رواية ” أنت مكافأتي”

فصل 32
*********تململ جسدها بخمول ومازال النعاس يغلق عيناها ..
ففتحت جفنيها ببطء ..لتجد نفسها بغرفتها هي ومعاذ! فابتسمت بخجل يغلفه سعادة حقيقية بعد نالت أخير فرحتها بعودته حبيبها إليها..!

تتلفت يمين يسار ولا تجده.. فنهضت وارتدت روبها، واغتسلت بحمامٍ ملحق بالغرفة وهمت بتصفيف شعرها المنكوش ثم تذكرت أنه يعشقه بهذا المظهر العشوائي ودائما ما كان يراها فاتنة بتلك الهيئة الطفولية!!
فبعثرته أكثر وتعطرت وذهبت تبحث عنه!!

أما هو فكان يقف يعد لها إفطارًا لأول صباح لهما بعد أن عادت روحه إليه بعودتها..!
افاق قبلها بكثير وظل جوارها يطالعها بوله وكأنه مازال يحلم ويخاف أن يفيق فلا يجدها جواره وبين ذراعيه! لكنها أصبحت حقيقة! بيسان عادت له وعادت لروحه الحياة..!

قرر أن يفعل لها شيء مميز حين تفيق.. فأحضر شرائح التوست وراح يحمصها بالمقلاه كما تحب وبنفس الوقت يسلق بيضًا ويعد أيضًا مشروبها المفضل الذي تدمنه بالصباح ” شاي بلبن”!!

وصلت إليه تشاهد مايفعله لأجلها.. فابتسمت بشقاوة وتقدمت خُطاها بحذر كي تباغته بحركه تعلم أنها تربكه، فداعبت بإصبعها جانب عنقه، فانتفض هاتفًا:

إحنا هنبتدي الشقاوة من دلوقتي!

واستدار لها ورفعها من خصرها ليجلسها على سطح المطبخ الرخامي وذراعيه حولها:

_ينفع تتشاقي كده من قبل ما تصبحي على جوزك حبيبك؟
فقالت بابتسامة خلابة أظهرت نغزتيها اللذان يعشقهما: صباح الخير يا ميزو!

فقبل نغزتيها وهو يتمتم برقة:
صباح العسل ياقلب وعقل وحياة ميزو!!

عقدت كفيها حول رقبته هاتفة بدلال:
ليه ماصحتنيش احضر أنا الفطار ياحبيبي!

اجاب وهو يقبل أرنبة انفها: لأني عايز أول فطار ليكي واحنا سوا أنا اللي اعمله وانا اللي هأكلك بأيدي!!

نظرته له بحب جلي هاتفة: بحبك يا معاذ وحشتني حنيتك وكنت ميتة من غيرك!
اقترب ليجيب كلمات عشقها بفعلٍ يفوق حروفها.. ففزعته واخرجته من سحر لحظتهما هاتفة:

الحق يا معاذ .. التوست اتحرق واللبن فار?

التفت سريعا ليغلق الموقد أسفل اللبن الذي فار وانسكب واغرق حوله .. ثم وجده التوست محترقًا ولم يعد يصلح إفطارًا لحبيبته!!
فتمتم بضيق: ياخسارة.. كان نفسي اعملك فطار حلو .. فشلت!!
أشفقت عليه من إحباطه فقالت:
ولا يهمك ياحبيبي أنا هعمل الفطار..
……………
بعد قليل!!

أنتي بتعملي أيه ؟ هتاكلي التوست المحروق وتسيبي اللي اتحمص وبقي أحلى!

ابتسمت له بعد أن غلفت وجهه شريحة التوست بطبقة جبن بيضاء والتهمت حافتها المحترقة ومضغتها بتلذذ استعجب منه معاذ هاتفًا:

ليه كده ياحبيبتي. غلط تاكلي حاجة محروقة واكيد طعمها بشع جدا!

وضعت الشريحة جانبًا.. ثم التقطت كفه بين راحتيها متمتمة بعين تمتليء بعاطفتها الصادقة:

عارف يا معاذ.. أبسط الأشياء ممكن تكون سبب في سعادة طاغية لينا، لو اتقدمت واتعملت بحب!!
وواصلت:
وانت بعيد عني .. كل الأيام كانت شبه بعضها.. ماكانش في حاجة في حياتي ليها طعم.. ماكنتش بحس غير بالمرارة في حلقي! أنما دلوقتي انت معايا..! معايا بجد ومش حلم وهفوق منه ودموعي على خدي!
التوست المحروق ده طعمه أحلى وأشهى من أي طعم دوقته قبل كده، لأنك عملته بحب، ولأنه دليلي إنك رجعتلي وأننا خلاص في بيتنا..!

صمتت ثم نهضت وجلست على ركبتبه وعانقه هاتفة:

مهما حصل ماتبعدش عني تاني!
العمر مبقاش فيه سنين نضيعها في بُعد وجفى.. ولا القلب هيتحمل قساوة الفراق بعد نعيم القرب!

وأوعى في المستقبل تفسر نظرتي لطفل يعدي حوالينا إنها حرمان ولا ندم! لأني مكتفية بيك عن العالم كله واعتبرتك ابني وجوزي وحبيبي.. وأظن إني اثبتلك بالدليل يامعاذ مدي تمسكي بيك..!

ضمها إليه وقد ملأ روحه الشعور بالذنب، ثم قبل بين عينيها قُبلة طويلة وكأنها اعتذار جديد:

ماكنتش قصدي تعيشي في عذاب.. أنا سبتك عشان تكوني مبسوطة وتحققي حلم كنت عارف قد أيه بتتمنيه! .. بس أوعدك إني مش هبعد تاني ولا هفهم نظراتك لطفل تشوفيه غلط، مش عايز يبقي جواكي أي هاجس أننا ممكن نفترق تاني، لأن صدقيني أنا اللي مش هتحمل بعدك لحظة واحدة.. والحمد لله ربنا عطانا “وعد” عشان تكمل اللي ناقص في حياتنا

*************************

_ هي الغندورة لسة ماردتش عليك!

معتصم وهو يحاول امتصاص غضب والدته،الذي يلوح بقدوم عاصفة لا يريد حدوثها:
يا أمي من حقهم يسألوا عليا ويستخيروا، وأيام وهنعرف ردهم، أدعيلي انتي بس بالخير!

الأم بعدم اقتناع: شهر بيسألوا؟! ..ده لو قعدوا ساعة زمن مع حد من الجيران، هيعرفوا تاريخ حياتك كله، والحمد لله سمعتنا زي الشمع مافيش حاجة تعيبنا .. بيدللوا علينا ليه وأنت قليل يا معتصم! .. دي ألف واحدة تتمناك يا ابني!

هتف بصبر : يا ماما أرجوكي بلاش تاخدي الموضوع كده، أنا مش مستعجل، ومتأكد إن قريب جدا هيردوا
عشان خاطري ماتضايقيش نفسك وأوعدك هتسمعي اخبار حلوة قريب!

هتفت ومازالت غير راضية: أما نشوف!
……………………

أخيرا سيطر على موجة غضب والدته، التي يعلم أنها محقة فيها، وأن الحمقاء ندى تتعمد إطالة الرد حتى تعانده ، رغم يقينه أنها تحبه ولكن غاضبة وتعاقبه… حسنًا يا حبيبة الوزير!
سأعرف كيف أُخضعكِ وأجعلكِ تنصاعي لسلطان رغبتي! ولن تستطيعي المقاومة!

**************************

شيئا ما يدغدغ أنفها ووجنتيها ويقلق نومتها..!
فتبتعد بوجهٍ يعبس غير قادرة بعد على الإفاق!

فازداد لمسة الشيء لوجنتها .. فلطمت وجهها فجأة ظنًا منها أنها ذبابة!!

فضحك معاذ هاتفًا: بتضربي نفسك بالقلم يامجنونة!

فتحت عيناها وهي تحسس علي وجنتها هاتفة بتذمر شديد: حرام عليك يا معاذ سبني انام .. ليه الرخامة بتاعتك دي على الصبح!!

أنهضها رغمًا عنها لتجلس نصف جلسة:
مافيش نوم تاني.. يدوب نجهز عشان نلحق وقتنا

بيسان وقد بدأ عقلها بإفاقته:
نجهز لأيه؟ أحنا رايحين فين؟

قبلها من وجنتها ثم أزال غطائها وجرها جرًا تجاه دورة المياة هاتفًا: الأول خدي حمام بسرعة واجهزي عشان بالظبط نص ساعة ولازم ننزل من هنا..!
بيسان: طب الساعة كام؟
أجاب: 7ونص!
فقالت بترجي :طب نصاية كمان وابقي صحيني!

فلم يمهلها لتعود لغفوتها.. حملها عنوة وأرقدها بحوض الأستحمام وفتح صنبور المياة لتغرق ملابس نومها.. فهتفت بحنق:
_ يابني حرام عليك اللي بتعمله فيه ده، هستحمي بهدومي، انا عايزة أناااااام ??

_ مافيش نوم ومبقاش قدامك غير تلت ساعة بالكتير تكوني جاهزة .. أياكِ ترجعي تنامي وإلا هتندمي!!

تركها ممتعضة تكمل استحمامها غصبًا. وذهب ينجز مكالمة هاتفية!

_ صباح الخير ياست الكل .. خلاص جاهزة؟!

_ أيوة ومستنين!
…………………… ..

جلست جوارة بالسيارة .. وحاولت معرفة وجهتهما فلم يخبرها.. إلى أن وجدته يقف أمام منزل والدتها .. فتعجبت، وهو يغادرها بعد أن أمرها بإنتطاره! فأطاعته .. وبعد قليل أتى إليها حاملًا وعد بذراعيه.. فابتهج قلبها .. وفتحت الباب الجانبي لتأخذ وعد وظلت تقبلها وتحتضنها بشوق وهي تطمئن على أحوالها..!

ثم سألت معاذ: لسه مش راضي تقولي رايحين فين؟

أجاب : اصبري وهتعرفي.. ثم أعطاها شيئا وقال:
دي شنطة بسكوتات وفطاير وعصاير ليكي انتي ووعد تصبيرة على ما نوصل..!

قبلته بيسان بوجنته.. فقلدتها وعد وقبلته هي الأخرى.. فضحك معاذ وهو يداعب الصغيرة!!

وظلت بيسان تتبادل هي ووعد الثرثرة والضحكات وهو جوارهم مستمتعا بحوارهم اللذيذ والمبهج
إلى أن وصلوا لوجهتم أخيرًا..!

ترى أين ذهبوا .. وماذا ينتطر بيسان ووعد من مفاجأات؟!!!… فلننتظر سويًا
……………………

************************
صباح الخير يا أنسة!

انتفضت ندى وهي تتبين الصوت قبل رؤيته.. وأستدارت متصنعة التماسك هاتفة ببرود!

أهلا! … دي صدفة بردوا ألاقيك واقف قصاد البيت؟!

معتصم ببرود مماثل:
_ والله أنا حر .. اقف مكان مايعجبني!..
وواصل: وأنا معجبنيش إلا بيتك!

فعقدت ذراعيها هاتفة: أنت عايز أيه خليك واضح؟!

أجاب: عايزك تبطلي غباء ومكابرة!

أجابت: قصدك أيه؟!

هتف: قصدي مفهوم.. كفاية دلال لأن صبري نفذ!

قالت بابتسامة منتصره: وأنا اللي كنت فاكرة نفسك طويل وهتتحمل!

فقال بثقة: نفسي الطويل ده هتعرفيه ممكن يوصل لحد فين فيما بعد! .. إنما دلوقتي بلاش لف والدوران ياندى. أنتي في الأخر هتوافقي!

عقدت حاجبيها بضيق: أنت بني آدم مغرور، وهتسمع قراراي من بابا أنهاردة! .. وهو الرفض!

قهقه عاليا : لو ناوية ترفضي، ماكنتيش استنيتي لدوقتي عشان ترفضيني ياقطة!

أستفزها ضحكه، فهتفت بضيق: كنت بفكر!

قال بنبرة أكثر هدوء: ونتيجة تفكيرك الرفض؟!
وتابع بسؤال أخر أربكها: يعني مش بتحبيني ياندى!

أرتبكت وأرادت الكذب، فانعقد لسانها ولم تنطق حرفًا وصمتت تنظر له، والتمعت بعينيها العبرات .. ربما يفهم أنها مازالت غاضبة وناقمة عليه!

فقال بصوت أكثر دفئًا وحبًا فاض به لسانه :

بحبك يا ندى .. بحبك وغلطان .. بحبك وأسف على كلامي اللي زعلك وجرحك، بس ده كان غيرة عليكي!
بحبك وبحلم يجمعنا بيت واحد وحياة مشتركة.. عاقبيني لحد ما ترضي، بس وانتي معايا وفي حضني .. بحبك ومش هبطل أحبك طول العمر!

صمت متأملًا عيناها برهة قصيرة وواصل:

أنهاردة هقابل والدك عشان أسمع ردك الأخير، لو فعلًا ياندى مش بتحبيني، بلغيه رفضك، واوعدك أنك مش هتشوفيني تاني أبدا!

أنهى حديثه وتركها! .. بعثرها وأربك كيانها وغادرها!
هل حقًا سمعت أعترافه الأول بحبه لها بأذنيها أم هي خيالات؟.. تعيد الكلمات بخلايا عقلها ، وكل كلمة حب قالها الآن ، محت أثر أخرى جارحة ومهينة قالها هو بالماضي!

أحمق أنت يا معتصم .. كيف سأرفض فارسًا مثلك ، سأقول نعم .. سأقولها لقلبي قبل أن تكون تحقيقًا لرغبتك في .. ربما ساعاقبك فيما بعد، ولكن بعد أن أنتمي إليك أولاً .. هكذا أنا لا أنسى ثأري .. كما أني لا أضيع عشقًا گعشقك !

هل قلت لك أحبك أنا أيضًا .. حتما سأقولها وتسمعها كثيرًا .. أحبك يامعتصم!
****************************
_ أنا مبسوطة أوي يا بلال .. ندى وافقت على معتصم وخلاص هيتجوزا … وبيسان رجعت لمعاذ .. الأخبار الحلوة كلها جت مرة واحدة .. ياااااه على الدنيا أما تضحكلنا !

_انا كمان يا أروى فرحان أوي عشان معتصم ودكتور معاذ، الحمد لله، صحيح كلنا قابلنا في حياتنا مشاكل وعقبات ومقاسي .. بس أخيرًا جه وقت حصاد خير أعمالنا ونيتنا الطيبة وصبرنا الطويل!

أمسكت أروى كف بلال لتضعها على بطنها قائلة وعيناها تفيض عشقًا لعيناه :

أحنا كمان ربنا عطانا هدية .. عمرها شهرين .. هتكبر كل يوم بحبنا لبعض .. وأخيرًا هيبقي عندنا عيلة يا بلال زي ما كنت بتتمنى!

أرتجف كفه وهو يتحسس مكان جنينهما بذهول، غير مصدق ، أنه ينمو الآن بأحشاء حبيبته! .. أخيرا سيكون لديه دفء العائلة التي حُرم منها صغيرًا .. سيعيش ما تمناه مع من ملكت فؤاده منذ طفولتها ؟! .. هل يبكي ؟! .. نعم! فليبكي.. بكاء شكر، وبكاء حمد، وبكاء فرح!

أروى بمحاولة منها لتهدئة بكاءه الصامت من شدة سعادته : أيه ياحبيبي، هتقلبها دراما بقى ولا أيه، مش هسيبك تضحك عليا، قولي لو جالنا بنت مثلا هتسميها أيه ؟

بلال وهو يصوب إليها نظرة عاشقة :

أنا مختاره من زمان!
أسمها مولود من حروف أسمك أنتي، هسميها رؤى!

تفاجأت بما قاله، حتى أسم طفلتهما سيكون من حروف أسمها هي؟!
اقتربت وأحاطت وجهه براحتيها هاتفة بحنان :

هو أنا قلتلك قبل كده أني بحبك أوي يا بلال ؟!

بلال وهو يضمها ويقبل جبينها ويستند عليه بجبينه، مغمضًا عيناه :

لأ.. ماقولتيش ..قوليها تاني ، وتالت، وعاشر ومليون .. قوليها بلسانك .. وانا هقولهالك بقلبي!!

***************************

لم تصدق بيسان نفسها حين تبينت مفاجأة زوجها، الذي أتي بهم لمدينة الغردقة!!
وهاهي تقف في إحدي شواطئها، وتستنشق باستمتاع جم عبير هوائها المنعش، وتشاهد فرحة الصغيرة وهي تلهو بقدميها على الشاطيء بسعادة وضحكات تمتليء بالبراءة!

وتذكرت كيف أخبرته منذ يومان برغبتها لقضاء عطلة بإحدى المصائف ومعهما وعد.. حين تسمح ظروف عمله!! ولكن لم تصدق انه سيحقق أمنيتها بتلك السرعة!

التفت إليه فوجدته يطالعها بحنان ويراقب تعابير وجهها.. فالتقطت كفه بين راحتيها وقبلته هاتفة بعين مترقرقة:

مش عارفة أقولك أيه على المفاجأة دي وجمالها، ربنا مايحرمني أنا ووعد منك ابدا ياحبيبي ويحفظك لينا..! ماتتصورش ازاي حبيت المكان.. وشايف كمان فرحة “وعد” وهي عمالة تلعب في المية!
دي أول مرة في حياتها تيجي مصيف!

معاذ بحنان وهو يطالع وعد:
ومش هتكون أخر مرة بأذن الله .. ربنا يقدرني أصون الأمانة واراعيها وأخليها تعيش كل مراحل حياتها من غير ماتتحرم من حاجة..!
وعد بقيت بنتي اللي مش هقصر في حقها ابدا وكل اللي مفروض تعيشه لو باباها ووالدتها كانوا عايشين .. هنحققهولها أنا وانتي.. مش هينقصها حنان ولا تربية ولا نصيحة مخلصة.. وده وعد وعهد عليا وأنتي شاهدة عليه!!

لم تجد بيسان ما تقوله سوى احتضانه بشدة وهي تدعوا بقلبها له وتشكر ربها أنها عادت لتعيش تحت كنف هذا الملاك لتنهل من بحر عطفه وحنانه وحبه ورحمته.. ويكون لها خير معين على تربية وعد كما عاهدها..!!
ربت على كتفها هاتفًا بأذنيها:
يلا بقى مش هنضيع الوقت واقفين هنا..!

لأن لسه المفاجأت ما انتهتش!!!

تُرى ما هي مفاجأة معاذ التالية لأسرته الصغيرة برحلتهم الأولى ؟!! فلننتظر لنعلم!

error: