رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب

( 56 )

_ خروج ! _

يخرج “عثمان” من الغرفة و هو يغلي من الغضب و يلعن كل شئ أمامه …

تصطاده “صفية” و هي تصعد الدرج :

-عثمان عثمان ! .. قالتها و هي تهرول صوبه

توقف “عثمان” و هو يتأفف بضيق شديد ، لتأتي أخته بسرعة و تقول بإبتسامة :

-مساء الخير يا عثمان.

إلتفت “عثمان” لها و رد بإقتضاب :

-أهلا يا صافي.

صفية بإستغراب :

-مالك يا عثمان ؟ شكلك مضايق كده ليه ؟!

عثمان بإنفعال :

-إنتي مالك مضايق و لا مش مضايق . إنجزي إنتي و قولي عايزه مني إيه ؟؟؟

أجفلت “صفية” و قالت بشئ من الإرتباك :

-طيب خلاص من غير عصبية . أنا مش قصدي اتدخل فيك !

تنفس “عثمان” بعمق ، ثم قال بعد أن هدأ نفسه :

-و لا يهمك يا حبيبتي . أنا إللي آسف إني إتعصبت عليكي . قوليلي بقي كنتي عايزه إيه ؟

توردت “صفية” خجلا و أخفضت رأسها و هي تقول بتلعثم :

-كنت . كنت عايزه أكلمك في موضوع كده !

عثمان بترقب :

-موضوع إيه إتكلمي ؟؟

صفية بتوتر :

-صالح كان كلمني إنهاردة في موضوع جوازنا.

عثمان بعدم فهم :

-يعني إيه ؟ ماله موضوع جوازكوا ؟!

صفية بتردد :

-صالح عايز الجواز يتم خلال الشهر الجاي بالكتير !

عثمان بإستنكار ممزوج بالحدة :

-نعم ! جواز إيه إللي يتم خلال شهر ده ؟ هو بيستهبل ؟ بابا لسا مافتش علي شهرين و سيادته عايز يتجوز ؟؟؟

صفية ببراءة :

-و الله أنا قولتله كده و قولتله ماينفعش عشان مامي كمان
بس هو قالي إننا مش ضروري نعمل فرح كبير ممكن تبقي حفلة عائلية بس .. ثم تنهدت بحزن و قالت :

-و بعد ده كله قولتله عثمان هو إللي هيقرر حاجة زي دي . يا يوافق يا مايوافقش .. القرار ليك يا عثمان و أنا هرضي بيه أيا كان.

نظر لها “عثمان” مليا … ثم قال بعد تفكير :

-طيب يا صافي . أنا حاسس إنك ميالة للحل ده .. أنا موافق عشانك إنتي
بس لازم نسأل ماما الأول.

صفية بفرحة :

-يعني إنت موافق بجد يا عثمان ؟؟؟

عثمان بإبتسامة :

-أيوه يا حبيبتي . موافق . مبروك يا صافي.

ضحكت “صفية” بسرور شديد و قفزت عليه لتضمه بقوة و هي تهدل :

-الله يبارك فيك يا حبيبي . الله يبارك فيك . ربنا يخليك ليا يا عثمان يآااا رب.

ضحك عثمان بدوره و قال :

-ماشي يا ستي . و الله لو أعرف إن جوازك من صالح هيخليكي مبسوطة كده كنت جوزتك من زمان ده أنا كنت فاكرك مش مستلطفاه و كنت متوقع تفركشوا في أي لحظة !

إبتعدت “صفية” عنه و قالت بإستياء :

-نفركش إيه يا عثمان ؟ إحنا بنحب بعض.

-أوك . عموما مبروك بردو.

-الله يبارك فيك . بس مش هتقولي إنت بقي إيه إللي مضايقك ؟!

عاد “عثمان” للتجهم من جديد ..

صفية بقلق :

-يا عثمان بليز قولي إنت شكلك مش طبيعي خالص !

زفر “عثمان” بكدر و تمتم بخفوت :

-أنا ضربت سمر !

شهقت “صفية” و قالت بصدمة :

-يانهار إسود . إنت إتجننت يا عثمان ؟ دي حامل إزاي تمد إيدك عليها ؟؟!!

عثمان بضيق :

-أنا ماضربتهاش جامد . هو كان ألم بس
أعمل إيه إستفزتني !

صفية بحنق :

-حرام عليك يا عثمان . البنت رقيقة جدا و شكلها مؤدبة ليه تضربها ؟ ماتعرفش تتفاهم معاها بطريقة تانية ؟؟

عثمان بنفاذ صبر :

-خلاص بقي يا صفية أنا مش ناقصك.

لوت “صفية” ثغرها بعدم رضا ، لكنها قالت بصوت هادئ و حازم في آن :

-طيب خلاص . بس لازم تروح تصالحها دلوقتي.

تململ “عثمان” و هو يقول بتذمر :

-هي الغلطانة مش أنا.

صفية بصرامة :

-هتروح تصالحها دلوقتي يا عثمان . ماتنساش إنها حامل و نفسيتها أكيد وحشة بالذات في الشهور الأولي . ماينفعش تزعلها.

عثمان بإنزعاج :

-أوك خلاص . هروح أصالحها.

صفية بإبتسامة :

-أيوه كده.

في هذه اللحظة ، إنضما كلا من “هالة” و “مراد” لهما ..

عثمان بذهول :

-مرآااد ! مش معقوول !!

أقبل “مراد” علي صديقه و هو يمسك بيد “هالة” بقوة بينما الأخيرة تبتسم بغبطة شديدة ..

-صاحبي يا صاحبي صديق السوء رجعلك تاني .. قالها “مراد” مبتسما ، ثم إحتضن “عثمان” دون أن يترك يد “هالة”

عثمان بدهشة :

-إيه يابني إللي رجعك ؟ مش قلت خلاص هتستقر هناك ؟!

نظر “مراد” إلي “هالة” بحب و قال :

-بصراحة أنا ماكنتش قادر أمشي . و رجعت مخصوص عشان هالة.

عثمان بإستغراب :

-رجعت مخصوص عشان هالة ؟ أنا مش فاهم حاجة !

نقل “مراد” نظره إليه و أجابه بثقة :

-أنا و هالة بنحب بعض يا عثمان و أنا رجعت عشان أتجوزها و أخدها معايا و أنا مسافر.

نظر “عثمان” له و ضرب كفيه ببعضهما و هو يقول بتعجب :

-لا حول و لا قوة إلا بالله . إيه حكاية الجواز معاكوا إنهاردة أنا عايز أفهم ؟ كلوا دلوقتي بقي عايز يتجوز ؟!

ضحك “مراد” بخفة و قال :

-أعمل إيه حبيتها . لما سافرت إكتشفت إني مش قادر أعيش منغيرها . المهم دلوقتي قولي أنكل رفعت فين عشان أطلبها منه و نخلص الموضوع بسرعة أنا نازل إسبوع بس و ماينفعش أتأخر علي الشغل.

عثمان بإبتسامة :

-أنكل رفعت يا سيدي هتلاقيه دلوقتي في الشركة طير عليه بسرعة قبل ما يختفي في أي حتة و ماتقدرش توصله.

مراد بغمزة :

-لأ ماتقلقش . أنا مش هاسيبه إنهاردة قبل ما يوافق يجوزني هالة بكره بالكتير.

عثمان ضاحكا بمرح :

-ماشي ياسيدي . ربنا معاك .. ثم نظر إلي “هالة” و تابع بصدق :

-مبروك يا هالة.

هالة برقتها المعهودة :

-الله يبارك فيك يا عثمان . ميرسي.

و ذهبا الثنائي المرح ، لتقول “صفية” بتذكير :

-عثمان . مش هتروح تصالح سمر !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

كانت تضع “ملك” النائمة في الفراش … عندما دخل عليها محمحما بشئ من التوتر

إستدارت “سمر” إليه و رمقته بإزدراء شديد ، ثم مشت صوب الحمام ..

ألمته هذه النظرة ، فأعترض طريقها بسرعة و أمسك بذراعها ..

-علي فكرة أنا ماكنتش ناوي أمد إيدي عليكي ! .. غمغم “عثمان” متحاشيا النظر في عيناها ، و أكمل :

-إنتي أستفزتيني يا سمر . رغم إني قولتلك قبل كده إن أمي أغلي حاجة في حياتي إتجاهلتي ده و إهانتيها قدامي . أمي أغلي عندي من نفسي يا سمر ربنا فوق و هي تحت
أنا عمري ما زعلتها و لا حتي أبويا زعلها لأن أصلا مافيش زيها في الدنيا دي كلها . هي ست كلها رقة و حنان . ملاك و كل الناس بيحبوها و هي كمان عمرها ما كرهت حد .. ماتستاهلش أبدا الكلام إللي قولتيه عليها يا سمر.

شدت “سمر” ذرعها من يده و قالت بجمود :

-أنا ما أهانتش أمك . ماقولتش عليها حاجة وحشة
يمكن قللت منها منغير قصد بس إنت إللي كان عندك إستعداد تتصرف معايا بالهمجية دي
ما ده مش جديد عليك . إنت عملت أكتر من كده و كسرتني . و رغم ده كله أنا ما سألتكش لحد دلوقتي إنت عملت كده ليه.

عثمان مقطبا بخزي :

-أنا بعترف إني غلط فيكي كتير . و آذيتك . بس أنا دلوقتي عايز أعوضك و إنتي مش مدياني فرصة !

سمر بسخرية :

-هتعوضني عن إيه ؟ هو إنت دوست علي رجلي و كلمة آسف هتغفرلك عندي ؟ لازم تعرف إنك إنت السبب في تدمير حياتي . إنت إللي ساومتني و أجبرتني علي الغلط . كنت عارف إني محتاجة فلوسك عشان أختي مش عشاني . كنت عارف و متأكد إني هركعلك و هوافق علي كل شروطك
و عشان تبعد الذنب عن نفسك كنت كل شوية بتفكرني إنك ماضربتنيش علي إيدي . ماغصبتنيش . صح إنت عندك حق . أنا عملت معاك كل حاجة برضايا . إنت ماغصبتش عليا أي حاجة . عشان كده أتوقع منك دلوقتي إنك ماتغصبنيش علي العيشة معاك . أرجوك طلقني !

و نطقت أخر كلمة بصعوبة شديدة ..

ليمسك كفاه الضخمتان بأعلي ذراعها فتطوقهما تماما .. هزها “عثمان” بيده قائلا بعصبية :

-مش هطلقك يا سمر . مش ممكن . إنتي مراتي و حامل في إبني أو بنتي . مستحيل أتخلي عنكوا.

سمر بنشيج مكتوم :

-أوعدك إني مش همس إبنك أو بنتك . هحافظ علي الحمل و لما أولد أنا مستعدة أتناز آا ..

-إسكتي ! .. قاطعها و هو يهزها من جديد ، و كانت كفاه ترتجفان و تبعثان ذلك الإرتجاف عميقا في عظامها

أكمل بصرامة :

-مش هطلقك يا سمر . إنتي و إللي في بطنك ملكي . ملكي أنا .. عمرك ما هتقدري تنكري ده أو تبعدي عني . أنا حقيقة و أمر واقع في حياتك . خليكي فاهمة كده كويس.

ثم تركها ، بل ترك لها الغرفة مجددا و خرج

أما هي ، فإنفجرت بالبكاء ثانيةً …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••

بعد يومان ..

في الصباح .. ينزل “عثمان” من غرفته ليذهب إلي عمله ، فيقابل شقيقته و إبنة عمه في وسط الدرج

عثمان بإبتسامة :

-صباح الخير يا هوانم !

هالة / صفية :

-صبـاح النوور يا عثمان.

-إيه علي فين العزم بدري كده ؟

صفية بحماسة :

-أنا و هالة رايحين Deep Mole نجيب شوية حاجات ليا عشان فرحي و ليها عشان خطوبتها و فرحها إللي هيتعملوا في وقت واحد ماعرفش إزاي دي !

عثمان بتفهم :

-إممم . مفهوم ربنا معاكوا .. و جاءته فكرة ، ليطلب منهما :

-طيب ممكن تاخدوا سمر معاكوا ؟ هي من ساعة ما جت هنا ماخرجتش خالص و أنا مش فاضي اليومين دول و مش هآمن عليها إلا معاكوا !

هالة برحابة :

-Sure يا عثمان . هناخدها معانا طبعا و ماتقلقش هتتبسط و هنخرجها من مود الحمل و الإكتئاب إللي هي فيه.

صفية بإثارة شديدة :

-أحلي حاجة إن العيلة بتزيد و الروتين إللي إحنا عايشين بيتغير . الواحد كان زهق و الله و سمر هي و أختها عملوا جو لطيف أووي في البيت . إطمن يا عثمان مراتك في إيد أمينة.

عثمان بإمتنان :

-شكرا ليكوا . أنا متأكد إنكوا هتحافظوا عليها .. ثم أخرج چزدانه من جيب سترته و سحب إحدي الكروت

-خدي يا صافي . الـATM دي و معاها الباسوورد . خليها معاكي و هاتي لسمر كل إللي هي عايزاه مع إنها مش هتعوز حاجة . بس خليها معاكي يمكن تحتاج حاجة !

أخذت “صفية” بطاقة الائتمان منه و قالت بإعجاب :

-ربنا يخليك ليها يا عثمان . أنا بجد مبسوطة إنها قدرت تخليك تحب و تبقي الشخص الحنين إللي واقف قدامي ده.

و ذهبت الفتاتان عند “سمر” .. دقت “صفية” الباب و دخلت تتبعها “هالة”

وجدتا “سمر” تهتم بشقيقتها كالعادة ..

صفية بإبتسامة :

-صباح الخير يا سمسمة !

سمر بإبتسامة شاحبة :

-صباح النور يا صافي . إزيك يا هالة ؟

هالة بود و رقة :

-الحمدلله يا سمر كويسة . إنتي إيه إخبارك و لوكا القمر عاملة إيه ؟!

-أهو كويسين . إيه جايين بدري كده عايزين حاجة ؟ أخوكي و إبن عمك لسا نازل دلوقتي حالا لو كنتوا جاينله !

صفية مصححة :

-لأ يا سمسمة إحنا جاينلك إنتي.

سمر بإستغراب :

-جاينلي أنا ؟ خير ؟!

و عرضت عليها “صفية” مرافقتها هي و “هالة” إلي السوق التجاري و شرحت لها الأمر ..

-و أنا إستأذنت عثمان و هو وافق .. قالتها “صفية” بإبتسامة عريضة

هالة مكملة :

-بجد وجودك معانا هيبسطنا جدا و هنقدر نتعرف علي بعض أكتر.

صمتت “سمر” لثوان ، ثم قالت بتهذيب :

-أنا طبعا بشكركوا علي الدعوة . بس آسفة مش هقدر أجي معاكوا !

صفية بإحباط :

-ليـــــــــه يا سمر ؟

سمر بلطف :

-و مين ياخد باله من ملك ؟ و أنا مش هقدر أسيبها مع أي حد هنا بردو . لازم تبقي جمبي دايما.

صفية بسهولة :

-خلاص هناخد تانيا معانا تخلي بالها منها و تبقي جمبك زي ما إنتي عايزة.

هالة برجاء :

-يلا بقي يا سمر بليييز . إحنا محتاجينك معانا !

سمر بعد تفكير :

-خلاص . ماشي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°

ذهبن ثلاثتهن إلي أحد أضخم الأسواق التجارية بالمدينة كلها ..

إقترحت “صفية” في البادئ :

-إيه رأيكوا نبتدي بالـBeauty Center ؟ أنا محتاجة أعمل look جديد لشعري عشان الفرح . و بعدين لما نخلص نروح نتغدا و نكمل لف علي المحلات . بس سمر طبعا مش هتلف معانا عشان البيبي هنسيبها في الكاڤيتيريا و لحد ما نخلص و نرجعلها.

هالة بتبرم :

-لأ إحنا ناكل الأول . أنا مافطرتش يا صافي !

وبختها “صفية” :

-يا بت إنتي دايما الأكل علي راس القايمة عندك ! إهدي شوية هناكل ياختي بس إصبري .. يلا بينا.

و بالفعل توجهن إلي مركز التجميل ، فأجلستهن المسؤولة في قاعة الإنتظار ريثما تحضر لهن ثلاثة أماكن ..

بعد قليل دوي جرس الإشعار بهاتف “صفية” ففتحته لتجد رسالة من أخيها ..

عثمان :

إيه يا صافي إنتوا فين كده ؟

صفية :

إحنا وصلنا المول أهو في الكوافير يا عثمان.

عثمان :

سمر عاملة إيه ؟؟؟

صفية :

أهي قاعدة جمبي
كويسة.

و إنتظرت رده … لكنه صمت علي هذا ، فغادرت المحادثة ..

و إذا بالهاتف يعلن عن وصول رسالة جديدة

تنهدت “صفية” و فتحت رسالة أخري منه :

طيب صوريهالي منغير ما تاخد بالها
عايز أشوفها !

كتبت “صفية” بإستنكار :

و أنا هصورهالك منغير ما تاخد بالها إزاي يا عثمان ؟
دي قاعدة جمبي.

يرد “عثمان” بسرعة :

إخلصي يا صفية
دلوقتي.

تأففت “صفية” بضيق و نظرت من جانب عينها إلي “سمر” وجدتها شاردة بعمق ، هذه فرصتها إذن

رفعت هاتفهها ببطء حتي لا تلاحظها ، و عوجته بطريقة بلها ، و راحت تلتقط عدة صور ..

-بتعملي إيه يا صافي ؟! .. قالتها “هالة” بإستغراب ، لتلفت “صفية” لها و تغمغم بغضب :

-وطي صوتك يا غبية . مابعملش حاجة خليكي في إللي إنتي فيه .. و أشارت إلي مجلة الموضة الكامنة بين يديها

بعثت “صفية” بالصور إلي أخيها و هي تتمتم بتعجب :

-أخويا إتجنن و الله … !!!!!

يتبـــــع …

error: