رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 10 )

_ كبرياء ! _

أجفلت في إستغراب ممزوج بالتوتر ، و رددت :

-جايبالي عريس ! .. ثم إنتفضت بعد برهة و هي تكمل بإستنكار حاد :

-بس بردو ده مش مبرر يخليك تزعق للست كده . دي في مقام ماما الله يرحمها و يعتبر مربيانا !

فادي بغضب :

-في مقام ماما و مربيانا علي عيني و راسي . لكن تفتكر نفسها واصية علينا لأ.

-إنت شوفتها جابت بندقية و هددتك بيها يا توافق يا تقتلك ؟ الست عرضت عليك الموضوع و إنت رفضت خلاص خلصنا.

فادي بعصبية مفرطة :

-لأ ماخلصناش . لازم الكل هنا يلزم حدوده و محدش يفكر يتدخل فينا.

سمر بغضب :

-عايز تعمل إيه ؟ هه ؟ هتروح تتخانق معاها تاني ؟ بقت دي أخلاقك دلوقتي ؟!

ضغط “فادي” علي فكيه بحنق شديد و هو يشيح بوجهه عنها ، بينما تابعت “سمر” متسائلة :

-ثم تعالي هنا قولي ! .. إنت عصبي كده ليه ؟ فيها إيه لو جالي عريس ؟ ده إنت أكتر واحد متحمس للفكرة و إمبارح بس كنت بتشجعني عليها .. إيه إللي حصل بقي ؟!!

فادي و قد عاوده الغضب الشديد مرة أخري :

-إللي حصل إن الست إللي في مقام ماما و مربيانا زي ما بتقولي كانت عايزة تجوزك خميس إبن المعلم رجب الجزار !

ذهلت “سمر” في البادئ و هي تتخيل كلامه !

إذن له الحق .. نعم له ملء الحق ليغضب ، إذ أن هذه العائلة كلها أرباب سجون و محبي للمشاكل ، صيتهم ذائع في كل مكان بأنهم أشد شرا عن غيرهم داخل منطقتهم أو خارجها ..

-طيب .. قالتها بهدوء غامض ، ليستوضحها “فادي” بحدة :

-طيب إيه ؟؟!!

-طيب خلاص الموضوع إنتهي .. و لو إني شايفة إننا خسرنا.

فادي بإستهجان :

-نعم ياختي !!

سمر ضاحكة بمزاح :

-أه و الله خسرنا . علي الأقل كنا هناكل لحمة ببلاش.

و إستمرت في الضحك ، ليتحول عبوس “فادي” إلي تعبيرات منفرجة ، ثم يقول مقاوما الإبتسام :

-إنتي بتهرجي صح ؟ .. طيب إسكتي بقي عشان ماتعصبش عليكي !

و إنفجر ضاحكا هو الأخر ..

تشاركا معا الضحك للحظات قبل أن يصيح “فادي” بإستذكار :

-أه صحيح .. قوليلي عملتي إيه في الشغل ؟ أول يوم كان كويس و لا إيه ؟!!

سمر و هي تهز كتفاها بخفة :

-الحمدلله .. كان كويس أه.

-محدش ضايقك يعني ؟؟

سمر بضحك :

-مين إللي هيضايقني بس يابني ؟ ده مكان شغل . حد هناك فاضي للكلام ده بردو ؟!

فادي بشيء من الحدة :

-أه فاضيين . و خدي بالك كويس بالذات من مديرك ده . أنا مش مرتاحله أصلا.

-يابني إنت كنت شوفته قبل كده !!

فادي بعدم إرتياح :

-مش مرتاحله و خلاص . خدي بالك منه و لو حاول يعمل معاكي أي حاجة تسيبي الشغل فورا سامعة ؟؟

أدارت عيناها معبرة عن ضيقها و هي تقول :

-اففف .. حاضر يا فادي . لو صدر منه ليا أي حاجة مخلة للآداب هسيبله الشغل علطول.

فادي بغيظ :

-بتتريقي ؟؟؟!

ضحكت “سمر” بخفة ، ثم إقتربت منه و ربتت علي كتفه قائلة :

-بس لو تبطل الوساوس بتاعتك دي يا فادي ! إطمن يا حبيبي . أنا هبقي كويسة . كلنا هنبقي كويسين إن شاء الله و قريب مش هنحتاج لأي حد.

و هنا برز صوت نشيج “ملك” المتقطع ، لتبتسم “سمر” و تستدير ماشية صوب الآريكة حيث تجلس أختها ، ثم تقول :

-حاضر يا حبيبتي . عارفة . عارفة إنك جوعتي . هحضرلك أحلي أكل دلوقتي !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في المشفي الخاصة بإستقبال النزلاء الأثرياء فقط ..

يصعد كلا من “عثمان” و “مراد” إلي الطابق الرابع حيث جناح “صالح” المترف يقع هناك

ينقر “عثمان” علي الباب نقرتين متتاليتن ، ثم يدير المقبض و يدفعه

كانت “هالة” تجلس بجوار شقيقها عندما دخل إبن عمها و صديقه و قد إتخذت مكان “صفية” التي ذهبت إلي المنزل لتنول لتقسطا من الراحة ..

-أهلا عثمان . إزيك .. قالتها “هالة” بإبتسامة خاصة لـ”عثمان” وحده ، ليرد عليها بإبتسامة عادية :

-أهلا يا هالة .. الحمدلله كويس . إزيك إنتي ؟

-كويسة.

-أهلا أهلا بإبن عمي الندل . لسا فاكر تيجي تطمن عليا ؟ .. قالها “صالح” مبتسما بصعوبة

فضحك “عثمان” و هو يقترب ليجلس في كرسي أخر مجاور لسريره ، ثم قال بلطافة :

-عامل إيه يا واد ؟ تمام و لا خلاص بركت زي الجمل ؟!

-بتتريق يا خويا ! ما أنا لو بركت زي الجمل هتبقي إنت السبب مش كنت سايق عربيتك ؟ .. ثم نظر إلي “مراد” و صاح :

-و مراااد كمان هنا ! لا لا ده كتير عليا و الله.

مراد بإبتسامة :

-إزيك يا صالح ؟ ألف سلامة عليك.

-الله يسلمك يا سيدي . تعالي أقعد .. ثم طلب من “هالة” :

-لو سمحتي يا هالة قومي خلي مراد يقعد.

مراد يرفض :

-لأ تقوم إزاي ! خليكي يا هالة أنا مستريح كده.

هالة بإبتسامتها الرقيقة :

-تعالي يا مراد أقعد مكاني . أنا أصلا تعبت من القعدة . هروح أجيب قهوة من البوفيه تحت و هجيب كرسي كمان و أنا جاية .. تحبوا أجيبلكوا قهوة معايا ؟؟

عثمان / مراد :

-أه يا ريت !

رمقتهم بإبتسامة أخيرة ، ثم خرجت ..

-إيه يا عم مراد . جاي إقامة و لا زيارة ؟ .. قال “صالح” بتساؤل ، ليجيب “مراد” :

-جاي إقامة يا صاحبي . نويت إستقر هنا خلاص . بس و الله ما كنت مخطط أرجع اليومين دول أصلا أنا نزلت بسرعة عشانك . لما قريت الخبر حجزت تذكرة تاني يوم علطول.

-فيك الخير .. طمرت فيك العشرة ياض.

و هنا تدخل “عثمان” ..

عثمان بجدية :

-المهم قولي .. إنت كويس ؟ حاسس إنك تمام يعني ؟؟؟

صالح بوساطة :

-يعني ! .. مش قادر أتحرك خالص و جسمي كله بيوجعني خصوصا ضهري . بس تمام . أكيد كل ده هيتعالج بسرعة إن شاء الله.

عثمان و هو يربت بلطف علي كتفه :

-إن شاء الله .. ثم قال بصوته العميق :

-رشاد الحداد كان قاصدني أنا . بس جت فيك . للآسف ماعرفتش أثبت عليه حاجة . بس قولي يا صالح .. إنت حاطط الموضوع في دماغك ؟ لو شايلها في نفسك قولي و أنا أساويهولك بالأرض . مش هيهمني حد و إنت عارف.

تنهد “صالح” تنهيدة طويلة ، ثم قال :

-خلاص يا عثمان .. سيبه . إحنا مش ناقصين مشاكل تاني . و أنا قريب هقوم علي رجلي بإذن الله.

عثمان بإلحاح ممزوج بالغضب :

-مش إحنا إللي عملنا المشاكل . و كمان أنا مش عايز أسيب حقك . يعني أنا لو كنت مكانك كنت هتقف ساكت ؟؟؟

صالح بدون تردد :

-لأ طبعا ! .. ثم أكمل و هو ينظر إلي “مراد” :

-بس أنا بقول طالما بقيت كويس يبقي مافيش داعي نشوشر علي نفسنا . و لا إنت إيه رأيك يا مراد ؟!

مراد موافقا :

-صالح بيتكلم صح يا عثمان . أي حاجة ممكن تعملها ممكن تتقلب ضدك و كمان مافيش حاجة هترجع إللي فات . تقدر تقولي لو إتعرضتله بالآذي هتستفيد إيه ؟!

عثمان بشراسة :

-هبقي رديت إعتباري و إعتبار عيلتي كلها و فهمته كويس أنا مين عشان يفكر ألف مرة بعد كده قبل ما يحاول يآذيني.

-هو خلاص هيحرم يتعرض لأي واحد فيكوا تاتي . متنساش رقبته تحت رجلك و لسا الڤيديو بتاع بنته معاك .. المهم ماتتهورش و عديها المرة دي علي خير !

عادت “هالة” في هذه اللحظة حاملة طقم القهوة بين يديها ، لينقطع حديثهم الحاد ، و يتطوع “مراد” بالإبتسام عن صديقيه الصامتين الواجمين ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

صباح يوم جديد … تستيقظ “سمر” باكرا و تهم من فراشها بنشاط

إستغلت إستغراق “ملك” في النوم و ذهبت لتؤدي بعض الواجبات المنزلية ..

نظفت الشقة سريعا ، أحضرت الفطور ، إيقظت “فادي” كي لا يتأخر علي جامعته ، ثم إتجهت إلي الحمام

إغتسلت و توضأت ، ثم خرجت و أدت سنة الضحى ..

إنتهت من صلاتها و قامت لتبدل ملابسها

كانت تثبت ربطة حجابها عندما إستيقظت “ملك” في هذه الأثناء و كالعادة باكية ، هرولت “سمر” إليها و حملتها من سريرها الصغير

ضمتها إلي صدرها بحنان و هي تتمتم مغنية بعذوبة في أذنها ..

هدأت “ملك” نسبيا ، بينما أخذتها “سمر” إلي “فادي” حيث كان يجلس هناك بالصالة و يتناول فطوره

أقبلت عليه “سمر” و هي تتحسس جبين أختها و تقول بقلق :

-فادي ! .. شكل ملك تعبت تاني و لا إيه ؟!

ترك “فادي” طعامه في الحال ، و مد يده و إحتوي وجهها الصغير بكفه الكبير ..

فادي بإبتسامة هادئة :

-لأ .. مافيهاش حاجة.

-أومال أنا حاسة إن حرارتها عليت ليه ؟؟

-إنتي بتقلقي عليها دايما يا سمر .. إطمني مافيهاش حاجة.

سمر و هي تحتضنها بقوة :

-يا رب .. ربنا يشفيكي يا حبيبتي !

ثم طبعت قبلة عميقة علي وجنتها المكتنزة

بينما قام “فادي” و هو يلتقط حقيبة ظهره من فوق الطاولة ، و قال :

-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ورايا إمتحان بعد ربع ساعة . يدوب يعني مسافة سكة .. ثم سألها بإهتمام :

-إنتي هتعملي إيه دلوقتي ؟؟؟

-و لا حاجة . هخلي ملك عند الحاجة زينب زي إمبارح و بعدين هروح علي شغلي.

فادي بضيق :

-تاني الحاجة زينب !

سمر بلوم :

-إسكت بقي مش كفاية إللي عملته إمبارح . يا رب بس ماتكونش زعلت منك أوي .. ثم قالت مقترحة :

-بقولك إيه ! .. ماتنزل معايا و إعتذرلها.

فادي برعونة خفيفة :

-نعم يا ماما ؟ أنا مابعتذرش لحد . و إنتي كمان إياكي تفتحي الموضوع سامعة ؟ .. يلا أنا ماشي.

و غادر “فادي” بينما جمعت “سمر” أغراض “ملك” ثم أخذتها و هبطت إلي شقة السيدة “زينب”

طرقت بابها و إنتظرت لثوان ، فتحت لها السيدة و رحبت بها ..

“زينب” ببشاشة :

-أهلا أهلا ببناتي الحلوين . إزيك سمر ؟ إزيك يا ملوووكة ؟

و مدت ذراعيها لتتلقي “ملك” ..

فناولتها “سمر” الصغيرة و هي تقول بإبتسامة :

-الحمدلله يا ماما زينب كويسة . إنتي إزي حضرتك ؟

-في نعمة يابنتي . نشكر ربنا . تعالي إدخلي واقفة عالباب ليه ؟!

ولجت “سمر” و تبعت السيدة إلي حجرة الجلوس

جلست قبالتها و هي تبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ بها حديثها ..

سمر بإرتباك و حيرة :

-ماما زينب أنآاا . إحم . أنا كنت عايزة .. كنت عايزة أقول يعني آاا ..

زينب بضحك :

-في إيه بس يابنتي ؟ علي مهلك عايزة تقولي إيه ؟!

سمر بشجاعة :

-كنت عايزة أقولك يعني ماتزعليش من فادي . هو مايقصدش يزعلك و الله . ده حتي كان عايز ينزل معايا يعتذرلك بس إتكسف منك !

-سمر يا حبيبتي .. إنتي أكيد عارفة غلاوتكوا عندي . أنا ست طول عمري عايشة مع جوزي لوحدي . ربنا مارزقنيش بالولاد . بس رزقني بيكوا أنا ربيتكوا مع أمكوا الله يرحمها .. ثم قالت و هي تداعب “ملك” بتحبب :

-و إن شاء الله ربنا يديني العمر و أربي الصغننة دي كمان.

سمر بإبتسامة :

-يا رب . ربنا يديكي الصحة.

-أنا عمري ما أزعل منكوا .. و ماكنش قصدي أضايق أخوكي . و الله يابنتي فكرت الموضوع ممكن يكون لمصلحتك . خميس إبن المعلم رجب كسيب و حياته حلوه و مبسوط.

-أيوه يا ماما زينب بس إنتي عارفة سمعته و سمعة عيلته كلها عاملة إزاي !

-و الله يابنتي أنا ما إتكلمت إلا عشان مصلحتك . و علي رأي المثل الراجل مايعبوش إلا جيبه و الجدع باينه شاريكي هو إللي إتكلم عليكي بنفسه.

تنفست “سمر” بعمق ، ثم قالت :

-يلا . مافيش نصيب يا ماما زينب . ربنا يوفقه مع واحدة أحسن .. ثم أكملت و تقوم عن المقعد :

-أنا همشي بقي عشان ماتأخرش علي الشغل .. عايزة مني حاجة قبل ما أمشي ؟

-ماتحرمش يا حبيبتي . طريق السلامة !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في قصر آل “بحيري” .. علي مائدة الفطور إجتمع الجميع

تنهي “صفية” طعامها بسرعة ، لتنتبه إليها “فريال” و تسألها بإستغراب :

-في إيه صافي ؟ بتاكلي بسرعة كده ليه ؟ علي مهلك !

صفية بصوت شبه واضح بسبب كمية الطعام التي تملأ فمها :

-عايزة أخلص بسرعة يا مامي . عشان ماتأخرش علي صالح.

ثم ران صمت قصير بعد ذلك ، قطعته “هالة” بسؤال متوتر :

-هو . هو عثمان لسا نايم و لا إيه ؟!

أجابتها “فريال” مبتسمة و هي تعلم تماما ماهية سؤالها :

-لأ يا حبيبتي . عثمان صحي من بدري و راح علي شركته لسا ماشي من ساعة تقريبا.

-ياااه . مشي بدري أوي.

-أه . ما إنتي عارفة بقي شركته لسا جديدة و لازم يظبط كل حاجة بنفسه في الأيام الأولي.

أومأت “هالة” بتفهم ، بينما تحدث “يحيى” إلي “رفعت” ..

يحيى بنبرة هادئة :

-رفعت ! كمان شوية هروح أبص علي المجموعة . تيجي معايا ؟ بقالك كتير ماروحتش.

لم يرفع “رفعت” إليه بصرا ، ما زال غاضبا منه

لكنه قال ببساطة :

-مرة تانية أبقي أروح . مش معقول هسيب إبني و أروح أبص علي الشغل . إبني أهم.

إزدرد “يحيى” برودة أخيه معه ، و قال بلطف :

-إحنا مش هنطول هناك . هنروح بسرعة و بعد كده نبقي نطلع أنا و إنت علي المستشفي .. إيه رأيك ؟؟

رفعت بعد تفكير :

-ماشي .. قالها بإقتضاب

لينظر “يحيى” نحو زوجته ، وجدها تبتسم له برضا ، بدالها بإبتسامة حب ، و من دون أن يراه أحد أرسل إليها قبلة في الهواء

توردت “فريال” خجلا ، و خفضت رأسها بسرعة و هي تزم شفتيها مقاومة تلك البسمة الواسعة …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) … تجلس “سمر” في المكان المخصص لها

تقوم بطباعة بعض الرسائل المرسلة إلي الشركة من الخارج ، ثم تجمعها كلها و تضعها بملف خاص لتسلمها الآن لمديرها كما طلب منذ قليل ..

كادت تنهض ، لولا رنين هاتفهها الذي أعادها لتجلس ثانيةً

كانت “السيدة زينب” هي من تتصل بها ، عبست “سمر” بقلق ، لكنها ردت :

-آلو ! .. أيوه يا ماما زينب . في حاجة ؟ .. ثم صاحات بهلع :

-بتقولي إييييييه ؟؟!!!!!

يتبــــع ..

error: