رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 55 )

_ صفعة ! _

صباح يوم جديد … يغادر “عثمان” باكرا و قد حرص علي عدم إحداث أي ضجة لئلا تستيقظ “سمر”

و لكنه لم يكن يعلم بإنها كانت تتظاهر بالنوم حتي لا تواجهه ..

أطلقت “سمر” زفرة إرتياح حالما خرج ، ثم قامت أخيرا من مخدعها .. و بعد أداء الروتين الصباحي أمسكت بالهاتف و أجرت الإتصال بـ”زينب”

لحظات و جاء الصوت المحبب مفعم بالحنان و الشوق :

-سمر ! صباح الخير يا حبيبة قلبي . وحشتيني أووي يا حبيبتي.

سمر بغبطة :

-صباح النور يا ماما زينب . و الله إنتي إللي وحشتيني قوليلي إيه أخبارك ؟

-أنا كويسة يا حبيبتي المهم طمنيني عليكي إنتي و ملك عاملين إيه ؟؟

-أنا و ملك بخير إطمني و ماتقلقيش علينا .. ثم سألتها بشئ من التردد :

-بس عايزاكي تطمنيني علي فادي . أخباره إيه يا ماما زينب ؟!

صمت قصير .. ثم ردت “زينب” بنبرة حزينة :

-أهو يابنتي . أخباره هي هي مافيش جديد.

سمر بقلق :

-يعني إيه ؟ قوليلي يا ماما زينب فادي ماله ؟؟؟

تنهدت “زينب” و قالت :

-سافر لشغله من تلتيام . أجازته بقت قصيرة أوي مش بيجي هنا إلا نص يوم بس يدوب يشقر علي الشقة . دقنه طولت و علطول سآاكت . ماتسمعيلوش حس .. حالته تصعب علي الكافر يا ضنايا.

إنقبض قلب “سمر” و شعرت بإنسداد في حلقها .. لكنها نطقت بصوت مبحوح :

-مابيسألش عني ؟ .. عن ملك ؟!

زينب بإشفاق :

-يابنتي بقولك علطول ساكت . لا بيكلم حد و لا حد بيكلمه.

إعتصرت “سمر” جفناها بألم و همست :

-أنا السبب . أنا. عملت فيه كل ده .. أنا السبب.

زينب بحزن :

-يابنتي إنتي بردو ضحية . ضحيتي بنفسك عشانه و عشان أختك . ماتعمليش في نفسك كده و إذا كان ربنا سامحك يبقي أخوكي أكيد هيسامحك.

سمر و هي تذرف دموع اليأس و المرارة :

-عمره ما هيسامحني . مش هيسامحني أبدا يا ماما زينب !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

كانت جالسة في غرفتها … تتصفح حاسوبها بفتور لا يخلو من الملل

حتي وصلتها رسالة منه علي الهاتف ..

صالح : ” بتعملي إيه ؟ ”

كتبت “صفية” :

مش بعمل حاجة
قاعدة زهقانة بس
بتسأل ليه ؟

صالح :

طيب تعاليلي دلوقتي في أوضتي
عايزك في موضوع مهم.

صفية :

و ماتجيش إنت ليه يا حبيبي ؟
ما إنت خفيت و بقيت زي القرد بتتنطط في كل حتة
و لا علي راسك ريشة ؟!

صالح :

إخلصـــــــي يا صافي
و بعدين بطلي الإسلوب ده بقيتي بيئة زي مرات أخوكي
شكلها بهتت عليكي !

قرأت “صفية” كلامه لترد بغضب :

صآاالح
إلزم حدودك و ماتجبش سيرة مرات أخويا
مالك و مالها ؟؟؟

صالح :

أوك يا حبيبتي خلاص سكت و مش هجيب سيرتها
إنجزي بقي و تعالي يلآااا.

زفرت “صفية” بضيق و ردت :

أووك جاية.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في مكان أخر …

تحديدا كلية ( الفنون الجميلة ) … تخرج “هالة” من المدرج شاردة الذهن ، كانت تمشي ببطء و هي تحتضن أغراضها بين ذراعيها

و لم تعي بنفسها إلا و هي تصطدم بأحدهم بقوة ليسقط كل ما كانت تحمله ..

-آا أنا آسفة ماختش بالي ! .. قالتها “هالة” بإرتباك ، ثم إنحنت بسرعة لتلملم دفاترها المبعثرة

-عنك يا هالة ! .. يا للعجب ، هذا الصوت مألوف جدا لها

ترفع “هالة” وجهها فورا ، و تنظر له بعدم تصديق

مراد بإبتسامته الجذابة :

-إزيك يا هالة ؟ عاملة إيه ؟!

ما زالت ترمقه بذهول شديد دون أن تفه بكلمة ..

تلاشت إبتسامة “مراد” و أجفل قائلا بقلق :

-هالة إنتي كويسة ؟ الخبطة كانت جامدة عليكي ؟ دوختي ؟؟؟ .. و تفرس بقلق أكبر في وجهها الشاحب

إبتلعت “هالة” ريقها بصعوبة ، و قالت بتلعثم :

-مـ مراد . آ إنت .. إنت هنا بجـ بجد ؟؟؟؟؟

مراد بدهشة :

-إيه هنا بجد دي ؟ طبعا هنا بجد أومال هيكون شبحي إللي واقف قدامك ؟! .. ثم أمسك بيدها ليوقفها معه

هالة و هي تعلق نظراتها بنظراته :

-جيت إزاي ؟

مراد بتعجب :

-هكون جيت إزاي يعني يا هالة جيت بالطيارة طبعا . إنتي بقيتي تسألي أسئلة مش منطقية خالص !

واصت “هالة” تساؤلاتها بإلحاح :

-طيب إيه إللي جابك ؟ إنت مش قلت إنك مسافر عشان تشتغل مع باباك و مش هترجع هنا تاني ؟ صح ؟ مش إنت قلت كده ؟؟؟

أومأ “مراد” :

-صح أنا قلت كده . بس مش هينفع نتكلم هنا يا هالة . ممكن أعزمك علي الغدا و نتكلم ؟ و لا لسا وراكي حاجة هنا ؟!

هالة و هي تهز رأسها بتوتر :

-لأ . أنا خلصت محاضراتي خلاص !

مراد بإبتسامة :

-يبقي نتغدا سوا.

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في غرفة “صالح” …

ما زال يحاول إقناعها و ما زالت تجادله بعدم إقتناع

صالح بضيق شديد :

-يا صافي أنا زهقت . بقالي ساعة بحاول أقنعك . أنا نفسي أفهم إنتي مش موافقة ليه ؟ إنتي مش بتحبيني و عايزة نتجوز زي ما أنا عايز ؟؟؟

صفية بحيرة :

-يا صالح و الله بحبك و عايزة أتجوزك إنهاردة قبل بكره . بس ظروفنا دلوقتي ماتسمحش.

-ليــــــه ماتسمحش ؟؟؟

صفية بحزن :

-أولا بابي . بقاله شهرين بس . و مامي . مامي لسا تعبانة و مش هقدر أفرح أنا و هي زعلانة . صدقني مش هقدر و مش هينفع يا صالح.

صالح بحدة :

-ما أخوكي عملها و إتجوز و فرح محدش قاله حاجة.

-أخويا إتجوز أه بس ماعملش فرح و لسا ماقالش لماما .. ثم ذكرته :

-و بعدين ماتنساش إن ظروف أخويا مختلفة . هو كان لازم يتجوز مراته في أسرع وقت و إنت عارف الأسباب كويس.

صالح و هو يشيح بيده غاضبا :

-طيب خلاص . براحتك إللي إنتي شايفاه.

صفية بضيق :

-يا صالح مش كل مرة تتقمص كده . أنا إللي إبتديت أزهق . نفسي مرة نتكلم بجد منغير ما تقفل الموضوع بزعل و نكد كده.

تنفس “صالح” بعمق و قال بصوت هادئ :

-خلاص يا صفية . مافيش حاجة .. أنا سحبت كلامي كله . وقت ما تحسي إنتي أنه آن الأوان إبقي تعالي و قوليلي.

تنهدت “صفية” بنفاذ صبر .. لكنها تمالكت نفسها و مشت نحوه ، مدت يدها و لمست وجهه و هي تقول برقة :

-صلَّوحي . إنت عارف إن أنا بحبك صح ؟

أومأ “صالح” بإقتضاب ، لتكمل :

-أنا بحبك أووي و مقدرش أعيش منغيرك . صدقني أنا نفسي نتجوز أكتر منك .. و قبل أي حاجة أنا مش عايزاك تفتكر إني بماطل و مش عايزة جوازنا يتم . عشان كده أنا موافقة علي الميعاد إللي حدته !

نظر لها “صالح” و قال بذهول :

-بجد يا صافي ؟ بجد موافقة ؟؟!!

صفية بإبتسامة :

-أيوه يا حبيبي موافقة . موافقة جدا كمان.

بادلها “صالح” الإبتسامة و شدها إلي صدره ليضمها بقوة ..

صفية بتنبيه :

-أه بس خد بالك . عثمان كلمته هتبقي Assertive ( قطعية ) هو إللي هيحدد القرار النهائي.

صالح بغيظ :

-ماشي ياختي . أما نشوف الشملول أخوكي هيقول إيه ! بس و رحمة أمي لو رفض هتجنن عليكي و عليه أنا خلاص جبت أخري منكوا.

ضربته “صفية” علي صدره بخفة و قالت بتبرم :

-إحترم نفسك شوية . ده بردو إبن عمك و أكبر منك.

صالح بشقاوة :

-يا حبيبتي أنا تحت أمرك . عشان خاطر عيونك أنا مستعد أروح في داهية و يجرالي أي حاجة بدل عثمان مش شلل بس.

صفية و هي تحيط عنقه بذراعيها :

-بعد الشر عليك يا روحي.

صالح بتساؤل :

-بتخافي عليا ؟ بتحبيني يا صافي ؟!

صفية بحب :

-بموووت فيك . بعشقك يا صلَّوحي .. و ضمته بقوة بدورها

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

طوال النهار كانت في صراع محتدم مع نفسها

كانت جبانة حتي أخر لحظة ، ترددت كثيرا .. لكن كلما إستعادت كلمات “زينب” في رأسها كلما تلاشي ترددها

إلي أن حسمت أمرها أخـــــــيرا ..

ذهبت و أحضرت “ملك” إلي غرفتها ، إرتدت ملابسها بسرعة و قلبها يخفق من الإثارة و الرعب في آن

لم تأخذ معها شئ ، لا تريد منه شئ لطالما كانت كذلك .. كل ما أرادته أن تشفي شقيقتها و تتعافي بصورة كاملة ، و هاهي معافاة و في أحسن صحة ، يجب أن يعود كل شئ كما كان إذن ..

كانت أمام باب الغرفة و هي تحمل الصغيرة علي ذراعها ، و كادت تضع يدها علي المقبض لتفتحه .. لكنها تفاجئت بمن يسبقها و يفتحه

يا للكارثة !

هذا ليس ميعاد عودته … لماذا عاد باكرا ؟ و اليوم بالذات !!!

-سمر ! .. قالها “عثمان” و هو ينظر لها بإستغراب

-لابسة كده و رايحة فين ؟

أخذت “سمر” نفسا عميق و قالت بصوت آجش :

-أنا ماشية.

عثمان ببلاهة :

-ماشية ؟ ماشية إزاي يعني ؟!

سمر بنفس الإسلوب :

-ماشية . راجعة بيتي !

تطلب الأمر دقيقة ليستوعب “عثمان” كل هذا :

-طيب ما ده بيتك يا حبيبتي .. تمتم “عثمان” بلطف و هو يقترب منها خطوة

سمر و هي تبتعد خطوة للوراء :

-لأ ده مش بيتي و عمره ما هيكون بيتي . ده بيتك إنت .. ثم جاءت لتمر من جانبه فأمسك بذراعها بحزم و لين بنفس الوقت و قال :

-سمر . إهدي مافيش مشي من هنا . إيه إللي حصلك فجأة ؟؟؟ .. و إقترب أكثر و أخذ “ملك” بالقوة منها ليضعها فوق الأرض

صاحت “سمر” بإنفعال :

-حصل إني تعبت من التمثيلية دي . عايزة أخلص و أرتاح بقي أنا تـــعبت . من حقي أستريح من حقي أعيش بسلام العذاب ده كله مايرضيش ربنا و لا يرضي أي حد.

عثمان بهدوء و إهتمام :

-مالك يا سمر ؟ إيه إللي حصل بس ؟ قوليلي ! حد هنا ضايقك ؟ أنا ضايقتك ؟ أنا ماعملتش حاجة و من يوم ما جبتك هنا و أنا باخد بالي من تصرفاتي معاكي . أنا قصرت في إيه ؟؟؟

سمر بضيق شديد :

-ماعملتش حاجة . بس أنا خلاص قررت . أنا لازم أمشي مكاني مش هنا . مكاني مع إخواتي أنا وهبت عمري ليهم مش هقدر أعيش لحد غيرهم .. طلقني و إنساني.

عثمان بإستنكار :

-طلاق إيه ؟ إحنا إتجوزنا خلاص هي لعبة ؟!

سمر بإصرار :

-مافيش حياة بينا إحنا مش شبه بعض . لازم نطلق و هنطلق ده أخر كلام عندي .. و حاولت الفكاك منه ، لكنه أحكم وثاقها و قال بحدة :

-سـمـــر ! . بطلي جنان . أنا لحد دلوقتي مقدر حالتك النفسية و عامل حساب لظروف الحمل . لكن ماتزوديهاش . إحنا ماشيين مع بعض كويس و أنا مش هسمحلك تخرجي من حياتي بعد كل إللي عملته عشانك . ده أنا حتي كلمت ماما عنك إمبارح و قولتلها إننا لسا متجوزين من يومين و هي مستنيا تشوفك إنهاردة.

سمر صارخة بعصبية :

-أنا ماليش دعوة بإللي قولته لمامتك . ماليش دعوة أصلا بمامتك لا عايزة إتعرف عليها و لا تتعرف عليا ماتهمنيش في حـ آاااااااه !

قاطعها بصفعة عنيفة من ظاهر يده … سالت الدماء من جانب فمها مع تدفق الدموع من عيناها

أطرقت رأسها و هي تجهش بالبكاء و تحاشت النظر إليه ، بينما هدر بصوته الغاضب و هو يهزها بقوة :

-إخرسي يا سمر . إخرسي خآاالص كله إلا أمي . أمي دي أحسن منك إنتي جمبها و لا حاجة بالنسبة لي . لحد هنا و عندك لحد هنا أنا أنساكي و أنسي نفسي و ماعرفش تصرفاتي معاكي شكلها ممكن يبقي عامل إزاي . أمي خط أحمر مش مسموح لأي مخلوق يتعداه فاهمة ؟ ده أخر تحذير ليكي و لو سمعت كلمة طلاق دي علي لسانك تاني أقسم بالله هتشوفي الوش التاني.

و حررها أخيرا و خرج من الغرفة تاركا إياه تسقط بجانب شقيقتها التي كانت تصرخ باكية منذ فترة دون أن يلتفت لها أحد ..

حملتها “سمر” إلي حضنها و ضمتها بشدة هامسة :

-ليه بيحصل فيا كده ؟ ليه يا رب ؟ أنا عملت إيه في عمري ؟؟؟

و راح جسدها يهتز من قوة نشيجها الحار … !!!!!!

يتبـــــع …

error: