رواية مدثر للكاتب محمد حافظ
مدثر# الجزء الخامس و العشرون
امشي بخطوات غير ثابتة، والخوف يعتريني بشكل لم أعهده في حياتي، دقات قلبي تتزايد وكأنه يريد الخروج من صدري، تدور في رأسي عشرات الأسئلة، بل مئات أخشى ان تصبح اكثر فأكثر، أنفاسي في إيقاع تصاعدي، أحاول ان اهدأ، فلماذا كل هذا هل سيقبض روحي، هل سيقتلني كيف يفعل هذا وقد أمنته على زوجتي وأبنائي، اعلم أني أخطأت بإدخاله لعبة ليس له علاقة بها، لا اخاف منه بقدر خوفي ان اخسره، تبا مهما علا مستوى ذكائك فلا تعتقد أبدا انك الأذكى فهناك من يفوقك بكثير، ان سألوك عن العدل في بلاد المسلمين قل قد مات عمر، وان سألوك عن ظلم الأخ قل فعلها عمر، وهيهات بين العٌمريين.
اشعر بخطوات قدمي وسط هدوء شنيع، اشعر ان الحارة أخلاها الكبير لينفرد بي، اراه من بعيد جالسا في شموخ، كلما اقتربت خطوة اشعر بالرعب هو من كنت احتمي به، اليوم أودّ ان يحميني الجميع منه.
لقد توقفت قدماي فجاه، رآني اقترب، ونهض من مكانه، تغير الموقف تماما، فهو قادم وقدماي لا تحملانني، علي السير خطوة واحدة ثم تليها الأخرى، سمعت ان الأرض ممكن ان تنشق فجأة، كم وددت ذلك في تلك اللحظة الرهيبة، تبادرت في رأسي فكرة غبية، ولكن سريعا قمت بطردها، فكرة ان اهرب من أمامه اجري ثم اجري واختبأ، ولكنه ليس حلا اذا عليّ ان انتظر مصيري.
أقف وانا أضع يدي في جيوبي، يقترب ويقف امامي، لا اقوى على النظر إليه، أنظر إلى الأرض، أحرك ترابها بقدمي، كنت اعرف السؤال الأول جيدا وماذا سيقول، وظللت طوال الطريق ابحث عن إجابة لأقول انا قبل ان يتكلم:
“والله يا كبير قاعد أدور على اجابه سؤالك اللي انت عاوز تقوله ومش عارف اقولك ايه”.
يقول في ذكاء “طول ما انت مش عارف الاجابه تبقي غلطان وحاسس بنفسك وبعملتك”.
انظر له لأول مرة واقول “انا عارف اني غلطان علشان كده كنت خايف من سؤالك اللي في عينيك وانت عاوز تقول ليه يا مدثر؟”، يمسكني من ذراعي بقوة شاب لم يتعدى الثلاثين من عمره ويقول “انا كنت بعاملك زي طارق ابني حمايتك، وحافظت عليك على قد ما اقدر دخلتك بيتي ودي كبيره اوي الصعايده ميعملوش كده مع اي حد ما صونتش العيش والملح
وعرفت انك عملت كده مع الراجل اللي وصلك للي انت فيه، قلت انك مظلوم وشفتك بعيني وانت بتلعب قمار وماشي في سكه الشيطان اشتريت عداوة ياسر علشان خطرك وتروح تحط ايدك في ايده من ورايا عارف انا المفروض اعمل فيك ايه”، انظر له وأقول “عارف طبعا ممكن تعمل فيه ايه كويس اووي وانا قدامك اهو ومستعد لأي حاجه، بس يشهد عليا ربنا اني بريء من كل اللي بتقوله”، اسمع صوتا اعرفه يقترب في الظلام، وهو يحمل مسدسه يقول:
“لسه بتقول بريء”، كان المتحدث طارق الذي نظر إلي بمنتهي القسوة ثم وضع سلاحه فوق رأسي ليقول الكبير وهو يخفض سلاح طارق “اللي زي ده حرام فيه الرصاصه اللي هتطلع منك”، سحب طارق زرار الأمان غير مبالي لما قاله والده، ليقترب فجأة صوت من الاتجاه الاخر يقول:
“نزل سلاحك يا طارق ملكش دعوه بمدثر”
ارجع بالذاكرة لشهور مضت حين امر الكبير ياسر ان يخفض سلاحه من فوق رأسي لتنقلب الايه ويطلب ياسر من طارق ان يخفض سلاحه الأن، يالها من دنيا غريبة، يضحك الكبير ويقول “انت اللي بتحميه دلوقتي يا ياسر ما هو صحيح من عينتك وشبهك”، يقول ياسر وهو يرفع سلاحه في وجه طارق “ملوش لزمه الكلام ده يا كبير انا ظلمته زمان بلاش انت تظلمه النهارده”
احتدم الموقف جداا وشعرت وقتها ان بيننا شخص ميت تمنيت ان اكون انا..
**************************
“هو مدثر راح فين”
سألت هايدي وليد الذي قال “ربنا يستر انا مش مطمن”، ألقت هذه الكلمات الرعب في قلب هايدي لتقول “فهمني اكتر ووضح كلامك”، يسكت وليد لثواني ثم يقول “انا هحكيلك علي كل حاجه”، وأثناء حديثه خرج الدكتور من غرفة العمليات لتجري هايدي وتسأله عن مروه، طمأنها الطبيب بنجاح العملية ولكنه منع زيارتها تماما، تفهمت هايدي كلامه بصفتها طبيبه ولكنها شعرت بالراحة تملأ صدرها، لتعود للحديث من جديد مع وليد ليكمل لها القصة وماذا فعل عمر، تنبهت هايدي ان هناك كارثة تنتظر مدثر مما جعلها تقول:
انا مش هستني دقيقه واحده يلا بينا من هنا ان لازم اروح اشوف اخويا واطمن عليه”،
ينظر لها وليد ويقول “تروحي فين في الوقت المتأخر ده انا واثق ان مدثر هيخرج منها”، لم تطاوعه هايدي وأصرت على موقفها مما جعل وليد يستجيب لها وكله قلق وخوف.
**************************
“رمزي ايه اللي جابك دلوقتي”
قالها عمر وقد نهض من نومه مفزوعا من طرق الباب، دخل رمزي بعد ان استأذن عمر في ادب واضح، سكت رمزي بعد ان ارتاح قليلا ليقول عمر “انا جايلك في نصيحه ليك”، يضحك عمر وهو ينظر في ساعته ويقول “انت جاي تنصحني بأيه الساعه دي يا رمزي”، يقول رمزي في ثقه “صدقني انا عاوز مصلحتك بلاش تخسر اخوك هو معملش حاجه لكل ده احنا اللي ظلمناه بقسوتنا ومرحمنهوش كل واحد فينا افتري عليه وحاربه وطلع عليه اشاعات وكلنا عارفين انه بريء”، ينظر عمر باندهاش الى رمزي ويقول “بقي انت اللي بتقول كده دلوقتي”، يبتسم رمزي ويقول “علشان مش عاوز اشوفك مكاني صدقني انا خايف عليك انت، هو مظلوم وربنا هيجبله حقه مهما عاملت فيه”، ينظر رمزي الى منزل عمر الفاخر ويكمل “تقدر تقولي العز اللي انت فيه والعربيه الاخر موديل وهدومك وفلوسك جايبهم منين يا عمر كل حاجه بتاعته هو انت حتى لو رئيس نيابه لا يمكن يكون عندك بيت وعربيه وفلوس كده ولو بعد عشرين سنه انت في نعمه مش حاسس بيها، مدثر بيديك دليل ادانه ليه وبيطلع بعد كده حبل بتلفه حولين رقبتك انت”، يضحك عمر ويقول “بس انا راسي سليمه معلهاش بطحه زيك انت مشيت في طريق غلط ولازم تكون دي نهايتك يا رمزي، لكن انا معنديش غلطه واحده هو بيعرف ازاي يصطاد كل واحد فيكم من نقطة ضعفه أما انا معنديش حتي دراع اتلوي منه وده الفرق اللي بيني وبنكم يا رمزي”.
ينهض رمزي بعد ان يئس ويقول “عارف يا عمر الصور اللي بعتها مدثر للولا دي طلعت مضروبه تفتكر ان مدثر بالغباء اللي يخليه يتصور فيديو وهو بيلعب قمار وبيشرب خمره لاء وايه قاعد في وش الكاميرا بالظبط فكر يا عمر كويس اخوك مش سهل”، رمى رمزي تلك الكلمات التي استوقفت عمر وجعلته يفكر كثيرا قبل ان يمسك هاتفه وطلب عز ابن عمه فؤاد ويقول:
“وقف العمليه فيه حاجه غلط”
رفض عز كلامه في استكبار قائلا “خلاص معدش ينفع يا عمر كلها دقايق ويجي خبر الكبير”.
يمر الوقت من حولنا والموقف يزداد سوءا خصوصا بعد ظهور هشام الذي طلب من الجميع خفض السلاح قائلا “عمي لازم تمشي من هنا فورا في خطر على حياتك”، ينظر طارق الى هشام ويقول “ابعد انت يا هشام من هنا وخد ابويا معاك”، نسمع شد أجزاءا من سلاح آلي في هدوء الحارة الشديد يرى ياسر خيالا في الاتجاه المعاكس فيلتفت في سرعة بديهة، ويرمي نفسه امام الكبير فجأة قائلا:
“حاسب يا كبييير”،
لتسكن رصاصة في ذراعه وما كان مني انا وطارق الا نفس رد فعل ياسر لنسقط أرضا واضعين الكبير تحتنا لحمايته، ويتبادل هشام إطلاق النار مع مجهول فوق احد الأسطح القريبة، وما كان منه الا الفرار بعد ما زحفنا بالكبير الى احد المناطق الآمنة ليتعقبه هشام بسرعة بالغة وهو يصعد سلالم احد المباني، فزعنا عندما رائينا ياسر غارقا في دمائه و يقول “متخفوش انا كويس” وينظر للكبير ويكمل “المهم انك بخير يا عم عبد الحميد”، وما كان منه الا ان وضعه في صدره، اما طارق فقد اخرج منديلا من جيبه محاولا ان يوقف النزيف، علت أصوات الصراخ من شُرف الحارة عند سماعهم الأعيرة النارية، وبعد الهدوء أتت العاصفة ينزل الحج طه من منزله ومعه مريم وكذلك شريف وكثير من سكان الحارة، شقت مريم قميص ياسر لتري جرحا غائرا نحمله انا وطارق لأسمع صريخ يقترب من احد الاتجاهات مرة اخرى يقول:
“مدثر اخويا”
كانت هايدي التي اعتقدت اني أصبت او مت، احاول ان أهدئها بعدما ارتمت في صدري وأقول “متخفيش يا حبيبتي انا كويس”، ركبنا سيارة طارق وقبل ان يتحرك اتت حبيبه قائلة وهي تلهث “الحق يا مدثر فريده بتولد”، وقفت ثواني افكر ليقول ياسر وهو يتعرق “روح يا مدثر خليك مع اختي هي محتجالك اكتر مني وخد معاك مريم وقولولها اني كان نفسي ابقي جنبها دلوقتي”، انزل من السيارة ويستبدل مكاني شريف ويذهب مع الحج طه وطارق، اجري كطفل وتأتي هايدي ومريم خلفي دخلت الهث وانا انظر الى فريده وكانت بجوارها امي سعاد التي نظرت الي بغل وحقد وام وليد اقتربت منها لتبتسم وتمسك يدي وتقول “انا عارفه انك مش خاين وان كل ده كدب وانك احسن انسان في الدنيا”، تقترب مريم وهايدي ومن خلفهم الكبير انظر الى الجميع وارى وجوههم تنهمر بالدموع اطلب منهم جميعا الخروج ليتركوني أتحدث الى فريده. عند خروج الكبير طلبت منه الانتظار، انهض واغلق الباب واقول:
“انا عندي سر محدش يعرفه غيري انا وكام واحد وحان الوقت انكم تعرفوه”
**************************
“تعالي هنا يا بن…….
مين اللي وراك انطق بدل ما ادفنك مكانك”
قالها هشام بعد ان امسك بمطلق النار، لقد كان مدكور الذي تربطه عداوة بالكبير عندما ظن انه ظلمه في الحكم بينه وبين احد أقاربه عند لجوؤهم للكبير لفض النزاع بينهم ولَم يري بحكمه وعندما واجه الكبير امام الوكالة قام بطرده امام الجميع
يقول مدكور:
“انا مفيش حد ورايه انا اللي عملت كده”
يلكمه هشام بقوة وهو يقول “انا هخليك تتكلم”، سدد له هشام الضربات واحدة تلوى الاخرى الى ان خارت قوة مدكور واعترف بكل شيء، اعترف ان عز الحسيني هو من قام بالاتفاق معه تحت رعاية عمر اخو مدثر
*************************
“طمني يا دكتور”
قالها الحج طه وهو في حالة يرثي لها خوفا على ياسر، يطمئنه وهو يبتسم قائلا “متخفش جت سليمه خرجنا الرصاصه وهو بقي كويس دلوقتي”، يقترب طارق وهو يربث على كتف الحج طه قائلا:
“والله اللي لعب اللعبه دي ما هينفد من ايدي وَحياته قصاد حياتي مهما يكون”
**************************
“ايه اللي انت بتقوله ده يا مدثر انا بحلم ومش مصدق وداني انت عارف انت عملت ايه”
انهض من مكاني واقول “اه طبعا عارف كويس”، تبتسم فريده رغم وضعها و مرضها الشديد وتقول “انت لا يمكن تكون عاقل ابدااا يا مدثر انت مجنون وربنا” يقاطعها الكبير قائلا “المجنون ما يعملش كده بس على قد اللي عمله على اد ما اني مرتاح دلوقت علشان فهمت كل حاجه انا قولتهالك قبل كده انت قلبك طيب بس مخك مخ شيطان ودي حاجه مش وحشه النهارده كمل طريقك وانا في ضهرك ومعاك على كل اللي ظلمك”، تضع فريده يدها على بطنها وتعض على شفتيها من شدة الألم وتقول “انا دلوقتي اطمنت خالي بالك منه يا مدثر انا عارفه اني هموت”، اقترب منها واقول “متقوليش كده يا فريده انتي هتبقي كويسه”، يفتح الكبير الباب ويقول “يلا بينا نوديها المستشفى”، تدخل امي سعاد وهي تنظر لي في غضب ثم تقول للكبير “ملهاش لزمه المستشفى يبقي فيه اتنين دكاترة واني وام وليد وحبيبه وتروح تولد بره”، انظر لها واقول “معاكي حق يا امي”، تصرخ في وجهي وتقول “متقولش امي دي تاني”، انظر الى الأرض، وينهرها الكبير قائلا “ملوش لزمه الكلام ده انا ظلامته مدثر بريء من كل اللي انا شفته وسمعته احنا اتلعب بينا كويس وجت سليمه ان محدش فينا مات ربنا كبير”، نسمع صوت هشام يطلب الدخول فيأذن له الكبير ليقول “انا مسكت اللي كان بيضرب نار”، فتتسع عينا الكبير ويقول “طلع مين يا هشام يا ولدي”، ليقول هشام “مدكور بس المصيبه ان اللي وراه عز الحسيني وعمر اخو مدثر”، يهز الكبير رأسه ويقول “كده بانت كل حاجه وهو فين دلوقت”، ليرد هشام “رجاله الحاره مكتفينه تحت انا مردتش اخده القسم من غير ما تعرف”، يضع الكبير يده على كتف هشام ويقول “عفارم عليك مش احنا اللي ناخد حقنا بالبوليس تعالى يا مدثر معانا لحد لما مراتك تقوم بالسلامه”
انظر الى فريده وهي كذلك ولا نعلم اذا كانت ستتقابل العيون مرة أخرى ام ستكون الأخيرة
*تـــــابعونــــي*