رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 40 )

_ خارج عن السيطرة ! _

تفتح “سمر” عيناها … تستقبل ضوء صباح جديد

بقت مستلقية لدقائق في سريرها ، تحصي دقات قلبها المتسارعة و تتساءل عن سبب تعرق راحتي يديها ..

ربما لأنها ستقابل “عثمان” اليوم ! … لقد سبق و قطعت وعدا للجارة “زينب” بإنها لن تسمح له بإن يختلي بها مجددا ، لن تلتقي به بمفردها أبدا

و لكنها لا تعلم .. لماذا منحته البارحة موافقتها بسهولة هكذا ؟ .. لماذا حاز علي عطفها ؟ .. لماذا أشفقت عليه ؟ لماذا لمستها نبرة الحزن في صوته ؟؟؟

لم تشعر “سمر” بحاجة لتناول فطورها الآن ، فقامت بإطعام “ملك” ثم بدلت ثيابها و أخذتها و نزلت لتسلمها كالعادة للسيدة العطوفة التي تهتم بها ..

-أهلا أهلا بالقطقوطة الصغننة بتاعتي ! .. هـَّدلت “زينب” بإبتسامة عريضة و هي تفتح ذراعاها لتتلقي “ملك”

مدت “سمر” ذراعيها مبتسمة هي الأخري و ناولتها الصغيرة قائلة :

-القطقوطة الصغننة بتاعتك بقت شقية و فظيعة خآالص تعبتني.

زينب بضحك :

-و ماله ياختي تتشاقي ما كل العيال كده هتيجي عليها يعني .. ثم سألتها بسماحة :

-إيه رايحة الشغل و لا إيه ؟

سمر بخفوت و توتر :

-إحم . لأ يا ماما زينب مش رايحة الشغل.

زينب بدهشة :

-أومال رايحة فين علي الصبح كده !!

إرتعشت أنفاسها و هي تدفعها بلطف إلي داخل الشقة … أقفلت الباب بروية ، ثم أجابتها بهدوء حذر :

-ماما زينب . منغير ما تتعصبي . أنا رايحة أقابله.

زينب ببلاهة :

-رايحة تقابلي مين ؟!

سمر بتردد :

-عـ عثمان يا ماما زينب . هيكون مين يعني !

مر وقت قصير و “زينب” تكرر الكلمات في ذهنها مرات عدة ، مدققة في كل كلمة لكي تستطع معرفة هدفها الحقيقي ..

-إنتــــي إتجـنـنتــــــي ؟؟!! .. صاحت “زينب” بغضب

سمر بلطف :

-إهدي بس يا ماما زينب هفهمك.

زينب بإنفعال :

-هتفهميني إيـــــــه ؟ إنتي كده بتسرحي بيا يا سمر أو بتاخديني علي أد عقلي . إنتي مش وعدتيني إنك هتستسلميله تاني ؟؟؟

سمر بوهن :

-يا ماما زينب لو سمحتي إسمعيني . أنا مش رايحة أقايله عشان حاجة . ما إنتي عارفة إن والده إتوفي الإسبوع إللي فات.

زينب بإستهجان :

-الله يرحمه و يحسن إليه ياستي بس إنتي مالك يعني ؟ هياخدك و يقرا عليه في الترب مثلا !

سمر بإنزعاج :

-حرام كده يا ماما زينب . الراجل في ذمة الله دلوقتي ماينفعش نتريق عليه بالشكل ده مايجوزش عليه غير الرحمة.

تنهدت “زينب” بضيق و قالت :

-أنا ماقولتش حاجة يابنتي . بس أنا مضايقة منك و من المماطلة و الكر و الفر إللي بينك و بينه . ما تجيبهاله علي بلاطة كده و قوليله إن إللي بينكوا إنتهي و خلصي نفسك من القرف ده.

سمر بنبرة تفيض حزنا :

-يعني إنتي فكراني مبسوطة بحالي معاه ؟ أنا لحد دلوقتي بستحقره و و لا مرة حسيت معاه بالآمان.

زينب بتعجب :

-أومال ليه ساكتة عليه لحد دلوقتي ؟ و رايحة تقابليه ليه ؟!

-صعبان عليا !

زينب بإستنكار ممزوج بالذهول :

-نعم ياختي ؟!

تنفست “سمر” بعمق و ردت متأثرة بالمشاعر التي أخذت تجيش بصدرها الآن :

-لما كلمني إمبارح . حسيت في صوته نبرة حزن كبيرة أوي .. حسيت بالبرد في صوته . حسيت إنه شرد من نفسه . إنه غرقان و مش عارف يتنفس .. أنا مريت بإللي مر بيه يا ماما زينب و عارفة كويس يعني خسارة أب أو أم . هو يمكن غني جدا و معاه فلوس تعيشه طول عمره مش محتاج لحد . بس الأب و الأم هيفضلوا أغلي حاجة في حياة ولادهم . أغلي من كنور الدنيا و مافيش حاجة ممكن تعوض غيابهم.

نظرت لها “زينب” بيأس و قالت :

-يعني مصممة تروحيله ؟ هتعملي فيها طيبة و هتسيبيه يستغلك تاني ؟ حتي بعد ما عرفتي إن علاقتكوا حرام ؟!

-يا ماما زينب إطمني أكيد مش بيفكر دلوقتي في الحاجات دي هو في إيه و لا إيه بس ؟

زينب بحنق :

-إنتي هتجنيني يابت ؟ عايزة تفهميني إنه عايزك عشان طمعان في شوية حنان ؟؟!!

إنفجرت “سمر” ضاحكة رغما عنها بعد تلفظ “زينب” بالجملة الأخيرة ، لتوبخها السيدة بغيظ :

-و كمان بتضحكي ؟

أقلعت “سمر” عن الضحك سريعا ، ثم قالت بجدية :

-ماما زينب . هو فعلا طمعان في شوية حنان . و أنا مش هقدر أبخل عليه بحاجة بسيطة زي دي حتي لو بكرهه . هو طلب مني كده . أنسي مشاعري تجاهه شوية و أكون لطيفة معاه و بس . و بعدين مهما كان هو بردو ساعدني و أنقذ حياة أختي.

زينب بحدة :

-و خد المقابل غآاالي أووي . خد مستقبلك و ضيعه.

سمر بصرامة :

-خلاص مش هياخد مني حاجة تاني . ده عهد خدته علي نفسي !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في قصر آل”بحيري” … تردد “رفعت” كثيرا قبل الإقبال علي هذه الخطوة

لكنه وجد الأمر سهلا ، سيذهب ليطمئن عليها فقط … علي كل .. مشاعره ، حبه ، عشقه الصامت و القديم لها كل شئ صار طي النسيان الآن ، بل و منذ وفاة أخيه

و كأنها الصفعة التي هوت علي وجهه و أفاقته من تلك الغيبوبة ، فأميرته لم و لن تكن له أبدا و عليه ألا يبقي مسحورا بها بعد الآن .. فقد أدرك متأخرا حقيقة أنها زوجة أخيه ، و أم لرجل ناضج و فتاة بالغة

مشي “رفعت” متجها صوب غرفتها ، لتقابله “صفية” بمنتصف الرواق ..

-أنكل رفعت ! صباح الخير .. قالتها “صفية” بإبتسامة شاحبة

رفعت بإبتسامة متوترة بعض الشئ :

-صباح النور يا صافي . إيه جاية من عند ماما ؟!

-أيوه يا أنكل . صحيت من ربع ساعة و ميعاد الدوا بتاعها كمان شوية لازم تفطر الأول قبل ما تاخده فقلت أنزل أعملها الفطار بنفسي.

رفعت بإهتمام :

-هي حالتها وصلت لفين دلوقتي ؟ ماتحسنتش ؟؟؟

صفية و قد تهدل كتفاها بحزن :

-مش أوي يا أنكل . مامي إنطفت !

آلمه الوصف ، فتكلم بصوت متحشرج و كأن هناك شئ عالق بحنجرته :

-لسا ما بتتكلمش ؟

هزت “صفية” رأسها سلبا :

-لسا.

-طيب بتتواصلي معاها إزاي ؟!

-الدكتور قالها لو حبت تتكلم مع حد فينا ممكن تكتب إللي هي عايزاه علي الورق . و ساعات بتعمل كده فعلا.

أومأ “رفعت” بتفهم ، بينما إستأذنته “صفية” بأدب :

-عن أذنك يا أنكل . هنزل أجيب الفطار عشان ماتأخرش علي ماما.

رفعت بإبتسامة لم تصل إلي عينيه :

-إتفضلي يا حبيبتي.

ذهبت “صفية” … ليستأنف “رفعت” سيره بإتجاه غرفة “فريال” ..

يطرق بابها مرتين ، ثم يدير المقبض و يلج ببطء ..

كانت نصف ممدة في السرير الكبير ، يغطي نصفها السفلي لحاف سميك باللون الأبيض .. تماما مثل وجهها الشاحب حتي البياض

كان جفناها مطبقين حين شعرت بظل يمتص بقايا ضوء الغرفة المتسلل عبر جوانب عيناها ..

أزاحت أهدابها بتثاقل لتتمكن الرؤية … تفاجأت عندما رأته يقف أمامها ، حقا تفاجأت و تملكها غضب شديد

أرادت أن تصرخ في هذه اللحظة و تطرده من هنا فورا ، و بالفعل فتحت فمها لتقصفه بعنف … لكنها أغلقته ثانيةً عندما وجدت صعوبة في النطق مجددا

أحست بالعجز الآن فقط و إستسلمت للقدر مقهورة ، بينما رمقها بعينين معذبتين و كره نفسه أكثر حين طفقت تحدجه بنظرات إتهام مشمئزة ..

-صباح الخير ! .. قالها “رفعت” بصوت مبحوح ، و تابع :

-إزيك ؟ سلامتك . عاملة إيه دلوقتي يا أم عثمان ؟!

طعنته بنظرة بغض ساخرة ، ليعض علي شفته بقوة و يطرق رأسه شاعرا بالخجل منها ..

يجلس “رفعت” علي كرسي محاذيا للفراش ، ثم يقول دون أن يرفع وجهه إليها :

-أنا عارف إن أي كلام مش ممكن يسكن جرحك أو جرح أي حد فينا . يحيى كان شئ مهم في حياتنا كلنا . كان مهم في حياتي أنا شخصيا رغم إني أخوه الكبير .. يحيى صحيح مش معانا بجسمه . بس أنا متأكد إنه معانا بروحه .. ثم نظر لها و أكمل :

-أنا متأكد إنه هنا معانا يا فريال . متأكد إنه شايفنا و شايفك إنتي بالأخص . الحب إللي بينكوا قوي أوي مش سهل ينتهي و لو حتي بالموت . و بما إنك كنتي و لسا أغلي إنسانة علي قلب أخويا مش عايزك تفضلي زعلانة كده . حالتك لا يمكن تكون عجباه أكيد بيتعذب و هو شايفك تعبانة بالشكل ده و مش قادرة تتكلمي .. و غير كل ده . إنتي لازم تكوني مؤمنة بقضاء ربنا يا فريال . ده عمره و لو ماكانش مات في الحادثة كان هيموت هنا علي سريره.

لو كانت النظرات تقتل لكان “رفعت” الآن في تابوت … قذفته “فريال” بنظرة فتاكة ، إهتاجت أنفاسها و هي تتلفت ياحثة عن المجلد الذي أعطاه لها الطبيب

عثرت عليه بين الأغطية و إلتقطت القلم ، ثم بدأت بالكتابة فيما يراقبها “رفعت” بإهتمام … إنتهت و رفعت الورقة أمام ناظريه ..

” إنت إللي قتلته . مش هسيبك يا رفعت هاخد بتاره منك . إنت فاكرني ممكن أعيش لحظة منغير أخوك ؟ أنا في لحظتها كان سهل جدا أروح وراه بس لأ مش قبل ما أبعتك الأول هعيش و هرجع أقف علي رجلي عشان أموتك زي ما موته ”

إتسعت عينا “رفعت” و جحظتا من الصدمة ..

-مش ممكن ! .. صاح “رفعت” مذهولا ..

-إنتي .. إنتي متخيلة فعلا . إني ممكن أقتل أخويا ؟ متخيلة إني ممكن آا .. لم يكمل جملته … أشاح بوجهه محالا السيطرة علي غضبه قبل أن يتفاقم بشدة ، ثم واصل كلامه بحدة :

-إنتي أكيد الصدمة لسا مآثرة علي دماغك . لو كنتي قولتي أي حاجة تانية . لو كنتي عبرتي عن حزنك بأي طريقة غير الطريقة دي كنت هعذرك لكن ما خيالك يوصل للنقطة دي مش هتلاقي عندي أعذار يا فريال . يحيى ده أخويا قبل ما يكون جوزك و أبو ولادك فاهمة يعني إيه أخويا ؟ حتي لو كنت بحبك و لو كان هو سبقني و وصل لقلبك قبلي مش ممكن هفكر آذيه عشانك . يعني أنا ممكن أفكر أقتل أخويا عشان واحدة ست ؟ إستحالة أخسر أخويا عشانك أو عشان غيرك أو عشان أي حاجة في الدنيا !

في هذه اللحظة سمعا هما الإثنان صوت أشياء تنكسر قريبا منهما … إلتفتا الشقيق و الزوجة معا ليشاهدا “صفية” ..

تفف متصلبة كتمثال من حجر ، و قد سقطت صينية الطعام من يدها …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

تحت سماء النهار الشتوي الغائم … تنتظر “سمر” علي رصيف جانبي كالعادة

لقد أتت قبل الموعد بعشرة دقائق ، خالت أنها ستنتظر مدة أطول … و لكنها إستطاعت أن تلمح تلك السيارة الباذخة السوداء أحدث فئات الـ3M لهذا العام

كان يقود بجنون كعادته و بدا أنه و هو يقترب منها علي وشك أن يدهسها ، لكنه توقف في ثانية علي بعد نصف متر منها ..

-إركبي ! .. أمرها بصوت غاضب ، فجفلت بإستغراب لكنها كالمعتاد أيضا أطاعت أمره

إحتلت مكانها بجانبه ، فإنطلق من فوره منعطفا بحدة صوب الملف الشمالي

سلك عدة طرق مختلفة ليست لها علاقة ببعضها ، ظل لمدة نصف ساعة بدون مغالاة يخرج من هذا الإتجاه و يدخل في ذاك … بيد أنه يدور في حلقة مفرغة ..

-هو إنت بتلف كتير أوي كده ليه ؟ .. قالتها “سمر” بتساؤل و هي تدرس بصعوبة ملامح وجهه المتجهمة

-الطرق دي كلها بتودي لمكان واحد . إحنا عدينا من هنا 5 مرات لحد دلوقتي ! في مشكلة ؟!

عثمان بصلابة :

-مافيش مشكلة و لا حاجة . مجرد إحتيطات بس .. ثم حانت منه إلتفاتة نحوها و هو يكمل بسخرية :

-مش يمكن يكون حد بيراقبنا !

سمر بهلع ممزوج بالصدمة :

-حد بيراقبنا ؟ مين ؟ مين إللي هيكون بيراقبنا ؟؟؟؟؟

عثمان بإبتسامة صفراء :

-ماتاخديش في بالك يا بيبي . أنا بس إللي موسوس شوية و بحب أبقي في الآمان دايما.

سمر بقلق :

-إنت خوفتني علي فكرة . هو في حد يعرف بإللي بينا ؟ إنت قلت لحد ؟؟!!

إشتدت عضلات فكيه بغضب و لم يجبها … بينما لم تشأ إثارته أكثر ، إذ بدا لها خطير علي نحو لم تألفه و لم تعرف السبب حتي ..

-ما يمكن بيكون كده و هو حزين و مكتئب ! .. تمتمت “سمر” لنفسها و هي لا تزال تراقب تعابير وجهه المتصلبة و يداه القابضتان علي عجلة القيادة بقوة واضحة

-يمكن تكون دي طريقته في التعبير . جايز !!

لم يقلل “عثمان” من سرعة السيارة أبدا ، و سرعان ما دخل شوارع أرقي مناطق المدينة علي الإطلاق … نظرت “سمر” علي جانب الطريق من جهتها ، لتري مجمع شاليهات فخم مترابط علي أبعاد واسعة متساوية بحيث يضمن المالك خصوصيته

إلتفتت “سمر” إلي “عثمان” ..

-إحنا إيه إللي جابنا هنا ؟ الشقة بتاعتك مش في المكان ده !

عثمان بنبرة خبيثة :

-أنا شخصية ملولة أووي يا سمر . بمل بسرعة من الحاجة و بحب أغير دايما . الشقة بيعتها و إشتريتلك بيت جميل في المكان ده . هيعجبك خالص لما تشوفيه.

بللت “سمر” شفتاها بلسان جاف و هي تشعر بالريبة من تصرفاته … بينما إنعطف يمينا و أوقف السيارة في فسحة مستطيلة

ثم قال بخشونة دون أن يلتفت نحوها :

-إنزلي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في وكالة الأنباء الشهيرة … يجلس المدير مستمرا في هز قدمه بعصبية

ضغط زر الديكتافون للمرة العاشرة حتي الآن و هدر بغضب :

-الزفت عصام لسا ماجآاش و لا بيرد علي التليفون بردو ؟؟؟

ترد السكيرتيرة بنبرة خائفة :

-لسا يافندم . أول ما يجي هبعته لحضرتك علطول !

المدير بعصبية :

-شوفــهـــولي فــيـــــن.

و بعد ثلث ساعة :

-يا أستاذ عبد المنعم عصام فتح موبايله !

عبد المنعم بغضب :

-حوليلي المكالمة .. لحظات و آتي صوت “عصام” :

-صباح الفل يا ريس.

عبد المنعم بحنق :

-صباح الزفت علي دماغك و دماغ إللي خلفوك.

-الله الله ! ليه الغلط ده بس يا ريس ده أنا حبيبك !

-بلا حبيبي بلا قرف . كنت فين يا حيوان من إمبارح ؟ و قافل تليفونك ليــه ؟ أنا مش بعتك في مشوار مهم ؟؟؟

عصام بنبرة متكاسلة :

-معلش بقي خليها عليك المرة دي كان عندي مصلحة بقضيها و موبايلي فصل شحن لسا فاتحه حالا.

عبد المنعم بإنفعال :

-نهارك إسود و مهبب . إنت ماعملتش إللي قولتلك عليه إمبارح ؟!

-لأ يا ريس و دي تيجي . قطرتلك البت و عرفتلك كل حاجة عنها . مش هتصدق أصلا هي مين.

عبد المنعم بنفاذ صبر :

-إنجز ياض.

عصام بضحكة مرحة :

-حاضر . الهانم ياباشا تبقي چيچي الحداد . عارفها طبعا طليقة عثمان البحيري إللي صورناها ليلة الفرح و هي راجعة لأبوها بفستانها !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

إرتعدت “سمر” بقوة … حين سمعته يصفق باب الغرفة بعنف

لم تود أن تدخل معه إلي هنا ، لكنه كان صارما بطريقة أعجزتها عن التفوه بالكلام لا عن الرفض فحسب ..

إستدارت له بسرعة بعينين واسعتين … سرت رعشة باردة من مفرق رأسها حتي قدميها و هي تراه ينظر لها بغضب واضح الآن

كان خطير حقا ، أكثر من أي وقت مضي .. بدا أسمر شيطانيا في قميصه الناصع الذي إلتصق بعضلات صدره و عضلات بطنه السداسية

كشر عن أنيابه و هو يقترب منها ببطء ، كنمر يستلذ بفن محاصرة طريدته قبل إفتراسها

-إنت مالك ؟ فيك إيه إنهاردة ؟؟ .. هكذا تساءلت “سمر” و قد فشلت في إخفاء نبرة الخوف في صوتها

عثمان بصوت كفحيح الأفعي :

-إنتي غلطتي غلطة كبيرة . غلطة عمرك يا سمر .. فاكرة نفسك ذكية بالطريقة دي ؟!

سمر بعدم فهم :

-إنت بتقول إيه ؟ أنا مش فاهمة إنت تقصد إيه !!

عثمان بذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة :

-مش فاهمة ؟ لأ حالا هتفهمي .. و إستمر في الأقتراب منها ثانيةً علي نفس الوتيرة المتباطئة

سمر بحدة :

-هتعمل إيه ؟؟؟

-هتعرفي دلوقتي هعمل إيه ! .. قالها “عثمان” و هو يخلع حزام بنطاله و يلف نصفه علي يده

أخذت “سمر” تتراجع للخلف ، فأسقطت في طريقها طاولة صغيرة حملت مزهرية ورود … تناثر زجاجها و سقطت الشظايا من حولها

هزت رأسها بعصبية ، بينما خاطبها بصوت خفيض مثقل بالغضب و هو لا يزال يتقدم صوبها :

-فاتورتك تقلت أووي معايا . و عديتلك كتـيييير بمزاجي . بس لحد إسمي و شرفي و Stop يا بيبي.

سمر بإستهجان :

-و أنا عملت إيه يمس إسمك أو شرفك ؟!

عثمان بغضب :

-إنتي هتستعبطي يابت و لا إيه ؟ إنتي عارفة كويس إنتي عملتي إيه . بس إوعي تكوني فاكرة إن عمايلك دي هتجيب في صالحك نتايج إيجابية دلوقتي حالا هتشوفي النتايج السودا إللي جبتيها لنفسك.

و فرد ذراعه لأعلي و هو يقطع المسافة بينهما بخطوة واحدة ، لينزل بإبزيم الحزام المعدني بمنتهي العنف في إتجاهها

تفر “سمر” من أمامه في اللحظة المناسبة و هي تحبس أنفاسها مذعورة ، و بدل أن ينزل الحزام علي جسدها نزل علي يد كرسي أثري حطمها و فصلها عن بقية أجزاؤه في الحال ..

-هتروحي مني فين يعني ؟ .. قالها “عثمان” بمرونة

-و رحمة أبويا ما هاسيبك.

إرتجفت مفاصلها من الرعب و إنهمرت دموعها رغم محاولتها في كبحها ..

لحق بها فورا قبل حتي أن تفكر في الفرار … أمسك بذراعها و شدها إليه صائحا :

-إنتي كمان ؟ إنتي كمان كنتي فاكرة إنك ممكن تخدعيني ؟ ليه ؟ شايفاني بريل ؟ للدرجة دي يبان عليا إني ساذج ممكن يضحك عليا بسهولة ؟ للدرجة دي بتشوفوني كلكوا بني آدم غبي ؟؟؟

سمر و هي تشهق مفزوعة :

-إنت بتقول إيه بس ؟ أنا مش فاهمة حاجة و الله ما فاهمة حاجة !!!

عثمان بشراسة :

-إنتي لسا هتكدبي ؟ أنا خلاص كشفتك . كشفتك رغم إني ماكنتش مديكي خوانة إستغبيت المرة دي فعلا و صدقت إنك بريئة لكن كلكوا طلعتوا صنف واحد صنف ———- كلكوا زبآاالة.

و دفعها بعنف لتسقط مرتطمة بالأرض الرخامية

تآوهت بآلم و قد إكتشفت إنه إقتلع حجابها بإحدي حركاته الخفية السريعة ، أحاط شعرها بوجهها و إنسدل علي عيناها الدامعتان و هي تنظر إليه من خلالهما برعب ..

-أنا ماعملتش حاجة ! .. همست “سمر” و أكملت بنشيج حار :

-والله ما فاهمة إنت بتعمل كده ليه ؟!

-ده جزائي بعد ما عملت منك بني آدمة ! .. قالها “عثمان” بصياح حاد و قد أعمي الغضب عيناه تماما ، و أكمل :

-إنتي ماتستهليش واحد في المية من إللي عملته معاكي . كنت بدأت أصدق إنك ملاك و إن أنا إللي جنيت عليكي و ضيعتك لكن أثبتيلي بنفسك إنك أرخص من أرخص واحدة عرفتها في حياتي.

ثم هوي بتلك القطعة المعدنية بمنتهي العنف علي ذراعها ، فسمعت “سمر” صوت صراخ يصم الآذان .. أدركت بصدمة ، أنه كان صراخها هي

شعرت بأن أحبالها الصوتية قد تقطعت كلها إثر هذا ، لكنها عادت للصراخ أقوي مجددا حين باغتها بضربة ثانية أعنف من السابقة ..

إستمر “عثمان” في تعذيبها بدون وعي ، و بينما كان يحولها إلي قطعة مدماة ظل يهدر و يزمجر بغضب شديد :

-إنتي كمان خونتيتي . إنتي كمان طلعتي زيها . كلكوا زي بعض أنا الغبي أنا إللي بصدق . أنا غلطآاان أنا إللي حـبـ . أنا إللي جبتك من الشارع أنا إللي نضفتك و إديتك كل تتمنيه و كنت مستعد أديكي أكتر و زي ما تطلبي و إنتي عملتي إيـــــه ؟ خونتيني زيهآااا كلكوا زي بعض و إنتي أسوأ يا سمر أسوأ.

من شدة الآلم … ما عادت تصرخ “سمر” .. أحست بالخدر يسري في ساقيها و ذراعيها فلم تقو علي الحراك و ظلت مستلقية تحت قدميه ، تتلقي ضرباته بجسارة دون أن تتأوه و دون أن تصرخ ..

شعرت بحلول أجلها … و رغم أنها لا تعرف ماهية الجرم الذي إرتكبته ليعاقبها هكذا ، إلا أنها كانت سعيدة بتسرب وعيها مع تسرب الدماء من جسدها !!!!

يتبـــــــع …

error: