رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
( 62 ) و الأخير
_ وعد ! _
لم يطول مكوث “سمر” بالمشفي … و بناء علي طلب “عثمان” و إلحاحه كتب لها الطبيب تصريحا بالخروج ، لكنه شدد علي وجوب الإعتناء بها و عدم قيامها بأي مجهود لمدة إسبوع علي الأقل
من جهة أخري كلف “عثمان” أخته بالذهاب للسوق التجاري لإستكمال تجميع بقية ملابس إبنه ، رحبت “صفية” بطلبه و إصطحبت “صالح” معها كما فعلت بالمرة السابقة
إشترت أشياء كثيرة جدا ، ضاع النهار كله في التسوق و إنتهي عندما شعرت “صفية” بالتعب و أشفقت علي حالة “صالح” أيضا فهو لا يزال في طور النقاهة
لم يسترجع قوته كاملة بعد ، لذا لا يجب أن تحمله فوق طاقته خاصة و أنه لم يبدي تبرما أو إنزعاجا حتي الآن مخافة أن يغضبها
إبتسمت “صفية” له بحب ، و شبكت يدها بيده ، ثم إنطلقا عائدان إلي البيت ..
البيت الذي بدا مبهج لأول مرة منذ أشهر عديدة ، و السبب إنضمام فرد جديد لعائلة “البحيري” و ليس أي فرد ، إنه النسخة المصغرة من جده … “يحيى” الصغير
الملاك الذي جلب معه السعادة و المودة و الحب للجميع ، و الشفاء إلي جدته
لم تتركه “فريال” أبدا منذ خروجهم من المشفي ، كانت مسحورة به و أبت أن يفارقها و لو لثانية واحدة .. و هذا أمر أغضب “سمر” للغاية …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
و في إحدي الليالي …
تستقبل “سمر” زوجها فور دخوله من باب الغرفة بعبارة حادة :
-لو سمحت تروح دلوقتي حالا و تجبلي إبني !
رمقها “عثمان” بنفاذ صبر ، ثم نظر إلي “تانيا” و قال :
-بليز يا مس تانيا !
خدي ملك لأوضتها عشان تنام . it’s late ( الوقت إتأخر ).
قامت “تانيا” التي كانت تجلس بـ”ملك” علي مقربة من أختها و أخذتها لتوصلها إلي مخدعها كما أمر “عثمان” ..
و بينما توجه هو صوب غرفة الملابس ، إستشاطت “سمر” غيظا لأنه عمد أن يتجاهلها
تحاملت علي نفسها و نهضت لتتبعه و هي تزمجر بغضب :
-إنت بتتجاهل كلامي و عامل مش سامعني ؟
بقولك عايزة إبني . عايزاه دلوقتي هاتهووولي.
يضع “عثمان” البيچامة التي أخرجها من خزانته علي الكرسي ، ثم يلتفت إليها و يقول بصوت هادئ :
-إيه يا حبيبتي ؟ مالك بس ؟ كل يوم لازم تسمعيني الإسطوانة دي ! تقوليلي فين إبني أقولك عند أمي
هي لعبة و لا سيناريو مقرر كل ليلة يا سمر ؟!
سمر بحدة :
-مش لازم يكون عند مامتك علي فكرة . ده إبني أنا و لازم يكون معايا أنا ده من يوم ما إتولد ماشفتوش إلا كام مرة يتعدوا علي الصوابع . في شرع مين إللي بيحصل ده ؟؟!!
تنهد “عثمان” بصبر ، ثم قال بلطف :
-يا حبيبتي ماما فرحانة بيه . مش قادرة تسيبه ده هو إللي شفاها بإذن ربنا طبعا و حاسة إنه بيعوضها غياب بابا
مقدرش أبعده عنها طالما بقت كويسة بسببه و هي مش هتاكله يعني يا سمر.
سمر بعصبية :
-ماتقدرش تبعده عنها بس تقدر تبعده عني ؟ أنا أمه و هو من حقي أنا . أنا إللي تعبت فيه و شوفت العذاب و الذل . مش من حق أي حد بعد ده كله يجي ياخده مني علي الجاهز !
إقترب “عثمان” منها و جذبها نحوه من كلتا ذراعيها قائلا بغلظة :
-سمر ! لما تتكلمي عن أمي تتكلمي بأدب
و بعدين محدش منعك عن إبنك تقدري تروحي تقعدي معاهم هما الإتنين لكن حتة إنك عايزاه ليكي لوحدك محدش يشاركك فيه دي مش هتنفع . يحيى مش إبنك لوحدك هو إبني أنا كمان و كل إللي في البيت أهله ليهم فيه بردو و أولهم أمي سامعة ؟؟؟
أطرقت “سمر” رأسها بإنكسار و أخذت تنتحب بمرارة ..
تآفف “عثمان” بضيق و ضم رأسها إلي صدره و هو يقول بغيظ :
-أنا مش عارف ليه مصرة دايما تبوظي إللي بينا ؟
كل لحظة لازم تعديها بنكد يا سمر . أنا بحاول أصلح و إنتي بتهدمي !!!
سمر بصوت مكتوم علي صدره :
-من فضلك هاتلي إبني . أنا عايزاه .. ثم قالت نائحة و هي تتلمس ثديها المحتقن باللبن :
-عايزه أرضعه !
مسح “عثمان” دموعها عن خيدها الملتهبين بأصابعه الباردة ، ثم قال بحنان :
-حاضر يا سمر . حاضر
هاروح أجبهولك دلوقتي.
و بالفعل ذهب و أحضره لها بعد أن إستأذن من أمه بطريقة لطيفة مهذبة ..
تناولت “سمر” طفلها من “عثمان” و ضمته في حضنها بشوق كبير
راحت تداعبه و تلاطفه قليلا .. ثم أخذته و جلست بعيدا عن أعين والده لترضعه في شئ من الخصوصية المتعلقة بها و به
إبتسم “عثمان” بسعادة و هو يراقبهما من مكانه ، أخيرا أصبح لديه أسرة خاصة به .. أجمل زوجة و أجمل طفل في العالم ، يا له من كرم إلهي كبير لا يستحقه ..
-بس إحترت معاكي يا سمر .. تمتم “عثمان” لنفسه و هو يرمقها بآسي ، لكنه تابع بإصرار :
-و لو . بردو مسيري إخليكي تنسي . و مسيرك تحسي و تشوفي إنك غيرتيني بجد !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
صباح يوم جديد … تحتل “صالح” نوبة خلل عقلي من العيار الثقيل ، ليذهب إلي غرفة “صفية” بدون تفكير و يقتحمها دون إستئذان
كانت مستغرقة في النوم عندما شعرت بشخص يمسك بيدها و يقتلعها من سريرها بالقوة
فتحت “صفية” عيناها بذعر ، لتكتشف أنه “صالح” …
-صالح إنت بتعمل إيه ؟! .. صاحت “صفية” بصدمة
صالح بخشونة و هو يجرها خلفه بعنف :
-تعـآااالي . إنهاردة أجازتهم
و رحمة أمي لأقطع عرق و أسيح دم إنهاردة . يا أنا يا إنتوا !
صفية بذهول :
-أنا مش فاهمة حاجة في إيه يا صالح ؟؟؟!!!
صالح بصرامة :
-هتفهمي دلوقتي كل حاجة.
و ها هم الآن أمام حجرة المكتب بالطابق السفلي … يدفع “صالح” الباب بقوة و يدخل و هو ممسكا بـ”صفية” بهذا الشكل الهمجي ..
ينظرا لهما كلا من “رفعت” و “عثمان” بدهشة شديدة ، فيبادر “صالح” :
-من الأخر كده محدش فيكوا هيتحرك من هنا قبل ما أعرف راسي من رجلي.
تنظر “صفية” له بخوف و تستنجد بأخيها :
-إلحقني يا عثمان . صالح إتجنن !
-سيبها يا صالح إيه إللي إنت بتعمله ده ؟ .. قالها “عثمان” بحدة و هو لا يزال جالسا بمكانه قبالة عمه
صالح بإنفعال :
-مش هسيبها . مش كل حاجة تمشي بمازجكوا و لا بمزاجك إنت بالذات ياسي عثمان.
عثمان بحدة أكبر :
-لأ إنت إتجننت فعلا . إنت شارب إيه عالصبح ياض ؟
و هنا تدخل “رفعت” بحزم :
-صآالح . سيب بنت عمك ماسكها كده ليه و بتعمل كده ليه ؟؟
صالح بغيظ :
-أنا خلاص جبت أخري . بقالنا 4 سنين مخطوبين و كل شوية الفرح يتأجل . أخوها إتجوز و خلف و أختي إتجوزت و سافرت و الدنيا معاهم كانت جميلة لكن بتيجي لحد عندي أنا و بتقفل . إسمعوني كويس أنا مش هفوت إنهاردة علي خير لو محدش حددلي معاد فرحي أديني بقولكوا أهووو !
نظر “عثمان” إلي عمه و قال بدهشة :
-لا حول و لا قوة إلا بالله . الواد حالته بقت صعبة أوي يا عمي !
رفعت موافقا بإبتسامة ملتوية :
-عندك حق . محتاج يتعالج.
-إنت بتتريقوا ؟! .. تساءل “صالح” و هو يغلي من الغيظ ، و أكمل بتهديد :
-طيب و الله لو عدا الشهر ده و هي مش مراتي هغتصبها و إنتوا حرين بقي.
عثمان صائحا بغضب :
-إحترم نفسك يابني إنت . إيه القرف إللي بتقوله ده ؟
رفعت بصرامة :
-خلآاااص . خلاص إنت و هو بطلوا كفاية .. ثم قال بجدية :
-أنا شايف إن أوضاعنا إستقرت في الفترة الأخيرة و فعلا فرح صالح و صافي مش هيضر لو إتعمل في نص الشهر
إنت إيه رأيك يا عثمان ؟ عندك إعتراض علي حاجة ؟!
عثمان بعد تفكير :
-ماعنديش بس نسأل ماما بردو
و كمان نسأل صافي جايز تكون غيرت رأيها و لا حاجة !
صالح و هو ينظر لها مستهجانا :
-نــــعـــم ! مين دي إللي غيرت رأيها ياخويا ؟؟؟
صفية مؤنبة أخيها بتلعثم :
-غـ غيرت رأيي إيه بس يا عثمان ! آ أنا موافقة طبعا.
عثمان بسخرية :
-أوك يا حبيبتي . مبروك عليكي أبو الشباب إللي واقف جمبك . أخرت صبرك يا صفية أهطل فرع في العيلة .. و إنفجر ضاحكا
حدجه “صالح” بنظرات حانقه ، لتمسك “صفية” بذراعه و ترد بإستنكار ممزوج بالإرتباك :
-ده أحسن فرع في العيلة . مالكش دعوة إنت يا عثمان
أنا بحب صالح و بموت فيه إطلع منها إنت.
عثمان بضحك :
-بقي كده ؟ مآاااشي ياستي . ربنا يهنيكوا هو الواحد هيعوز إيه غير كده يعني ؟
عن إذنكوا أما أطلع أبلغ ماما بالخبر السعيد ده !
و قام ، ليقول و هو يمر بمحاذاة “صالح” :
-مبروووك يا صلَّوحي .. و ضربه بخفة علي كتفه و هو يطلق مزيدا من الضحكات المجلجلة
صالح بحنق :
-عجبك كده ؟
صفية و تربت علي صدره بلطف :
-معلش يا حبيبي . يعني إنت ماتعرفش عثمان ؟ هو بيهزر معاك.
صالح بتبرم :
-هزار بارد زيه.
صفية بنعومة :
-خلاص بقي إنسي يا حبيبي .. ثم تحولت لهجتها للخوف مرة أخري :
-بس أنا بقي إللي مش هقدر أنسي شكلك من شوية و إنت مجرجرني من أوضتي لحد هنا . إنت خوفتني أووي يا صالح !
صالح بأسف :
-أنا آسف يا حبيبتي بس Really أنا كنت متعصب أوي و علي أخري . حسيت إني هنفجر !
صفية بحب :
-بعد الشر عليك يا قلبي.
صالح بغمزة :
-خايفة عليا ؟
صفية و هي تعض علي شفتها بخجل :
-طبعا . مش حبيبي و هتبقي جوزي قريب ؟!
صالح متمتما برومانسية :
-بحبك يا صافي .. و كاد أن يضمها بين ذراعيه ، ليصيح “رفعت” من مكانه بحدة :
-هو أنا خيال قاعد قدامكوا و لا إيه يعني مش فاهم ؟؟!!
دلو ماء بارد سقط علي رأسيهما ، ليفيقا من الحلم الوردي الذي كان يلفهما بقوة .. تفر “صفية” راكضة فورا ، بينما يحدق “صالح” بوالده بسأم شديد
صالح بضيق :
-أقسم بالله إنتوا عالم فصيلة و مستقصدني كلكوا متفقين عليا و الله و من زمان أنا عارف . حسبي الله و نعم الوكيل .
ثم لحق بـ”صفية” ..
ليضرب “رفعت” كفا بكف و يقول :
-ربنا يشفيك يابني !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
و أخيـــــــــــــــــرا …
يقام حفل زفــاف “صالح” و “صفية” بمنتصف الشهر كما قرر “رفعت” .. البيت كله في حالة طوارئ منذ الصباح ، الجميع مشغول بالتجهيزات و التحضيرات
خبيرة التجميل عند “صفية” من بداية النهار ، تعمل عليها وحدها ، أما “صالح” فذهب لصالون رجالي شهير بالمدينة و سيعود عند غروب الشمس
وصلت “هالة” من السفر مع “مراد” باكرا بعد أن إتفقا أن يعودا في نفس اليوم لكثرة مشغوليات “مراد” بشركته الجديدة التي إفتتحها منذ شهران
أظهر الزوجان حبهما و أعجابهما بـ”يحيى” عندما قابلاه ، فقد نجح كالعادة بنثر سحره عليهما أيضا .. علي الطرف الآخر ، ينشب عراك جديد بين “عثمان” و “سمر” بسبب رفضها حضور الفرح ..
-هتحضري غصب عنك ده فرح أختي ! .. زمجر “عثمان” بغضب
ردت “سمر” بتحد :
-مش هحضر ماليش دعوة
هو بالعافية ؟!
عثمان بعصبية :
-أه بالعافية و وريني كلمتك هتمشي إزاي يا سمر ؟ أنا عايزك تجيبي أخرك معايا إنهاردة أنا خلاص زهقت منك و أعصابي فلتت.
يدق باب الغرفة في هذه اللحظة … لتدخل “فريال” حاملة “يحيى” الصغير بيد و حقيبة صغيرة باليد الأخري ..
-في إيه يا عثمان صوتكوا عالي كده ليه ؟؟؟ .. قالتها “فريال” بتساؤل و هي تنقل نظرها بين إبنها و زوجته بتوجس
زفر “عثمان” أنفاسه بغضب و أجابها بإقتضاب :
-مافيش حاجة يا ماما . مشكلة صغيرة بنحلها.
فريال بإستنكار :
-مشكلة صغيرة تتحل بالصوت العالي ده !!
صمت “عثمان” عابسا بتبرم ، لتأمره أمه بصوتها الرقيق :
-سيبني شوية مع مراتك يا عثمان . روح شوف الضيوف إللي وصلوا.
إنصاع “عثمان” لكلام أمه و خرج و هو يضم قبضتاه بغضب شديد ..
إقتربت “فريال” من “سمر” و لمست ذراعها بخفة و هي تقول بود :
-تعالي يا حبيبتي . تعالي نقعد نتكلم شوية.
و بعد أن جلست “سمر” أمامها ..
فريال بنبرتها المخملية الموسيقية :
-و بعدين يا سمر ! مش ناوية تسامحي يا حبيبتي ؟ مش ناوية تنسي و تعيشي حياتك و تسعدي إبنك و جوزك ؟!
نظرت لها “سمر” بعنين ملؤتهما الدموع و قالت :
-حضرتك عايزاني أنسي إيه ؟ و أنسي بسهولة ؟ أنا عارفة إن الغلط مني أنا . أنا أكتر واحدة غلطانة . بس أنا بردو ماسمحتش نفسي . يبقي هسامحه هو إزاي ؟؟!!
فريال بتأثر :
-يا حبيبتي الدنيا أقصر من إننا نعيشها في الخلافات و الزعل . الإنسان بيروح بسرعة . و أنا معاكي إن إنتوا الإتنين غلطوا . بس ربنا بيغفر و بيسامح
هو ندم و إنتي لازم تسامحيه و تبدأوا من جديد مش عشانكوا بس . عشان يحيى الصغير . لازم يكبر يلاقي أمه و أبوه علي وفاق مع بعض . إنتوا لو فضلتوا كده هيضيع منكوا . هيطلع بني آدم غير سوي و هتندموا أكتر و بالأخص إنتي يا سمر.
سالت دموع “سمر” في صمت ، لتتنهد “فريال” و تكمل :
-بصي يا حبيبتي . أنا مش هقولك إنسي كل حاجة و إتعاملي مع عثمان عادي كأنكوا لسا عارفين بعض .. بس هقولك أديله و أدي نفسك فرصة . أنا متأكدة إنه بيحبك
أنا أكتر واحدة أحس بعثمان . و الله بيحبك . و إحساسي بيقولي إن إنتي كمان بتحبيه بس مش قادرة تعترفي لا بلسانك و لا بقلبك.
سمر بصوت مهزوز :
-أنا بحب إبني . ده إللي أنا متأكدة منه.
فريال بإبتسامة :
-يبقي إحساسي في محله . إللي بيحب حد بيحب كل حاجة منه.
أشاحت “سمر” بوجهها للجهة الأخري و لم ترد … لتتسع إبتسامة “فريال” و هي تفتح الحقيبة الأنيقة و تسحب منها فستان أبيض غاية في الجمال و الروعة ..
إجتذب صوت الحفيف إنتباه “سمر” فنظرت لتجد هذا أمامها … تسمرت عيناها عليه مآخوذة بجماله
قاطعت “فريال” تأملها :
-أنا عارفة إنك ماعملتيش فرح و لا لبستي عروسة . عشان كده إختارتلك ده بنفسي و يا رب ذوقي يعجبك.
سمر بإعجاب لم تستطع إخفائه :
-جميل أوي !
فريال بسرور :
-الحمدلله . هو مش زي فستان العرايس كبير و مبهرج
بس سواريه حلو و هيليق علي جسمك و طبعا مانستش إنك محجبة .. ثم قالت برجاء :
-عشان خاطري ألبسيه الليلة دي يا سمر . بليز !
إنه لمن العسير أن يرفض المرء طلب لإمرأة كهذه ، فما باله إذا توسلت إليه ..
-حاضر .. هكذا رافقت “سمر” بسهولة ، لتنفرج أسارير “فريال”أكثر و هي تقول :
-تمام يا حبيبتي . أنا هاسيبك دلوقتي بقي عشان تلبسي و هاخد يحيى معايا . و كمان هبعتلك نورا الـMake_Up Artist بتاعتي عشان تعملك مكياچك إن شاء الله هتطلعي زي القمر !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
كان “صالح” يقف هناك أسفل الدرج في إنتظار “صفية” …
كان يرتدي حلة الزفاف السوداء و بدا فيها كالأمير ، بدا أيضا نافذ الصبر إلي درجة كبيرة .. و لم يهدأ باله إلا حين رآها أخيرا ..
ظهرت “صفية” في فستانها الأبيض الكبير الذي صمم علي يد أمهر و أشهر مصممي الأزياء بالعالم ، كانت فاتنة ساحرة ، تخطف القلوب قبل الأنظار
بدت كالملاك و شعرها مرفوع للخلف بحيث ظهر وجهها المستدير الجميل بكامله ، زينتها دقيقة و خفيفة فزادتها جمالا ، بدت كالأميرة بدورها و هي تهبط أخر درجات السلم و تضع يدها في يد “صالح” الممدودة لها ..
-أوف ! إيه الجمال ده يا صافي ؟! .. قالها “صالح” مبهور الأنفاس ، لتتورد “صفية” خجلا و تقول بخفوت :
-شكرا . إنت كمان حلو أوي.
صالح بعدم تصديق :
-أنا حاسس إني بحلم . مش قادر أصدق إن أخيرا فرحنا الليلة دي !
يأتي “رفعت” في هذه اللحظة و يضع يده علي كتف إبنه قائلا بسعادة :
-يلا يا صالح . إستني برا مع الضيوف لحد ما أجبهالك أنا و عثمان.
و أشار نحو “عثمان” الذي وقف خلفه مباشرةً ..
نظرت “صفية” نحو أخيها المبتسم لها بفرح ، فأدمعت عيناها عندما تذكرت والدها … إقترب “عثمان” منها و كوب وجهها بكفيه و هو يقول بحنان :
-لأ يا حبيبتي . إوعي تعيطي إنهاردة بالذات
الكل فرحان يا صافي . ماينفعش دموع خالص !
إبتسمت “صفية” بشدة ، ليبادلها “عثمان” الإبتسامة و يطبع قبلة حانية علي جبهتها … علق يدها بذراعه ، و فعل “رفعت” مثله ، أما “صالح” فخرج لينتظرهم مع الضيوف كما قال له والده ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
إنفجر الحشد مصفقا حين خرجت العروس برفقة أخيها و عمها .. و تدلت الزهور البيضاء و إنهالت فوق رأسها
أضأت وجه “صالح” إبتسامة عريضة جذلي و هو يستلم عروسه و يضع يدها في يده ، و يسيرا إلي حلبة الرقص ليؤديا معا الرقصة الأولي ..
أحس “عثمان” أنه أتم دوره حتي الآن و لكن تنقصه زوجته ..”سمر” ..
إستدر عائدا إلي البيت ليصعد و يحضرها ، لكنه تفاجئ بها تقبل عليه برفقة أمه
تجمد بمكانه يقيسها بعيناها من أعلي إلي أسفل ، فالبطبع لم يفوته مظهرها و لباسها .. كانت أنيقة جدا في الأبيض ، مبهرة ، شديدة الحسن
إحمرار خديها واضح أيضا ، و إستطاع أن يتبين توترها و عصبيتها … تلك الجميلة الساذجة الرائعة ، كيف إستحل دموعها يوما ؟ كيف جرحها ؟ كل هذه الرقة و هذا الجمال كاد أن يضيعه من يده للأبد بسبب غروره و تعاليه
يا له من غبي !
أوصلتها “فريال” له في هذه اللحظة … أمسكت بيد “سمر” و وضعتها في يده و هي تقول مبتسمة :
-إنهاردة فرحتي بقت كاملة فعلا . بيحيى الصغير أولا و بعدين صافي و إنت و مراتك يا عثمان
إوعدني إنك هتحافظ عليها و علي إبنك . إوعدني إنك مش هتخذلها تاني أبدا !
نظر “عثمان” إلي أمه ، ثم نظر إلي زوجته و قال بإبتسامة واثقة :
-أوعدك يا ماما.
تنهدت “فريال” براحة غامرة ، ثم ضمت “يحيى” الصغير إلي صدرها و قالت :
-أنا هاخد يحيى حبيبي و نروح نقعد هناك . و إنت يا عثمان خد سمر و أرقصوا زي صافي و صالح يلا !
و أثناء الرقصة ..
عثمان و هو يطوق خصر “سمر” بقوة :
-إنتي ساكتة ليه ؟
سمر بإرتباك شديدة بسبب نظراته المتأهبة لأقل تصرف لها :
-و هتكلم أقول إيه يعني ؟!
ضمها “عثمان” إليه أكثر و غمس نظرته اللماعة في عينيها ، ثم قال هامسا :
-قولي أي حاجة . سمعيني صوتك بس
إنتي عارفة إن شكلك حلو أووي ؟ و إنتي لابسة الأبيض أحلي من صافي . دي أكيد فكرة ماما صح ؟
أومأت “سمر” بصمت ، فضحك و عانقها و هو يقول :
-آااه مش عارف لولا ماما دي كنت عملت إيه ؟؟؟
جحظت عيناها بصدمة لفعلته و حاولت أن تفك يده من حولها ، لكن ذراعاه كتفتا يديها تماما فلم تستطع تحركيهما حتي ..
-عـ .. عثمان ! ممكن تشيل إيدك ؟ إحنا وسط الناس !!
عثمان بنصف عين :
-مشكلتك إننا وسط الناس يعني . أووك تعالي ياستي.
و سحبها معه بعيدا عن الحضور ، ليستقرا خلف شجرة كبيرة وسط الحديقة ..
-همم كنا بنقول إيه بقي ؟! .. سألها “عثمان” و هو يضع يديه حذو رأسها محاصرا إياها من الجهتين
سمر بتوتر شديد :
-إنت مجنون ؟ الناس يقولوا علينا إيه و هما شايفينك مجرجرني كده لحد هنا ؟؟؟
عثمان بعدم إهتمام :
-يقولوا إللي يقولوه يا حبيبتي إنتي مراتي.
سمر بتماسك :
-بس أنا لسا ماسمحتكش.
عثمان بضيق :
-يعني أعملك إيه يعني يا سمر ؟ أخدك قدام الناس و أوطي علي رجلك أبوسها ؟؟!!
نظرت له بحزن و قالت :
-إنت عملت فيا حاجات وحشة كتير ! .. و إنهمرت الدموع من عيناها
جذبها “عثمان” نحوه و قال بأسف :
-أنا عارف . بس ندمان و الله
صدقيني دلوقتي أنا عايز أعوضك بجد و أعيش معاكي في هدوء إنتي و إبني . يا سمر إنتي مراتي . إفهمي مستحيل أهينك تاني بأي شكل من الأشكال.
الدموع تنهمر أكثر من عيني “سمر” و هو يعانقها بشغف و حنان ، و أكمل :
-سامحيني لإني إستغليتك من الأول و كنت وحش معاكي . سامحيني يا سمر و إنسي كل حاجة وحشة عملتها فيكي
إنسي عشان يحيى قبل ما يكون عشاني أنا و إنتي.
أرخت “سمر” رأسها علي كتفه ، و راحت تسمع نبض قلبه بوضوح ، ثم قالت بنبرة مرتعشة :
-مش هسامحك و لا هنسي .. إلا بعد ما توعدني بحاجة !
عثمان بإسراع :
-أي حاجة . إطلبي يا سمر كل إللي إنتي عايزاه هيبقي ملكك.
-قولتلك ده وعد مش طلب.
-طيب .. عايزاني أوعدك بإيه ؟!
سمر و قد رفعت وجهها لتنظر بقوة في عينيه :
-تصلي . إوعدني إنك هتبدأ تصلي و إنك عمرك ما هتبطل أبدا.
عثمان بإستغراب :
-إشمعنا الصلاة بالذات يا سمر ؟
سمر بإبتسامة خفيفة :
-الصلاة هتقربك من ربنا . و طول ما هتكون قريب من ربنا عمرك ما هتظلم حد و لا هتظلمني.
نظر لها بحب ، و إنحني ليعانقها ، فعانقته و لم تصدق مدي سعادتها ..
همس “عثمان” بأذنها :
-أوعدك هصلي . من الليلة
أوعدك مش هاسيبك أبدا و لا هاوصلك لمرحلة الضعف زي ما عملت قبل كده و ضيعتك . أوعدك يا سمر.
و صمتا عند هذا الحد ، و راحا يعانقان بعضهما البعض .. و بعد عدة دقائق لم تحسبها “سمر” إبتعدت عنه قليلا و سألته :
-طيب و ملك ؟
عثمان بدهشة :
-ملك ؟ مالها ؟!
سمر بشك :
-عمرك ما هتفرق بينها و بين يحيى ؟ إنت عارف إنها مهمة بالنسبة لي.
عثمان بإبتسامة :
-فاكرة لما قولتلك قبل كده إني بعتبرها زي بنتي ؟
إطمني . أنا كمان بحبها و عمري ما هفرق في المعاملة بينها و بين إبني .. ثم رفع حاجبه و سألها :
-همم ! عايزة تقولي حاجة تاني ؟؟
كانت ستقول شيئا أخر … لكنه وضع يده علي صدرها ، فوق قلبها مباشرةً ، فوجدت لسانها ينطق من تلقاء نفسه :
-بحبك !
إبتسم “عثمان” و تولت قبلته الحارة التعبير عن المشاعر التي عجزت شفتاه عن تحويلها إلي كلمات …
تمـــــــــت