رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 8 )

_ مدير صارم ! _

طالت مدة الإنتظار ، و مضت عدة دقائق طويلة و “سمر” تقف ككل الموظفين ، في إنتظار طلة المدير البهية ..

و أخير آتي .. لمحته من علي بـُعد ، و هو يأخذ مكان موظفة الإستقبال و يتناول (المايك) ثم يضعه في مستوي فمه و يبدأ ..

عثمان بصوت أجش و هو يرسم علي وجهه ملامح الصرامة المطلقة :

-صباح الخير .. رد الجميع تحيته ، ليتابع بسرعة :

-أهلا بيكوا في مؤسسة البحيري للتسويق و التجارة ، طبعا كلكوا أكيد عارفين إن الشركة دي منفصلة عن بقية مجموعات عيلتي ، بمعني أدق يعني عارفين إنها تخصني أنا لوحدي .. مش هخوض في تفاصيل كتير عشان مانضيعش الوقت و إحنا لسا في أول يوم بس هقول كلمة ، كلمة واحدة و ملهاش تاني ..

أنا ماعنديش هزار في الشغل .. إللي هيشتغل بجد في الشركة دي أهلا و سهلا هيشوف كل خير . أما إللي مش عايز يشتغل مع السلامة و الباب يفوت جمل ، الشركات المنافسة كلها ماشية بنظام قديم . نظام تقليدي و عقيم . ماشية بالبركة يعني . لكن شركتي مستحيل تبقي في المستوي ده ، عشان كده كل موظف هنا مكانه مهدد بالسحب . يعني كل 3 شهور هنصفي موظفين . هنشوف مين إللي كفاءاته عالية هنخليه . أما إللي هنشوفه مش بيضيفلنا حاجة هنقوله مع السلامة ..

اليوم هنا 8 ساعات .. في إستراحة طبعا لكن باقي الوقت شغل يعني شغل ، مش عايز أسمع مشاكل ، مش عايز أشوف تدني في مستوي العمل ، مش عايز كسل في الشغل ، و الأهم من ده كله مش عايز نفر يتأخر عن معاد شغله ، كلكوا تبقوا هنا قبلي ، و طبعا في جزي للي ممكن يتأخر و ممكن توصل للرفد !

صمت “عثمان” قليلا ، يمرر نظره علي وجوه الموظفين التي شحبت تدريجيا إثر كلامه الشديد الحازم ، ثم أكمل بلهجة فاترة :

-زي ما في شدة و حزم في الشغل في كمان ترفيهات و حاجات كتير كويسة ، أنا عمري ما ببخل أبدا علي موظفيني . و أظن معظمكوا عارف كده .. أشوف بس التقدم بعيني ، ساعتها المرتبات هتزيد و العلاوات و الحوافز هتبقي الضِعف.

دوي التصفيق الحار فجأة بعد أن أنهي جملته ، ليهز رأسه بإبتسامة رزينة يشكرهم ، ثم عاد و قال :

-يلا بقي كل واحد علي شغله من فضلكوا !

تفرق الحشد من أمامه شيئا فشيء ، لتقع عيناه عليها و يلتقطها من بين الجميع ..

كانت مرتبكة ، متوترة .. واقفة لا تعرف ماذا تفعل أو أين تذهب ، فنادي هو عليها دون أن يستخدم (المايك) :

-أنسة سمر !

نظرت إليه فورا ، بينما أشار لها بيده لتأتي له

فعلت ذلك في الحال و مضت إليه مهرولة ..

-صباح الخير يا أنسة سمر .. قالها بإبتسامته الجذابة و قد تخلي عن جديته السابقة تماما ، لترد بصوت مبحوح :

-صباح النور يا عثمان بيه !

-جاهزة للشغل ؟

سمر و هي تهز رأسها بشيء من التوتر :

-جاهزة حضرتك.

-طيب إتفضلي .. قال و هو يمد لها يده بحقيبته الخاصة

أخذتها منه في إضطراب ، لكنها تساءلت :

-أعمل بيها حضرتك ؟

عثمان و قد عاد لجديته ثانيةً :

-إنتي مش بقيتي سكرتيرتي ؟

أومأت بالإيجاب ، ليرد :

-يبقي كل حاجة تخصني من إنهاردة تحت مسؤوليتك .. ثم قال بلهجة آمرة :

-إتفضلي هاتي الشنطة و تعالي ورايا.

تبعته “سمر” و هي تكاد تتعثر من وسع خطواته ، إلي أن إستقلا المصعد

أخيرا إلتقطت أنفاسها .. أُغلق الباب علي كليهما و ضغط “عثمان” زر الطابق الثالث

لم يحاول أن ينظر لها إطلاقا خلال تلك الثوان القصيرة ، بل أظهر برودا بالغا في تصرفاته و بقي متحفظا في شخصيته الواثقة و المغرورة في آن ..

وصل المصعد إلي الطابق المنشود ، ليخطي “عثمان” إلي الخارج أولا و يتجه إلي غرفة مكتبه مباشرةً دون أن يلتفت خلفه

لحقته “سمر” و هي تلهث قليلا ، بينما ينزع هو سترته و يستدير و يعطيها إليها قائلا :

-خدي الچاكيتة دي علقيها هناك .. و أشار إلي المشجب المستقيم علي بعد مترين من جهة يمين المكتب

أخذتها منه بإضطراب أشد و فعلت ما قاله ثم عادت إليه مرة أخري ..

كان قد جلس مسترخيا وراء مكتبه ، أخذ يحدق فيها لوقت من الزمن ، نظراته فارغة غير مقروؤة ، فعبست “سمر” متساءلة :

-في حاجة حضرتك ؟

لم يجيبها في الحال ، صمت لبرهة ، ثم قال :

-و لا حاجة يا سمر .. ببصلك بس ، تعرفي إن شكلك حلو أوي !

توردت خجلا إثر جملته الأخيرة ، و أطرقت رأسها بسرعة و هي تعض علي شفتها السفلي بقوة ..

-إنتي إتكسفتي مني و لا إيه ؟ .. قالها بتساؤل ، و أردف :

-الجمال مابيكسفش صاحبه بالعكس . لازم تتباهي بيه !

سمر بتلعثم و هي لا زالت مخفضة رأسها :

-حـ حضرتك .. أنا . مش متعودة حد . يقولي كده !

عثمان ببراءة متكلفة :

-إتضايقتي يعني ؟ .. عموما أنا ماقصدتش أضايقك ، كل الحكاية إن هي دي طريقتي في التعبير ، طول عمري متعود أقول رأيي بصراحة .. ثم أضاف بحزن مصطنع و هو يشيح بوجهه للجهة الأخري :

-أنا آسف لو ضايقتك.

سمر و هي ترفع رأسها بسرعة :

-لا أبدا .. أنا مش مضايقة ، بس . زي ما قلت لحضرتك .. مش متعودة حد يقولي كلام زي ده.

-مش متعودة حد يقولك إنك حلوة ؟

أومأت له ، فضحك بخفة و قال :

-إزاي إللي حواليكي مش مقدرين جمالك ؟ أكيد ناس عندهم مشاكل ! .. ثم أكمل و هو ينظر بفضول إلي ذلك الوشاح الذي يحجب عنه رؤية شعرها :

-بس هتبقي أحلي أكيد لو شيلتي الإشارب ده !

سمر بحدة و هي تضع يدها علي رأسها :

-إيه ؟ لأ طبعا . مستحيل في يوم أقلع الحجاب . مستحيل !

عثمان بإبتسامة مرتبكة :

-إيه إيه مالك بس ؟ إهدي أنا ماقولتلكيش إقلعيه . إنتي حرة طبعا . ده كان مجرد رأي مش أكتر.

عكفت حاجبيها بشيء من الضيق ، بينما قال “عثمان” بجدية و هو يهم بمباشرة أعماله :

-طيب .. إتفضلي إنتي علي مكتبك دلوقتي و يا ريت تبدأي شغلك فورا . إتأخرنا في الإفتتاح و بالتالي شغلنا إتأخر . شوفي شغلك بقي و أي رسايل مبعوتة من برا إطبعيلي منها نسخة و هاتيهالي علطول.

سمر بلهجة رسمية :

-حاضر يافندم.

و خرجت مسرعة ، لتتوقف حركة “عثمان” لحظة أغلاق الباب ، ثم يطلق زفرة حارة و هو يتمتم لنفسه :

-إنتي هتتعبيني و لا إيه ؟؟؟ و لو أنا حاطتك في دماغي خلاص !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في المستشفي .. أمام غرفة “صالح

وقف الطبيب المسؤول عن حالته ، يتحدث إلي أفراد العائلة و يناقشهم بخصوص خطة العلاج ..

الطبيب بنبرة هادئة :

-يا جماعة آجلا أم عاجلا لازم هيعرف . بس مش لازم نتأخر إحنا في العلاج بالذات العلاج الطبيعي . في أجزاء في جسمه لازم نتعامل معاها بسرعة . ماينفعش الكسور إللي ضهره تلحم علي بعضها كده خطر !

رفعت بصوت واهن :

-أنا أكيد مش معارض يا دكتور .. أنا بس خايف عليه من الصدمة.

الطبيب بإبتسامة :

-ماتخافش حضرتك أنا بنفسي هقعد معاه و هشرحله وضعه و كل حاجة بخصوص حالته و هو أكيد هيفهم و هيساعدني كمان.

و هنا تدخلت “صفية” :

-طيب يا دكتور بعد أذنك .. بلاش نكلمه في حاجة إنهاردة ، هو لسا فايق . بلاش عشان مايتصدمش زي ما قال عمي . ينفع بكره مثلا ؟!

زم الطبيب شفتيه بتفكير ، ثم قال :

-ماشي يا أنسة ، حل معقول بردو .. خلاص . يبقي بكره الصبح إن شاء الله هاجيله و أشرحله كل حاجة عشان نبدأ في العلاج بأسرع وقت.

و تركهم بعد أن إتفقوا علي هذا الحل ..

بينما مال “رفعت” علي الحائط و هو يردد محزونا :

-بدري عليك يا صالح .. و الله بدري عليك العجز يابني !

يحيى صائحا بإنزعاج :

-في إيه يا رفعت ؟ هتعدد زي الستات و لا إيه ؟!

رفعت و هو يحدجه بعدائية :

-إنت ماتتكلمش معايا خالص .. ليك عين تتكلم و إنت السبب في إللي حصل لأبني !

يحيى بحدة :

-إنت إتجننت صح ؟ أنا السبب أزاي يعني ؟ شكل زعلك علي إبنك لسا مأثر عليك.

-إنت السبب ! .. هتف “رفعت” بإنفعال ، و تابع :

-إنت و إبنك السبب في إللي حصل لأبني . إنتوا الإتنين السبب في رميته دي . بس و رحمة أبوك و أمك ياخويا ، لو إبني ماقمش و وقف علي رجليه من تاني هـ آا ..

-هتعمل إيه ؟ .. قاطعه “يحيى” بغضب و قد إتقدت عيناه بلهب مستعر :

-هتعمل إيه يا رفعت ؟ قول .. و شرع في الإقتراب منه ، لتقف “فريال” بوجهه و تقبض علي ذراعه قائلة :

-يحيى ! .. من فضلك خلاص .. ثم إلتفتت إلي “رفعت” و قالت :

-و إنت يا رفعت .. إهدا ، صالح هيبقي كويس ماتقلقش.

و أضافت “صفية” بسأم ممزوج بالدهشة :

-يعني بجد مش وقتكوا خالص .. صالح جوا تعبان و إنتوا واقفين هنا بتتخانقوا ؟ بجد مش مصدقاكوا !!

و تآففت بضيق و هي تتجه إلي غرفة “صالح”

بينما وقفا الأخوين يحدقان ببعضهما في غضبٍ و تحد …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في مكان أخر .. تحديدا في ( كاڤيتريا ) الجامعة

يجلس “فادي” مع رفاقه علي طاولة في الوسط ، كان شارد منذ جلوسه معهم ، إلي أن أنتشله صوت أحدهم :

-إييييه ياعم فاادي ؟ فينك من الصبح !!

إنتبه “فادي” لصديقه ، و أدار وجهه قائلا :

-إيه يا كيمو .. أنا معاكوا أهو يا معلم ، كنتوا بتقولوا إيه ؟؟؟

صديق ثانٍ :

-معانا إيه يابني ! إنت من ساعة ما جيت و إنت سرحان ، مالك يا فادي إنت كويس ؟

رد عليه الأول :

-ياعم ما هو قدامك زي الفل أهو .. تلاقي بس في حب جديد و لا حاجة !

فادي بضيق :

-حب إيه ياخويا إنت كمان . أنا فاضي أهرش في راسي ؟!

-أومال مالك طيب ؟؟!

فادي و هو يفرك عينه بأرق :

-مافيش بس حاسس إني مرهق شوية .. يمكن من السهر و المذاكرة .. ثم قام فجأة ، ليسألونه رفاقه :

-رايح فين ؟؟؟

فادي و هو يخرج هاتفهه من جيب بنطاله الخلفي :

-هعمل مكالمة بس.

صديقه المشاكس :

-أيوه ياعم . و عملنا فيها برئ.

فادي بتهكم :

-أنا هتصل أطمن علي أختي يا ذكي زمانك.

-أختك ؟ ماااشي .. إبقي سلملي عليها بقي.

فادي بحدة :

-إنت هتستعبط ياض ؟!

ضحك الأخير بإرتباك و قال :

-ياعم بهزر إيه !

رماه “فادي” بنظرة غاضبة ، ثم إستدار مبتعدا ليجري مكالمته …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

عند “صالح” و “صفية” ..

-بردو مش عايزة تقوليلي في إيه ؟ .. قالها بتساؤل و إلحاح ، لترد “صفية” بشيء من الضيق :

-قولتلك مافيش حاجة يا صالح . لو في حاجة أكيد هقولك هخبي عليك ليه يعني ؟!

صالح و هو يرمقها بشك :

-أنا كنت سامع بابا عمو يحيى زي ما يكونوا بيتخانقوا .. قوليلي يا صافي حصل إيه ؟ عثمان عمل حاجة تاني ؟؟!

تنهدت “صفية” تنهيدة طويلة ، ثم أمسكت بيده و ضغطت بحنان قائلة :

-صالح . حبيبي .. إطمن ، مافيش حاجة حصلت . كله تمام صدقني.

صالح متسائلا بحيرة :

-طيب كانوا بيزعقوا ليه ؟؟؟

-ما إنت عارفهم ساعات بيشدوا مع بعض لأسباب تافهة . الإتنين عصبيين ، مش أول مرة يتعصبوا علي بعض يعني.

رمقها بعدم إقتناع و كاد يتكلم مجددا ، فسبقته قائلة بإبتسامة رقيقة :

-قولتلك إطمن .. مافيش حاجة تقلق ، صدقني !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) .. إستلمت “سمر” مكتبها مرفق بمكتب “عثمان” مباشرةً و لكن من الخارج

كانت منخرطة في إستكشاف تفاصيل عملها الجديد و التعرف علي كل صغيرة و كبيرة ، و إنهمكت أيضا في إعداد الرسائل التي طلبها “عثمان” و طباعة بعض الأخر المرسل منها ..

سمعت رنين هاتفهها ، فتناولته و نظرت لأسم المتصل

إبتسمت بخفة ، ثم أجابت :

-ألو يا حبيبي !

رد “فادي” :

-إيه يا سمر . مش قلتلك إبقي إتصلي طمنيني عليكي ؟!

-كنت هخلص الشغل إللي في إيدي ده و كنت هكلمك و الله.

-إيه الشغل لحق يرف فوق دماغك ؟!!

ضحكت “سمر” بمرح ، و قالت :

-الله أكبر في عينك ياخويا هتحسدني !

فادي بحدة :

-وطي صوت ضحكتك دي . فاكرة نفسك في البيت و لا إيه ؟!

-حاضر ياسيدي مش هضحك خالص أهو . ممكن تقفل دلوقتي بقي عشان ألحق أخلص الحاجات إللي في إيدي ؟ مديري عايزهم بسرعة.

فادي بضيق :

-طيب هترجعي إمتي ؟

-علي الساعة 4 أو 5 بالكتير.

-ماشي .. خلي بالك من نفسك.

سمر بحب :

-ماشي يا حبيبي .. يلا باي !

و أغلقت معه

و ما كادت تعود لمتابعة عملها ، إلا آتاها هذا الصوت الرجولي الجذاب :

-لو سمحتي يا أنسة !

يتبــــع … —

error: