رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 32 )

_ آيلة للسقوط ! _

في قصر آل”بحيري” … تجر “فريال” عربة الطعام في إتجاه السرير ، ثم تجلس علي الحافة بجانب “يحيى”

تميل نحوه و تهمس و شفتاها تحتك بأذنه :

-يحيى . حبيبي .. يحيــــي . يلا بقي قوم بقينا الضهر .. قوم جبتلك الفطار لحد هنا !

يتململ “يحيى” محاربا نعاسه ، ثم يفتح عيناه بتثاقل ..

-إحنا صباحنا أبيض و لا إيه ؟ .. قالها “يحيى” بإبتسامة و هو يقوم و يتكئ علي مرفقه

فريال و هي ترد له الإبتسامة :

-صباح الفل يا حبيبي . يلا قوم عشان تفطر.

يحيى بدهشة و هو ينظر إلي صحون الطعام :

-كمان جايبالي الفطار لحد السرير !

فريال بإبتسامة رقيقة :

-طبعا يا قلبي هو أنا عندي أغلي منك ؟!

يشدها “يحيى” صوبه و يطبع قبلة خفيفة علي شفتها ، ثم يقول :

-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . طيب يادوب بقي أفطر بسرعة و أقوم ألبس عشان أروح أبص بصة علي الشركة من يوم ما رجعت من السفر ماعتبتهاش.

فريال بإستنكار :

-شركة إيه يا حبيبي ؟ قولتلك مافيش نزول من هنا.

يحيى بضيق :

-يا فريال مش كده . فكي الحصار ده من عليا أبوس إيدك أنا من ساعة ما وصلت ماخرجتش برا الأوضة كده الشغل هيتعطل و بيتنا هيتخرب.

فريال بإستياء شديد :

-بقي كده يا يحيى ! يعني قصدك إني حبساك غصب عنك ؟ طيب . ماشي . قوم بقي أعمل إللي إنت عايزه.

و كادت أن تقوم من جانبه ، ليقبض علي رسغها بقوة و يرجعها إلي مكانها و هو يقول بلطف ممزوج بالإرتباك :

-حبيبتي يا ريري إنتي زعلتي ؟ أنا ماقصدش أزعلك يا حبيبتي !

فريال بإقتضاب :

-خلاص يا يحيى قولتلك قوم أعمل إللي إنت عايزه أنا مش هقرب منك و لا هضايقك تاني.

يحيى بإسراع و هو يقترب منها ليضمها إلي صدره :

-لأ . أنا مش قصدي أزعلك و الله . يا حبيبتي أنا بضحك معاكي يعني أنا هبقي عايز أخرج في حتة و أسيبك بردو ؟ بس إنتي عارفة إني غايب بقالي فترة و أكيد ورايا شغل متلتل.

تنهدت “فريال” و قالت بهدوء :

-أوك . خلاص يا يحيى.

يحيى بحذر :

-خلاص إيه ؟!

-خلاص مش زعلانة منك.

يحيى و هو يداعب خصلات شعرها :

-و أنا أصلا مقدرش علي زعل حبيبتي . طيب إنتي عارفة بقي إني عاملك مفاجأة ؟

برقت عيناها بحماسة ، فإبتعدت عنه قليلا لتسأله بتلهف :

-مفاجأة إيه يا يحيى مفاجأة إيه ؟؟؟

يحيى بإبتسامة :

-عايزاني أقولك عليها دلوقتي ؟ كده مش هتبقي مفاجأة !

فريال و قد تلاشت إبتسامتها لتقول بغنج و دلال و هي تطوق عنقه بذراعيها :

-أخس عليك يعني هتسيب عقلي يودي و يجيب مع نفسه كده ؟ قول بقي أحسن هزعل منك بجد.

-لأ لأ خلاص هقولك .. صمت قصير ، ثم أعلن “يحيى” :

-الآتيليه إللي كان نفسك فيه !

شهقت “فريال” بعدم تصديق ، ليضحك “يحيى” ثم يمد يده و يفتح درج الطاولة بجانبه ليخرج مفتاحا ذهبيا و يلوح به أمام عينيها المدهوشتين ..

-و أدي المفتاح يا ستي .. قالها “يحيى” بإبتسامة ، و أكمل و هو يربت علي خدها بلطف :

-أكبر آتيليه في إسكندرية كلها عشان فريال هانم . هو أينعم لسا مش جاهز فاضله شوية رتوش كده . بس إنتي كنتي فاكراني نسيت ؟ ده حلمك من زمان . مستحيل أنساه . بس كنت مستني الوقت المناسب عشان أنفذهولك علي أرض الواقع . حاجة مدهشة يا حبيبتي تليق بيكي فعلا.

تراقصت دموع الفرح بعيناها ، فقطعت المسافة القصيرة بينهما و إحتضتنه بشدة ..

فريال بإمتنان و سعادة :

-شكراا . شكرا بجد . إنت أحلي حاجة حصلتلي في حياتي كلها . بحــبــــــــــــــــــــــــــــك يا يحيى . ربنا مايحرمني منك أبدا أبدا أبدا.

يحيى بحب :

-و لا يحرمني منك إنتي كمان يا حبيبتي.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في يخت “عثمان البحيري” … تستيقظ “سمر” في ساعة متأخرة من النهار و لكنها لا تجد “عثمان” بالجناح كله

لم تبالي بهذا فمن المؤكد أنه قريب منها ، لعله ذهب ليتفقد شيئا ما أو ليتنزه قليلا علي متن يخته الفخم الرائع بعد أن خاب أمله في الليلة الماضية ..

قامت “سمر” من السرير و هي تشعر بدوار شديد

وضعت كفها علي جبتها لتفزعها حرارتها المرتفعة ، بالطبع لابد من هذا

مياه البحر كانت قاسية كالرصاص ، لتدعو الله بألا تصاب بوعكة ثقيلة تجبرها علي المكوث بالفراش لفترة ..

و أخيرا قررت أن تستحم

لعل الماء الفاتر ينعشها و يفصلها قليلا عن الواقع بأفكاره المؤرقة ..

ملأت المغطس ، و وضعت فيه كمية من صابون الحمام الوردي اللون ، ثم إنزلقت بجسدها حتي وصلت الرغوة و الفقاقيع إلي طرف ذقنها

و هنا حاولت أن تريح جسدها و أعصابها

و لكنه كالعادة يحول بينها و بين أي نوع من الإسترخاء و راحة البال ..

-سـمــر ! .. إنتي فين ؟ إنتي في الحمام يا حبيبتي ؟ .. هكذا سمعته ينادي عليها من الخارج بصوت ملحا و مرحا في آن

قامت من مكانها فجأة ، أرادت أن تسرع إلي باب الحمام و توصده

لكنها سمعت صوت خطواته تقترب كثيرا ، فعادت لتخفي جسدها في الماء ..

-مابترديش عليا ليه يا حبيبتي ؟! .. و مع الصوت ظهر “عثمان” عند عتبة الباب

-هو القمر بيطلع الصبح و لا إيه ؟ .. قالها “عثمان” و هو يبتسم بشدة ، و تابع و هو يمشي ناحيتها :

-إيه الجمال و الحلاوة دي يا سمر ؟ ماكنتش أعرف إن شكلك بيبقي حلو أوي كده و إنتي بتاخدي شاور !

تخضبت وجنتاها بالدم ، و قالت بإرتباك :

-شوية و هخلص . لو محتاج الحمام إستني برا دقيقتين بس و هطلع.

عثمان بإبتسامة :

-خدي راحتك يا حبيبتي أنا مش محتاج أي حاجة .. حاليا بس !

تجاهلت جملته الإيحائية الأخيرة ، و قالت :

-شكلك كويس !

عثمان بإستغراب :

-شكلي كويس إزاي يعني ؟!

-يعني . كنت فكراك أخدت برد بسبب إللي حصل إمبارح . أصلي حاسة إني داخلة علي دور برد !

ضحك “عثمان” و قال :

-إنتي شكلك بتؤري عليا يا سمر . عموما ماتقلقيش أنا صحتي زي الفل مابتآثرش بأي حاجة رغم أن ڤولتك كان عالي أوي إمبارح و فجأة إتجننتي و بوظتي الليلة إللي كنت راسم عليها . كل ده عشان قولتلك إن أنا إللي سفرت أخوكي ؟

سمر و قد إنتابها الغضب مجددا :

-من فضلك ماتجبليش السيرة دي تاني . مش كل شوية لازم تخليني إتأكد إنك إنسان جبار و مش سهل.

عثمان و هو يضحك بقوة :

-جبار ! مش للدرجة دي يا سمر أنا بردو غلبان و عندي نقط ضعف و الله.

سمر بسخرية :

-إنت عندك نقط ضعف ؟

عثمان بتفكير :

-في الحقيقة هما مش نقط .. هما نقطتين !

رمقته بغرابة ، فضحك و هبط بجسده جالسا أمامها علي حافة المغطس ..

-أول نقطة الهوس بالجمال .. قالها “عثمان” و هو يتأمل وجهها و كتفيها العاريين ، و أكمل :

-بضعف جدا قدام الجمال . من صغري و أنا كده . كنت لما أشوف أي واحدة جميلة أروح علطول أقولها إنتي جميلة .. أنا بعرف أقدر الجمال كويس أوي يا سمر.

أجفلت بتوتر ، ليضيف بصوت ناعم :

-النقطة التانية بقي . أمي .. بحب أمي أووي . تقدري تقولي إنها الست الوحيدة إللي ممكن تكون جوا قلبي . تعرفي إنك بتفكريني بيها ؟ حقيقي . و عنيها ملونة زيك !

و إزداد معدل الشغف في نظراته و هو يتأملها أكثر ، بينما إنزلقت أكثر في الماء كي تخفي جسدها من عينيه و هي تشعر بالخجل الشديد ..

-ممكن تطلع برا دلوقتي ؟ .. قالتها “سمر” بتوتر و وجهها يشع نارا ، ليضحك “عثمان” بمرح و يرد :

-ليه كده بس يا بيبي ؟ عايزاني أطلع برا ليه ؟ ده بدل ما تعزمي عليا و توسعيلي مكان جنبك ؟ ده أنتي طلعتي بخيلة أوي . مع إني صحيت قبلك و حضرتلك الفطار بنفسي برا . يعني لحد دلوقتي أنا أحسن منك و كريم جدا معاكي.

و رمقها بنظرات خبيثة ، فإنفعلت رغما عنها لسوء أخلاقه معها ، و صرخت فيه :

-قولتلك ميت مرة مابحبش الطريقة دي و قولتلك بردو ماتكلمنيش بالإسلوب ده . إنت مش جايبني من الشارع . بطل قلة أدب !

-أنا قليل الأدب ؟ .. سألها بهدوء شديد و هو يشير بأصبعه إلي نفسه ، ثم إبتسم تلك الإبتسامة الشيطانية و قال :

-طب أنا هوريكي قلة الأدب علي أصولها !

و مد يده داخل المغطس ، ليخرج بعد لحظات بالسدادة المطاطية

إتسعت عيناها بذعر عندما لاحظت منسوب المياه يقل ، و جسدها علي وشك أن يُـكشف له ..

تخشبت بمكانها غير مصدقة و إرتجف فمها بقوة ، عجزت عن التصرف ، لا تدري ماذا تفعل ، و هل يحق لها أن تفعل ؟ أو أن تعترض حتي ؟ .. هي ملكه طالما يروق له ذلك !!

إنهمرت الدموع من عيناها حين إختفت المياه تماما و بقت بعض الفقافيع الخفيفة تداري القليل من أجزاء جسدها

ظلت ترتجف فقط كورقة خريف آيلة للسقوط ، البرودة شديدة بالإضافة لشعور الذل و المهانة ، كمية مشاعر كثيرة متضاربة أخرستها و أخضعتها أمامه في هذه اللحظة ..

-يانهآاار أبيض ! ليه ده كله يا حبيبتي ؟ .. قالها “عثمان” بدهشة حقيقية ، و تابع بخبث :

-زعلانة أوووي كده ليه ؟ ما أنا شوفت كل حاجة قبل كده !

لم ترد و أطبقت جفناها بشدة ، لا تريد رؤيته

لكنها سمعته يواصل كلامه بحدة مصطنعة :

-و عموما إنتي تستاهلي أصلا . علي الليلة إللي ضربتيهالي إمبارح . دلوقتي لازم أخد تاري منك بقي.

و شعرت به و هو يحملها من مكانها ، ثم يقول بلهجة مفعمة بالحماسة الملتهبة :

-تعالي يا حبيبتي . الدنيا برد هنا عليكي . أوضتنا أدفى !

و أخذها إلي الغرفة بسرعة ، و هو يعتزم بجدية تامة تعويض أحداث الليلة الفائتة …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••••

في مكان أخر … تحديدا في شقة راقية بحي شرق الإسكندرية

تتمدد “چيچي” علي هذا السرير الواسع بجوار خطيبها ..

تلقي برأسها علي صدره العاري و تقول بصوت هامس :

-سيف . سيفو .. نفسي في آيس كريم ڤانيليا !

سيف بإستغراب و هو يمسح علي شعرها الحريري :

-آيس كريم ڤانيليا ؟ إشمعنا آيس كريم ڤانيليا يا چيچي ؟!

چيچي بغنج :

-مش عارفة ! بس نفسي رايحاله يا بيبي.

سيف بضحك :

-إوعي تكوني حامل يا حبيبتي . لسا فاضل شهرين علي ما تخلص العدة بتاعتك !

چيچي و هي تلكزه في كتفه :

-إف بقي . قولتلك قبل كده ماتحاولش تفكرني بالزفت ده . عايزاه أنساه خآالص يا سيف و مش عايزة أي حد يفكرني بيه.

-أد كده يا چيچي بتكرهيه ؟

چيچي بغل شديد :

-بكرهه جدا . ده بني آدم Abnormal [ مش طبيعي ] و حيوان . أول واحد أخاف منه في حياتي .. ثم قالت بخوف :

-و إللي مخوفني منه أكتر إنه لسا محتفظ بالـCD بتاعي أنا و إنت . يا عالم ممكن يعمل بيه إيه ؟!

سيف بإستهزاء :

-هيعمل إيه يعني ؟ و لا هيقدر يعمل حاجة.

چيچي بسخرية :

-سيف بليز تسكت . إنت أصلك ماتعرفش عثمان البحيري كويس . ده شيطان . زي التعبان فعلا . جلده ناعم بس لما يلدع سمه يموت و مالوش علاج.

سيف بضيق :

-إنتي مش شايفة إنك بتبالغي شوية يا حبيبتي ؟

چيچي بجدية :

-لأ . Never يا حبيبي مش ببالغ . بس أنا مش هفضل طول عمري عايشة في رعب بسببه .. لازم آمن نفسي منه.

سيف بإهتمام :

-هتعملي إيه ؟؟؟

إبتسمت “چيچي” و هي تقول بشر :

-هعمل حاجات كتييييير . هو صحيح معاه الورق كله .. بس أنا بقي معايا الـJoker !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

في الصباح التالي … ترتدي “سمر” ملابسها و هي تشعر بالتعب و الإنهاك الشديد

يأتي “عثمان” و هو يراها ، ليقول بإستغراب :

-بتعملي إيه يا بيبي ؟

سمر بنبرة متداخلة الأحرف :

-زي ما إنت شايف . بلبس عشان أمشي . إحنا وصلنا للمرسى و لا لسا ؟

يقترب “عثمان” منها و هو يقول بإبتسامة :

-تمشي إيه بس يا حبيبتي ؟ أنا مش قولتلك إني بعدت أخوكي مخصوص عشان تفضيلي و تقضي معايا وقت أطول ؟ خلينا يومين كمان !

سمر بعصبية منهكة :

-لو سمحت ماضايقنيش أكتر من كده . أنا عايزة أرجع لازم إرجع بيتي دلوقتي.

لاحظ “عثمان” شحوب وجهها و إصفراره

فعقد حاجبيه و هو يحدق فيها بتركيز ، ثم قال بجدية :

-مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟!

تمتمت بضيق يغلفه التعب :

-أنا كويسة و هبقي كويسة أكتر لما إمشي من هنا و أرجع بيتي.

مد “عثمان” يده و تحسس جبينها ..

-يانهار إسود ! .. صاح “عثمان” بذعر ، و أكمل :

-إنتي سخنة مولعة . من أمتي ؟ و ماقولتليش ليه ؟

عبست “سمر” و هي تتذكر طوال الليلة الماضية كانت تعاني أعراض الحمى و ترتجف بصمت ، بينما ينام هو بجوارها مستغرقا في عالم أخر ..

-أنا كويسة مافياش حاجة .. قالتها “سمر” بضيق أشد و تابعت :

-روحني بقي.

عثمان بجدية :

-أروحك إيه ؟ أنا هاوديكي للدكتور.

سمر بإنفعال :

-مـش عـايزة أروح لدكاترة عايـزة أروح بـيــتــــــــي !

error: