رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 24 )

_ آثمة ! _

كانت الشمس حارة علي جلد ظهرها المكشوف فإيقظتها عند الصباح … بل لعله قبل الظهر بقليل ، ليست متأكدة !

لكنها كانت متأكدة تماما من أشياء أخري ، مثلا كانت تعرف تماما أين هي ..

تلك الغرفة المتألقة بسريرها العريض الوثير مع شلال من ضوء الشمس اللامع يدخل من النافذة المفتوحة

لم تستطع أن تفتح عينها ..

فقد كانت تعيسة و مكسورة فلم ترغب في زيادة الأمر .. ما كانت تسمع أي صوت غير صوت الأمواج في الخارج ، و صوت تنفسه الثقيل ، و صوت قلبها

بعد قليل وجدت أن التظاهر بالنوم ليس حلا جيدا للهروب من الواقع

يجب أن تستيقظ لترحل من هنا بسرعة ، لتعود إلي بيتها مجددا و تبتعد عنه ..

فتحت عيناها بتثاقل فكان أول ما شاهدته وجهه المشعر بلحيته الكستنائية

أطلقت شهقة مكتومة و هي تنظر له ، فرغم أنه كان نائم و قد بدا شكله مسالما تماما كالأطفال ، لكن مجرد رؤيته علي أي وضع أمر يبث الذعر فيها بقوة و خاصة بعد الليلة الماضية ..

إنزلقت بحذر من السرير ، لتجد قميصها القطني ملقي تحت رجليها تماما

أخذته و قامت بإرتدائه بسرعة ، ثم هربت إلي المرحاض الملحق بالغرفة ..

وقفت تحت رذاذ المياه الساخنة لتستحم و تزيل آثاره الكريهة من عليها

و لكنها كانت تعلم جيدا أنها لن تستطيع محو أي شئ فعله هو أو فعلته هي من داخلها مهما حاولت ..

إنتهت من حمامها ، و راحت تنظر إلي جسدها في المرآة الكبيرة

بالطبع كانت الهالات السوداء تحيط بعيناها ، و بخلاف هذا كانت شفتاها متورمتين قليلا ، و كانت المنطقة بين رقبتها و صدرها مزينة ببقع من اللون الأحمر و البنفسجي ..

-يانهارد إسود ! .. تمتمت “سمر” بخوف ممزوج بالتوتر الشديد و هي تتلمس تلك البقع بأناملها

ماذا لو شاهدها “فادي” ! .. ماذا ستقول له ؟ .. كيف ستبرر ظهور علامات كهذه ؟؟؟

هو ليس غبي بالتأكيد ، و إذا لمح شيئا كهذا لن تنطلي عليه أي كذبة تختلقها و سيعرف فورا السبب و ينكشف كل شئ

تنهدت “سمر” بضيق و هي تشد علي قبضتيها بقوة و تدعو في سرها ألا تزداد مصائبها أكثر من ذلك ، فإذا حدث شيئا أخر و لو صغيرا لن تتحمل أبدا .. ستنهار ..

إرتدت قميصها القطني مجددا و عادت إلي الغرفة

لتجده قد إستيقظ و يجلس مسترخيا في السرير يدخن سيكارته بفتور شديد

إرتعشت و هي ترمقه بنظرة جانبية و بحركة غريزية أحاطت كتفيها العاريين بذراعيها ، ثم إنطلقت لتنقب عن بقية ملابسها وسط كومة الثياب المتناثرة فوق الأرض ..

-صباح الخير يا سمر ! .. قالها “عثمان” بصوت ناعم ، لترد “سمر” بإقتضاب :

-صباح الخير.

كان صوتها متحشرجا بعض الشئ ، فسألها بقلق مصطنع :

-مالك يا حبيبتي ؟ إنتي تعبانة و لا إيه ؟ إوعي تكوني أخدتي برد !

حمحمت “سمر” لتنظف حنجرتها ، ثم قالت :

-أنا كويسة.

و باشرت بإرتداء ملابسها علي عجالة ، بينما أطفأ “عثمان” السيكارة ، ثم قام بتكاسل و توجه صوبها ببطء

لتدير له ظهرها بسرعة و هي تغمض عيناها بشدة متمنية ألا يضع يده عليها الآن

لا تريده أن يلمسها مجددا ..

لكن أملها قد خاب ، لأنه لمسها فعلا

أمسك بكتفيها ، و أقحم وجهه في شعرها المبتل الذي تفوح منه رائحة الصابون الفاخر ممتزجة برائحتها الطبيعية الطيبة ..

تنشق خليط العبير هذا بقوة ، ليشعر بالإنتشاء و يهمس في أذنها بعذوبة :

-ماعندكيش فكرة أنا إتبسطت أد إيه إمبارح ! .. إنتي تجنني يا سمر . بجد عمري ما حسيت كده مع أي واحدة قبلك .. إطلبي مني إللي إنتي عايزاه . أي حاجة نفسك فيها هعملهالك . إحلمي.

سمر بإزدراء :

-ليه ده كله ؟!

عثمان و هو يسير بكفاه صعودا و هبوطا علي كتفيها بهدوء و رقة :

-إنتي إدتيني متعة ماكنتش أحلم بيها و نستيني الدنيا بحالها . نسيت معاكي حاجات كتيييير أوي . إنتي بقيتي حاجة Especially بالنسبة لي خلاص و أنا عايز أكافئك.

سمر و هي تذكره بجمود :

-علي فكرة أنا ماعملتش أي حاجة . إنت إللي عملت كل حاجة.

ضحك “عثمان” بخفة ، ثم قال بخبث:

-أيوه عارف . بس ده مايمنعش إنك جامدة أووي بردو و تتاكلي من أي حتــــــــــة !

تنشجت “سمر” بعصبية و إلتفتت له و هي تقول بغضب شديد :

-بقولك إيه ! ماتكلمنيش بالإسلوب ده تاني سامع ؟ أنا مابحبش كده و مابحبش أسمع كلام زي ده . إوعي تقولي كده تاني.

عثمان بإبتسامة مرحة :

-إيه يا بيبي حصل إيه بس ؟ هو أنا قلت حاجة وحشة ؟ ده أنا بمدحك !

سمر بإنفعال :

-مش عايزاك تمدحني.

عثمان بضحك :

-طيب طيب . خلاص ماتضيقيش هبقي أخد بالي من كلامي بعد كده .. ثم قال بجدية :

-يلا بقي معايا علي المطبخ عشان نعمل الفطار سوا أحسن أنا ميـــــــت من الجوووع.

و أمسك بيدها ليخرجا معا ، لكنها شدتها منه بقوة و هي تقول :

-لأ مش هينفع . أنا لازم أرجع دلوقتي حالا . قلت لفادي إني هرجع بدري و هفطر معاه.

عثمان بإستنكار :

-ترجعي إيه ! إنتي فاكرة إننا هنرجع إنهاردة أصلا ؟ أنا عامل حسابي علي يومين !!

سمر بحدة :

-بس أنا مش عاملة حسابي و لازم أرجع بسرعة و إلا كل حاجة ممكن تتكشف.

عثمان بضيق :

-اففف بقي . كده ماينفعش خــــالص علي فكرة شوفي حل في قيودك دي أنا مابعرفش أصبر كتير.

لم ترد عليه … فإستطرد بحنق :

-أوك هنرجع . بس إعملي حسابك المرة الجاية هتقضي معايا كام يوم مش بس يومين فاهمة ؟

حدجته بمقت شديد ، ثم إبتعدت عنه و أخذت تكمل إرتداء ملابسها

بينما زفر هو بنفاذ صبر و ذهب ليرتدي ملابسه هو الأخر علي مضض …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في قصر آل”بحيري” … أخذ “مراد” يختبر شاحن هاتفهه المرة تلو المرة دون فائدة ، فقد إنتهي عمره الإفتراضي و أصبح تالفا

يتآفف بضيق ، ثم لا يجد بديل سوي “عثمان” ..

حتما لديه شاحن مثل هذا و لا مشكلة إذا إستعاره حتي يشتري واحد جديد

خرج “مراد” من الغرفة المخصصة له ، ثم ذهب إلي غرفة “عثمان”

فتح الباب ليجد “هالة” بالداخل ..

كانت متكئة علي سرير إبن عمها و ممسكة بقميصه تحتضنه بحب و تتشمه بهيام

إنتفضت حين إقتحم “مراد” الغرفة فجأة و بسرعة رمت القميص من يدها و قامت و هي لا تعرف كيف تبرر وضعها !!!

-هالة ! .. هتف “مراد” بدهشة ، و تابع :

-إنتي بتعملي إيه هنا ؟

هالة بإرتباك شديد :

-آاا آا أنـ أنا كـ كنت بـ بدور علي عثمان . كنت عـ عايزاه في حاجة مهمة !

مراد بنبرة تشكك :

-عثمان مش هنا من إمبارح.

كانت تعلم هذا ، لكنها لا تجهل سبب غيابه ، فتساءلت :

-أومال هو فين طيب ؟

مراد و هو يهز كتفاه بخفة :

-ماعرفش . مارضيش يقولي بس قالي راجع بعد يومين.

أومأت “هالة” بتفهم ، ثم قالت بإبتسامة متوترة :

-أوك . أنا . أنا هروح علي أوضتي دلوقتي بقي و لما يرجع هبقي أشوفه !

و خرجت مسرعة ..

ليقطب “مراد” بإستغراب و يفكر بصوتٍ عالٍ :

-هو إيه إللي بيحصل ؟ .. هالة تيجي ليه لحد أوضة عثمان ؟ .. ماتكلموش في التليفون ليه مثلا ؟ و إتخضت ليه لما شافتني !!

ثم مط شفتاه بعدم إهتمام و مضي يبحث عما جاء من أجله …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••

علي رصيف المرسى … يقف “عثمان” و يسلم مفاتيح اليخت للسائس “ناجي” ثم يأخذ “سمر” و يذهبا إلي حيث ترك سيارته

إستقلا بجانب بعضهما ، ليقلع “عثمان” بروية في بادئ الأمر ، ثم يزيد السرعة لتبلغ الحد الغير مسموح به قانونيا ..

-ممكن تهدي السرعة شوية من فضلك ! .. غمغمت “سمر” و هي تنظر بهلع إلي الطريق و السيارات التي تجري من جانبهم في إتجاه معاكس

بينما رد “عثمان” بإبتسامة عريضة :

-بتخافي من السرعة يا سمر ؟ دي أمتع حاجة في الدنيا و بتدي ثقة في النفس أوي.

سمر بنبرة مرتعشة :

-لو سمحت هدي السرعة !

كان الهواء يصفق وجهها بمدي سرعة السيارة و كانت عيناها تحترقان ، لكن رغم ذلك أبقتهما متسعتين

بينما ضحك “عثمان” منها ، ثم إمتثل لرغبتها في الأخير و قلل من سرعة السيارة إلي حد مناسب جدا ..

-هاه ! . كده معقول ؟ .. سألها بنبرة ودية ، لتومئ دون كلام و هي تتنفس الصعداء

بعد ذلك راقبت الطريق جيدا و لما إقترب “عثمان” من المنطقة التي تسكن بها ، صاحت :

-بـــس .. نزلني هنا.

عثمان بإستغراب :

-بس لسا شوية علي بيتك !

-ماينفعش حد يشوفنا مع بعض .. ثم قالت بتهكم مرير :

-الناس منغير حاجة بتتكلم.

تنهد “عثمان” و قال بإستسلام :

-أووك . إللي تشوفيه.

و ركن علي جانب الطريق ..

مدت “سمر” يدها لتفتح باب السيارة ، ليستوقفها “عثمان” فجأة :

-إستني يا سمر !

إلتفتت له متسائلة :

-إيه ؟

أخرج بعض النقود من چزدانه و مد لها يده قائلا :

-خدي دول.

نظرت للنقود بيده ثم له و قالت :

-إيه دول ؟!

عثمان بسخرية :

-إنتي شايفة إيه ؟ فلوس يا حبيبتي هيكونوا إيه يعني !!

-بمناسبة إيه الفلوس دي ؟؟

-منغير مناسبة . و بعدين أكيد هتحتاجيهم.

سمر بإبتسامة إستخفاف :

-وفر فلوسك . أنا مش محتاجاهم . بس لو إخواتي إحتاجوا حاجة أكيد هطلب منك.

زم “عثمان” شفتاه ، ثم قال بنفاذ صبر :

-إزاي مش محتاجة فلوس ؟ إنتي مابتبصيش في المراية و لا إيه ؟ بقي ده منظر بنت ؟ خدي الفلوس و إنزلي إشتري هدوم لنفسك علي الأقل.

إبتلعت الإهانة بمرارة كبيرة ، لكنها نظرت له بغضب و قالت :

-أنا راضية عن منظري جدا و مش مضايقة و لازم تعرف كويس إني ماوطتش راسي ليك و وافقت أبيعلك نفسي غير عشان مصلحة إخواتي .. و أكملت بتحد :

-و عموما لو مش عاجبك إبعد عني أنا كده و هفضل طول عمري كده مش هتغير.

ثم نزلت من السيارة بسرعة تاركة إياه في حالة من الذهول و الغيظ الشديد ..

-مااااشي يا سمر .. غمغم من بين أسنانه المطبقة ، و أردف :

-و حياة أمي لأربيكي عشان تبقي تتحديني كويس بعد كده !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

مشت “سمر” في الشوارع مطأطأة رأسها … كانت لديها رغبة شديدة في البكاء ، لكنها قاومت و تماسكت بإعجوبة

لا يكفيه أنه ذلها و كسرها و إستغل فقرها لرغباته القذرة ، إهانها قبل قليل أيضا و لم يهتم بمشاعرها ..

ليس عليه حرج كل حال .. هي المذنبة الأولي و الوحيدة في حق نفسها !

فتحت “سمر” باب شقتها ، لتجد “فادي” يرص أخر صحن من صحون الإفطار ..

-حبيبتي جيتي ؟ .. قالها “فادي” بإبتسامة ، لترد “سمر” بنفس الإبتسامة :

-أه جيت يا حبيبي .. ثم نظرت للطاولة و قالت بدهشة ممزوجة بالإعجاب :

-إيه ده مش معقول ! إنت إللي عملت الفطار ده و لا إيه ؟؟

أومأ “فادي” و هو يقول بحركة مسرحية :

-الشيف فادي تحت أمرك يا هانم . إتفضلي لو سمحتي.

سمر بضحك :

-أه يا مجنون . أول مرة تعملها وريني إللي حضرته !

و ذهبت عنده لتري الأصناف التي قام بإعدادها ..

-بطاطس و جبنة بالطماطم و جبنة منغير طماطم .. و إيه ده ؟؟؟

فادي بحذاقة :

-ده يا ستي إختراع جبته من علي النت . بيتزا بتتعمل من البيض.

سمر بإستنكار :

-إيه ياخويا ؟!!

أجفل “فادي” و هو يرد :

-في إيه يا سمر أنا نقلتها بالنص . بيقولك نفس تحضيرات البيتزا بس بدل العجينة بيض.

-بيض !!

-أه بس ماتقلقيش أنا إتوصيت أوي في البيض و كسرت يجي عشر بيضات مع بعض.

سمر و هي تنظر له بجزع :

-طيب ربنا يستر يا فادي . أنا هاكل معاك بس إدخل هتلنا من علي النت رقم الإسعاف بقي.

تلاشت إبتسامته ، ليقول بضيق :

-ده إنتي بجد بقيتي فصيلة . مافيش أي تشجيع خآاالص . ماكنش العشم و ربنا يا ريتني ما كنت تعبت نفسي.

سمر و هي تضحك بمرح :

-خلاص يا حبيبي . خلاص ماتزعلش شكرا و تسلم إيدك من قبل ما أدوق . أنا هدخل أغير هدومي أهو و هاجي أمسح الأطباق دي كلها مسح.

فادي بإبتسامة باهتة :

-ماشي ياختي سجديني بكلمتين .. ثم قال بجدية :

-قوليلي صحيح ملوكة عاملة إيه ؟ مابقتش كويسة ؟

سمر بشئ من التوتر :

-لأ يا حبيبي طبعا بقت كويسة الحمدلله عن الأول !

فادي بسرور :

-الحمدلله .. طيب الدكتور ماقالكيش ممكن تخرج إمتي ؟؟؟

-لسا قال هيشوف علي أخر الإسبوع .. ثم تهربت من أسئلته بسرعة غير ملحوظة :

-أكلك ريحته طالعة و أنا جعانة أووي.

فادي بغرور مصطنع :

-أومال إيه يابنتي إحنا بنلعب و لا إيه ؟ و لسا كمان لما تدوقي هتشكري فيا للصبح.

سمر و هي تضربه علي كتفه بخفة :

-ماشي ياخويا هنشوف . هدخل أغير هدومي بسرعة و راجعة.

و فرت إلي غرفتها متحججة بتبديل ملابسها .. علي الأقل ستختلي بنفسها عدة دقائق لتهدئ أعصابها تماما

لا يجب أن يلاحظ “فادي” أي شيء !!!!!!

يتبــــع …

error: