رواية ” أنت مكافأتي”

الفصل 34
**********_ ليه مادورتش عليا يا بهاء.. لدرجة دي كنت بالنسبالك كيان مالوش قيمة عندك؟!

لثم كفها الذي يفترش صدره، وهاتفًا:

_ لأني كنت خايف عليكي من نفسي يا سجدة.. خوفت أذيكي أكتر ما أذيتك بالفعل..!
أنا كنت بموت بالبطيء وأنا بفتكر أثار دمك على الأرض وأني موت ابننا في لحظة غياب للوعي، أنا كنت واحد مهزوز ملعون فاقد ثقته في كل شيء حواليه! كتير أوي احتقرت نفسي الضعيفة المستسلمة اللي مقدرتش تحميكي من بطشي وتهوري..!
أذيتك! .. بس خوفت أذيكي أكتر لو فضلتي معايا..! بعدك وقتها كان في نظري الحل الآمن ليكي مني!

ثم نطر لها بشكل أعمق وبنبرة أكثر ألمًا:

لو لا قدر الله فقدتِ الجنين فعلا بسببي.. كنتِ هتقدري تسامحي وترجعي وتغفري يا سجدة؟ ..
بعد ما كنت بالنسبالك الأمان اللي بتدوري عليه!
كنتِ هتتقبليني تاني في حياتك وتأمني على نفسك معايا تاني؟!

صمتت وبعقلها خُطت إجابتها القاطعة ….. ” لأ ” ..!

كلمة لا جدال فيها.. هو محق .. إن فقدت صغارها حينها لم تكن لتسامحه أو تغفر فعلته!

قرأ إجابتها بعيناه، حين جمدت نظرتها وقست لمجرد افتراض منه!! كان على يقين أنها لن تغفر، ولهذا لم يبحث عنها..!

اقتربت أكثر واحاطت وجهه بكلتا يديها هاتفة وهي تستحلب مشاعرها بحبه الذي لم ينمحي من داخلها :

بس دلوقتي ربنا جمع شملنا تاني.. بقينا علية جميلة! أنسي كل حاجة زي ما أنا كمان هنسى، مش هفتكر من اللحظة دي غير أننا مع بعض ومعانا ولادنا حوالينا، أملنا في الحياة وثمرة قصتنا.. اللي عدي منها كل صعب ومؤلم.. ومبقاش دلوقت غير كل سعادة وراحة ومصالحة!!

أحاط كفيها المحتضنين لوجهه بكفيه مغمغما بعشق:
هو أنا ممكن أحبك أكتر من كده يا سجدة!

ابتسمت بحنان :
حبني يا بهاء .. وحب ربنا اللي أكيد غفرلك .. وحب نفسك وخليك رحيم بيها .. وحب ولادنا وأيامنا الحلوة اللي جاية معاهم .. وحب الدنيا كلها اللي أخيرا ضحكتلك!

لو يجد ردًا يليق بها سوى إغراقها بموجة عشقه الجارف .. واشتياقه اللا معقول لها .. هي جنته ونعيمه وحلاله، وآن الآوان للإرتواء من نهر حنانها وعشقها الخالص!
**********************
صدح صوت الهاتف فأيقظها عنوة من نومتها العميقة
فالتقطته تتبين المتصل، فلم يكن سوى خطيبها معتصم! .. فاجابت اتصاله ومازال صوتها ناعس:

صباح الخير يامعتصم ..
هتف على الجانب الأخر : ياصباح الندى على حبيبة قلب معتصم ..
ابتسمت بدلال : ياسلام .. أيه الدلع ده كله يا وزير!

كم يحب أن تناديه بهذا اللقب الذي يحمل ذكرى لقائهم الأول ، وكم كانت مشاكسة وشهية!
فتمتم لها: حبيبة الوزير ناسية إن ورانا مشاوير مهمة ولازم نلحق وقتنا، وعايز اقضي اليوم كله معاكي!

ندى وقد بدأ تستعيد وعيها الكامل واختفى كل أثرٍ للنوم: حاضر يا حبيبي هقوم اجهز بسرعة واستناك!
معتصم بسعادة: قوليها تاني!

ندى وهي تدعي الغباء: هقوم اجهز بسرعة واستناك!
معتصم بصوت دافيء: عشان خاطري ياندى قوليها تاني .. عايز اسمعها منك!
أطلقت العنان لمشاعرها تأثرًا بدفء صوته، وهي تحتمي بعدم رؤيته وهي تبثه حبها له :

بحبك يا ورزير.. ياحبيبي .. يا أهم وأغلى حاجة عندي في الدنيا كلها!
معتصم وقد بلغت سعادته عنان السماء:
وأنا بموت فيكي وربنا يقدرني واسعدك ياروح قلب الوزير .. بحبك يا ندوشة!
……………………
بعد نصف الساعة!

ندى : هنروح فين دلوقتي يامعتصم؟
أجاب: هنروح نفطر الأول، عشان تكون المحلات فتحت، ونبتيدي ندور على فستان مناسب للفرح، ده لوحده هياخد نص اليوم!
ندى: تمام وانا هوديك محلات أسعارها مش غالية اوي وفيها حاجات شيك بنفس الوقت!
معتصم : أيوة كده يا ندوشة، أحسن خطيبك جيوبه فضيت من تجهيز الشقة والعفش!
ندى بإشفاق: معلش يامعتصم، كله هيعدي والظروف هتتحسن .. ده كويس إن الشقة كانت عندك، سعر الشقة دلوقتي بقى نار ..!

معتصم بامتنان لصديقه : الفضل في موضوع الشقة ده لربنا أولا ثم بلال، هو اللي صمم يحجزلي معاه شقة، والحمد لله فاضل في اقساطها حوالي سنة وتخلص!
ندى بتفهم : أروى دايما كانت تحكيلي أنكم زي التؤام، مش ممكن حد فيكم يعمل حاجة بدون التاني
هتف بصدق: طبعا ، بلال ده أخويا وصاحبي وضهري وقت ماتميل الدنيا بيا!
ندى: ربنا مايفرقكم ابدا!
نظر لها معتصم بحب: ولا يفرقنا أنا وأنتي ابدا يا ندوشة!
أحمر وجهها مرددة بمشاكة تخفي بها خجلها:

_ أمين ياوزير ..!

***********************

_ كان نفسي اشوفهم أوي يا سجدة وهما بينطقوا اول حرف.. أول ضحكة .. أول خطوة!

سجدة بدلال ماكر : طب واللي يحقق أمنيتك؟!
منحها نطرة متعجبة: إزاي يعني مش فاهم؟!!!

قامت دون توضيح أكثر، وغابت ثم عادات تحمل ألبوم كبير، وهاتف، وقالت بفخر وسعادة:

مين قالك إني مافكرتش في رغبتك دي وحققتهالك.. حتى لو كنت وقتها زعلانة منك أو متوقعة نفترق، بس ماكانش ممكن انكر حقك في ولادك وإنك تشاركهم كل لحظاتهم الأولى!

وراحت تتصفح أمامه ألبومها الضخم الذي تزينت صفحاته بصور فوتوغرافيه لتؤاميها بكل اوضاعهم واعمارهم .. بدءًا من شهرهما الأول وكيف كانت ملامحهم، وكيف تغيرت بالتدريج ، وأول ضحكات صامته ارتسمت بثغريهما المُسكر ، وإصبع كفهم الصغير وهو ينغمس بفمهم عندما يشعرون بالجوع..

أما مقاطع الفيديو الكثيرة .. كانت قصة أخرى، وهو يسمع بأذنيه أصواتهم الرائعة التي تشبه صوت القطة الوليدة وهما يداعبون أنفسهم .. وغمغمتهم الغير مفهومة .. ومحاولة صغيره حسن بأن يمسك قدمه وهو يتمطع ويتحرك فوق فراشه الصغير
وشمس الجميلة التي طرفت عيناها باصبعها وبكت ، فصاحب بكائها صوت سحدة وهي تضحك قائلة:

( يعني تحطي صباعك في عينك وتعيطي.. بنت عبيطة! )…

ظل يشاهد بنهم وشوق كل ما التقطته سجدة لهما ، صورا فوتوغرافية أو فيدويهات!

وسجدة تتابع ردود أفعاله وفرحته بما يراه ،وكم حمدت الله داخلها عندما ألهمها الله بتلك الفكرة، على أثر حديث سمعته من إحدى الجارت التي كانت تثرثر دائما بصوت عالي، فتسمعها سجدة رغما عنها حين تقف تعد شيئا بمطبخها ..

( وحرمته ياعيني يشوف ضناه، ويشيله وهو حته لحمة حمرا .. من حقه يشوف ابنه ويفرح بيه! )

ومضت جملة الجارة بعقلها وگأنها إنذار، حين رآت بعين خيالها بهاء يلومها ويعاتبها بحرمانه من أطفاله حتى وإن كره وجود أطفالٍ منها.. فوجودهم بالفعل قصة أخرى .. ولن تكون هي الزوجة التي تحرمه حقه حتى وإن جار عليها وظلمها قبلًا!

ومن هنا جاءتها تلك الفكرة، فلجأت لجارة أخرى كانت تعمل بشراء اشياء وتقسيطها، وما أن حصلت من سجدة على مقدمة مالية معقولة ، حتى ابتاعت لها بالفعل كاميرة فوتوغرافية وهاتف جيد، ونفذت سجدة فكرتها على الفور!

عادت من شرودها على ضحك بهاء المختلط بدموعه وهو يتابع بشغف أفعال أطفاله بتلك المقاطع المسجلة!

يا الله .. كيف حُرِمَ من كل هذا النعيم بأن يترقب كل مايفعلون .. خسر كثيرًا .. ولكن لم يمضي الوقت بعد
من الآن سيعيش معهم كل ما فاته .. لن يترك لحظة واحدة دون أن يقضيها مع جوهرتيه الثمينتينن!

*****************
_ألف مبروك يا سيف.. ماتتصورش فرحتي بيك قد أيه، ربنا بتمملك بخير با صاحبي!

_ الله يبارك فيك يا ابو حسن .. أوعى ترجع الشرقية قبل ما تحضر خطوبتي!
_مستحيل ما احضرش فرحك طبعًا هرجع بعدها!
بس ما قولتليش، إحساسك أيه بالخطوة دي.. خصوصًا إن الموضوع بدون قصة حب!

تنهد سيف وهو يتذكر لقاءاتهما القليلة، وبكل مرة يزداد يقينًا أن حياته معها ستكون جميلة .. كم أحب مرحها ومزاحها الممتع، وثقتها بنفسها التي ازدادت بعد خسارتها للوزن، كما لاحظ احترامها الشديد لوالديها، وحب أشقائها لها.. يلمح بها حنانًا يشتاق مذاقه حين يجتمعان في بيتٍ واحد.. كما يتلهف لتألق دعابتها التي ستختلف عندما يزول حاجز الخجل والتحفظ بينهما!

بهاء بعد أن طال صمت سيف:
أيه يا بني! .. بكلمك ومافيش رد سرحان ولا أيه؟

سيف: لا ابدًا معاك أهو .. عموما نتيجة التجربة دي هي الراحه الحمد لله ، خصوصا بالأستخارة لربنا..
بهاء بصدق: طمنتني يا سيف وربنا يريح قلبك ويسعدك وتكون زوجة صالحة ليك ..
عموما هستعد أنا والولاد وسجدة وهتلاقيني عندك يومها من الصبح يا دوك!
*************************

أروى :أخيرا انتهينا من لوازم العروسة!
رغد: بعد ما رجلنا ورمت من التجول عشان نشتري للهانم كل طلباتها!

ندى: ياسلام ياختي، ذليني بالكام مشوار اللي جيتي فيهم معايا، لولا إن أروى حامل وتعبانة وغلط تمشي كتير، ماكنتش اتحوجت لتختوخة زيك!

رغد بغيظ: اغلطي وقلي أدبك كمان ياعود قصب ماسخ!
ندى : اتلمي يا رغد
أروى: بقولك أيه أنتي مش كل أنا نخرج تتخانقوا زي الديوك كده ماتعصبونيش!!

رغد: ماشي يا أروى اتعصبي براحتك علينا.. لولا الصرصار اللي بطنك كنت ظبطك يا أم عيون زي القطط أنتي!

أروى مقهقهة: والله هيوحشني جنانكم ده يا ولاد اللذينا.. وخصوصًا انتي يا رغد هتبعدي عننا وهتتجوزي في الشرقية! .. ياريت كان سيف خطيبك ياخدلك هنا شقة معانا!
رغد : حرام أطلب منه كده، عنده حياته هناك وشغله، ده غير مامته اللي عايشة معاه ومالهاش غيره، لأن بدر أخوه مستقر هنا في القاهرة!

أروى بتفهم: معاكي حق، المهم ربنا يتمملك بخير ويسعدك فين ما تكوني، وأكيد هنتقابل هنا كل أما تيجي تزوروا بدر أخوه!

ندى بحماس: اه والله وساعتها هنخربها هزار، وولادنا يبقوا حوالينا وتبقى زيطة!

رغد بحقد مصطنع: ما أنتوا ساكنين قصاد بعض يامحظوظين، وهتهيصوا وتظيطوا من غيري ?

ندى: أستر يارب، أنهاردة الخميس يوم خمسة في شهر خمسة!
ضحكت أروى ورغد، ثم هتفت الأخيرة:
خمسي في وشي ماهو ده اللي أهلك علمهولك يابنت الأصول.. طب قوليلي يانحنوحة أخبار معتصم أيه معاكي؟
ندى بهيام: الوزير ده مالي مركزه في قلبي وعقلي.. بحبه أوي أوي يا بنات!
أروى : ربنا يسعدكم يا قلبي، معتصم مافيش منه..
رغد: اللهم أمين.. بس ليه بتقوليلوا يا وزير؟!
ندي مبتسمة: ده كان بسبب موقف حصل بينا أول ما اتقابلنا، ومن وقتها بيحب جدا اقوله كده!
رغد: امممم فهمت يانحنوحة.. طب يلا بقي ياختي أنتي وهي هزرنا وضحكنا! ، نكمل لوازم خطوبتي وكتب الكتاب اللي لحد دلوقتي مش فاهمة استعجلوا فيه ليه!!

أروى: أنتي مش بتقولي إنك ارتاحتي لسيف ومعجبة بشخصيته؟؟.. يبقي خلاص دي أهم بداية، إن روحك تتقبله، والباقي سهل حبيبتي..
ندى : وبعدين انتي بتقولي الواد لوز وقمر، أحمدي ربنا انه عبرك ياتختوخة!!

رغد وهي تجز على أسنانها:
شايفة قلة الأدب يا أروى وكمان بتعاكس خطيبي قدامي الجزمة?
ندي باستفزاز: أعاكسه ليه ياختي، أنا عندي معتصمي حبيبي أحلى من خطيبك البيطري.!!!

رغد بهدوء: الدكتور البيطري ده، مسيري اخليه في يوم يديكي حقنة من بتاعة البقر في لسانك!
أنفجرت أروى ضاحكة وهي جدالهماالممتع!

وقبل أن يواصلوا التسوق، هتفت رغد:
_ نسيت أقولك على حاجة يا بت نودي!

ندى: بت في عينك! ..قولي خير!!!

رغد بتهذيب غريب : ده أنتي حبيبتشي يا نودي.. بصي بقى يا قلبي، أنتي اللي هتزوقيني في خطوبتي مش الكوافير!!!

أروى باعتراض: وماتروحيش لكوافير متخصص ليه؟

رغد: عشان أنا عايزة أكون بسيطة، الكوافير أو ميك أب أرتيست بتاعة اليومين دول بتخفي ملامح الوش وتفضل تعمل كنتور هنا وكنتور هناك ، وفجأة تلاقي وشك قلب لحد تاني.. لكن ندى هتعملي بس رتوش بسيطة تبرز ملامحي مش تخفيها، والطرحة أنا هعرف أظبطها كويس!

ندى: مع إن تصرف غريب على عروسة، بس بصراحة عندك حق.. وواصلت مازحة: ويؤسفني أقولك إني هطلعك من تحت إيدي زي القرد ?

ضحكت أروى بشدة وهي تحسس علي بطنها هاتفة:
حرام عليكم هتولدوني وأنا لسه في الرابع!

رغد مازحة: ده أنتي لو ولدتي دلوقتي هتخلفي دراع وصوباع إبهام ????

**************************

_قولتلك يا أروى ماتلبسيش كعب عالي مافيش فايدة فيكي .. من غير حاجة ضهرك واجعك من الحمل!

أروى بتذمر: خلاص بقى يا بلال.. ماكانتش هتكمل أناقتي بدون كعب عالي.. وبعدين أنا كويسة والله .. وأول ما نرجع بيتنا يا سيدي هحط رجلي في ميه سخنه لحد ما ترتاح خالص بطل تكشير بقى يا لولي!

بلال ممتعضًا : بردوا لولي!؟.. يابنتي قلت ميت مرة أسم بلال مايدلعش، هتضيعي هيبة الأسم!

ضحكت أروى بعد أن شاكسته كما ارادات، ثم تنحت قليلا لجانب ندى لتشاركها التصفيق واندمجت ثانيًا بجو البهجة بخطوبة رغد التي كانت گالأميرة بثوب عرسها وقوامها الجديد!!

بعد قليل أخبر بلال أروى بابتعاده بعض الوقت لإجراء مكالمات مهمة.. ولم تغفل عن عدم أندماجه بالحفل لأنه لا يعرف به أحدًا . ربما لو حضر معتصم بصحبة ندى لاختلف الأمر، لكن منعه الحضور مرض والدته، فلم يذهب اعتمادًا على بلال بتوصيل ندى لمنزلها بأخر الحفل!! ..

شعرت أروى بحاجتها الملحة لدخول دورة المياة.. گ رغبة متكررة لديها منذ حملها..!
أستأذنت ندى وذهبت .. وبطريق عودتها وهي تبحث عن بلال.. أصطدمت عيناها بأخر شخص تتمنى رؤيته بهذا الحفل…….. بهاء!

***********************

error: