رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 60 )

_ حنين ! _

تستوي “فريال” جالسة علي سريرها و هي تنظر لإبنها بقلق ..

بينما يقف “عثمان” و يسأل الخادمة بعدم تصديق :

-إسمه فادي متأكدة ؟!

الخادمة بتأكيد :

-أيوه حضرتك إسمه فادي حفظي بيقول إنه أخو سمر هانم !

رفع “عثمان” حاجباه بدهشة ، ثم نظر إلي أمه ليجد التوتر و الخوف يسطران قسمات وجهها ، و قرأ في عيناها ما لم تكن تستطيع أن تقوله بلسانها ..

إبتسم لها “عثمان” و أمسك بيدها و شد عليها مطمئـِا و هو يقول :

-أنا هنزل أقابله . ماتقلقيش يا ماما .. أنا في بيتي.

و فك أصابعها المطبقة علي كفه بلطف ، ثم نزل ليقابل “فادي” ..

وقف ينتظره عند مدخل البهو … دقيقة و أتاه “فادي” بمظهره الغاضب ، حيث عمد أن يبين له أنه جاء إلي هنا مرة أخري و لكن علي مضض شديد

-أهلا يا فادي ! .. قالها “عثمان” بصوت ثابت النبرات ، و تابع :

-خطوة عزيزة.

إبتسم “فادي” بإستخفاف و قال بتهكم :

-الله يعز مقدارك يا باشا . متشكر . بس أنا مش جاي أضايف أنا جاي أخد أختي.

عثمان بنفس الثبات :

-أختك مين بالظبط ؟ سمر و لا ملك ؟؟

فادي بصرامة :

-أنا ماعنديش غير أخت واحدة دلوقتي يا عثمان بيه . ملك . أنا جاي أخد ملك.

عثمان بإبتسامة ساخرة :

-أهو دلوقتي يا فادي مابقاش عندك أخوات خالص . لا سمر و لا ملك.

فادي بحدة :

-يعني إيه ؟ إنت فاكر إنك تقدر تمنعني عن أختي الصغيرة ؟ أنا هاخدها غصب عنك إنت ماتقدرش تمنعني.

عثمان بهدوء مستفز :

-يا فادي إفهم . بقولك ماعادش في سمر و لا ملك . البيت قدامك أهو . لو لاقيت إللي بدور عليه خده.

صمت “فادي” قليلا يستوعب كلماته … إستتتج في بادئ الأمر الإستهزاء و التحد الواضح بنبرة صوته ، فعاد و قال بحدة أكبر :

-أنا غيبت طول الفترة إللي فاتت و إشتغلت بإبدي و سناني منغير يوم واحد أجازة عشان أوفر بيت و مصاريف تكفي أختي مش همشي من هنا إلا بيها . أنا مش جاي أهزر المرة دي.

عثمان بجدية ممزوجة بالبرود :

-و لا أنا و الله بهزر . و زي ما بقولك سمر و ملك بقالهم فوق الـ6 شهور برا بيتي . ماعرفش عنهم حاجة.

ضم “فادي” حاجباه و قال بصدمة :

-بقالهم 6 شهور ! إخوآااتي !!! .. ثم إنقض علي “عثمان” و أمسك بتلابيبه صارخا بوحشية :

-وديتهم فيــــــــــــن ؟ يابن الـ××× . هقتلك . عملت فيهم إيـــــــــــــه ؟؟؟

ضحك “عثمان” بسخرية و هدئه قائلا :

-إهدا بس . إخواتك ؟ مش لسا قايل إن مابقاش عندك غير أخت واحدة ؟!

زمجر “فادي” بشراسة و هو يجتذبه من ثيابه بعنف :

-أقسم بالله لو ما نطقت و قولتلي هما فين هطلع روحك في إيدي.

تنهد “عثمان” و أزال يداه عنه بحزم و هو يقول بجدية تامة :

-فادي . سمر أخدت ملك و هربت مني . بقالها 6 شهور مختفية . صدقني أنا ماعرفش عنها حاجة و كل يوم بدور عليها . بس مالهاش آثر.

بـُهت “فادي” لسماع هذا ، و إبتلع ريقه بصعوبة ..

-يعني إيه ؟ .. تمتم بجزع ، و أكمل :

-الإتنين راحوا مني ؟ .. إخواتي ضاعوا . بقيت لوخدي خالص ؟؟؟!!!

وضع “عثمان” يده علي كتفه و طمئنه بثقة :

-إطمن يا فادي . سمر ماخرجتش من إسكندرية . لسا هنا
إوعدك هوصلها في أقرب وقت . و هترجعلك تاني هي و ملك.

رمقه “فادي” بنظرة منفرة ، و نفض يده التي كانت علي كتفه و قال بحقد شديد :

-إنت السبب . إنت إللي عملت فينا كل ده . كنا عايشين كويس و ببساطة . دمرت حياتنا .. ثم غدت نبرته خشنة مستعرة الآن :

-أنا دلوقتي ماعنديش حاجة أخسرها . لو إخواتي مارجعوش مش هاسيبك تتهني بحياتك ثانية واحدة . و لو كنت وسط ألف راجل بيحميك . هقتــلك !

ثم إستدار مغادرا …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في مكان أخر … تحديدا داخل بيت متواضع بحي “العجمي” الشهير

تنهتي “نجلاء” من إعداد وجبة طعام هذه الطفلة الواقفة عند قدميها ، تتمك ببنطالها المنزلي بكلتا قبضتيها الصغيرتان

تهدل الصغيرة بصوت لذيذ للغاية :

-نلأ ( نجلاء ) مـم ( أكل ) !

تضحك “نجلاء” بمرح شديد و ترد عليها :

-عيون نجلاء يا قلبي . خلاص المم خلص يا روحي
تعالي نروح ناكله عند أختك بقي.

و إنحنت و حملتها ، ثم توجهت للخارج حيث تجلس ضيفتها بالصالة أمام التلفاز و لكن كعادتها شاردة في عالم أخر ..

-سـمـر ! .. هتفت “نجلاء” بوساطة و هي تجلس في كرسي محاذي لـ”سمر” ثم تأخذ “ملك” في حجرها

بينما أفاقت “سمر” من شرودها ..

-في حاجة يا نجلاء ؟ .. قالتها بتساؤل

تنهدت “نجلاء” و قالت بحزن :

-يابنتي إنتي كل شوية تسرحي كده ؟ الهموم إللي إنتي شايلاها دي مش كويسة عليكي و لا علي ده ! .. و أومأت بذقنها نحو بطنها الممتلئ

سمر بإبتسامة مريرة و هي تضع يده علي بطنها ذات التسعة أشهر :

-طيب قولي الهموم مش كويسة عليا أنا . لكن ده من الأول خالص و هو قافش في الدنيا . أكتر من مرة إتعرض للموت و فضل سليم . زي ما يكون بيعاند . عايز يعيش .. عايز يعيش عشان يكمل عذابي بعد أبوه.

رمقتها “نجلاء” بتأثر و قالت :

-يا سمر هو في الأول و الأخر إبنك . حتي لو كان أبوه مين . مش مصدقة إنه ممكن يهون عليكي !

صمت قصير .. و إعترفت “سمر” بآسي :

-ما هو للآسف ماهانش عليا . رغم إن كانت قدامي فرصة أخلص منه بعد ما هربت من أبوه علطول . بس في حاجة قوية جوايا . زي صوت عالي منعني و قالي لأ .. ثم أكملت بتردد :

-مقدرتش . كنت خايفة عليه زي خوفي علي ملك .. فضلت أفكر أعمل إيه و أروح فين ؟ قلت مستحيل أرجعله . و بعد ما أخويا رماني مابقاش ليا مكان أروحله . مش عارفة إزاي خطرتي علي بالي يا نجلاء ! و فعلا محدش ممكن يفكر إني هنا عندك.

نجلاء بإبتسامة :

-طيب إنتي عارفة إن دي أحسن حاجة عملتيها في كل ده يا سمر ؟ إنتي و لوكا جيتوا مليتوا عليا البيت بعد ما كان فاضي عليا.

سمر بحرج :

-ملينا عليكي البيت إيه بس ؟ أنا حاسة إننا تقلنا عليكي و الله 6 شهور كتير أووي.

تلاشت إبتسامة “نجلاء” و عاتبتها :

-أخس عليكي . و الله لو قولتي كده تاني هزعل منك
ده أنا نفسي تقعدي معايا إنتي لوكا علطول.

سمر بضحك :

-علطول ! لأ يا حبيبتي إطمني مش هنطول عليكي أوي
البيه الصغير يشرف بس و هاخده هو و الأبلة دي و نشوفلنا مكان نقعد فيه و بالمرة أدور علي شغل.

نجلاء بإستنكار :

-إيه يابنتي إللي بتقوليه ده ؟ إنتي فاكراني ممكن أسمحلك بكده ؟ مش هتمشي يا سمر طول ما أنا عارفة إن مالكيش مكان تروحيله.

سمر بإبتسامة :

-ماتقلقيش عليا يا نجلاء . أنا هعرف أتصرف.

نجلاء بإصرار :

-مش هتمشي يا سمر . إلا إذا كنتي عايزة ترجعي لبيت جوزك مش هعارضك !

و هنا تحولت “سمر” تماما و صاحت بحدة :

-أرجعله ؟ مستحيل أرجعله . أنا لو بموت مش هرجعله.

نجلاء بحيرة :

-ليه بس يابنتي ؟ إنتي مش بتحبيه ؟ طيب بلاش الحب . حتي عشان إبنك إللي مالوش ذنب في حاجة ده.

سمر بصرامة :

-مش هرجعله يا نجلاء . كفاية ذل كفاية مهانة بقي . أنا كده مرتاحة .. طول ما انا بعيدة عنه مرتاحة !

تآففت “نجلاء” بسأم و قالت :

-مرتاحة إيه بس يا شيخة إنتي هتعمليهم عليا ؟ ما أنا بسمعك كل يوم و إنتي بتحلمي بيه.

جحظت عينا “سمر” بصدمة ، و أحمـّرت وجنتاها بشدة و تسألها بعدم تصديق :

-أنا بتكلم و أنا و نايمة ؟؟؟

نجلاء بإبتسامة خبيثة :

-أيوه ياختي . طول الليل مابسمعش غير نغمة واحدة بس
عثمان عثمان عثمان.

عضت “سمر” علي شفتها السفلي بقوة ، و قالت بغضب :

-لأ . لأ أكيد دي بتبقي كوابيس !

نجلاء بمكر :

-كوابيس إيه دي إللي بتنادي عليه فيها بالحرارة دي يا سمر ؟ إعترفي إنه وحشك و إنك بتحبيه.

سمر بغيظ شديد :

-لأ لأ لأ . مش بحبه
أنا بكرهه سامعة !

ثم تحاملت علي نفسها و قامت بصعوبة لتذهب إلي الغرفة و تنال قسطا من الراحة

بينما نظرت “نجلاء” إلي “ملك” و سألتها و هي تطعهما أخر ملعقة بالصحن :

-هنعمل إيه دلوقتي بقي يا ست لوكا ؟ هه ؟ قوليلي !

غمغمت “ملك” بكلمات غير مفهومة ، لتوافقها “نجلاء” قائلة :

-تصدقي صح . هو مافيش غير كده . قشطة علي أفكارك يا لووووكآاا.

و راحت تدغدغها و تشاركها المرح و الضحك …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

صباح اليوم التالي … يقرر “عثمان” المرور اليوم علي مؤسسته الخاصة المنفصلة عن بقية مجموعات عائلته

يصل إلي مقر ( البحيري للتسويق و التجارة ) في تمام التاسعة ، يلقي تحية الصباح بفتور علي سكرتيرته ، ثم يلج إلي مكتبه

يتنهد بثقل و هو يفكر .. مر يوم أخر دون أن يسمع عنها خبر ، إلي متي ؟ لقد أوشك موعد الولادة

هل ممكن ألا يري طفله ؟؟؟

-روحتي فين بس يا سمر ؟! .. تمتم “عثمان” لنفسه بيأس ، ثم مضي بإستسلام لمباشرة عمله

يدق باب مكتبه بعد قليل ، لتقف السكرتيرة مكانها بتردد ..

يتطلع إليها “عثمان” و يقول بإستغراب :

-نجلاء ! في حاجة و لا إيه ؟

نجلاء بشئ من التوتر :

-حـ حضرتك فاضي دقيقتين ؟!

-دقيقتين ؟ فاضي يا نجلاء . تعالي.

دخلت “نجلاء” و هي تحمحم بتوتر أشد .. وقفت أمامه ، فرفع حاجبه في إنتظار ما ستقوله ..

نجلاء بإرتباك :

-مبدئيا كده حضرتك لازم تعرف إني عملت كل ده بقصد الخير مش الشر.

عثمان بعدم فهم :

-بتقولي إيه يا نجلاء ؟ وضحي كلامك من فضلك أنا مش فاهم حاجة !

قطبت “نجلاء” حاجباها و قالت برجاء :

-هقولك يافندم . بس بليز لازم توعدني إنك مش هترفدني.

عثمان بدهشة :

-أرفدك ليه يا نجلاء ؟ إنتي عملتي إيه بالظبط ؟ في مصيبة حصلت في الشغل ؟؟؟

نجلاء بإسراع :

-لأ حضرتك الشغل كله تمام.

عثمان بنفاذ صبر :

-أومال في إيه إنطقي بقي . أنا مش فاضيلك.

-حاضر . حاضر يافندم .. ثم صمتت للحظات لتستجمع شجاعتها ، و صاحت فجأة :

-سمر عندي يا Boss !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في منزل “نجلاء” …

تستيقظ “سمر” من نومها العميق ، عندما شعرت بهذا الآلم الحاد يكاد يمزق أسفل معدتها .. تآوهت بصوت مخنوق و هي تمسك ببطنها

لحسن الحظ كانت “ملك” نائمة ، فالألم يزداد و هي لن تستطع أبدا الإهتمام بها الآن ..

نهضت “سمر” بعد عناء شديد من السرير ، توجهت نحو الهاتف و رفعت السماعة

ضربت رقم “زينب” بأصابع مرتعشة و هي تحارب دوار و صراخ قوي حبسته في صدرها ، ثوان و جاء صوت الطرف الآخر ..

-السلام عليكم !

سمر بصوت متقطع بالكاد مسموع :

-مـ . مـ ـا مـ ـا ز يـ ـ ـنـ ـب.

زينب بذعر :

-سمر ! إيه يا حبيبتي مالك ؟ الطلق جه و لا إيه ؟؟؟

سمر بتأوه خافت :

-آااه شـ ـكله كده !

زينب بحنان :

-طيب يا حبيبتي أنا جايالك أهو علطول.

سمر باكية من شدة الآلم :

-لأ . ممـ ـكن تكـ ـوني متـ ـرقبة.

زينب بعصبية :

-إحنا في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ قلت جايالك مسافة السكة أهو.

سمر بوهن :

-يا ما مـ ـا زيـ نـب . بـ ـلآاش .. و بترت عبارتها فجأة لتصرخ بأعلي صوتها و قد إنهار صمودها تماما :

-آااااااااااااااااااااااااااااااه !

إنتفضت “ملك” في هذه اللحظة و إستيقظت فزعة ، بينما تهاوت “سمر” علي أقرب مقعد مواصلة صراخها مع توالي الركلات التي راح طفلها يسددها أسفل معدتها بلا رحمة ….. !!!!!!!

يتبـــــع …

error: