رواية ” أنت مكافأتي”

الخاتمة!!
******بعد 3 أعوام!
………………

بثبوت رؤية هلال شهر رمضان المعظم.. تعلن دار الأفتاء المصرية أن الغدِ هو أول أيام شهر رمضان المبارك.. أعاده الله على الأمة الأسلامية بالخير واليمن والبركات! .. وبهذه المناسبة نتقدمُ بخالص التهنئة لرئيس الجمهورية و للشعب المصرى الكريم، ولجميع رؤساءِ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ وملوكِها وأمرائِها وللمسلمين كافةً فى كُلِّ مكان، داعين اللهَ سبحانه وتعالى أن يُعيدَ على مصرَ وعليهم جميعًا أمثالَ هذه الأيامِ المباركة!!

ما أن أنتهى إذاعة بيان دار الإفتاء بتأكيد رؤية هلال شهر رمضان المبارك .. حتى هتفت الحاجة خديجة التي كانت تجلس وبين ذراعيها ” بشرى” أصغير أحفادها من بهاء وسجدة:

كل عام وأنتم بخير ياحبايب جدتكم .. ده أول رمضان هتصوموا معانا فيه!
ثم قبلت خد بشرى: وانتي كمان ياكتكوتة جدتك هتصومي زي أخواتك بس لحد العصر!
الصغيرة: أيوة عشان بابا يجيبلي فانوس وعروسة!

فهتف الصغير حسن: لكن أنا كبير هصوم لحد المغرب ياجدتي.. ومش هاكل خالص وجدو راضي قال هيعلمنا الصلاة، وهايخدني معاه الجامع في التراويح!

فتبعت شمس أخيها هاتفة: وأنا كمان هتعلم زيك يا حسن وهنروح الجامع سوا مع جدو.! وبابا قالي بعد الفطار هياخدنا مع ماما لعمو سيف وطنط رغد ومازن ونيزو، عشان كلنا نشتري فوانيس رمضان!

الجد راضي، وهو يطالعهم بحنان حقيقي وفرحة لا تفارقه منذ قدوم الصغيريين إليهم ومن بعدهما الصغيرة ” بشرى”، وكأنهم تعويضًا له ولزوجته عن غياب أحفاده من أبنه الوحيد الذي لم تنتهي سنوات غربته بعد!

فهتف بحب للصغيرة شمس:
وكمان ياروح جدو هنحفظ سوا مع أخواتك كل يوم سورة صغيرة تصلوا بيها، وكل واحد فيكم هياخد مني كل جمعة 100 ج.. صفقت هاتفة بسعادة طفولية وهي تتعلق بعنق الجد: أتفقنا ياجدو هحفظ كل يوم سورة!
فقال حسن: لا ياجدو هحفظ بس مش عايز فلوس.. أنا عايز أروح مع بابا الأرض كل يوم وأرجع معاه..!

التمعت عين بهاء الذي أتى لتوه، ببريق حنان جارف وفرحة جمة، لتعلق أبنه الشديد به ومحاولته التشبه به في كل شيء!

أما بشرى فما أن بصرت أبيها حتى هتفت بأسمه مهرولة إليه وهي تقفز ليلتقطها أبيها بسعادة هاتفًا: حبيبة وروح بابا أنتي .. ثم قبل وجنتها، وجثى بركبتيه ليضم إليه شمس وحسن الذي اخبره أبيه:

الأرض هتبقى شمسها حامية عليك في الصيام ياحبيبي.. أوعدك بعد العيد هبقى أخدك معايا كل يوم.. اتفقنا يا بطل؟

أومأ حسن برأسه وابتسم هاتفًا: أتفقنا يا بابا!
……………..………………

_تنعاد عليك الأيام بخير يا ابو حسن، ومايحرمناش منك أبدً!

_ ولا يحرمني منك يا روح وقلب ابو حسن ويحفظكم ليا أنتِ وولادنا يا سجدة!

أجابت: تسلم ياحبيبي، تحب تاكل أيه على الفطار عشان اعمله؟
أجاب: شوفي الولاد وعمتي وعمي عايزين أيه، وأنا هاكل أي حاجة من إيدك الحلوة !

هتفت مبتسمة: يسلملي دلالك ليا ولسانك الطيب!
جذبها لتجلس جواره مقبلًا جبينها:
مهما قلت ولا دللتك مش هوفيكي حقك يا سجدة، أنتي اتحملتي مني كتير وقاسيتي بسببي أكتر، نفسي أنسيكي ال…………….

أعاقت استرساله بكفها هاتفة:
أنا نسيت كل حاجة ومش فاكرة غير أني عندي زوج حنين بيحبني وبيخاف عليا وولاد مالين الدنيا علينا سعادة، اللي فات خلاص راح لحاله، مافيش في قلبي ليك غير الحب وبس يابهاء، بطل تلوم نفسك كفاية! انت خلاص مبقاش عليك ديون لحد ياحبيبي..!

اقترب منها ثم هاتفًا وعيناه تحضن ملامحها بشوق وعشق حقيقي: هو فاضل قد أيه على المغرب؟
ضحكت باستمتاع : ده إحنا لسه مصلين الضهر يا ابو حسن، على ما تقرأ قرآن وتنام شوية يكون آذن!!
وكمان اشوف بنتك بشرى فين، أحسن تكون بتاكل من ورايا المفحوعة!

ضحك قائلا:
فعلا مابتتحملش، وكل شوية تيجي تستعطفني وتوجع قلبي بنت اللذينا وتقولي :

يا بابا أنا جعانة وبطني مافيهاش شيكولاته ، ولا بسكوت ، ولا شيبسي ولا مكرونة! طب هاكل واحدة قطايف، واصوم للمغرب ومش هاكل تاني!

ضحكت لبراءة طفلتها: عايزة تسلي صيامها بالقطايف، دي بتصوم ساعتين من الضهر للعصر البكاشة وبتستعبط وبتعمل كده معايا ومش بطاوعها، لازم يا بهاء نعودها على الصيام من دلوقت، زي أختها شمس وحسن ربنا يحرسه ويحميه، راجل وشديد من يومه، ولا مرة طلب ياكل ابدًا، وبيصبر بشكل بيدهشني على عمره الصغير ده!!

أبتسم بهاء بحنان وفخر وإعجاب : تعرفي أنه واخد من طبع أمي الله يرحمها كانت شديدة وصبورة وقوية كده! ثم تبدلت لمعة عينه الحانية بأخرى حزينة مستطردا: بس أنا اللي ماكنتش فاهمها صح!

سجدة منتشلةً إياه من انجرافه لذكريات مازلت للآن تؤلمه: طب حسن وعرفنا طباعه طالعة لمامتك وشمس كوكتيل واخده من الكل.. بشرى بنتك بقي، طالعة لمين في موضوع قلة الصبر علي الصيام؟!

بهاء وهو يستعيد روحه المرحة بعض الشيء:
أقولك وتستري عليا قدام الولاد!

أومأت سجدة برأسها إيجابا بحماس، فأكمل:

بصراحة طالعة ليا أنا .. ماكنتش بتحمل الصيام أبدا، وبخاف ازعل بابا لو فطرت.. فكنت بلقط وأكل من وراهم مالذ وطاب طول النهار من غير ما حد يشوفني!

أنفجرت سجدة تضحك بهستيريا وهي تتخيل فعلته
فقال بغضب مصطنع : أنا غلطان أني حكيتلك ، أتفضلي على مطبخك وسيبيني أقرأ في القرآن.!!

همت بمغادرته بالفعل حتى لا يضيع الوقت، فمازال لديها الكثير لتفعله.. إلا أن أوقفها بهاء بندائه، ثم انحنى قرب أذنيها يحدثها بصوت ماكر:
بقولك أيه .. بالليل عايز أحلي بأم علي!

أحمرت وجنتيها وهي تعرف مغزى طلبه ومعناه، فهتفت بغضب تداري به خجلها:
يوووه يابهاء.. مش وقتك خالص على فكرة!

ضحك على مرآى أحمرار وجهها وخجلها المحبب.
.
ثم حمد الله سرًا على نعمته بها..

ربما لم تنتهي رحلة ندمه واستغفاره بعد، ويظنها لن تنتهي حتى يأخذ الله أمانته! ..

ولكن يكفيه أنه لم يظل ذاك العاصي العاق الفاسد الفاقد أحترام الجميع، لقد منحته رحمة ربه زوجة صالحة تحبه وتدعمه وتخفف عنه صعوبات الحياة، كما أنعم عليه بتؤاميه الحبيبين ثم بالصغيرة بشرى، والتى اختار لها هذا الأسم، لشعوره أنها هكذا، آية وبشرى جديدة وأكيدة لغفران ربه ومسامحة سجدة له بعد عودتهما ومحاولته تعويضها ما قاسته!

سيفعل كل ما بوسعه ليغرس بأطفاله كل شيء تمناه في نفسه يومًا! ودائما ما يدعوا أن يُرزق برَهُم وطاعتهُم عِندمَا يبلُغَ مِن الِكبَر عِتِيًّا ..!

*******************************

_ يا رغد.. يا أم. نيازي .. أنتي فين أنتي والولاد !

توجهت رغد إليه گ القذيفة من مطبخها، وتحمل بيدها ملعقة خشبية كبيرة ملوحة بها بحنق شديد :

ولادك تحت عند جدتهم يدوب فطرنا ونزلوا.. ممكن بقى تبطل تنرفذني وتقولي يا أم نيازي يا سيف!

مش كفاية الأسم العجيب اللي أختارته مامتك لابني!
ذنبي أيه إنها حلمت وأنا حامل إني جبت ولد اسمه نيازي! يعني لو كنت سميته احمد كان هيتحول بالليل

ثم واصلت بغيظ:
بذمتك ياشيخ في حد لسه بيسمي الأسم ده دلوقتي!

سيف وهو يشعل حنقها أكثر: ليه بس كده بس يا أم نيازي! ده حتى أسم مميز ومختلف!

رغد : سييييف ماتغظنيش ، أسمه نيزو مش نيازي!!
أنا ماصدقت كل الناس اتعودت تقوله كده .. ونسيوا نيازي خالص!

سيف ضاحكا : والله انتي مجنونة يا رغد ، في حد يكره أسم أبنه.. ثم هتف قاصدًا إثارتها غيظهاأكثر:
عموما المرة الجاية أمي هتختار حاجة تعجبك!

رغد وهي تقبض مقدمة قميصه بشر :

يمين بالله المرة الجاية ، ما هخلي أمك تعرف اننا جبنا عيل تاني إلا وهو في الإعدادية!!

ضحك سيف بشدة، حتى ارتمي على مقعد مجاور وهو يقول من بين ضحكه الهستيري: يخربيت فقرك ، بموت في استفزازك عشان خفة دمك دي ..

ثم قام واحتضنها هاتفا ببقايا ضحكاته:
ماتزعليش ياحبيبتي المرة الجاية انتي اللي هتسميه يا عمري! ثم غمز بإحدى عيناه مشاكسًا:
بس انتي شدي حيلك كده معايا..!

رغد وقد لانت لمحاولته لاسترضائها : طب ما أنت حلو اهو ، امال كل شوية تعصبني ليه يا غلس!

سيف : بحب قفشاتك وردود أفعالك الكوميدية ، أنا اكتر حاجة جذبتني فيكي خفة دمك ولماضتك، كل شوية بحكاية مسلية.. أنتي زوجة صد الملل، وبحبك بكل حالاتك ..وصحيح جوازنا كان تقليدي و مش بقصه حب فظيعة .. بس صدقيني أحيانا العشرة بتولد أمتن علاقة حب بين اتنين!

رغد وهي تحتصنه بحب : بحبك يا ابن اللذينا، بحب كل حاحة فيك، بحب كلامك وعقلك وحكمتك وقلبك الجميل وعدلك بيني وبين والدتك لو حصل خلاف!
وبجد ماتزعلش مني أني ساعات ببقى مجنونة، بس والله طيوبة وكيوت.. ولا عندك رأي تاني يا أبو ميزو؟

سيف وهو يلف ذراعيه حول خصرها ليضمها أكثر:
لا طبعا يا قلب ابو ميزو .. بحبك كلك على بعضك!
ثم أراد إثارتها حنقها ثانيًا فهتف بمكر: حتى بعد ما زاد وزنك 10 كيلو كمان ..
رغد بغيظ: هما 5 كيلو بس! خليتهم 10 أمتي يا مفترى! مش كفاية معيشني طول الوقت في نظام غذائى.. أدي عيب اللي تتجوز دكتور، حتى لو بيطري!

سيف وهو يرفع حاجبيه بضيق مصطنع: مش عاجبك الطبيب البيطري؟!

رغد بدلال: هو أنا بقيت بحب مهنة في الدنيا قد مهنتك.. من يوم ما كلمتني عنها وشرحتلي أهميتها وانا بجد بحبها.. وبحبك لأن مافيش حد زيك كده عنده نفس الرفق والرأفة بالحيوان..
سيف بحنان: طب كفاية كلام عن مهنتي أحسن هغير، وخليكي فيا أنا .. عايز اقولك كلمة سر!

رغد متصنعة عدم الفهم: كلمة أيه ياحبعمري..؟

_كلمة هنا .. وهنا .. وهنا !
وصاحب كلماته لمسات حانية من شفتيه على وجهها، والتي قاطعتها رغد هاتفة بتوجس: سيف.. أنت شامم ريحة حاجة بتتحرق ؟!
هتف ومازال مغيبًا: ريحة أيه يا قلبي؟
رغد وهي تدفعه بيديها ليعود تركيزه: ياسيف في ريحة حاجة بتتحرق.. شم كده؟!
قال بعد أن استنشق بأنفه رائحة ما : اه فعلا في حاجة بتتحرق جامد!

هرولت رغد على مطبخها لتتبين طعامها، فوجدت طنجرة “الأرز باللبن” .. وأخرى تحوى ..” قمر الدين” التي كانت تصنعهما محترقين عن أخرهما..!!
فعادت لسيف قائلة وهي تكاد تبكي :
الرز بلبن وقمر الدين اتبخروا يا سيف!.. كانت مامتك طالبة تاكل منهم سخنين?

ضحك سيف ثم هتف بحنان: فداكي حبيبتي.. تعالي وانا هساعدك نعمل غيرهم.. وبعدها ننزل نقعد مع أمي شوية! .. واعملي حسابك بهاء ومراته وولادهم جايين بعد ساعة هنخرج كلنا نشتري حاجات العيد بدري قبل الزحمة وهنرجع تاني نتسحر مع أمي! وبكرة أنا وأنتي والولاد وماما معزومين عند بهاء على الفطار!

أومأت رغد بالموافقة وقد ابتهجت أنها ستقابل صديقتها سجدة،التي أصبحت بمسابة الأخت لها بغربتها عن أهلها بالقاهرة ..فعلاقتهما صارت بنفس متانة علاقتها بأروى وندى”

هتفت لزوحها : ماشي ياحبيبي أنا أصلا وحشتني سجدة جداااا والولاد. وخصوصًا الصغنونة بشرى عروسة ابني مازن!

ابتسم سيف:
ياريت والله وانا موافق من دلوقتي، أنا عاجبني جدًا تربية ولادهم، الشهادة لله أم حسن ونعم الزوجة لبهاء وأم ممتازة!!
رغد بمزاح: طب شخلل جيبك من دلوقت الولاد بيكبروا بسرعة يا ابو ميزو!

سيف بمشاكسة: طب شدي حيلك أنتي كمان عايزين نخاويهم قبل مايكبروا.. يا أم. نيازي ?

جزت على أسنانها بغيظ: سيييييف ماتطلعش زرابيني، بدال ما انزل اعملك مصيبة عند الحاجة تحت???

ضحك وهو يجذبها عنوة للمطبخ، لينتهوا من إعداد أطباق الحلوى الرمضانية التي طلبتها والدته للذهاب إليها، ولكن لم يصمت عن مشاكسة رغد وإشعال غضبها، لتتفوه بكل مايضحكه!

**************************

_كان نفسي أصوم رمضان السنادي يامعتصم، بس للأسف الدكتور مانعني نهائي من الصيام!
_ تتعوض السنة الجاية ياحبيبتي ..إحنا ماصدقنا يا نودي ربنا كرمنا، ودي رخصة ربنا حللهالك لو الصيام في ضرر بالجنين!
_ الحمد لله إن رزقنا بعد صبرنا، كنت خايفة أوي يا معتصم إني مبقاش أم ، وإنك تتخلى عني وتكره حياتك معايا مع الوقت، خصوصًا إن مامتك كانت ابتدت تزعل عليك، وأنا مش قادرة أعمل حاجة، بس أنت طلعت أصيل وغرقتني بحنانك ودعمك!

_ أنتي عبيطة على فكرة، أتخلى عنك أزاي! الولاد دول رزق من ربنا ..ولو ولادي مش منك مش هتمناهم يا ندى.. وأمي معذورة، أنا ابنها الكبير، بس والله عمرها ما قالتلي حاجة من الي في دماغك بالعكس كانت بتدعيلك !
_ ربنا يبارك فيها وتشيل ولادنا وتفرح بيهم معانا.. قولي بقى ياحبيبي، لو جبنا ولد هتسميه أيه؟
_ غيث!
_ أشمعنى اخترت غيث؟!
_ لان معناه المطر اللي بيروي كل ارض عطشانة ويرد فيها الحياة تاني .. وهو بالنسبة لينا كان زي الغيث في عز ما احنا بنتمني قدومه عشان يروي أمومتك ويسعدني ويفرح قلب أمي اللي من يوم ما عرفت بحملك وهي بتقيم الليل يوميا وتصلي شكر لله!
يبقي يليق عليه أسم غيث ولا لأ… ؟!

ندى بتأثر : يااااه يامعتصم، وكأن ماينفعش يكون أسمه غير كده! … “غيث” .. حبيته أوي، ربنا يتم فرحتنا ونشوفه بين ايدينا بخلقة تامة ويجعله ذرية صالحة لينا!
معتصم : اللهم أمين يا حبيبتي..

**************************

_عن بُريدة رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: “من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن”.

وعد وهي تحاول فهم ما يقوله أبيها:
يعني أيه يا بابا معاذ؟

فقال: يعني يا وعد لو واظبتي على قراءة القرآن وحفظتيه في المده اللي تتيسر ليكي.. يوم القيامة هتلبسي ماما زينة وبابا قاصي تاج من نور.. وهيفرحوا بيكي أوي لأنك كده بتبريهم حتى وهما مش معاكي!

صمتت تستوعب أكثر ما سمعته ثم هتفت بوعي يفوق عمرها وحماس:
أوعدك يا بابا معاذ أحفظ القرآن كله عشان يوم القيامة أهدي ماما زينة وبابا قاصي تاج من نور..!

ثم اقتربت منه مواصلة: وأنت كمان يا بابا ليك عندي هدية انت وماما بيسان هتحبوها أوي بس بعد يومين وأحنا بنشتري لبس العيد مع عمو سليم!
معاذ متعجبًا: هدية أيه واشمعنى بعد يومين!؟

قبلته دون تخبره، ثم ذهبت وتركته يطالع أثرها بحنان أبوي صادق.. وإعجاب حقيقي بذكاء تلك الطفلة، وقدرة استيعابها العالية.. وهذا ما ساعده حين أخبرها عن أبويها بعيد ميلادها الماضي حيث أتمت الصغيرة تسع سنوات، وقص لها بطريقة تناسب إدراكها، أن الله جعلها فتاة مميزة، حين ادخر لها أبوين يستقبلانها في الجنة، ثم اعطاها أبوين يرعانها في الدنيا، حتى تكون فخرًا لهما ولأبويها المتوفان أيضًا..!
_ معاذ… .. معاااااذ!

أفاق من شروده على صوت بيسان:
أيه ياحبيبتي!!
فقالت: بنده عليك مش بترد، كنت بقولك فين وعد

جذبها إليه وأجلسها على ركبتيه كما تحب هي:
وعد راحت اوضتها.. ثم أدار رأسها برفق هاتفًا:

بصي كده هناك ، نظرت حيث أشار، فرآت شيء كبير ومغلف لم تنتبه له بزاوية الغرفة، نهضت بفضول، وكشفت غلافها وشقهت بدهشة هاتفة :

الله يا معاذ ، الفانوس ده عشاني!! أنا قلت خلاص نسيتني ومش هتجيبي زي كل سنة، ثم واصلت بحماس: ده نفس اللي كنت عايزة أشتريه واعلقه في السفرة مكان ما بنفطر!
عادت إليه، وجلست على ركبتيه ثانيًا وعقدت ذراعيها خلف عنقه هاتفة بدلال :

ربنا يخليك ليا ومايحرمني منك أبدا .. وتفضل دايما تعيشني طفولتي بالحاجات اللي بحبها .. أنت زوجي وابويا وصديقي وكل حاجة ليا ..

معاذ وهو يشدد باحتضانها وعيناه تتشرب ملامحها : هتفضلي دايما بنتي الأولى اللي هفضل أدللها لأخر لحظة في عمري ..وزوجتي الوفيه اللي فضلت تحبني رغم علتي واتقبلتني وفضلت تمد أيدها ليا.. ورفضت غيري يشاركك أيامها.. وحافظت على مكاني في قلبها وروحها وحياتها لحد مارجعت لحضني من تاني!

قبل حبينها، ثم قال:
وهتفضل “وعد” .. مش بس بنتي الي ربنا أهدانا بيها، لأ.. وعد هي قطرة الحياة اللي روت حرماني وعيشتني إحساس الأبوة اللي افتكرت عمري ما هحسه مع حد .. ” وعد ” عطية ربنا اللي هشكره عليها في كل صلاة ..
بيسان وهي تقبل رأسه وعيناها تفيض له عشقًا:

ربنا بيعطي كل واحد فينا اللي يستاهله .. وأنا أكتر واحدة عارفة قلبك الأبيض وطيبتك وحنيتك، ربنا كافئك عشان نقاء روحك يا معاذ ..
وأوعدك أكون الزوحة الصالحة الوفية اللي عمرها ماشافت ولا هتشوف فيك عيب أو علة!

ولأن “وعد ” كانت مكافأتنا سوا .. أنا كمان بشاركك العهد، أننا نكون الأب والأم اللي تستاهلهم ” وعد” ..!

………………………… .

_هي وعد فين يابيسو؟ كل ده بتلبس؟هي هتبتدي شغل الأنسات من دلوقتي! دي لسه 9 سنين..!
بيسان مبتسمة:
معرفش هي قالتلي ياماما أوعوا حد يدخل أوضتي واستنوا أما اطلع عشان عندها مفاجأة لينا..
معاذ: كده هنتأخر على عمها سليم وصفا والولاد، التسوق للبس العيد بياخد وقت خليها تخلص!

صدح صوت “وعد” من بعيد:
_ ماما .. بابا.. غمضوا عينيكم!!

بيسان بضحكة قصيرة وصوت خافت:
شكلنا هنقعد نلعب معاها وهنأجل مشوار لبس العيد!
معاذ: خلينا معاها للأخر وغمضي عينك بلاش غش!!

وقفت الصغيرة تطالعهم بابتسامة بريئة، هاتفة:
_ خلاص يا بابا فتح عينك أنت وماما..!

ما أن انفرجت عيناهما حتى ترقرفت دمعًا فور رؤية صغيرتهم تظهر عليهم بطلة أدهشتهما..!

الصغيرة ذات التسعة أعوام قامت بإرتداء الحجاب!
لم يخبرها أحدًا أو يوجهها، فقط يذكر معاذ أنه منذ وقت قليل مضى، قد أخبر بيسان بينهما، أنه يتمنى حين تكبر وعد قليلًا وتتخطي مرحلة الطفولة، أن ترتدي الحجاب برغبتها بعد أن يوضح لها اهميته!

وما لم يعلمانه أن الصغيرة سمعت حديثهما قدرًا، ولأن معاذ يؤثر بها بشكل كبير، فكل أمرٍ منه عليها نافذ! ورغباته هي بالنسبةِ لها هدفٍ دائمًا تسعى له!

معاذ أضحى للصغيرة مثل أعلى في كل شيء!
هو في نظرها وبعقلها الصغير لا يخطيء ولا يقول إلا صوابًا..! كما جعل تفكيرها دائمًا يتخطى عمرها القليل، بفصل الله ثم بالقراءة التي أدمنتها حد الهوس، فأحضر لها كل ما يناسب عمرها، وصارت تطلب المزيد والمزيد، حتى باتت كل متعتها تتمثل في كتاب أو قصة جديدة!

أما الصغيرة واقفة أمامهما تطالعهما بابتسامة صافية وهي تنتظر عناقهما لها والمدح في فعلتها..!

فكانت بيسان أول من أطلقت العنان لمشاعرها، وهي تعانقها بفرحة! لكن ظل معاذ يحتويها بنظرات حانية ممتزجة بفخرٍ بأبنته التي أصبحت الآن گ أميرة بحجابها..! تلك عيدية وعد لأبويها..!

أحتضنها برفق مُقبلًا رأسها، متمتمًا بحديثه لذاته:

خذي مني وعدًا گ حروف إسمك الثلاث يا صغيرة!
سأكون لكِ خير أبٍ تستحقيه! وأيام عمري الباقية ستثبت ذلك!

*******************************

تراقبه وهو يلاعب الصغيرين رؤى وتيم!
مترددة في الحديث معه بشأن ما تريده! هي تعلم أنه مازال لا يطيق سيرة أبن عمتها..! ولكنها تتمنى أن يصفح ويتقبله كما فعلت هي منذ زمن.. فلا أحدًا معصوم!!..لمح شرودها فقال:
مالك ياحبيبتي سرحانة في أيه؟
قالت: ممكن تيجي معايا، عايزة اكلمك في حاجة يا بلال!
……………………… .

بلال بعد أن أختلى بها بغرفتهما: خير يا رورو؟

أجابت: ماما ناوية تعمل عزومة لينا كلنا في أول يوم في عيد الفطر المبارك!
بلال: كل عام وهي بخير، ربنا يديمها لينا و نتجمع حواليها كل سنة.. مافيش مشكلة خالص، هنكون أول الموجودين بأذن الله!
أروى ومازالت لم تصل لمبتغاها: أمين يا حبيبي بس أصل……………

اقلقه تلعثمها بلال فقال برفق : في أيه يا حبيبتي؟

ألقت ما تريده سريعًا حتى لا تتراجع:
أنا كلمت سجدة ورغد وعرفت انهم هيقضوا أيام العيد في القاهرة ومعاهم ولادهم، وماما اصلا عازمة سجدة وبهاء وولادهم معانا في العيد!

صمتت تترقب رد فعلة. فلم يصدر منه شيء سوى نظرة عابسة، وحاجبين مقطوبين، وشفاه مضمومتين، منتطرًا سماع أخر ما لديها!

فاقتربت وبعيناها تستجدي تفهمه:

كام سنة مرت يا بلال وموقفك من بهاء ما اتغيرش! أمتي هنسد الفجوة اللي بينا عشان ولادنا وولادهم في المستقبل! .. سامح يا بلال ، ده ربنا بيسامح!
مجرد سلام حتى وماتكلموش بعدها.. عشان خاطر ولاده ومراته الطيبة اللي بتحاول توصل المقطوع بينا وكل أملها تحس أنهم مش لوحدهم بولادهم في الدنيا.. وإن في أهل يسألوا عليهم ويزورهم!

صمت بلال برهه أخرى، محاولا السيطرة على غضبه حتى لا يصبه عليها!.. وتفوه أخيرا بأقصى ما استطاعه من هدوء:

أنا أكتر حاجة ممكن أعملها، إني لو اضطريتني الظروف أشوفه في مكان، أمسك نفسي عن أذيته! فماتطلبيش مني فوق طاقتي يا أروي!

ورغم إن فكرة إنك تكوني في مكان هو فيه دي لوحدها مشكلة عندي! بس عشان ما تزعليش أو تقولي بحرم الولاد من بعض، هسمحلك تحضري وتكوني وسطيهم في العيد.. بس من غيري!

رمقته بعين دامعة ومازالت تستجديه:
إزاي أرتاح لو أنت مش موجود معايا.. يعني اسيبك في العيد لوحدك؟! مش هقدر!

بلال وهو يحوط وجهها براحتيه، متأملا عينيها:
يمكن لو كان غلط في حقي كنت مع الوقت سامحته!
بس لأن أذيته طالتك أنتي.. صعب أسامح! أفهميني وماتضغطيش عليا، روحي أنتي ورؤى وتيم وانبسطوا، أنا ممكن أبقى موجود بوقت تاني.. وسيبي كل حاجة للأيام.. يجوز في يوم أقدر أتعامل معاه لو قابلته! محدش عارف الغيب مخبيلنا أيه!!!

غادرها وظلت هي تردد داخلها الدعوات ليستقيم الحال يومًا ..هي تعلم جيدًا أن لكل إنسان قدرة وطاقة تحمُل.. ربما لم يقدر بلال على المسامحة أو العفو الآن .. ولكن من يدري بما تحمل الأيام لكلاهما.. فكل يومٍ هو في شأن!
***************************************

يومٍ جديد تتنفس صباحاته بنسماتِ عيد فطر الصائمين.. والتي هلت بشائر هلاله بالليلة السابقة..
وكل مهنيءٍ يصافح من جواره.. ويصدح بمسامعهم أصوات تكبيرات مهيبة تعلن عن حلول مكافأة كل صائم، قضى ثلاثين يومٍ .. مابين صيام وقيام وتراويح وتجهد وموائد سحور وفطور عامرة!

وبتلك الأجواء..أودع معكم ابطال روايتي، الذين سردت لكم قصتهم وترجمت أوجاعهم كما شعرت بها على مدى أيام أمتدت لاشهر معدودة!

كما أهدى روايتي إلى زوجي العزيز الذي دعمني معنويًا ولم يقلل من موهبتي..! بارك الله فيه!!

تمت بحمد الله ..

error: