفة وهشة وماليش سند ولا مأوى .. وعلاقتي بيكي مستحيل تنتهي يا خالة زهرة ..

_ أحسن حاجة عملتها بنت أخويا ، أنها جابتك عندي .. ربنا يشفي أبنها ويحفظه هو وأخوه!!


مش ناوية تحني على قلب الوزير ؟!

كانت ندى تجلس ممسكة هاتفها تتصفح صفحتها الشخصية ، حين فوجئت برسالة من معتصم عبر ماسينجر!
فتجاهلته وتعمدت مشاركة بعض الصور في صفحتها، حتى يفهم أنها تتجاهله عمدًا ، فبعث رسالة أخرى قائلا : الوزير مش بيسلم بسهولة .. ومحدش هياخدك غيره .. حطي ده في دماغك يا نودي!

رغما عنها افتر ثغرها عن ابتسامة وهي تقرأ أسم دلالها منه ، لأول مرة يقول لها ” نودي” ، ولكنها أستعادت تجهمها ثانيا وهي تغمغم مع نفسها
_ نودي في عينك ، إن ما وريتك يا وزير

“مباقش أنا ” .. على رأي القديرة أصالة!!


_ بت غبيه ، أبو شكلك!!

بلال مندهشا من برطمة زوجته وهي تغلق الهاتف :

أنتي أتجننتي يا روحي ، بتشتمي مين على الصبح ؟!
أروى : بشتم ندى صحبتي !
بلال : يا سلام !!! .. وبتشتميها ليه طيب ؟!

أروى : لأنها بتفكر ترفض معتصم ، هضيع حلمي اللي حلمته ، انها أما تتجوز هي وصاحبك، تسكن قصادي في الشقة بتاعته ونبقي جيران ونرغي كل يوم مع بعض ونتونس سوا ، أنا بحب ندى ورغد أوي كنت بحلم نسكن بعمارة واحدة ، تقوم الهانم عايزة ترفض ؟؟؟
ثم واصلت حديثها بحماس :
وبعدين هو معتصم يترفض ، هو في أخلاقه ولا أدبه ولا شياكته ولا مستقبله الكويس ولا…………… .

بلال بصوت جهوري غاضب : أيييييه هو البعيدة معندهاش دم !!? مش مالي عينك أنا ، بتتغزلي في صاحبي قدامي!

أروى ببراءة : أيه ياحبيبي هو أنا بتكلم عن حد غريب .. ده صاحبك! ?
بلال : هو عشان صاحبي تتغزلي فيه وتقولي شعر .. أنا شكلي هصور قتيل انهاردة بسببك !!?

أروى بدلال لتمتص غضبه بعد إستيعابها أنها أثارت غيرته عليها دون قصد : أخص عليك يا لولي هو عيني تشوف أحسن منك يا غالي !!
أضيقت حدقتي بلال، وهو يعيد أسم دلالها له باشمئزاز ، ويشير بإصبعه على جسده الضخم :

لولي ! .. بذمتك ده واحد يتقالو لولي!!
بصي ياروحي لولي ده تبقي تدلعي بيه بنتنا أما نخلف إن شاء الله ، وأخر مرة أسمعك بتمدحي في حد .. فاهمة!

أروى موضحة : يا حبيبي أنت مش فاهم .. الحمارة دي بتحب معتصم .. وهو كمان بيحبها ، يبقى ترفض ليه وتضيع حبها من أيدها ؟!
بلال بتساؤل : وعرفتي منين أن معتصم بيحبها ؟

أروى: يوم فرحنا نظراته كانت مكشوفة جدا للأعمي أنه دايب فيها !!
بلال بإستنكار : أنتي كنتي سايبة جوزك جمبك وبتبصي على معتصم وتحللي نظراته ؟؟؟ شكلي هخنقك قبل ما اقتلك ?
أروى بنفاذ صبر : يا ابني مش كده .. بس البت رغد السوسة بقيت كل شوية تيجي جمبي وتعوج رقبتي بالعافية أما اتلوحت ، وتقولي ، شوفي بيبصلها أزاي ، و داير وراها من مكان لمكان.. لحد ما صدعتني!

بلال : امممم واضح إن رغد دي سوسة ومش سهلة!!
أروى بإيماءة مؤيدة : وحشرية جدا !!
بلال : طب ياحبيبتي خدي أول قرار دكتاتوري مني!

أروى : قول ياروحي، هما اللي بياخدو قرارات ديكتاتورية أحسن منك في حاجة!

بلال : مش كده بردو! .. ثم أقترب من أذنيها موشوشا لها بصوت خفيض : أقطعي علاقتك برغد!


_ تحب نروح نرتاح عند أخويا بدر الأول ، قبل ما نزور قبر والدتك يا بهاء !
_ لا يا سيف شكرا ، أنا هروح لوحدي الأول ، وبعدها هروح شقتي ، وأنت عادي روح لأخوك بدر ووالدتك وولاده ، أكيد وحشينك!
_ الزيارة دي كلها ليك أنت ، أنا زورتهم قريب ، وهروح معاك المقابر مش هسيبك ع الاقل في المشوار ده !! وبعدها ممكن أسيبك تروح شقتك ترتاح وبكرة نتقابل لأن أخويا عايز يتعرف عليك ..
_ ربنا يسهل يا سيف ، خليها للظروف !!
……………………... .

كلما خطى بقدميه لمكان ضريحها ، كلما اهتز داخله ، يشعر برهبة، بخوف ، وندم بذات الوقت لأنه لم يحاول زياراتها قبل الآن .. وهاهو أمامها يطالع أسمها الحبيب مخطوطا ويصاحبه لقبها القاسي على نفسه
” المرحومة ” !!
منعقدًا لسانه لايعرف ماذا يقول .. عيناه مغرورقة ، تتساقط دموعه فلم يعد يرى أمامه .. فتحول بكاءه الصامت إلي أنين مسموع ثم إلى بكاء يقطع نياط القلب وهو يخفي وجهه تحت كفيه ، فأمسكه سيف وأجبره علي الجلوس :
أسمعني يا بهاء.. حاسس بيك وبوجعك ، بس لازم تمسك نفسك شوية ، ولازم تتكلم وتقول الي في قلبك كأنها قدامك ، وصدقني هي دلوقتي سامعاك وشايفاك ومستنية هديتك ليها!!
تسائل بهاء بتعجب بعد أن ازال كفيه عن وجهه الباكي: هديتها؟؟!!
سيف بإيماءة تأكيد : طبعا .. دعائك ليها هدية .. قراءة القرآن علي روحها هدية ، وعدك أنك هتكون ابن بار وصالح بعد مماتها هدية!!

ثم أخرج من جيبه مصحفًا صغير مواصلا :
خد يا بهاء .. سمعها صوتك .. أقرأ قد ما تقدر ليها ولنفسك ، لأن مافيش حاجة بترمم روحنا وتداويها زي كلام ربنا وذكره .. بس قبل ده كله ، أنا هدعي ليها وأنت قول ورايا أمين ، وبعدها هسيبك معاها بس مش هبعد كتير ..

وصدح صوت سيف الرخيم وهو يدعوا لها ولثائر أموات المسلمين بالرحمة والمغفرة .. ومع كل دعاء يزداد بكاء بهاء ولكن يشعر براحه لم يشعرها من قبل
الأن فقط هو يعيد إصلاح علاقته بوالدته حتى وإن أختفى جسدها تحت الثرى .. فروحها الطاهرة تحوطه ، هكذا يشعر!!

تركه سيف بعد إنتهاء دعواته ليجلس ويرتل لها ما تيسر له من القرآن!!
……………………..…. ..

_عندك أستعداد فعلا ترجع شقتك ، ولا هتيجي معايا ونأجل الموضوع ده لبكرة ؟
_ أطمن يا سيف .. وماتقلقش أنا بقيت أفضل بكتير ، وحاسس أني هرتاح أكتر أما اروح دلوقت ، لازم أتخلص من خوفي للأبد وده مش هيحصل غير بمواجهتي لكل مخاوفي!!
……………………

كل شيء على حاله كما تركه ، نفس البنايات التي تجاور بنايته ، نفس أسماء المحلات ، لم يتغير شيء
سواه ، بهاء السابق ليس هو الذي كاد يقترب من درجات درجه الرخامي ، وأصبح الآن واقفا أمام باب شقته هو ووالدته سابقًا .. رغما عنه ترتعش يداه وهو يدخل مفتاحه ويديره ليعبر إلى كل ذكرياته التي يخافها وبشدة ولكن لن يتراجع ، حتى وإن جلدته الذكرى وأدمت روحه لن يهرب!

ما أن عبر للداخل، حتى وقعت عيناه على صورة معلقة على الحائط لأبيه الحبيب ووالدته وهما يمنحانه ابتسامة بشوشة تزين وجهيهما، وكأنهما يستقبلانه من خلف زجاج صورتهما ثنائية اللون ما بين ” أبيض” گ قلوبهما و ” أسود” گ سواد أيامه الماضية!
يا الله هل يشعران به حقا!

دارت عيناه تلتهم تفاصيل بيته بحنين بعد أن زالت رهبته نوعا ما .. فلاحظ بعض التغيرات!
أين حامل المصحف الخاص بوالدته ؟! ومسبحتها الفضية بجواره ، يتذكر جيدا أنه تركهم هنا قبل رحيله .. بدأ يدرك التغير الفعلي حوله ، وعبق غريب يملأ الهواء حوله .. من هنا .. رددها داخله وعيناه بدأت تبحث بتوجس عن دخيل اقتحم بيته ..
فصدمه ما وصل لسمعه ، صوت لا يصدق أن يطرب أذنيه مرة أخرى.. ” سجدة “..!

هل يسمعها تنادي على أبيه وأمه؟!!!
أغمض عيناه بشدة مرددا بذاته : لأ .. مش ممكن .. أنت بتحلم يا بهاء .. فوق سجدة مش هنا .. مش بتنادي على حد .. سجدة ضاعت .. امشي يابهاء .. امشي قبل ما تتجنن!!

” شمس .. حسن ، يلا ياحبايبي أصحوا الضهر آذن ”

وكأن صوتها ثانيٍا يتحدى عقله.. يتحدى تكذيبه لذبذبته الحبيبة ..تحرك بخطوات شبه مغيبة تجاه الصوت ، فأخذته قدماه إلى غرفة والدته ، فحرك مقبض بابها ودلف ببطء شديد ، يخاف مما سيرى ، هل سيجدها حقيقة، أم هذيان عقله ؟!


يا أهلا يا معاذ أنت وبيسان ، بجد شكرا انكم لبيتوا دعوتي ..
أكتفت بيسان بابتسامة ودودة ، وقال معاذ بود مماثل: ازاي تقول كدة يا حسام ، كان لازم نيجي نشوف الأمير سامر ..
حسام : والأمير في انتطاركم تعالوا معايا عشان تشوفوه وتسلموا على علا

بعد ان تهيأت علا لدخول معاذ وبيسان ، قالت مرحبة : أخيرا شوفناكم ، أزيك يادكتور معاذ .. ازيك يا بيسان .. حقيقي شرفتونا !
بيسان وهي تقبلها بسعادة : ازيك أنتي يا دكتورة علا، ألف مليون مبروك على سامر ويتربى في عزكم ..

ثم مدت يدها وهي تُسمي وتُكبر وتحمله بين ذراعيها برفق شديد: الله أكبر زي البدر المنور ، ربنا يحفظه من العين ويبارك فيه .. ثم توجهت بتلقائية حيث يقف معاذ ، متناسية أي حواجز بينهما :

شوفت يا معاذ جميل ازاي، فوضع معاذ أصبعه بكف الصغير ، الذي أطبق بتلقائية، أصابعه الصغيرة الرقيقة على إصبع معاذ .. فتمتم متأثرًا بهذا الفعل العفوي والذي لاحظته بيسان وخفق قلبها لأجله:

بسم الله ماشاء الله ، تبارك الله فيما خلق .. ربنا يحفظه ليكم يا حسام أنت ودكتورة علا!

تشبثت الصغيرة وعد ببنطال معاذ قائلة بتذمر:
شيلني يا عمو ،أنا كمان عايزة أبوس البيبي !
حملها معاذ برفق وجعلها تقبله مع تحذيره لها بألا تحاول حمله حتى لا تؤذيه !!
……………… ..
أنتهت الزيارة وغادرت بيسان ومعاذ ومعهم وعد
وأثناء القيادة أوقف الأخير سيارته بجانب الطريق
قائلا: دقيقة وجاي .. وغاب دقائق ثم عاد بعدها حاملا بيده أكواز من الذرة المشوية التي تعشقها بيسان .. وما أن اشتمت رائحتها حتي هللت كطفلة:

الله ذرة مشوي .. ودون استأذان،التقطت واحدا وراحت تلتهمه بتلذذ ، فأبتسم معاذ بحنان قائلا:

لسه زي ما أنتي ، بتعشقيه وبتنسي نفسك وانتي بتاكليه!!
بيسان بسعادة : جدا.. زمان لما بابا يحب يصالحني ، كان يجبلي ذرة!
معاذ وهو يتأملها بشغف: وأنا كمان كنت بعمل كده اما ازعلك .. وفاكرة كنت بعمل أيه كمان؟!

تهربت من سؤاله وهي تنظر للمرآة أمامها :

ياخسارة، وعد نامت من غير ما تاكل ذرة!!

التفت لها معاذ وجدها تغوص بنوم عميق ، فقال بصوت خافت :
بنت جميلة وتدخل القلب ، بس مش شبه مامتها زينة..
بيسان بإيماءة : فعلا، شبه والدها قاصي الله يرحمه!!

ثم جال في عقلها بغتة أمر تذكرته فتسألت :

أنت منين عرفت حكاية وعد ، وانها بنت زينة ؟!

استدار معاذ لها، بعد تأمله للصغيرة :
طب بما أن وعد نايمة ، والمكان هادي .. أيه رأيك ننزل نقعد هناك ونتكلم وأحكيلك كل حاجة وأنتي بتكملي أكل الذرة ؟!!!
لم تجد بيسان ما يمنع اقتراحه ، فوافقت بعد أن ألقت نظرة أخيرة على وعد الغافية !
…………………

ظل معاذ يقص عليها كل شيء ، مقابلته صدفة بقاسم ، ومعرفته الحقيقة منه ، ثم ذهابه لبلال ليكمل له حقيقة وعد ومن أين أتت، ثم أسترسل أكثر بالحديث وراح يحكي لها تفاصيل غربته كيف قضاها، ولم يفوت الفرصة ليثير غيرتها عليه حيت حكى لها عن تلك الجميلة التي كانت تطارده وتريد الأرتباط به .. وكم استمتع برؤية حنقها وغيرتها التي أشتاقها .. وأنها مازالت تحبه وتغار عليه وكيف أسعده هذا وارضاه!!

عاد بها إلي البناية وقبل أن تغادر مقعدها وتمسك مقبض الباب المجاور ، أوقفها بندائه الحاني الذي بعثرها وهو ينطق لقب دلالها القديم لديه : بيسو..!

التفتت له كالمغيبة ، فالتقط هو محرمة ورقية ، وراح يزيل من حول شفتيها برفق شديد أثار الذرة المحروقة ، فشعرت أن قلبها سيهوى بين يديها ، وجاهدت لتخرج نفسها من هالة تأثيره الذي سيفضح ضعفها ولهفتها عليه!!

_ قالت بتلعثم : أأ… أنا أتأخرت أوي على ماما وزمانها قلقانة عشان وعد .. وغادرت بسرعة البرق بعد أن التقطت الصغيرة ، فأوقفها معاذ مرة أخري ، متفوها بنفس لقب دلالها :
بيسو… شكرا إنك عيشتني يوم عمري ما هنساه .. !!
وماتتصوريش إزاي كنت محتاج اعيشه معاكي!

لم تلتفت ولم تتفوه بحرف ، وأطلقت العنان لساقيها حتي لا تضعف ويحدث منها ما لا يحمد عقباه!!


” شمس .. حسن ، يلا ياحبايبي أصحوا الضهر آذن ”

وكأن ندائها ثانيٍا يتحدى عقله.. يتحدى تكذيبه لذبذبة صوتها الحبيب ..تحرك بخطوات شبه مغيبة تجاه الصوت ، فأخذته قدماه إلى غرفة والدته ، فحرك مقبض بابها ودلف ببطء شديد ، يخاف مما سيرى ، هل سيجدها حقيقة، أم هذيان عقله ؟!

وما أن أدار المقبض وعبر للداخل ، حتى أذهل مما رآى! وانفرج فمه واتسعت عيناه مصعوقًا .. فما يراه غير معقول وغير طبيعي أو منطقي لعقله!

راح يفرك عيناه بشدة حتى كاد يدميها.. وعيناه تعود لانفراجها لتحلل المشهد الذي أمامه!
سجدة مضجعة بجانبها على الفراش.. تحاول بصوت ناعس إفاقة صغيرين يرقدان جانبها!

أغمض عيناه وعاد لينظر ثانيا ، فوجد نفس ما شاهده ، سجدة حبيبته ومعها صغيرين!.. يا الله أشفق على قلبي لا أتحمل أن يكون مجرد حلم لا حقيقة..!
سجدة!!
هكذا تمتم بخفوت يسيطر عليه الذهول قبل التساؤل!

فالتقطت أذنيها همهمة بأسمها، فاستدارت ببطء ومازال يصيب جسدها وعيناها النعاس!!

فكذبت عيناها.. هي قطعًا صورة من نسج خيالها.. هو لم يعود إليها.. لا يقف الآن أمامها.. ولا تراه!!!

ففركت عيناها بقوة!! ونهضت محاولة الوقوف، فترنحت من أثر خمولها الذي اعاق وقوفها باتزان.. وكادت أن تسقط فتلقفها بذراعيه قبل أن تهوى! فلن يتركها للسقوط مرة أخرى!!

وقفا بأجواء مشبعة بصمت الألسنة!!
صاخبة بحديث نفوسهما سرًا
تدور مُقلة كلًا منهما بوجه الأخر تلتهم تفاصيل غابت عن العيون من زمن، وتعود تدور مقلتيهما لتستكشف حقيقة ما تشاهد!!
تحركت شفتيها تنطق أسمه دون صوت، تزامنًا مع يدها المرتعشة التي تحاول أن تتلمس حقيقة وجوده وتستشعر تفاصيل وجهه المهزوز بفعل عبرات تتراقص بعينيها..!
أما هو فظل يدور على تقاسيمها يريد التيقن انها تقف بين يديه ولا يهزي!!
أشتدت ضمة ذراعيه عليها وهو يغمغم بأسمها بصوت يكاد تلتقطه أذنيها..!

ثم باغتها بعناقه المؤلم وهو يعتصرها بين ذراعيه كأنه يريد دليل أنها هي من تتوسد صدره الآن!
هي من تتحد دقات قلبه مع لحن قلبها النابض!
هي من يشتم عبير أنفاسها بقربه!
هي حبيبته وزوجته.. سجدة!
لما لم يأتي إلى هنا قبلا؟!
ليته أتى من زمن! ليته حاول إصلاح روحه! لو فعل!
لكان حتمًا وجدها كما قالت العمة بأخر أحاديثها معه!!

فاق كلاهما من هذا العناق جارف المشاعر، وانتقلوا من مرحلة الشك إلى اليقين بوجودهما على نفس الأرض، حتى بدأت هي حديثها بنبرة مازالت مرتعشة:
تعالى معايا يا بهاء..!
أستسلم لكفها التي تجذب يده برفق خلفها، وقبل أن يغادر وتغيب معالم الغرفة، ألقي نظرته الأخيرة والمتسائلة عن ذاك الصغيران الغافيان بفراش والدته!! حتى صار معها بداخل غرفة أخرى!
ليواجهة معها سيل من مشاعر شتى!

شوق بنكهة عتاب مغموس بحنين جارف وعلامات استفاهمية تضوي بخلايا علقه الذي يحاول استيعاب وجودها الآن .. بين يديه!!!

error: