رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 35 )

_ غيرة ! _

يلج “مراد” إلي المكتب و علي وجهه إبتسامة مشرقة … تختفي الإبتسامة فورا

عندما وقعت عيناه علي “سمر”

ظل متسمرا بمكانه لدقيقة كاملة … أفقده سحرها رشده ، بينما وقفت “سمر” مطرقة في خجل .. إلي أن حمحم “عثمان” بخشونة ..

مراد بتلعثم :

-آا . صباح الخير !

-صباح النور .. قالها “عثمان” بإقتضاب و هو ينظر له بغضب

مراد بإبتسامة و عيناه ما زالتا تقيسان “سمر” من أعلي إلي أسفل ببطء :

-أنا قلت أجي أبص عليك . بقالي يومين ماشوفتكش !

عثمان و هو يحاول بصعوبة الإمساك بغضبه :

-طيب إدخل واقف كده ليه ؟ .. و إنتي يا سمر إتفضلي علي مكتب دلوقتي.

لبت “سمر” أمره و خرجت ، ليغمض “مراد” عيناه مبتسما حينما مرت هي بمحاذاته ..

-الله علي البيرفيوم إللي حاطاه .. قالها “مراد” بهيام ، ثم فتح عيناه و أكمل بذهول :

-Chanel Number 3 ! .. سمر بتحط من مجموعات شانيل ؟ و بعدين هي دي أصلا سمر السكيرتيرة بتاعتك ؟؟؟

زفر “عثمان” غاضبا و قال :

-إدخل يا مراد . أساسا إيه إللي جابك هنا ؟!

مراد و يمشي صوب مكتبه ليجلس أمامه :

-إيه ياعم المقابلة الناشفة دي ؟ ده بدل ما تقولي منور يا صاحبي . خطوة عزيزة . أي حاجة من الحاجات اللطيفة دي !

عثمان بنظرات حادة :

-إنجز يا مراد أنا مش فاضيلك . جاي في إيه ؟

مراد و هو يخطف تحفة خزفية من فوق المكتب و يقلبها بين راحتيه :

-مش جاي في حاجة مهمة . كنت جاي أخد رأيك في موضوع بس.

عثمان بإهتمام :

-خير موضوع إيه ؟

إنتظر “مراد” قليلا .. ثم قال :

-أبويا قدملي عرض إمبارح . هو من ناحية حلو و من ناحية أنا مش مستريح .. حقيقي محتار . مش عارف إتصرف إزاي !!

-طيب إيه هو العرض ؟؟

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••

في قصر آل”بحيري” … يقفز “يحيى” من فراشه واقفا و قد غدت ملامحه كلها خطيرة فجأة

يحيى و هو يصيح زاعقا في هاتفهه :

-يعني إيه كل حاجة إتلغت ؟ .. يعني إيه المندوب ماجاش ؟ نعم ؟ المخازن مليانة إزاي ؟ أومال أنا كنت سافرت ليه ؟ .. في عقود ممضية . مين إللي ورا الموضوع ؟؟؟ .. إستحالت ملامحه إلي الصدمة الشديدة عند سماعه الإجابة

-إنتي متأكدة يا أسما ؟ .. تساءل “يحيى” بعدم تصديق ، لتؤكد له سكيرتيرته الخاصة التصريح للمرة الثانية

إشتد عضلات فكيه و هو يطبق أسنانه بغضب شديد ..

أغلق الخط و توجه نحو باب الغرفة تتبعه “فريال” و هي تسأله بقلق :

-في إيه يا يحيى ؟ .. إيه إللي حصل ؟ .. طيب رايح فين بس ؟؟؟

-إبعدي عني يا فريال من فضلك ! .. قالها “يحيى” بإنفعال و إتخذ طريقه صوب غرفة أخيه

يحيى بهتاف عنيف و أعصابه قد وصلت بالفعل إلي درجة الغليان :

-رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت.

يخرج “رفعت” من غرفته بهدوء شديد بعكس حالة أي شخص قد يكون مكانه في هذه اللحظة ..

-في إيه يا يحيى ؟ بتزعق كده ليه ؟! .. تساءل “رفعت” ببرود مستفز

يحيى مزمجرا بشراسة :

-صحيح إللي أنا سمعته ده ؟؟؟

-إيه إللي إنت سمعته ؟

-إنت إللي بعت للعملا بتوعنا في لندن و قولتلهم الصفقة إنتهت ؟؟؟

-أه فعلا . حصل .. إعترف “رفعت” ببرودة أعصاب عجيبة ، لينفجر “يحيى” بغضب مستعر :

-لـــيــــــــــــه ؟ لــيــــه تعمل كده ؟ بتتصرف من دماغك منغير ما ترجعلي ؟ بتلغي صفقة بملايين منغير ما تاخد رأيي ؟ عملت كده لـــيــــــــــــه ؟؟؟

رفعت بحدة :

-يا ريت تكلمني كويس يا يحيى . ماتنساش إني أخوك الكبير.

-أخويا الكبير المفروض يبقي هو العاقل إللي بيخاف علي مصلحة أخوه الصغير . ليه ؟ ليه بتحاول دايما تبوظلي شغلي ؟ ده جزاتي ؟ ده جزاتي إني ماحبتش أبعدك عني و عملتلك مكان في الشركة ؟؟!!

رفعت بغضب :

-دي مش شركة لوحدك . إنت ناسي إنها ورث أبونا ؟؟

و هنا إجتمع كل من بالمنزل علي صوت هذا الشجار الناري ..

بينما قال “يحيى” بتهكم فظ :

-لأ و الله شكلك إنت إللي ناسي إن أبويا الله يرحمه كتبهالي بعد ما سيادتك فضلت تاخد نصيبك منها و تسافر بس أنا بقي إللي طلعت غبي لما رجعتك و كتبتلك ربع الأسهم فيها بعد ما ضيعت كل فلوسك .. و تابع بندم ممزوج بالحزن :

-كنت فاكرك إتعدلت و هتقف جمبي . كنت فاكرك فعلا أخويا الكبير إللي هيحميني و هيخاف علي مصلحتي . ماحسبتهاش صح بس قلت إحنا إخوات و مالناش إلا بعض ماينفعش نبعد ماينفعش نتفرق ماينفعش حد فينا يسيب إيد التاني . إستحملت منك كتير علي أمل إنك في يوم هتتغير . بس للآسف إنت زي ما إنت . غرورك و حقدك خلوك أعمي ممكن تدوس علي أي حد حتي لو كان أخوك !

صمت “رفعت” و ظل يحدجه بنظرات محتقنة فقط ..

يحيى بلهجة صارمة :

-أنا مش هقدر أقولك إمشي من البيت ده لإنه للآسف بيتك زي ما هو بيتي . بس لما أرجع من السفر هطلعك من شركتي و هسحب منك كل الأسهم . خلاص .. الثقة بينا بقت معدومة و أنا إستحالة آمنلك تاني يا . ياخويا.

و تركه و عاد إلي غرفته تلحق به زوجته

بينما وقفت كل من “هالة” و “صفية” و عائلة “مراد” مصعوقين مما حدث ، و لم يجرؤ أحدهم علي فتح فمه و الإستفسار أبدا …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

عند “عثمان” … فرغ “مراد” من شرح مشكلته لصديقه و بقي منصتا لما سيقوله له

عثمان بجدية :

-شوف هو العرض كويس جدا و مسألة إنك هنا مرتاح و مش عايز تسافر تاني دي أنا شايفها سخيفة جدا . فيها لما تروح تتأسس المشروع إللي إقترحه أبوك و توسعه لحد ما تمده هنا ؟ وقتها هتقدر ترجع تاني زي ما إنت عايز . إنما حوار العواطف في الشغل ده مايأكلش عيش يا مراد لازم تتنصح شوية و لا هتفضل طول عمرك أهبل ؟!

مراد بإنزعاج :

-ما تبطل قلة أدب بقي ياعم و لم لسانك .. ثم قال بجدية مماثلة :

-طيب إنت شايف كده يعني ؟ أصل أنا بيعجبني تفكيرك بصراحة !

-أنا مش شايف غير كده . إنت لحد دلوقتي ماعملتش حاجة و مضيها بطول و العرض . آن الأوان تتكن في حتة معينة بقي و تشوف مستقبلك كفاياك كده.

أومأ “مراد” بتفهم و قال :

-أوك . خلاص علي بركة الله . نبدأ تنفيذ المشروع .. ثم تنهد و سأله بشقاوة :

-بس إيه التغييرا الفظيع إللي طرأ علي سمر ده ؟ دي إتغيرت خالص يا أخي . لثانية قلت دي مش هي !

عثمان و قد عاوده الغضب مجددا :

-و إنت مالك بيها يعني ؟ ما تتغير ياسيدي مهتم ليه إنت ؟؟

مراد بضحك :

-أيوه ياعم حقك تعمل أكتر من كده طبعا . ما إللي علي راسه بطحه بقي . مش قادر تنسي الرهان إللي خسرته.

في هذه اللحظة دق الباب ، ثم دخلت “سمر” حاملة مشروب “مراد” بين يديها ..

-إتفضل ! .. قالتها “سمر” برقة و هي تنحني قليلا صوب “مراد” بينما إبتسم الأخير بشدة و هو يقول :

-بنفسك ؟ جايبالي العصير بنفسك مش معقول !

ردت “سمر” له الإبتسامة ، ليصطبغ وجه “عثمان” بالحمرة و هو يقول بصوت غليظ :

-من إمتي بدخلي المشاريب بنفسك ؟ أومال فين الساعي ؟؟

سمر بشئ من التوتر :

-عم حسن تعبان و واخد إجازة مرضية إنهاردة !

مراد و هو يجذب إنتباهها مرة أخري :

-إنتي مش فكراني و لا إيه يا سمر ؟

سمر و هي تنقل نظرها بقلق بينه و بين “عثمان” :

-لأ إزاي فاكرة حضرتك طبعا.

مراد بنعومة :

-شكلك إتغير أوي . بس للأحسن طبعا.

سمر بتعثر :

-مـ ـيـ ـرسي !

-عموما أنا مبسوط إني شوفتك تاني .. و مد لها يده للمصافحة

بصورة تلقائية مدت “سمر” يدها هي الأخري و صافحته ..

حدق “عثمان” بغيظ في يد صديقه المطبقة بشدة علي يد “سمر” ثم حدق فيها هي منتظرا أن تسحب يدها بسرعة ، لكنها لم تفعل حتي قرر “مراد” بنفسه تركها بعد عدة لحظات ..

-عن إذنكوا ! .. قالتها “سمر” و هي تنظر بالأرض ، ثم إستدارت لتغادر المكتب

-مزززززززززه جآاامدة أوي يا عوث ! .. تمتم “مراد” بحرارة ، ليتنهد “عثمان” بنفاذ صبر و يرد :

-أظن إنها مش تيبك . و لا إيه ؟

مراد بضحكة ساخرة :

-يعني هي كانت تيبك إنت ؟ بس سيبك . إحلوت أووي عن أخر مرة شوفتها.

عثمان بإستهجان :

-لا إحلوت و لا حاجة عادي زي ما هي.

مراد بجدية :

-لأ .. جسمها لف و بقت مارشميللو خالص . ألوظت يعني.

-ما تلم نفسك يابني آدم إنت ! .. صاح “عثمان” بعصبية رغما عنه

مراد بدهشة :

-الله ! و إنت محموء كده ليه ؟ الكلام غريب علي ودانك ؟ ده إنت إللي بدعه .. ثم قال بخبث :

-و لا الهزيمة لسا حرقاك ؟

رمقه “عثمان” بحنق ، فضحك “مراد” و قام من مكانه و هو يقول بنبرة متكاسلة :

-أوك . همشي أنا بقي عشان ماعطلكش أكتر من كده .. يلا باي.

و رحل “مراد” ليرفع “عثمان” سماعة الهاتف فورا و يستدعي “سمر” ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

شعرت “سمر” بخطر وشيك كلما إقتربت من غرفة مكتبه … لكنها تسلحت بجدار شجاعة واهية قابل للإنهيار ما إذا أحب هو أن يهدمه

تقف “سمر” عند الباب ، ليشير لها “عثمان” بإن تقترب … إنصاعت له و هي تبتلع ريقها بصعوبة حين لمحت تلك النطرة العنيفة بعينيه

سمر بصوت خافت :

-نعم !

قام “عثمان” من مكانه و مشي ناحيتها بتمهل ..

-إنتي بتشتغلي فين يا سمر ؟ .. قالها “عثمان” بجمود و هو يكتف يديه خلف ظهره

سمر ببلاهة :

-هه ! مش فاهمة ؟!

عثمان بصوت أجش :

-سؤالي واضح . إنت بتشتغلي فين ؟

سمر بعدم فهم :

-بشتغل هنا . في مؤسسة البحيري للتسويق و التجارة !

عثمان و قد غدت نبرته هادئة علي نحو يدهش :

-إللي هي ملك لمين ؟

سمر بحيرة ممزوجة بالتوتر :

-ليك !

-يعني أنا أبقي مين ؟ .. قالها “عثمان” بصوت هامس ، ثم رفعها بمنتهي الخفة و أجلسها علي سطح مكتبه

سمر حابسة أنفاسها بتوتر شديد :

-عـ عثمان البحيري !

عثمان و هو يزيح حچابها ببطء ليكشف عن شعرها :

-و إنتي تبقي إيه ليا ؟

-مـ .. مر مراتك .. نطقتها بصعوبة ، لتظلم عيناه في هذه اللحظة و هو يرد بغضب :

-و لما إنتي عارفة كده إزاي تسمحي لواحد غريب يلمسك ؟ إزاي تخليه يمسك إيدك ؟ و يبقي إيه لزمته الحجاب إللي علي شعرك ده ؟؟؟

سمر بحدة ممزوجة بالإرتباك :

-هو مامسكش إيدي بالمعني إللي تقصده ده سلم عليا بس و أنا بسلم علي كل الناس بالإيد عادي ! .. ثم قالت بإستغراب :

-و بعدين أنا مش فاهمة يعني إيه سبب التحقيق ده ؟ إيه إللي يسمعك كده يقول جوزي بجد و غيران !!

أجفل “عثمان” من ملاحظتها و قال :

-غيران ؟ أنا لأ طبعا .. ثم أردف بخشونة :

-و إيه جوزي بجد دي ؟ إنتي مراتي و لا عايزاني كل شوية أفكرك ؟؟؟

أحمـّر وجهها و أطرقت رأسها لتهرب من نظراته الحادة ، بينما تابع بنفس النبرة الخشنة :

-لازم تعرفي إنك ملكي أنا . و طول ما إنتي ملكي مش من حقك و لا من حق أي حد تبصيله أو يبصلك.

رفعت “سمر” وجهها و كم تمنت لو تستطع أن ترد عليه ، و لكنها عجزت كالعادة ، فإكتفت بنظرة حاقدة قصفته بها ..

عثمان بجدية تامة :

-و حاجة كمان . ماتحطيش أي بيرفيوم و إنتي خارجة .. و أكمل بسخرية :

-إذا كنتي مش بتحطيلي أنا بتخلي الناس هما إللي يشموا بدالي !

عضت علي شفتها السفلي بقوة جراء كلماته المحرجة جدا بالنسبة لها ..

تملصت في مكانها تريد أن تنزل عن المكتب ، ليثبت مكانه قليلا و هو يرمقها بنظرات غاضبة ، ثم يفسح لها المجال

راحت تضبط وضع حچابها مرة أخري و هي تشعر بالإهانة مجددا

تنفست بعمق و كادت تخطو بعيدا عنه ، ليقبض علي معصمها يقول بصوته الآمر :

-بكره هتيجي معايا الشقة و قبل ماتتحجي ماليش دعوة . دي مشكلتك مش مشكلتي . قولي لأخوكي أي حاجة بس بكره هتيجي معايا يعني هتيجي معايا .. سامعة يا بيبي ؟!

رمقته ببغض و شدت يدها بعنف من قبضته ، ثم غادرت مكتبه و هي ترتجف من فرط العصبية .

error: