رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 2 )

_ عرض ! _ :

توهجت عيناه و هو ينظر إلي سكرتيرته في غضب مطالبا إياها بتفسير ذلك الضجيج الغريب ، لتتلعثم الأخيرة و هي تجيبه بإرتباك :

-مستر عثمان ! الأنسة دي دخلت عليا فجأة ، و مصممة أنها تدخل تقابل حضرتك قولتلها ماينفعش لازم تاخدي ميعاد الأول بردو مـُصرة و مش راضية تفهم.

إنتقل “عثمان” ببصره إلي تلك الضئيلة التي تقف بجانب السكرتيرة بوجه محتقن و أعين حمراء
شملها بنظرة فاحصة ، حيث عاينها من أعلي إلي أسفل بمنتهي الدقة و الجرأة ..

إستفزته لأقصي درجة ، فقد إجتذبه شكل وجهها الصافي المستدير ، و ملامحها الرقيقة التي تشي بالبراءة رغم تآججها ، لكنه لم يستطع رؤية المزيد منها ، بسبب ذلك الوشاح الداكن الذي إرتدته فوق رأسها كحجاب يحظر علي الناظر إليها رؤية شعرها ، و أيضا تلك الثياب الطويلة الفضفاضة التي منعته من تبين قوامها ..

أثارت فضوله و غضبه معا ، فزم شفتيه في شيء من الحنق ، ثم توجه إليها بصوته الخشن :

-إنتي مين يا شاطرة ؟؟

تفاجأت كثيرا من رعونته الواضحة للعيّان دون خجل ، إسلوب لا يتناسب البتة مع مظهره الراقي ..

لكنها تغاضت عنه ، و أجابت بثبات :

-أنا سمر حفظي ، بنت الأستاذ شريف حفظي ، والدي الله يرحمه كان موظف عندكوا هنا.

-أهلا وسهلا .. رد بفظاظة ، و أكمل :
-إنتي بقي جاية عايزة إيه ؟

سمر بحدة :
-جاية عايزة أقابل المسؤول عن الشركة دي .. و تحولت بحديثها إلي السكرتيرة :

-من فضلك تبلغي أي حد مسؤول هنا إني طالبة مقابلة مستعجلة.

عثمان رافعا حاجبيه بدهشة :
-و أنا مش مالي عينك و لا إيه ؟

سمر و هي تعود لترمقه بإزدراء :
-إنت مين ؟!

و هنا تدخلت السكرتيرة بسرعة قائلة بحرج :

-مستر عثمان البحيري مدير الشركة و كمان يبقي واحد من أصحابها.

-أهلا وسهلا .. قالتها “سمر” منتهجة نفس إسلوبه السابق معها

حدجها بنظرات نارية ، فأدركت أنها نجحت في إغضابه ، سرها هذا ، لكنها قالت بنبرة رسمية حازمة :

-حضرتك أنا بقالي حوالي شهرين باجي هنا و بحاول أوصل لأي مسؤول أكلمه في حاجة ضرورية تخص شغل بابا بس للأسف كل مرة برجع زي ما باجي ، مابطلعش بنتيجة ، فلو أمكن يعني تساعدني إنت يبقي كتر ألف خيرك.

رمقها بنظرة خاوية مطولة ، ثم قال بإقتضاب :

-إتفضلي.

و أشار لها بالدخول إلي مكتبه ..

سبقها إلي الداخل ، لتلج هي من بعده و تسمع صوت إغلاق الباب من خلفها بواسطة السكرتيرة

تبعته و هي تعاين الغرفة المستديرة الحواف في فضول و إنبهار شديد ، جدرانها خشبية ، و الأرض رخامية ، و هناك في مكان قاصي قليلا ركن أشبه بالمطبخ الصغير ، وضعت به ثلاجة صغيرة و آدوات صنع الشاي و القهوة

-إتفضلي أقعدي .. قالها بعد جلوسه أمامها خلف مكتبه الضخم ، فإمتثلت لطلبه و جلست من جهة اليسار في المقعدين المقابلين له

عثمان متسائلا بهدوء :
-خير بقي ؟ أقدر أساعدك إزاي يا أنسة ؟

سمر بهدوء مماثل متناسية موقفها العدائي تجاهه :
-زي ما قلت لحضرتك أنا كان بقالي شهرين باجي هنا بسبب مشكلة تخص شغل بابا الله يرحمه عندكوا.

-و إيه هي المشكلة بالظبط ؟

شرحت له “سمر” تفاصيل المشكلة ..

عثمان بجدية :

-بس والدك علي حسب كلامك كان فني مصاعد مش مهندس أساسي هنا في الشركة.

-مش فاهمة إيه الفرق يعني ؟!

تنهد “عثمان” تنهيدة طويلة ، و قال :

-الفرق إن والدك عامل بالأجرة ، لو كان في عطل بيحصل في المصاعد هنا كان بيجي يصلحه و خلاص ، يعني هو و كتير من زمايله إللي هنا في نفس شغلته أسمائهم مش في سجلات التوظيف عندنا لأن ببساطة إحنا مجموعتنا إستثمارية و تجارية و مش بنحتاج كتير للنوع ده من العمال ، إحنا بنطلبهم بس بالأجرة زي ما قلتلك.

سمر بصدمة :

-يعني إيه ؟!!

مط شفتيه بأسف ، و قال ببرود و هو ينقر بقلمه فوق سطح المكتب :

-يعني للأسف والدك مالوش مكافأة نهاية خدمة عندنا لأنه مش موظف أصلا ، ممكن يكون له مستحقات ، تقدري و إنتي خارجة تسألي تحت في شئون العاملين إذا كان في باقي حساب يخصه و لا حاجة !

أصيبت “سمر” بخيبة أمل أطاحت بصوابها ، فلم تعد تسمعه و هو يكمل باقي كلماته ، بل راحت تستمع إلي سيل جارف من التساؤلات تفجر فجأة بعقلها ..

كيف ستدبر حالها ؟ كيف ستواصل حياتها من دون مال ؟ و أخويها .. ماذا ستفعل بشأنهما ؟ إنهما بحاجة إلي أشياء عديدة تمثل بقاء كلا منهما ، فـ”ملك” لن تعيش إذا عجزت “سمر” عن توفير الطعام و العلاج لها ، و “فادي” سيضيع مستقبله إذا ترك دراسته ، من أين تأتي بكل هذا ؟ الأمل الوحيد الذي إتكأت عليه وضح إنه كاذب .. لا مفر من المصير البائس ، ليس لها وحدها ، و لشقيقيها أيضا

بصورة تدريجية إنتصبت “سمر” واقفة دون أن تشعر رغم إرتخاء مفاصلها ، ثم راحت تردد باكية :

-هعمل إيه دلوقتي ؟ هتصرف إزاي ؟ .. إخواتي هيروحوا مني .. مش هقدر أعملهم حاجة ، ملك هتموت ، و أنا .. أنا السبب .. أنا السبب.

-إنتي كويسة يا أنسة ؟ .. تسائل “عثمان” بشيء من القلق ، إلا أنه لم يلق إجابة

كانت الرؤية تنعدم من أمام “سمر” شيئا فشيئا ، إلي أن تلاشت تماما ..

لم تعد قدماها تقدران علي حملها ، فسقطت مغشيا عليها ..

وثب “عثمان” من مقعده ، و مشي ناحيتها بسرعة
إنحني صوبها ، و مد يده و هزها بلطف هاتفا :

-يا أنسة ! .. إنتي يا أنسة ..

تململ “عثمان” بمكانه و هو يرمقها في حيرة :

-أعملها إيه دي بقي ؟ .. غمغم لنفسه بخفوت ، ثم قام و توجه إلي مكتبه

ضغط زر الديكتافون المتصل بمكتب سكرتيرته ، و قال بصوت ثابت مسموع :

-شيري .. إطلبيلي دكتور الشركة فورا و تعاليلي بسرعة.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في مكان أخر .. حيث يستند إلي مكتبه رجل في العقد الخامس من عمره ، شعره الأبيض تتخلله بعض الشعيرات السوداء ، و يبدو عليه الهيبة و الوقار ..

يستدير فجأة إلي إبنته ، و يهوي بكفه الغليظ علي صدغها ، لتصرخ متألمة ، و بسرعة تتلقاها أحضان شقيقتها الصغري ..

-فضحتيني يا سافلة .. قالها “رشاد الحداد” بصراخ ، و تابع :

-سيرتنا بقت علي كل لسان ، جوزك طلقك يوم فرحك و الأسباب مش محتاجين نشرحها للناس ، مستقبلي و مستقبل أختك قضيتي عليه يا —— ، هخسر في الإنتخابات و هخسر كل حاجة بسببك يا ——– إسمي بعد ما كان في السما خلتيه في الأرض.

تعالي صوت نحيبها ، بينما حاولت شقيقتها تهدئة “رشاد” بقولها :

-خلاص يا بابي Please , چيچي عارفة إنها غلطت ، و إنت عارف كمان إن عثمان غدر بيها ، ماكنتش عارفة إنه هيبعت وراها صحافيين.

رشاد بغضب :

-إخرسي إنتي مالكيش دعوة ، أنا ليا حساب مع الكلب ده كمان بس مش قبل ما أخلص بإيدي علي الـ—– دي .

چيچي ببكاء و هي لا زالت تحتمي بحضن شقيقتها :

-إنت إللي غصبتني علي الجوازة دي ، أنا قولتلك مش بحبه و مش عايزاه .. ثم أكملت في تردد :
-إنت السبب يا بابي !

رفع “رشاد” ذراعه ، و إجتذبها من شعرها صائحا :

-أنا السبب فعلا ، أنا إللي سيبتلك السايب في السايب لحد ما فاجرتي ، و أخرتها سلمتي رقبتي لإبن يحيى البحيري.

تأوهت “چيچي” بألم ، و قالت بصوت مهزوز إمتزج بدموعها :

-أنا ماكنتش أعرف إنه هيصورني ، و ماخدتش بالي من أي حاجة إلا يوم الفرح ، هو فاجئني.

رشاد بخشونة :

-مضتيله علي التنازل ليه ؟

-هددني إنه هينشر الڤيديو.

صاح بإنفعال :

-إنتي غبية ، ماكنش هيقدر يعمل أي حاجة كنت هتصرف أنا معاه و لا كنا إتفضحنا زي دلوقتي كده.

ثم أفلتها فجأة ، و إلتفت محدقا في الفراغ و هو يتمتم بشراسة :

-ماشي يا إبن يحيى .. و الله لأكون جايبك الأرض ، مش هرحمك لا أنت و لا عيلتك !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

إستيقظت “ملك” من نومها منذ حوالي ربع ساعة ، قضت هذا الوقت كله مستلقية وحدها دون حراك ، حتي ملت من و حدتها ..

فهمت بالصراخ عاليا بقدر يجذب إليها أحد أخويها ، هكذا تعلمت و حفظت الطريقة التي تستقطب بها إنتباههما وفقا لعقليتها الصغيرة
و بالفعل ، لبي “فادي” ندائها ، و حضر إليها فورا ..

سكتت “ملك” بمجرد رؤيته ، ليبتسم لها و يقول بلطف :

-إيه يا ست ملوكة ؟ يا تري جعانة و لا صحيتي لاقيتي نفسك فاضية و قولتي أما أقرف فادي شوية ؟ هه ؟ .. ما تقوليلي ، إتكلمي ..

و راح يقوم بحركات بوجهه و هو يخاطبها ، فأخذت الطفلة تضحك له و هي ترفع ذراعيها الصغيرتين نحوه و تصدر أصواتا تختلط بضحكاتها
ضحك “فادي” معها ، ثم حملها و أخذ يلاعبها و يلاطفها ..

كانت “ملك” تحمل ملامح مشتركة بين كلا من والدتها و أختها “سمر” .. فمثلا ورثت لون بشرتها الناصعة و لون شعرها البندقي عن والدتها

أما خضرة عينيها الواسعتين ، فأخذتهما عن شقيقتها الكبيرة التي تمتاز هي الأخري بنوع خاص من الجمال يتمثل في شعرها الطويل الفاحم ، و بشرتها التي هي بلون الشوكولاتة الفاتحة ، و قوامها المتناسق الذي يحسدونها عليه جارتها و صديقاتها كلما يزورنها في بيتها ..

جلس “فادي” بالصالة و أجلس “ملك” علي قدمه ، ثم راح يهزها حتي لا تعود للبكاء ، بينما يشاهد هو إحدي المبارايات علي شاشة التلفاز الصغير ..

لفتت نظره “سمر” و هي تفتح باب الشقة بمفتاحها و تدخل ، فأغلق التلفاز ، و حمل “ملك” علي ذراعه و ذهب ناحيتها ..

فادي بتلهف :
-ها يا سمر ! عملتي إيه ؟

رفعت “سمر” وجهها و هي تجيبه بتعب واضح :

-فادي هبقي أحكيلك بعدين ، أنا جاية تعبانة و مش شايفة قدامي ، محتاجة أريح شوية و بلّيل هبقي أقولك علي كل حاجة.

عبس بقلق ، و سألها بلهجة هادئة :

-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟

أومأت رأسها إيجابا ، ثم قالت :

-خلي بالك بس من ملك علي ما أصحي و لو جاعت أنت بتعرف تأكلها ، ممكن تصحيني بس علي ميعاد الدوا بتعها أنا أبقي أقوم أديهولها.

و تركته متجهة إلي غرفتها ..

و أخيرا إختلت بنفسها ، أغلقت باب الغرفة ، و للحال نزعت حجابها و هي تتنفس بعمق ثم تحرر شعرها من مشبك الرأس ، لينسدل بنعومة و إنسيابيه علي طول ظهرها

ألقت بنفسها فوق السرير ، و حدقت بالسقف ، لتعود لها ذكري نصف اللقاء الفائت …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

وجدته واقفا أمامها عندما فتحت عيناها ، كان يخاطب رجلا قصير القامة في منتصف عمره ، بدا شيء لا يذكر بجانبه ..

لم تسنح لها الفرصة لإستكشاف الكثير من الأمور ، إذ هبت من مكانها كقطة مذعورة و هي تقول بلهجة ناعسة متداخلة الأحرف :

-أنا فين ؟ إيه إللي حصلي ؟

طمئنها “عثمان” بإبتسامة :

-إطمني يا أنسة إنتي بخير ، ماتقلقيش جت سليمة أغم عليكي بس و دكتور حسين فوقك.

الدكتور حسين بلطف و لباقة :
-حمدلله علي سلامتك يا أنسة ، عايزك ماتقلقيش إنتي كويسة خالص ، بس ناقصة تغذية ، إنتي ضعيفة أوي و محتاجة تاخدي بالك من أكلك و شربك أكتر عشان ماتحصلكيش إغماءة تانية.

كانت “شيري” سكرتيرة المكتب واقفة بجوارها ، فإنحنت صوبها لتعطيها كأس عصير ، قبلته “سمر” بإمتنان و هي تشعر برأسها يلف
بينما إنصرف الطبيب “حسين” بعد أن جمـّع آدواته داخل حقيبته ، و بدوره أصرف “عثمان” سكرتيرته لتباشر عملها في الخارج ..

سمر و هي تحاول القيام :

-أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي علي إللي عملته معايا !

عثمان بجدية :

-خليكي مكانك يا أنسة ، إنتي لسا دايخة ، ماتقوميش دلوقتي.

-لازم أمشي .. إتأخرت علي إخواتي.

-طب بس أصبري ، أنا عايزك في موضوع.

سمر بإستغراب :

-موضوع ! موضوع إيه يافندم ؟؟

سحب “عثمان” مقعد قريب ، و جلس فوقه مادا جسده نحوها ، ثم قال بهدوء :

-أنا حاسس إنك واقعة في مشكلة .. ممكن تقوليلي لو تحبي ، أنا أقدر أساعدك.

سمر بشك :

-تساعدني إزاي يعني ؟!

هز كتفيه مجيبا :

-أساعدك يعني أساعدك .. قوليلي بس إيه مشكلتك ؟

سمر بصمت و قد إنعقد لسانها ، لا تعرف بما تجيبه !

-فلوس ؟ .. قالها بتساؤل ، و تابع :
-إنتي خريجة أيه يا أنسة ؟

سمر مجيبة بلسان ثقيل :

-تسويق و تجارة إلكترونية.

عثمان بإعجاب :

-حلو .. حلو أوي .. ثم أردف بحماسة زائفة :

-شوفي أنا هفتتح شركة جديدة خاصة بيا كمان كام يوم ، إخترت الموظفين خلاص بس لسا ماخترتش سكرتيرة .. تحبي تتقدمي للوظيفة دي ؟

حملقت فيه بعدم تصديق ، و سألته ببلاهة :

-بجد ؟!!

عثمان بضحك :

-أه طبعا بجد .. ثم سألها مبتسما :

-إنتي عندك كام سنة ؟ قصدي يعني بقالك كام سنة متخرجة ؟

سمر بتوتر طفيف :

-أنا عندي 24 سنة و بقالي سنتين و نص متخرجة.

-هممم .. لأ مدة مش بعيدة ، طب قولتي إيه ! موافقة تشتغلي عندي ؟؟

سمر بدون تردد :

-طبعا موافقة .. لكنها تراجعت :

-بس أنا ماعرفش حاجة عن شغلة السكرتاريا.

عثمان بثقة :

-ماتقلقيش هتتعلمي .. دي شغلانة بسيطة خالص.

أشرق وجهها بإبتسامة رقيقة ، بينما مد يده إلي جيب بنطاله ، و أخرج جزدانه
سحب بعض الأوراق النقدية ، ثم مد يده لها قائلا :

-إتفضلي يا أنسة سمر.

نظرت ليده الممدودة بالنقود ، ثم له ،و سألته متجهمة :

-إيه ده حضرتك ؟؟

أجابها بإبتسامة :

-أنا عارف إنك محتاجة فلوس ، من فضلك خديهم.

سمر برفض مهذب :

-شكرا لحضرتك .. أنا معايا الحمدلله.

عثمان بإصرار و لطف :

-خديهم بس يا أنسة سمر ، أعتبريهم سلفة و إبقي رديهم من أول مرتب.

تخضبت وجنتاها بحمرة قانية ، و كم وجدت صعوبة في ذلك ، لكنها مدت يدها و أخذت منه النقود ..

سمر و هي تقف علي قدميها و تختبر درجة ثباتها :

-إستأذن أنا بقي.

نهض هو الأخر ، و قال لها :

-تمام ، و إنتي خارجة إبقي سيبي إسمك و عنوانك و رقم تليفونك لشيري ، و ماتنسيش بعد بكره ، هخلي شيري تتصل بيكي و تديكي كل المعلومات عن الشركة.

أومأت “سمر” دون أن تنظر في عينيه ، ثم غادرت مكتبه في هدوء …

°°°°°°°°°°°°°°°°

خرجت “سمر” من الذكري و هي تشعر بضيق شديد ، فمنذ خروجها من هذه الشركة لم تكف عن توبيخ نفسها لأنها أخذت منه النقود

و مرات عدة و هي في طريقها إلي البيت فكرت أن تعود و ترجع إليه ماله ، لكنها تذكرت “ملك” و “فادي” .. فإستسلمت لحكم الواقع و أكملت طريقها بفم مطبق ..

أرهقها التفكير لهذا الحد ، فأوقفت كل شيء ، و إستسلمت للنوم الذي بدأ يداعب أجفانها …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في ليل الإسكندرية الساحر ، يقود “صالح البحيري” سيارته الفارهة مارا بالكورنيش المطل علي الساحل ، و المضاء بالأعمدة التي تعكس نورها علي ماء البحر الحالك ، فيبدو و كأنه اللؤلؤ الأسود في ندرته ..

يصل “صالح” إلي ذلك الملهي الشهير ، و يدخل باحثا بعينيه عن إبن عمه
ليجده هناك ، جالسا عند بنش البار ، تحاوطه المنكرات من كل صوب و هو يتجاوب معها بفتوره المعتاد ..

-إيه يابني فينك ؟ قال “صالح” و هو يجلس بجانبه أمام البار ، و أكمل :

-لازم أتحايل عليك يعني عشان ترضي تقولي إنت فين ؟ أبوك قالب عليك الدنيا.

عثمان بضيق :

-عارف.

-طب مارجعتش البيت ليه لحد دلوقتي ؟؟

-مش مستعد لإستجواب يحيى بيه ، و مش ناقص قرف.

صالح بصراحة :

-إنت طينت الدنيا الصراحة ، أنا أعرف أنك شيطان يابن عمي بس ماتخيلتش تفكيرك يوصل لكده أبدا !

عثمان ضاحكا و هو يتناول بعض المقبلات :

-يمكن عشان مابتعرفش تفكر يا صالح.

-لأ بجد ، أنت إبليس ذات نفسه يصقفلك علي عملتك دي.

عثمان بتفاخر :

-يابني أنا مش أي حد ، أنا عثمان البحيري ، يعني الفهلوة و الجبروت كله ، و متنساش إني إسكندراني كمان.

-لأ من ناحية الجبروت فأنا متأكد من دي أكتر .. ثم سأله بإستذكار :

-صحيح عملت إيه في حوار شركتك ؟ خلاص كلها بقت بتاعتك.

شرب “عثمان” ما تبقي من كأسه ، و أجابه و قد بدأت الثمالة تنطقه بما لا يريد نطقه :

-إسكت ماتفكرنيش بالشغل خالص .. إنهاردة وقعت مع حتة بت كانت هتخرجني عن شعوري ، تصور إستهزأت بيا أنا ؟!

صالح بضحكة مرحة :

-يا خبر ! دي كده لعبت في عداد عمرها.

عثمان بوعيد :

-إنت بتقول فيها ؟ .. و حياة أمي لأسود عيشتها !!!!!

error: