رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 61 )

_ و عاد ! _

صعقته الصدمة عندما إعترفت “نجلاء” له بذلك …

هب من مكانه بعنف ، و توجه نحوها بسرعة

سألها “عثمان” بصوت يدوي كالرعد القاصف و عيناه تومضان كالبرق الخاطف :

-بقي إنتي إللي مخبياها مني طول الفترة دي ؟ مخبياها فين يا نجلاء ؟ نهارك إسووود.

تنكمش “نجلاء” علي نفسها و هي تقول بخوف :

-يا Boss سمر لجأتلي و وثقت فيا . كنت هعمل إيه يعني ؟
لازم كنت أساعدها . و بعدين ما أنا جيت أقولك أهو لما شوفت معاد ولادتها قرب و هي لسا علي عنادها قلت لازم أقولك بقي !

حدق فيها غاضبا و رد مزمجرا :

-ماشي يا نجلاء . حسابك معايا بعدين
و دلوقتي قوليلي مكان المقر السري للخيانة.

نظرت له بإستغراب ، فصاح بها :

-قوليلي زفت عنوانك إيــــــــه ؟؟؟

نجلاء بتلعثم :

-حـ حاضر يافندم . العنوان 9 شارع ******* الدور الرابع شقة 8 !

لم يفوت “عثمان” ثانية أخري ، بالكاد أخذ هاتفهه و سلسلة مفاتيحه و غادر شركته بسرعة رهيبة …

كان يصعد المنحدر بالسيارة عندما أصبح الطريق أكثر إكتظاظا في وسط المدينة

بدا نافذ الصبر و هو يقود عاجزا عن إختراق الطريق بجنون كي يصل إليها بسرعة ، إذ كان مضطربا متوترا ، قلبه يرف في صدره كالطائر الطنان

يتحرق شوقا للقائها ، بعد كل هذه المدة .. يعثر عليها أخيرا ، حبيبته ، تلك التي نبض قلبه و لأول مرة معها و لأجلها ، و رغم ذلك أذاقها مرارة العذاب و الذل و القهر ..

تري كيف هي الآن ؟ .. كيف صار شكلها و بعد تسعة أشهر من الحمل ؟؟؟

سيعرف بعد لحظات .. فقد وصل أخيرا عند البناية التي تقطن بها “نجلاء” و هو ينطلق راكضا في هذه اللحظة للداخل صوب المصعد …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

عند “سمر” …

وصلت “زينب” قبل دقائق قليلة ، لتجد هذه المسكينة تعاني آلم المخاض وحدها ، حتي أنها لم تقدر أن تقوم لتفتح لها باب الشقة

فإضطر البواب أن يكسره ليدخلها ..

-آاااااه . مش قآادرة يا ماما زينب همووووت ! .. هكذا كانت “سمر” تصرخ بقوة و هي تتلوي بإستمرار فوق الكرسي و جسدها كله ينضح عرقا

زينب و هي تمسح علي شعرها بحنان :

-معلش يا حبيبتي إمسكي نفسك شوية الإسعاف في الطريق.

سمر ببكاء :

-مش قادرة . أنا هموت يا ماما
مش هقدر أكمل همووت.

زينب بجزع :

-بعد الشر عليك يابنتي ماتقوليش كده إن شاء الله هتقومي بالسلامة .. ثم نظرت إلي البواب و قالت بإنفعال :

-إطلب الإسعاف تاني يابو حسين إستعجلهم البت علي أخرها.

البواب بلهجة إسكندرانية :

-و أني هنعمل إيه بس يا إست زينب ؟ طلبتهم 3 مرات لحد دلوقت . ربنا يسلمها بعون الله.

و هنا ظهر “عثمان” علي عتبة الباب ..

تجمد بمكانه لوهلة ، لقد كانت هي هذه المرة .. إستطاع أن يراها حقا ، لم تكن أوهام و لا هلاوس ، لم يكن يتخيلها كما في الليالي السابقة

أنها أمامه علي بعد خطوات … يالجمال هذه اللحظة ، كم هي لذيذة لحظة اللقاء بعد طول غياب

و لكن سرعان ما تحولت اللذة إلي الألم عندما لاحظ حدة عنائها و سمع صوت آهاتها .. إندفع “عثمان” صوب زوجته متجاهلا وجود أحدا غيره و غيرها بالمكان

كوب وجهها بكفيه و هو يقول بلطف شديد :

-سمر . حبيبتي
مالك ؟؟؟

و بينما كانت “زينب” مصدومة من إنضمامه المفاجئ ، فتحت “سمر” عيناها الذابلتين و نظرت إليه غير مصدقة ..

–إنت ! .. قالتها “سمر” بصوت هامس ذاهل

عثمان و هو يجفف العرق عن وجهها بكفه :

-إطمني يا سمر . هتبقي كويسة
أنا جمبك مش هاسيبك.

تفقد “سمر” و عيها بعد ذلك مباشرةً ، لتصيح “زينب” بذعر :

-يا لهوي ! البت هتروح مني . جرالها إيه ؟
مابتنطقش ليــــه ؟؟؟ و الإسعاف ولاد الـ××× إتأخروا.

أخيرا يلاحظ “عثمان” وجود “زينب” و ينتبه لكلامها ..

-أنا شوفت مستشفي قريبة من هنا و أنا جاي .. قالها “عثمان” بتوتر و هو ينحني ليحمل “سمر” بحذر

-هاوديها حالا !

ثم إتجه بها للخارج مسرعا ، و لحقت “زينب” به أيضا و هي تحمل “ملك” بدورها …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

كانت الولادة متعثرة للغاية … لولا أنه جلبها إلي هذه المشفي التخصصي ، لكان وضعها أكثر صعوبة

يخرج الطبيب من غرفة العمليات بعد قضاء ثلاث ساعات كاملة ، لينطلق “عثمان” صوبه و يسأله بتلهف :

-دكتور . طمني من فضلك
سمر عاملة إيه ؟؟؟

الطبيب مبتسما بإنهاك :

-مدام حضرتك من أصعب الحالات إللي مرت عليا
البيبي كان في خطر هو و هي لإنه كان هينزل برجليه . طبعا إحنا عملنا محاولات كتير عشان تولد طبيعي بس للآسف حالتها ماسمحتش خالص فإضطرينا للجراحة.

عثمان بقلق :

-يعني إيه ؟ هي كويسة و لا لأ ؟؟؟!!!

الطبيب بصوته الهادئ :

-إطمن يافندم هي دلوقتي بخير و إبنك كمان كويس أوي.

عثمان براحة غامرة :

-الحمدلله.

-ممكن نشوفها يا دكتور ؟ .. هكذا جاء صوت “زينب” متسائلا من خلف “عثمان”

الطبيب بلباقة :

-حاليا هيكون صعب شوية يا هانم لإنها لسا تحت تأثير المخدر . كمان شوية هتفوق و هنكون نقلناها في أوضة وقتها تقدري تشوفيها.

يمد “عثمان” يده إلي الطبيب و يصافحه و هو يقول بإمتنان :

-أنا متشكر أووي يا دكتور
بجد شكرا علي تعبك.

الطبيب بإبتسامة :

-لا شكر علي واجب يافندم . ده شغلي و بعدين أنا ماعملتش حاجة أنا كنت مجرد آداة في إيد رينا . أشكره هو.

عثمان بسعادة :

-الشكر لله طبعا.

و إستأذن الطبيب ليذهب و يتابع جدول عمله ، بينما مضي “عثمان” إلي الرواق الفارغ و أخرج هاتفهه ليجري بعض المكالمات ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

كانت نائمة علي السرير الأبيض ، في رداء طبي مشبع برائحة البينج ..

عندما بدأت في إستعادة وعيها ، سمعت صوت طنين جهاز رسم القلب قرب أذنها .. أملت أن يكون هذا يعني أنها حية ، و لكن إحتمال موتها أصبح بعيدا الآن

فهي تشعر بالألم و الإنهاك ، لا يمكن أن يكون الموت مؤلما هكذا ..

شعرت “سمر” بضغط علي يدها اليسري ، فحاولت رفعها لكنها عجزت … لتسمع في هذه اللحظة صوته الذي لا يخطئه السمع أبدا :

-سمر . حبيبتي إنتي فوقتي ؟!

جاهدت “سمر” لتزيح أجفانها عن عينيها و تري لو كان هذا حقيقة أم خيال ..

نجحت بالفعل و رفرفت عيناها يمنة و يسرة حتي إستقرت عليه .. حملقت فيه بصدمة ، كان وجهه علي مقربة شديدة من وجهها ، مستندا بذقنه علي حافة وسادتها

إذن فهو كان أخر من رأته قبل أن تفقد الوعي حقا ، لم يكن حلما

إرتعدت “سمر” في هذه اللحظة عندما تذكرت طفلها ، أمسكت ببطنها الفارغة الآن و صرخت بصوت مختنق :

-إبنـــــي . فيــــن إبنـي ؟ خته مني
وديته فيــــن ؟؟؟

أمسك “عثمان” بكفيها و رفعهما حذو رأسها حتي لا توذي منطقة الخياطة ، و قال يهدئها :

-إهدي يا سمر . الولد كويس و أنا ماختوش في حتة
هو في الحضانة و جارتك إللي إسمها زينب دي راحت تطمن عليه.

تهدأ حركة “سمر” الآن ، و تشيح بوجهها عنه و عيناها تذرفان الدموع ..

-حمدلله علي سلامتك ! .. تمتم “عثمان” بصوت خافت ، و تابع :

-كنت هموت من الخوف عليكي . كده يا سمر تبعدي كل المدة دي ؟ عملتي كده ليه ؟ أنا كنت وحش معاكي في الفترة الأخيرة ؟!

سمر بصوت متحشرج ضعيف :

-إنت جاي تمثل عليا تاني ؟ أنا المرة دي ماعنديش حاجة أديهالك . ماعنديش حاجة غير إبني و ده بتاعي أنا إنت أصلا ماكنتش عاوزه و إدتني حبوب منع الحمل عشان تضمن إنه مش هيجي . بس أهو جه و أنا عايزاه.

عثمان بحنان :

-و أنا كمان عايزه . و عايزك بردو
عايزكوا إنتوا الإتنين يا سمر.

سمر بدموع :

-و أنا مش عايزاك . إنت خسرتني كل حاجة
نفسي و كرامتي و حياتي .. و أخرهم أخويا . إنت أسوأ حاجة حصلتلي !

و هنا إنفتح باب الغرفة ، ليدخل “فادي” بشئ من التردد

لم تصدق “سمر” عيناها في بادئ الأمر ، و رفعت رأسها عن الوسادة و هي ترمقه بفم مفتوح …

إبتسم “عثمان” بإنتصار ، بينما مضي “فادي” نحو أخته قاطبا حاجبيه بتحفظ

لم تستطع “سمر” التأكد من أنه ماثلا أمامها حقا ، إلا عندما تحدث ..

فادي بإقتضاب و هو يتهرب من النظر في عينيها :

-حمدلله علي سلامتك !

تفيض دموعها أنهارا عند نطقه بها ، و كأنه كان مغتربا عنها لزمن طوييييل و عاد لتوه ..

رق قلب “فادي” حين رآها هكذا ، و جلس في وضع الركوع أمام سريرها .. مسح علي شعرها الحريري بكفه ، و قبل جبينها و هو يقول بصوت مختلج :

-حمدلله علي سلامتك يا حبيبتي . بس بقي ماتعيطيش
أنا بكره العياط.

و مسح دمعة كادت تفر من جانب عينه ..

-طيب أسيبكوا مع بعض شوية .. قالها “عثمان” و هو يقوم من مكانه

-عن إذنكوا !

و خرج … لتدقق “سمر” النظر في وجه أخيها من خلال الدموع المتراقصة بعيناها

نطقت بنبرة ممزقة :

-فادي ! .. إنتي هنا بجد ؟؟؟

فادي بدموع :

-أيوه يا سمر . أنا هنا.

سمر بصوت كالأنين :

-يعني سامحتني ؟!

أومأ “فادي” و أجابها بإبتسامة حزينة :

-إحنا مالناش غير بعض . و أنا مستحيل أتخلي عنك
إنتي أختي.

أجهشت “سمر” بالبكاء و دفنت وجهها في صدره ، ليربت علي كتفها هامسا بلطف :

-بس يا حبيبتي . كله هيبقي تمام
بإذن الله !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في الخارج …

يقف “عثمان” أمام الغرفة مسندا رأسه إلي الجدار .. تصل “صفية” مع “صالح” في هذا الوقت ، و نادت عليه عندما لمحته :

-عثمان !

إعتدل “عثمان” في وقفته ، و إستدار نحوهما و هو لا يزال واقفا بمكانه ..

-جبتي الهدوم ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل حين وصلا عنده

صفية و هي تشير للحقائب التي بيديها و بيدي “صالح” :

-جبت كل حاجة يا عثمان . غيار و طقم و بطنية صغيرة و Powder و lotion ( كريم للجلد ) كل حاجة موجودة ماتقلقش .. ثم قالت بحماسة شديدة :

-بس هو فين حبيب قلب عمتو ؟ همووت و أشوفه !

عثمان بإبتسامة :

-في الحضـَّانة . روحي لبسيه الحاجات دي و جهزيه كده عشان هنمشي كمان شوية.

صفية بإبتسامة عريضة :

-أووك .. و إلتفتت لتذهب حيث أرشدها ، لكنها إلتفتت إليه فجأة و صاحت بإستذكار :

-أه عثمان . مامي جاية دلوقتي مع أنكل رفعت.

عثمان بإستنكار :

-جاية إزاي يعني و هي تعبانة ؟!

هزت “صفية” كتفاها و قالت :

-هي إللي أصرت لما قولتلها . ماقدرتش تصبر عشان البيبي . صحيح إنتي قررت تسميه إيه ؟؟

عثمان بثقة :

-يحيى طبعا.

صالح مهنئا :

-مبروك يابو يحيى !

عثمان بإبتسامة :

-الله يبارك فيك يا صالح . عقبالك.

صالح و هو ينظر إلي “صفية” :

-أمين يسمع من بؤك ربنا.

عضت “صفية” علي شفتها بخجل و قالت بإرتباك :

-طيب أنا هروح أشوف يحيى بقي و أجهزه زي ما قال عثمان . تيجي معايا يا صالح ؟!

تنهد “صالح” و قال :

-يلا بينا.

و ذهبا … ليخرج “فادي” بعد لحظات و يهم بالمغادرة ، فإستوقفه “عثمان” :

-فادي !

إستدار “فادي” إليه بوجه خال من التعابير ، بينما إقترب منه “عثمان” و قال بتهذيب :

-شكرا إنك جيت.

فادي بصوت جاف :

-أنا جيت عشان أختي.

-أنا عارف . بردو شكرا.

رمقه “فادي” من علو و قال :

-أنا عارف سمر كويس . و عارف إنها أطهر مخلوقة علي وجه الأرض لولا بس تصرفها خانها في لحظة يأس عمرها ما كانت سلمتلك.

عثمان بجدية :

-فادي سمر دلوقتي بقت مراتي و أم إبني
مش ممكن أجرحها أو أسمح لحد يقول عليها نص كلمة . الماضي كله إدفن و مش هيصحي تاني . أوعدك.

أومأ “فادي” بوجوم ، ثم قال :

-خلي بالك من إخواتي !

عثمان بإبتسامة :

-إطمن . و وقت ما تحب تشوفهم أهلا بيك دايما.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في سيارة “رفعت البحيري” … جلست “فريال” بجانبه و آثرت الصمت من بداية الطريق

بينما لم يستطع “رفعت” مقاومة نفسه أكثر من ذلك ، كما أن هذه فرصة لا تعوض و هي معه الآن وحدها ، لا يمكن لأحد أن يقاطع حديثه معها ..

-فريال ! .. قالها “رفعت” بصوت مهزوز ، لتنقبض “فريال” و تتوتر خاشية ما يريد قوله

رفعت بنبرة معذبة :

-أرجوكي كفاية تعامليني المعاملة دي . أنا غلط في حقك قبل كده و غلط في حق أخويا كتير و كنت أعمي لما إستمريت في حبـ .. لما إستمريت في تفكيري الغلط
بس أنا ندمان . و إنتي لازم تعرفي إن مهما بلغ حجم الخلاف بيني و بين أخويا إستحالة آذيه . ده أخويا يا فريال . أنا كنت بغير منه و يمكن بحقد عليه كمان . لكن عمري ما فكرت آذيه و لا عمري أتمنيتله الشر . كان نفسي أبقي زيه بس . كان نفسي يبقي عندي زي إللي عنده
لكن عمري و الله ما كرهته و لا أتمنيت يحصله حاجة وحشة . أنا ماكنش ليا غيره و بعده بقيت منغير ضهر . شيلت مسؤولية بيته و بيتي بعد ما راح . أنا بحب أخويا يا فريال . لازم تفهمي ده كويس.

كانت دموعها تسيل أثناء حديثه ، لتضغط علي شفتاها عندما فرغ ، و تجفف خديها بمنديل

ثم تدير وجهها إليه و تبتسم بخفة و هي تومئ يرأسها بلطف ..

أطلق “رفعت” زفرة راحة ، و بادلها الإبتسامة و هو يقول :

-أنا من الصبح حاسس إنه معانا يا فريال . حاسس إنه رجع !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

في غرفة “سمر” …

الجميع يلتف حولها في سعادة واضحة .. “عثمان” و “زينب” و “صالح” و “صفية” الطفل آسرهم جميعا و حولهم إلي أشخاص مختلفون

فقد تصرف “عثمان” برقة و وداعة بالغة و هو يضع الصغير بين ذراعي أمه. . حتي “سمر” لم تقو علي إخفاء فرحتها بإبنها

فضمته إلي صدرها بحب ، و قلبت رأسه بحنان ..

صحيح آنه طفل حديث الولادة ، لكنه جميل .. ملامحه تشي بجماله الآخاذ ، بشرة بيضاء ملساء ، وجنتان متوردتان ، و شعر غزير حالك اللون و ناعم كالحرير

حتي عيناه عندما فتحها قليلا ، إستطاعت أن تتبين لونهما .. بحر رمادي غامق كبحر الأسكندرية في نهار شتوي ماطر

إنه جميل للغاية ، بل فائق الجمال ..

-أيوه يا أنكل ! .. كان هذا صوت “صفية” و هي تتحدث عبر الهاتف إلي عمها

-طلعت الدور السابع ؟ الأوضة إللي في الوش بقي . أيوه رقم 410 . أوك . باي .. ثم نظرت إلي أخيها و قالت بسعادة :

-مامي وصلت.

دقيقة و كان الباب ينفتح من جديد … لتدخل “فريال” مستتدة إلي ذراع “رفعت”

كانت تبحث عن شئ معين ، و كأنها لا تري غيره بالمكان .. و إستقر بصرها عليه

أسرع “عثمان” و أخذ الطفل من “سمر” بعد أن حصل علي الإذن منها ، ذهب به إلي أمه التي تهاوت علي كرسي قام “صالح” بإحضاره لها عندما لاحظ إرتجاف ساقاها ..

إحتوت “فريال” حفيدها بين ذراعيها .. تطلعت في وجهه مشدوهة ، بينما أجاب “عثمان” عن سؤالها الصامت :

-يحيى يا ماما !

قالها “عثمان” فلم تشعر “فريال” بطوفان الدموع الذي أخذ يتدفق من مآقيها

كما لم تشعر بتحرك لسانها الثقيل الهامد منذ مدة طويلة ، منذ رحيله ، و كأنه أخذ صوتها معه و أعاده لها عندما عاد هو الآن ..

-يـ .. يـ …يـحـ .. ـيـ .. يـ..حـ.. ـيـ..ـي !

تبادل الجميع نظرات الذهول و الفرح ، و جثت “صفية” أمام والدتها و هي تقول بإبتسامة ممزوجة بدموعها :

-مامي إنتي بتتكلمي ؟؟؟ .. و إلتفتت إلي “عثمان” صارخة بفرحة :

-عثمآاااان . مامي بتتكلم !

إبتسم “عثمان” بشدة ، و إنحني ليقبل رأس أمه

بينما رددت “فريال” ثانيةً و هي لا تكف عن النظر و التفرس في ملامحه :

-يـ..ـ..حـ.ـيـ.ـى !

يتبــــــــع …

error: