رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 26 )

_ غضب ! _

يمر إسبوع … لم يطرأ فيه أي تغيير يذكر لدي أي فرد

حتي جاء يوم العلاج الأول ..

كانت لديه قوة كافية تجعله قادرا علي الإستلقاء هناك ، من غير حراك ، قادرا علي أن يستلقي حتي يتحمل هذا العذاب كله .. لحظة واحدة و جاء التغير الوحيد فجأة

بشكل غير معقول .. تضاعف الآلم

شبت النار فجأة في النصف الأسفل من جسده ، النصف الذي كان ميتا منذ الحادث

أحس عظاما مكسورة تتخبط تحت أصابع اللهب الكاوية و التي ما كانت سوي يدي طبيب العلاج الطبيعي المتمرس و الماهر في تخصصه ..

-آااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه . آااااااااااااااااااااااااه .. هكذا كان صراخ “صالح” يدوي عاليا ليتردد صداه عبر أركان المشفي بأكملها من أعلاها إلي أسفلها

بينما تأذت مشاعر “صفية” كثيرا لرؤيته يعاني بهذا القدر ، فإقتربت من السرير الذي كان يستلقي فوقه علي وجهه و تحدثت إلي الطبيب ..

صفية بنبرة مهزوزة :

-يا دكتور ! .. من فضلك بالراحة عليه . هو إيه إللي بيجراله بالظبط ؟؟؟

الطبيب و هو يستمر في عمله غير عابئ بصراخ “صالح” المتواصل :

-في أجزاء لسا حيوية في جسمه عشان كده بيتألم لحد ما المنطقة دي تتعالج صح و الكسور تلحم إن شاء الله الآلم ده هيقل تدريجيا.

-صآااااااااااافي ! .. إنتفضت “صفية” حين نادي عليها ، و ردت بسرعة :

-نعم . نعم يا حبيبي ؟

صالح بأنين حاد :

-إممممم خلي الزفت ده يبعد عني . مش قآاااادر كفآاااية كدآااااااااا.

صفية بدموع و هي تمسد علي شعره بحنان :

-معلش يا حبيبي . معلش إستحمل شوية كمان عشان خاطري.

ثم نظرت إلي الطبيب بإستعطاف ليخفف الآلم عن “صالح” قليلا

و لكن الحريق المستعر راح يمضي بلا نهاية بفضل إصرار الطبيب علي إتمام الجلسة كاملة مكتملة رغم أنف مريضه العدواني ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في منزل “سمر” … تعيش الأسرة الصغيرة حالة فرح و بهجة شديدة

فاليوم أخيرا عادت الصغيرة “ملك” معافاة و صحيحة تماما ..

-فادي ! إوعي هاتها . قولتلك 100 مرة ماتبوسهاش من بؤها .. قالتها “سمر” موبخة أخيها و هي تحاول إنتزاع “ملك” من بين ذراعيه

بينما ضحك “فادي” و هو يتمسك بالطفلة أكتر ، ثم قال :

-في إيه يا سمر ؟ دي أختي الصغيرة و غايبة عني بقالها كتير . وحشتني !

سمر بغضب :

-وحشتك ماشي بس ماتبوسهاش من بؤها ماتبوسهاش أصلا. الدكتور منبه علي كده إحنا مش ناقصين تتعب تاني.

فادي بضيق :

-هو أنا مرض يعني يا سمر ؟

تنهدت “سمر” و قالت بلطف :

-لأ يا حبيبي مش مرض . بس هي عندها المناعة ضعيفة و بتتأثر بأي حاجة ما إنت عارف.

-ماشي ياستي . مش هبوسها من بؤها تاني مش هبوسها خالص عشان خاطرك . حلو كده ؟

سمر بإبتسامة :

-حلو . إيوه إنت كده شطوور .. هاتها بقي !

-أمرك يا حبيبتي . إتفضليها أهيه .. و قبل أن يضع الصغيرة بين ذراعيها سرق من وجنتها المكتنزة قبلة عميقة ليغيظ شقيقته الكبري

و بالفعل إستشاطت “سمر” غضبا و هي تضربه علي كتفه بقوة :

-قولتلك ماتبوسهاش . ماتبوسهآااش مابتفهمش !!

قهقه “فادي” بمرح و هو يقول :

-أنا هنزل أجيبلها الدوا و اللبن بتاعها و بالمرة هشتري قالب كيك عشان نحتفل باليوم السعيد ده.

و ذهب “فادي” ..

لتنفرد “سمر” بشقيقتها أخيرا

لم تستطع رفع عيناها عنها .. فقد إفتقدتها كثيرا ، و قد كانت رائعة ، في أحسن صحة

كان جلدها الأبيض الرقيق يتوهج كأن فيه نورا ، و كان لون خديها ورديا علي خلفية ذلك النور

كان طول جسدها قد زاد قليلا ، و صارت أنحف بقليل ، أما خصلات شعرها فصارت أطول بميليمترات قليلة ..

لم تصدق “سمر” حتي الآن أنها شفيت و عادت إليها ، لقد كانت قاب قوسين أو أدني من الموت ، و لكن من يراها الآن لا يصدق ما كانت عليه قبل ثلاث أسابيع

كان التحسن واضح جدا ..

و لكن .. هذا كله بفضل من ؟؟؟

-أنا آسفة يا حبيبتي .. تمتمت “سمر” بحزن شديد و هي تضم أختها برفق ، و أكملت :

-ماكنش نفسي أعالجك بفلوسه . ماكنتش أتمني و لا حاجة من دي تحصل .. الظروف كلها كانت ضدي و الأبواب إتقفلت في وشي قبل حتي ما أدق عليها . بس أنا عملت كل ده عشانك . إنتي أغلي مني بالنسبة لي . إنتي بنتي مش أختي !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في قصر آل”بحيري” … لم يري “رفعت” إبنته منذ عدة أيام و كلما سأل عنها يقولون بغرفتها ، حتي لم تعد تشاركهم وجبات الطعام

يقرر “رفعت” التحقق من الأمر بنفسه ، فيصعد إلي غرفتها ، لكنه يقابل زوجة أخيه في منتصف الدرج ..

-فريال إستني لو سمحتي ! .. قالها “يحيى” بسرعة حين إستدارت “فريال” لتهرب لما رأته

توقفت “فريال” بمكانها ، بينما إقترب منها و هو يقول بهدوء :

-إنتي بتتهربي مني ليه يا فريال ؟ بقالك إسبوع علي كده و حابسة نفسك في أوضـ آا ..

-رفعت ! .. صاحت “فريال” بحدة ، و تابعت :

-من فضلك تخلي بالك من كلامك . أنا مش بتهرب منك هتهرب منك ليه ؟ هو حصل حاجة بينا لا سمح الله ؟!

رفعت بخجل :

-أنا مش عارف أنا قلتلك الكلام ده إزاي ! بجد مش عارف . أنا آسف يا فريال.

إلتفتت له و قالت بجدية ممزوجة بالصرامة :

-أنا مش زعلانة منك يا رفعت . أنا عارفة طبعا إنك ماكنتش قاصد تقول كده و إلا ماكنتش سكت و كان زمان يحيى عنده خبر !

حمحم “رفعت” بتوتر ، لتكمل “فريال” بنفس الإسلوب :

-إنت أخو جوزي . يعني في مقام أخويا . و يحيى بيثق فيك ثقة مالهاش حدود عشان كده سايبلك كل حاجة و مسافر و هو مطمن .. بيته . شغله . ولاده . مراتــــــــه !

و شددت علي الكلمة الأخيرة ..

-طبعا . طبعا يا فريال .. تمتم “رفعت” بإرتباك ، و أردف :

-أنا هنا مكان أخويا فعلا . و كل إللي يخصه في رقبتي لحد ما يرجع بالسلامة إن شاء الله .. ثم قال بإقتضاب :

-عن أذنك . طالع أشوف هالة.

و فر من أمامها بسرعة حتي قبل أن يسمع الرد ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

في غرفة “هالة” … كانت مستيقظة حين سمعت الطرق علي باب غرفتها

لكنها تظاهرت بالنوم و شدت الغطاء عليها أكثر ..

ليدخل “رفعت” عندما لا يسمع أذنا .. يجد الغرفة غارقة في ظلام دامس ، فيتجه صوب الشرفة العريضة

يزيح الستائر ، ليتسلل الضوء الذهبي و يملأ الغرفة

أغمضت “هالة” عيناها بإنزعاج ، و بعد لحظات شعرت بوالدها يجلس علي طرف السرير بجانبها ..

-هالة ! .. حبيبتي . هالة .. إيه النوم ده كله يابنتي . هآاالة .. أخذ “رفعت” يحاول إيقاظها و هو لا يعلم أنها مستيقظة بالفعل

بينما تململت “هالة” في فراشها و تمتمت أخيرا و هي تتصنع نبرة النوم :

-بابي !

رفعت بإبتسامة و هو يمسح علي شعرها:

-حبيبة بابي . إيه يا قمر . كل ده نوم ؟ و بعدين بقالي أد ماشوفتكيش ؟ غطسانة في أوضتك ليل و نهار ليه ؟؟؟

هالة بوجوم :

-هعمل إيه يعني ؟ مافيش حاجة أخرجلها.

رفعت بإستغراب :

-إيه النغمة الجديدة دي ؟ معقول هالة إللي بتتكلم ؟ ده مافيش حد أدك بيحب الفسح و الخروج !!

هالة بسخرية :

-كان زمان.

رفعت بدهشة :

-كان زمان ! إيه يابنتي مالك ؟ في حاجة حصلت ؟ حد هنا ضايقك ؟ حد عملك حاجة ؟؟؟

هالة بإبتسامة خالية من الروح :

-إطمن يا بابي . مافيش حاجة . أنا كويسة.

رفعت بشك :

-مش مصدقك ! .. و بعدين إنتي شكلك بقي عامل كده ليه ؟ و خسيتي أووي كده ليه ؟؟؟

هالة بضيق :

-قولتلك مافيش حاجة يا بابي . Please ماضايقنيش.

رفعت بعدم إقتناع :

-أوك . خلاص مش هضغط عليكي يا حبيبتي .. ثم تنهد و قال :

-طيب قومي . قومي و تعالي نخرج سوا . تعالي نروح نشوف صالح أو لو عايزة أفسحك !

هالة بكآبة :

-لأ مش عايزة . مرة تانية يا بابي . مش قادرة أخرج إنهاردة.

رفعت بنفاذ صبر :

-طيب قومي إنزلي إفطري إعملي أي حاجة بس إخرجي من أوضتك دي.

هالة بخفوت :

-حاضر.

تنفس “رفعت” بعمق و هو يرمقها بنظرات حائرة ، ثم قام و مشي صوب الباب .. لتستوقفه إبنته فجأة :

-بابي !

إلتفت لها “رفعت” متسائلا :

-نعم يا هالة ؟

صمت قصير .. ثم قالت “هالة” بثبات :

-هو أنا وحشة يا بابي ؟!

رفعت بدهشة :

-وحشة ؟ .. لأ طبعا . مين إللي قالك كده ؟؟؟

إزدردت ريقها بتوتر و قالت :

-محدش . بس . بس بسألك !

رفعت بجدية :

-إنتي أجمل بنوتة في الدنيا كلها يا حبيبتي .. ثم سألها للمرة الأخيرة :

-هالة .. إنتي كويسة ؟

هالة بإبتسامة شاحبة :

-كويسة يا بابي.

-Sure ?

-Sure !

ما زال غير مقتنع بأقوالها ، لكنه إستسلم و تركها و خرج في الأخير ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

إنتهت “سمر” من تحضير الغداء لشقيقها ، كما قامت بإعداد وجبات طعام لـ”ملك” تكفيها طوال اليوم

بدلت ملابسها ، ثم خرجت و سلمت أختها إلي “فادي” و هي تقول :

-أمسك يا فادي . أنا همشي بقي . خلي بالك من ملك لحد ما أجي.

فادي و هو يركز إهتمامه علي المباراة التي يتابعها علي التلفاز :

-ماشية متأخر إنهاردة يعني يا سمر !

سمر و هي تضبط الحچاب فوق رأسها :

-مش روحت أجيب ملك من المركز و عملت كذا حاجة مع بعض ! .. ثم قالت بعدم إهتمام :

-و بعدين عادي أنا واخدة إذن.

-طيب ماتتأخريش بقي عشان الإحتفال بتاع بليل . لو إتأخرتي هبدأ أنا و لوكا منغيرك.

ضحكت “سمر” بخفة و قالت :

-ماشي ياسيدي مش هتأخر هخلص شغلي بسرعة و هرجع .. ثم أكملت بتحذير :

-و إوعي تستغفلني و أنا مش موجودة و تقعد تبوس في ملك . هعرف !

أومأ “فادي” دون كلام و عيناه مصوبتان علي شاشة التلفاز ، لتنحني “سمر” و تطبع قبلة خفيفة علي شعر “ملك” ثم تأخذ حقيبتها و تغادر المنزل ..

تستقل سيارة آجرة من مقدمة الشارع الرئيسي .. تصل إلي مقر عملها خلال وقت قصير ، ثم تصعد إلي مكتبها المرفق بمكتب المدير ..

-إنتي فييييييييين يا سمر ؟ .. قالتها “نجلاء” و هي تهرول صوبها ، و أكملت بخوف :

-إتأخرتي كده ليه يابنتي ؟ مستر عثمان قالب عليكي الدنيا !

سمر ببراءة :

-أنا كنت مشغولة أوي إنهاردة يا نجلاء . نسيت أقوله إني هتأخر إنهاردة.

-ما هو إتصل بيكي و أنا كمان حاولت بس ماكنتيش بتردي.

تفقدت “سمر” هاتفهها الذي تعمدت ضبطه علي وضع الصامت ..

-آاااه فعلا ! .. هتفت “سمر” بدهشة مصطنعة ، و أردفت :

-ده الموبايل كان صامت و ماسمعتوش . و لو إن مش فاكرة إني كنت عملاه صامت !!

نجلاء بتوتر :

-طيب إدخليله . إدخليله دلوقتي حالا أحسن ده شايط عالأخر . أقسم بالله كنت خايفة يرفدني إنهاردة من كتر عصبيته.

إبتسمت “سمر” و هي تقول ببرود :

-حاضر . حاضر يا نجلاء .. هدخل !

error: