رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب


( 48 )

_ عرين الأسد ( جزء أول ) ! _

نزلت “نعيمة” من بيتها و إتجهت نحو محل الجزارة و شرارت الغضب تتطاير من عيناها ..

لم تجد إبنها هناك ، فسألت عنه الفتي الذي يعمل عندهم :

-واد يا عبده فين المعلم خميس ياض ؟؟؟

عبده بصوته اليافع :

-المعلم خميس راح لحد كرموز يوصل بضاعة و جاي تاني يا معلمة.

تنهدت “نعمية” بحنق و بالصدفة إلتقطت “فادي” بناظريها …

-هو الأستاذ فادي رجع من السفر و لا إيه يا عبده ! .. قالتها “نعيمة” و هي تدقق النظر في “فادي” قبل أن يدخل إلي بيته في هذه اللحظة

عبده مؤكدا شكوكها :

-أه يا معلمة لسا راجع إنهاردة الصبح.

نعيمة بإسراع :

-طب روح أندهولي بسرعة . قوله الست نعيمة عايزاك . يـــــــــلا !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

يتوقف “عثمان” بسيارته أمام إحدي متاجر الزهور …

ينزل و يغيب بالداخل بضعة دقائق ، ليعود حاملا في يده باقة كبيرة من الورود الحمراء الناضجة ، شكلها يبهر الأبصار

يحتل مكانه في كرسي السائق ثانيةً و يعطي الباقة لأخته حتي تمسكها و تحافظ عليها من التلف ..

-الله الله علي الرومانسية ! .. قالتها “صفية” و هي تبتسم بشقاوة ، ليرد “عثمان” بضيق مصطنع :

-إسكتي شوية بقي يا صافي . إنتي علي فكرة بتوتريني أكتر بتصرفاتك دي.

ضحكت “صفية” برقة و قالت :

-ياخواتي ياناس . أخويا إتعلم الرومانسية و كمان بيتكسف . لا لا كده كتير و ربنا.

عثمان بسأم :

-ياريتني ما كنت جبتك معايا و الله.

صفية بإبتسامة جدية :

-خلاص يا عثمان . هبطل أعاكسك خلاص . بس بجد أنا لحد دلوقتي مش مصدقة إللي بيحصلك و هموت و أشوف البنت دي إللي قدرت تكسر غرورك و تخليك تعترف إنك بتحبها . دي أكيد قادرة و قوية يابا … و ضحكت من جديد

تنفس “عثمان” بعمق و لاحت علي ثغره طيف إبتسامة ، ثم قال بشرود :

-بالعكس . دي أضعف مخلوقة ممكن تشوفيها في حياتك . رقيقة جدا و هشة جدا بس في نفس الوقت قوية جدا جدا . عنيها مركز قوتها عشان بتعكس مشاعرها . أنا ماكنتش متصور إني ممكن أحبها أبدا . كنت شايفها نوع جديد ماجربتوش قبل كده . بريئة . ماكنتش مصدق بردو البراءة إللي فيها . بس لما قربت منها أوي و جمعتنا المواقف . بقيت متأكد مية في المية من برائتها . هي حتة ماسة غالية أوي و جميلة أوي . أنا إللي وسختها . بس هرجعها تاني زي ما كانت . هخليها تلمع من تاني و هحتفظ بيها لنفسي للأبد !

تلاشت إبتسامة “صفية” شيئا فشئ و هي تستمع إلي كلامه و تنظر له بتمعن ، بينما أفاق من شروده و قال ببساطة :

-ماتركزيش يا صافي ماتركزيش.

صفية بدهشة :

-ماركزش إيه بس ؟ إنت وقعت يا عثمان و لا الهوا إللي رماك ؟!!

رمقها “عثمان” بنظره جانبية و قال :

-بطلي بقي . هنتأخر بسبب رغيك ده.

و إنطلق بالسيارة مجددا …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في قصر آل”بحيري” … تحديدا في غرفة “صالح”

يساعد “رفعت” إبنه علي الجلوس في الكرسي المتحرك و هو يقول بلطف :

-طيب إهدا يا صالح . إهدا كفاية إنفعال إنت مش ناقص.

صالح بعصبية :

-يا بابا من فضلك سيبني . قولتلك أنا بقيت كويس و بقف علي رجلي ماتقعدنيش في الكرسي الهباب ده تاني.

رفعت و هو يربت علي كتفه برفق :

-يا حبيبي ربنا يكمل شفاك علي خير ماتجهدش نفسك يا صالح عشان تخف و مايحصلكش مضاعفات.

صالح بضيق :

-يا بابا أرجوك كفاية تعاملني المعاملة دي أنا كويس . أنا بعتلك بس عشان تشوفلي حل المصيبة إللي هببتها.

رفعت بإنفعال :

-يعني هعملك إيه يا صالح ؟ مش إنت إللي فسخت الخطوبة لتاني مرة و قولتلها مش هترجع عن قرارك أبدا ؟؟؟

صالح بندم شديد :

-أيوه أنا قلت كده . بس ندمان . ماكنش قصدي أقولها الكلام ده . أنا بحبها يا بابا صافي دي النفس إللي بتنفسه . مقدرش أعيش منغيرها . أنا بقيت عصبي و صعب بالطريقة دي عشان خايف أخسرها . طول عمري و من صغري و أنا حاططها جوايا بكبرها زي الوردة معايا و أنا بكبر . صافي لو سابتني مش هيبقالي لازمة . الموت هيبقي أهون.

رفعت بغضب :

-بعد الشر عليك . أوعي تقول كده تاني .. ثم أخذ نفس عميق ليهدئ نفسه ، و قال :

-خلاص . أنا هتصرف . هصالحكوا علي بعض أول ما ترجع من برا هجيبها و أجيلك.

صالح بإستغراب :

-ترجع من برا ؟ ليه هي فين ؟؟؟

رفعت بفتور :

-أنا شوفتها من شوية نازلة مع عثمان . أكيد راحوا مشوار سوا.

تنهد “صالح” بحرارة و قال :

-يا رب ماتكونش شالت مني المرة دي . و تسامحني !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في محل الجزارة …

يدخل “فادي” وراء الفتي الذي أوصل له رسالة “نعيمة” .. تنظر له “نعيمة” من علو و هي تجلس خلف المكتب :

-أهلا يا أستاذ فادي ! .. قالتها “نعيمة” بإلتواء ، و تابعت :

-خطوة عزيزة إتفضل.

مضي “فادي” صوبها و جلس قبالتها ..

-خير ياست نعيمة ؟! .. كان في صوته إستغراب كبير

نعيمة ببرود :

-خير إن شاء الله . إنت طبعا عارف إن عيلة المعلم رجب كل إللي فيها ولاد أصول ماتطلعش من بؤهم العيبة . يعني إستحالة نجيب سيرة حد بالوحش أو نكون سبب في فضيحة.

فادي بنفاذ صبر :

-ست نعيمة . حضرتك بعتيلي . أنا أهو . خير بقي ؟ حضرتك عايزة مني إيه ؟؟؟

نعيمة بإبتسامة ساخرة :

-هقولك يا أستاذ فادي عايزة منك إيه . بقي يا سيدي في إشاعة طالعة اليومين دول بتقول إن المحروسة أختك … و حكت له ما نقلته لها “شهيرة”

وقف “فادي” عن مقعده فجأة ، و هوي بقبضته علي سطح المكتب ، إبتسمت “نعيمة” بخبث إزاء إهتزاز جسده القوي من شدة الغضب

نظر لها بوحشية و سمعت صوت حشرجة الهيجان تعلو في صدره ..

-إسحبي كلامك ياست إنتي .. زمجر “فادي” بشراسة ، و أكمل :

-إنتي أد أمي و مش عايز إتصرف معاكي بقلة إحترام.

نعيمة بإستهجان :

-إحترام ! إحترام إيه ياخويا إللي جاي تقول عليه ؟ ما أختك عيارها فلت و إللي كان كان . إبقي إترحم بقي علي الإحترام.

فادي صائحا بغضب شديد :

-إخـرســـــي ياست إنتي . إخرسي قطع لسانك . إوعي تجيبي سيرة أختي علي لســـــــانك . أنا إللي يمسها بكلمة بس أكله بسناني و إنتي لو نطقتي حرف زيادة قسمــــا بالله مش هكون مسؤول علي إللي ممكن أعمله معــآاكي !.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في هذا الوقت … وصل “عثمان” عند بيت “سمر”

ينزل من سيارته و يمشي ناحية أخته ، يفتح لها الباب ، لتنزل “صفية” و هي تصوب عيناها تجاه ذلك التجمهر و الصياح الحاد هناك علي بعد مسافة قليلة ..

-إيه ده يا عثمان ؟ تساءلت “صفية” بصوت يساوره القلق ، ليرد “عثمان” و هو يحاوط كتفيها بذراعه و يشدها نحوه :

-مالناش دعوة يا صافي . تعالي يلا هو ده البيت.

و أخذها و توجه إلي البيت … صعدا درجات السلم المتعرجة حتي و صلا عند شقة “سمر”

و لكن كان هناك من يتنصت علي صوت خطواتهما و هما يمران علي الطابق الذي تقع به شقة السيدة “زينب” ..

يقف “عثمان” و “صفية” أمام شقة “سمر” … يأخذ “عثمان” نفسا عميقا ، ثم يمد يده ليدق جرس الباب

لكنه يتوقف فجأة و يتردد في إعادة المحاولة ..

صفية بدهشة :

-الله ! ما ترن الجرس يا عثمان . مستني إيه ؟!

عثمان مجفلا بتوتر :

-حاضر .. و دق الجرس أخيرا

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في شقة الجارة “شهيرة” …

تقف علي عتبة بابها و تتحدث في الهاتف بصوت هامس :

-أيوه يا أبلة زينب . إنتي فين ؟؟؟

زينب :

-أنا لسا في العيادة يا شهيرة عايزة إيه ؟

شهيرة بتساؤل ممزوج بالقلق :

-قدامك أد إيه ؟؟؟

زينب بتعجب :

-الله ! بتسأليني ليه ؟ في حاجة ؟؟

شهيرة بتوجس :

-أصل في خناقة عندنا في الحتة !

-يا لهوي . خناقة بين مين و مين ؟؟؟

-بين فادي و الست نعيمة مرات المعلم رجب الجزار.

زينب بفجعة :

-يانهار إسوود . و بيتخانقوا ليه ؟؟؟

شهيرة بتوجس أشد :

-مش دي المشكلة يا أبلة زينب . أنا لسا شايفة واحد شكله نضيف أوي . جه و معاه واحده . واقفين و أنا بكلمك دلوقتي قدام شقة سمر .. باينه هو يا أبلة زينب !!!

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

عند “فادي” … ما زال يملأ الشارع كله صياحا و ما زال الجميع يحاولون تهدئته بلا جدوي ، فقد إنفلت عقال غضبه و إنتهي الأمر

-ياض إنت عيب كده إحترم نفسك ! .. قالها المعلم “رجب” بحدة و هو يقف حاجزا بين زوجته و بين الشاب الهائج

فادي بخشونة :

-عــــيــــــــــــــب ! بتقولي أنا عيب يا معلم رجب ؟ قول لمراتك إللي بتخوض في أعراض الناس و بتجيب سيرتهم بكلام و××

نعيمة بلهجة سوقية :

-أنا بردو إللي كلامي و×× ياخويا ؟ روح إتشطر علي أختك يا حبيبي . روح لمها أحسن بدل ما تقف تناطحني بالكلام كده.

إشتد إحمرار وجه “فادي” حتي إنقلب بنفسجيا ..

نطق من بين أسنانه بعنف :

-و الله لولا إنك ست قدامي ما كنت رحمتك و كنت سويتك بالأرض . بس العيب مش عليكي . العيب علي إللي واقف ده و محسوب عليكي راجل.

رجب بغضب :

-يابني أنا عامل حساب للجيرة و العيش و الملح . إكتم بقي بدل ما إقلب علي وشي التآااني !

فادي بتحد سافر :

-إقلب يا معلم . لو راجل إقلب.

يصل “خميس” في هذه اللحظة ..

-إيه يا جدعان في إيه ؟ إيه إللي بيحصل هنا ؟؟؟ .. تساءل “خميس” و يوزع نظراته القلقة علي وجوه والديه و “فادي”

-مالك يا أستاذ فادي ؟ خير ؟؟؟

فادي بنظرات فتاكة :

-إسأل الست الوالدة.

-عمو فادي ! .. قالها صوت صغير جاء فجأة و وقف بجانب “فادي”

نظر “فادي” ليجده “عمر” إبن الجارة “شهيرة” ..

فادي بلهجة مقتضبة :

-نعم !!

الصغير و هو يؤشر بإصبعه تجاه شيئا ما :

-في ناس جم بالعربية دي و طلعوا عندكوا في الشقة . أنا شوفتهم من بير السلم.

نظر “فادي” إلي السيارة الفارهة ، و للحال إنطلق كالسهم صوب منزله ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

تأففت “صفية” عندما طالت مدة الإنتظار ..

صفية بضيق :

-عثمان شكل مافيش حد هنا يلا نمشي !

عثمان بملامح مكفهرة :

-إصبري شوية يا صفية .. و عاود دق الجرس من جديد

صفية بتبرم :

-إفففففف . دي المرة العشرين بترن الجرس و محدش بيفتح . أكيد مش جوا تلاقيها راحت للدكتور مثلا .. و أكملت برجاء :

-يلا بقي أنا تعبت من الواقفة و المكان هنا مريب بصراحة يلا يا عثمآااان بليييييز !

عثمان و قد تهدل كتفاه بإستسلام :

-أوك . يلا.

في هذه اللحظة ، سمعا الشقيقان صوت خطوات تصعد الدرج بسرعة كبيرة ، ثم وجدوا ذاك الغريب بوجههم فجأة ..

-أهلا ! مين حضراتكوا ؟؟؟ .. تساءل “فادي” بهدوء شديد و هو يلهث بخفة جراء ركضه السريع

نظرت له “صفية” بريبة ، بينما أجاب “عثمان” بصوته العميق :

-أنا عثمان البحيري . مدير سمر . و دي أختي صفية .. كان يحدثه بثقة كبيرة

فادي بنفس الهدوء :

-أهلا وسهلا يا باشا . أنا بقي فادي . أخو سمر.

عثمان بلباقة :

-أيوه عارفك إحنا إتقابلنا قبل كده بس شكلك إنت إللي ناسي . عموما أنا عرفت إنها عاملة حادثة و تعبانة فقلت لازم أجي أزورها . بس ماكنتش أعرف إنك موجود عشان كده جبت أختي معايا.

فادي و هو يشمل “صفية” بنظرة فاحصة :

-نورتوا !

عثمان بصوت أجش عندما لاحظ نظراته المصوبة نحو أخته :

-بنورك .. أومال هي مش موجودة و لا إيه ؟ بنخبط عليها بقالنا مدة و محدش بيفتح !!

-لأ يا باشا موجودة . تلاقيها نايمة بس .. ثواني.

و مر من جانبه ليفتح باب شقة ..

-إتفضلوا إدخلوا ! .. قالها “فادي” بتهذيب و هو يفتح لهما الباب علي مصراعيه ، و كأنه يفتح لهما عريـــن الأســــد ….. !!!!!!!

( 48 )

_ عرين الأسد ( جزء ثاني ) ! _

في عيادة طبيب الأطفال …

تجلس “زينب” في قاعة الإنتظار و تضم “ملك” الغافية إلي صدرها ، فيما تمسك هاتفهها باليد الأخري و تطلب رقم “شهيرة” بعصبية

لحظات و جاء صوتها :

-أبلة زينب إنتي فين ؟؟؟

زينب بإنفعال :

-إنتي مابترديش ليه من أول مرة ؟ إيه إللي حصل عندك ؟؟؟؟؟

شهيرة بوجل :

-لسا ماحصلش بس أكيد هيحصل . فادي دخلهم الشقة . هما دلوقتي لوحدهم معاه !

زينب هامسة بنبرة عنيفة :

-يانهار إسووود . إلطف يا رب .. ثم قالت بصوت آمر :

-شهيرة . إدخلي خليكي مع سمر . إوعي تخلي فادي يطولها لحد ما أجي . أنا مسافة السكة أهو.

و قامت بسرعة لتغادر ..

رأتها موظفة الإستقبال فصاحت بدهشة :

-يا حجة . يا حجة دورك الجاي خلاص !!

و لكنها أكملت طريقها بأقصي ما إستطاعت من سرعة …

ظلت تدعو طوال الطريق بألا يقع أي سوء لتلك العائلة المسكينة ، تضرعت في كل خطوة و مشت في الشوارع تطلب من الناس الدعاء معها

ليهديها عقلها فجأة إلي هذه الفكرة .. تذكرت إنه سبق و إتصل بها ، أمسكت بهاتفهها للحال و بحثت عن الرقم الغريب و أجرت الإتصال به …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
أمام شقة “سمر” …

يدخل “عثمان” بخطواته الوقورة أولا … بينما وقفت “صفية” محلها

ترددت في الدخول و هي تنظر إلي “فادي” بشئ من القلق ، لا تعلم لماذا تشعر هكذا حياله .. رغم أنه بدا طبيعيا جدا !

-تعالي يا صافي .. قالها “عثمان” بصوته الهادئ يحثها علي ملاحقته ، لتمد “صفية” ساقها أخيرا و تمر بمحاذاة “فادي” متحاشية النظر في عينيه

يقفل “فادي” الباب بالمفتاح بعد نجاحه في إحتجازهما بشقته و بمنتهي السهولة … يضع المفتاح بجيبه ، ثم يلتفت نحوهما راسما علي ثغره إبتسامة خفيفة ..

-إتفضلوا أقعدوا .. قالها “فادي” بلطف مشيرا لآريكة توسطت الصالة المتواضعة

أخذ “عثمان” أخته و أجلسها ثم جلس بجانبها ..

وضعت “صفية” باقة الزهور علي الطاولة ، بينما قال “عثمان” متطلعا إلي “فادي” :

-لو سمر نايمة ماتزعجهاش من فضلك . إحنا ممكن نمشي و تبقي تقولها إننا جينا نطمن عليها.

فادي بإبتسامة :

-تمشي ! تمشي إيه بس يا باشا ؟ هو إنت لحقت ؟ أنا هدخل أصحيها . بس الأول لازم أقوم بالواجب معاكوا . تحبوا تشربوا إيه ؟

تبادل “عثمان” نظرات سريعة مع “صفية” ثم عاد إليه و قال :

-شكرا و لا أي حاجة.

فادي بإعتراض شديد :

-لااااا . ده كلام بردو ؟ مايصحش أبدا يا عثمان بيه . لازم تشربوا حاجة.

تنهد “عثمان” بحيرة ، ثم قال :

-خلاص . أنا قهوة مظبوطة . و صافي أي عصير.

إبتسم “فادي” إبتسامة ودية مظهرا أسنانه البيضاء و قال :

-دقايق بس . عن إذنكوا.

عثمان محاكيا إسلوبه الودود :

-إتفضل.

و ذهب “فادي” بإتجاه المطبخ ، لتميل “صفية” في اللحظة التالية صوب أخيها و تهمس قرب أذنه :

-عثمان ! .. أنا عايزة أمشي من هنا.

نظر “عثمان” لها و قال بإستنكار :

-مالك يا صفية ؟ إيه عايزة تمشي دي ؟ هو أنا كنت جبتك غصب عنك ؟ جاية دلوقتي بعد ما جينا و دخلنا و قعدنا تقوليلي عايزة أمشي ؟! .. كان العتاب واضح في صوته

صفية بشئ من الإضطراب :

-ما أخوها هنا . كده كده مش هنعرف نتكلم معاها في حاجة.

-عارف ياستي . هنضطر نأجل الموضوع لبعدين بس مش هينفع نمشي منغير ما نشوفها ! .. و هنا دق هاتفهه

أخرجه من جيب سترته … كان رقم بدون إسم ، لكنه رد :

-ألو !

أتاه صوت “زينب” الصارخ فورا :

-إمشي من عندك بسرعة . فادي عرف كل حاجة !!!

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

كانت “سمر” نائمة … عندما ولجت “شهيرة” إلي شقة الجارة “زينب”

أقفلت “شهيرة” الباب من خلفها جيدا ، مشت ناحية “سمر” .. و برفق مدت يدها و هزتها متمتمة :

-سمر .. سمر .. أبوس إيدك إصحي يا سمر.

تفتح “سمر” عيناها بتثاقل ، تستغرق ثوان لإستعادة وعيها كاملا ، تنظر إلي “شهيرة” فتتفاجأ برؤيتها ..

-إنتي ! .. قالتها “سمر” بصوت حاد

-إنتي إيه إللي جابك هنا ؟؟؟

جلل الخوف وجه “شهيرة” و هي تجيبها :

-مش وقته يا سمر . مش وقته . قومي بس كده علي حيلك و إدعي معايا المصيبة دي تخلص بسرعة و ماتحصلش كوارث.

سمر مفغرة فاهها بصدمة :

-مصيبة إيه ؟؟؟

رمقتها “شهيرة” بشفقة … ثم حكت لها ما يحدث بإيجاز

في ثانية كانت “سمر” واقفة علي قدميها المكسورتان ، لم تعد تشعر بالألم ، لم تعد تشعر بأي شئ سوي بالخطر المحدق بها و بشقيقها و … و بالرجل الذي يدعي زوجها ..

-إستني يا سمر رايحة فين ؟؟؟ .. صاحت “شهيرة” و هي تقبض علي رسغ “سمر” برفق

سمر و هي تشد يدها بعصبية :

-إوووووعي سـيـبـيـنــــــي !

شهيرة برفض :

-لأ أبلة زينب قالتلي ماينفعش فادي يشوفك دلوقتي.

سمر بصراخ :

-بقولك إوووعي من وشـــي.

و دفعتها من طريقها بكل قوتها ، و مشت بسرعة و هي تعرج علي قدم و قدم ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

عند “عثمان” … يغلق الخط و التوتر يجتاحه فجأة ، لأول مرة يتسلل إلي قلبه الشعور بالخوف ، لكنه لم يكن خائفا علي نفسه ، بل علي “صفية”

لقد كان من قمة الغباء .. من عدم الشعور بالمسؤولية أن يعرضها لموقف كهذا ..

إستدار “عثمان” إلي أخته و قال بصوت خافت للغاية :

-جهزي نفسك عشان هنمشي دلوقتي.

صفية بقلق :

-في حاجة و لا إيه ؟!

عثمان محاولا الظهور بمظهر الهادئ :

-مافيش حاجة . بس عشان مانتأخرش.

لم تقتنع “صفية” بكلامه ، لكنها تأهبت للرحيل و أمسكت بحقيبة يدها

جاء “فادي” بعد لحظات حاملا المشروبات بين يديه … كانت ملامحه متغيرة الآن ، لم تكن ودية إطلاقا ، فقط ساكنة و غامضة بصورة مخيفة ..

-إتفضلوا ! .. قالها “فادي” بصوت عادي و هو يقدم لهما المشروبات

عثمان بإبتسامة خفيفة :

-لأ إحنا أسفين . مضطرين نمشي دلوقتي جالنا تليفون من البيت . إنت إبقي بلغ سمر إننا جينا نزورها و لاقينها نايمة . إن شاء الله هنكرر الزيارة تاني .. يلا يا صافي !

و أمسك بيد أخته ، لكن جمده صوت “فادي” قبل أن يقوم من مكانه :

-تمشي إزاي يا باشا . قولتلك هدخل أصحيها . خليك مكانك لو سمحت .. كان صوته فيه طابع الحدة الآن

عثمان بشئ من التوتر :

-معلش . قولتلك هنبقي نكرر الزيارة تاني .. و شد “صفية” ليوقفها معه

في هذه اللحظة ، و من دون أن يعرف “عثمان” ماذا حدث أو متي حدث .. وجده يظهر سكين حاد النصل من خلف ظهره و يشهره بوجهه هو و أخته ..

-فين العقد العرفي يا عثمان بيه ؟؟؟ .. تساءل “فادي” بخشونة و قد غدت نظراته مظلمة تماما

إنتفض “عثمان” للخلف ، فيما إمسكته “صفية” من ظهره و سحبته بعيدا عن ذلك المجنون و هي تزدرد ريقها بخوف شديد ..

-إيه إللي بتعمله ده يا فادي ؟ إنت إتجننت ؟! .. قالها “عثمان” بحدة تناقض الوجل الذي يجيش بأعماقه ، ليصيح “فادي” و هو يمد يده الأخري و يجتذبه بعنف من ياقة سترته :

-بقولك العقد العرفي فـيـــــن يا عثمان ؟ .. بـيــه !

تتدخل “صفية” عتد ذلك ، فتقول بعدائية شديدة :

-إنت سيبه . سيب أخويــا ..

-إسكتي يا صفية ! .. قاطعها “عثمان” بحزم ، و تابع مع “فادي” بلهجة جامدة :

-عقد إيه إللي إنت تقصده ؟ مافيش عقود.

فادي و هو يشده من سترته بعنف أكبر :

-إنت هتستعبط عليا ؟ أنا خلاص عرفت كل حاجة . وديني ما أنا سايبك إنهاردة.

تصيح “صفية” به من جديد :

-قولتلك سـيـبـه . عارف لو لمسته !!!

نظر لها “فادي” و قال بإسلوب أرعن لا يناسبه بتاتا :

-بتأدي حلو إنتي يا بنت الـ××××××××× جايبك تمثلي دور الأخت.

جحظت عينا “صفية” بذهول عندما سمعت الوصف الذي نعتها به ، بينما طغي الغضب علي “عثمان” الآن فزمجر بشراسة و هو يدفعه عنه بقوة :

-لأ .. لحد هنا و عندك . إوعي تغلط تاني و تقولها الكلام القذر ده . و بعدين دي أختي . مش ممثلة . عثمان البحيري مابيكدبش و لا بيمثل.

فادي بإبتسامة شيطانية :

-أختك بجد ؟ .. طيب . زي الفل . إنت كده وفرت كتير عليا !

نظر له “عثمان” بغضب ، و خرجت من حنجرته زمجرة ضارية

إهتز باب الشقة بعنف هنا من شدة الطرق عليه ، و جاء صوت “سمر” صارخا من الخارج :

-فــــــــــآااااااااااااااااااادي . فـــــــــــــــآااااااااااااااااااادي . إفـتــــح . إفــتــح الـبـاب !

إتجه “فادي” نحو الباب و فتحه بسرعة .. أمسك “سمر” من شعرها و جرها للداخل صائحا :

-تـعـآالـي ياختي . إدخـلـي . دورك جآاي.

كانت “سمر” تصرخ الآن ، لكنها حررت نفسها منه عندما إلتقطت “عثمان” بعيناها و تأكدت من إدعاء “شهيرة” ..

-إيه إللي في إيدك ده ؟؟؟ .. قالتها “سمر” بصدمة حين رأت السكين بيد أخيها

-إرمي الزفتة دي . إنتي عايز إيه ؟ عايز تودينا في ستين داهية ؟ إرمـــي إللــي فــي إيــدك بــقــولك.

إبتسم “فادي” بإستفزاز و قال :

-مش عيب يا سمر تدخلي كده و ماتسلميش علي ضيوفنا . أكيد تعرفيهم طبعا . عثمان بيه و أخته .. سلمي عليهم عيب كده.

نظرت “سمر” إلي الفتاة المذعورة التي وقفت بجانب “عثمان” و تمتمت بصدمة مضاعفة :

-أخته !

فادي بخبث :

-شكلك ماكنتيش تعرفيها بقي . بس تعرفي إنها زي القمر . شبه الباشا أخوها بالظبط .. و شدد علي أخر كلمة

ليمد “عثمان” يده إلي الوراء مشيرا لأخته كي تقف خلفه مباشرةً ..

-خليها تنزل و أنا قاعد معاك ! .. قالها “عثمان” بصوته العميق و قد حرص علي الإحتفاظ بنبرة القوة فيه

صفية و هي تتشبث بثياب أخيها بأصابع مرتجفة :

-مش هاسيبك لوحدك يا عثمان !

عثمان بصرامة :

-إسكتي إنتي .. إسمعي الكلام . هتنزلي و تروحي علطول و أنا جاي وراكي.

قهقه “فادي” بسخرية و قال :

-تنزل إيه ياباشا ؟ هو ده ينفع بردو ؟ و رحمة أمي ماحد هينزل من هنا قبل ما تاخدوا واجبكوا .. ثم أكمل و هو يحدجه بنظرات مستعرة :

-و بالذات أختك . لازم نكرمها . زي ما كرمت أختي بالظبط.

في هذه اللحظة كشر “عثمان” عن أسنانه متخذا وضعية الدفاع ، بينما تصدت “سمر” لأخيها صارخة و هي تدفعه في صدره :

-إنت مجنوووون . إيه إللي إنت بتقوله ده ؟؟ فووق عايز تعمل إيـــه ؟؟؟؟

فادي صائحا بوحشية :

-عايز أعمل إللي عمله معاكي . إيه ؟ مش ده العدل ؟ قوليلي إنه ماعملش حاجة . قوليلي إني فاهم غلط و أنا هاسيبه و هاسيب أخته و مش هاجي جمبها . قـــــوولي يا ســـــمـــر !

أخرسها إلحاحه ، لم تقو علي الكلام .. إذ كانت نظراته غير المصدقة لها ، و تشجيعه لها بأن تنفي الأمر و تقول إن ما من شئ حدث .. كل هذا كان أشد إيلاما بمراحل من ألم جسدها ..

-يعني صح ؟! .. قالها “فادي” مصعوقا عندما صار متأكدا مما سمعه

-الكلام إللي سمعته صح يا سمر ؟؟؟ رررررددي عــلــيــآاا !

تغضن وجهها بمرارة و إمتلأت عيناها بالدموع ، ليكمل “فادي” و هو يهز رأسه بعدم تصديق :

-مستحيل .. أنا كنت شاكك . قلبي كان حاسس .. بس كنت بقول لأ . مش ممكن سمر تعمل كده . مش ممكن .. معقولة إنتي تعملي كده ؟؟؟؟؟

إعتصرت جفناها بألم شديد و لم ترد …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في محل الجزارة …

ما زال التجمهر كما هو ، و حين نشب الصراخ و الصياح أتيا من منزل “سمر” وقفت “نعيمة” بمنتصف الحلقة و رفعت نبرة صوتها و هي تقول بإنتصار :

-سآاااااامعين ؟ سآااامعين يا أهل الحتة ؟ طلعت أنا كدابة دلوقتي ؟ طلعت أنا المفترية ؟ خلاص يا معلم رجب ؟ خلاص يا خميس ؟ خلاص بيقتوا متأكدين من كلامي ؟؟؟

تدفق الدم حارا مغليا في عروق “خميس” و إنقبضت عضلات فكاه بقوة و هو يحملق في نافذة بيتها

لم يشعر بنفسه في اللحظة التالية إلا و هو يندفع صوب درج الآلات الحادة الخاصة بالجزارة … بدون تردد أخذ الساطور ( سكين عريض ثقيل ذو حدٍ واحد يـُـكسر به العظم ) و إنطلق نحو المنزل متجاهلا نداءات والديه الملتاعة ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

وقفت “سمر” بين “عثمان” و “فادي” تصارع تارة و تستجدي تارة ..

-بالله عليك . بالله عليك يا فادي لأ . سيبه يمشي عشان خآاطري !

يرمقها “فادي” بنظرات محتدمة و يجذبها من ذراعها صائحا :

-إنتي لازقالي فيه كده ليه ياختي ؟ صعبان عليكي ؟ بتحبيه ؟ وديني هدبحه قصاد عينك و بعدين هشرب من دمك بعديه.

سمر برجاء و قد هطلت دموعها كالشلالات :

-طيب بلاش عشان خاطري . عشان خاطر ملك . هتروح في داهية . هي مالهاش غيري أنا و إنت.

يدق باب الشقة في هذه اللحظة و يقاطعهم ..

-إفتحوآاا الـبـاب ! .. كان صوت “خميس”

إبتسم “فادي” بشر و ذهب ليفتح له :

-تعالي . خش .. قالها “فادي” بترحاب شديد ، ليدخل الأخير و علامات الإجرام تتسيد قسمات وجهه

كان يبحث عن “عثمان” و عندما وجده ، غمغم بصوت كالفحيح :

-هو ده ؟ هو ده يا سمر ؟؟؟ .. و رفع يده التي تحمل الساطور في حركة إستعدادية

رأت “سمر” هذا فلطمت خديها و صرخت برعب :

-لأاااااااااااااااااا.

صرخت “صفية” بدورها و قد إنتابتها حالة عصبية و هسترية شديدة :

-عثمآاان . لأ . هيقتلوك . هيقتلوك يا عثمآااان لأ . لأااا.

ضغط “عثمان” علي يدها و قال بلطف :

-ششششش إهدي . إهدي يا صفية .. كانت عيناه معلقتان علي الدخيل الجديد

إقترب “فادي” من “خميس فظهرها و كأنهما قد شكلا حلفا ما بعد العدواة التي كانت بينهما ..

-هسيبهولك يا خميس .. قالها “فادي” رابتا علي كتفه ، و تابع بإبتسامة ماكرة :

-علي عيني . عشان بس هكون مشغول مع أخته !

زمجر “عثمان” أشد من ذي قبل و قال بغضب شديد :

-لازم تعدي فوق جثتي الأول قبل ما توصلها.

فادي بإبتسامة مرحة :

-و هو كذلك .. و نظر إلي “خميس” و كأنه يعطيه الإذن

في لحظة إندفاع ذلك الهمجي ، إستدار “عثمان” في لمحة و أمسك بأخته .. دفعها بقوة داخل إحدي الغرف و أغلق الباب عليها …

ظلت “صفية” تحاول فتح الباب دون فائدة ، ظلت تصرخ بإسم أخيها و هي تسمع هذه الأصوات المخيفة في الخارج

كانت علي شفير الإنهيار ، و لم تعرف كيف أخرجت هاتفهها و جلبت رقمه و إتصلت به .. حتي لم تعرف كيف خرج صوتها المخنوق بهذا الوضوح :

-صآاااااااالح . إلحقنا يا صآاالح !

يتبــــــع …

error: