رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
( 39 )
_ إحتياج ! _
يخرج “عثمان” من غرفة أمه و هو يتنهد بآسي … تأتي “صفية” في هذه اللحظة حاملة كأس من الماء و بعض من الحبوب العلاجية
صفية بملامح ذابلة كئيبة :
-مامي عاملة إيه دلوقتي يا عثمان ؟
عثمان و هو يفرك وجهه بكفاه :
-كويسة . يدوب كلت من إيدي بالعافية .. ثم نظر لها و أكمل بصوت لا حياة فيه :
-صافي مش عايزك تسيبي ماما خالص . خليكي جمبها طول الوقت و لو إحتاجت لأي حاجة تبلغيني فورا.
صفية بدموع :
-حاضر يا عثمان .. و أخفضت رأسها حتي لا يري دموعها المتدفقة بحرارة
عثمان بضيق :
-كفاية يا صفية . كفاية أبوس إيدك أنا مش ناقص و عايزة تدخلي لماما و إنتي بالشكل ؟!
صفية و هي تكفكف دموعها بعزم :
-خلاص يا عثمان . خلاص أنا مش هعيط تاني.
نظر لها بحزن و شدها إلي حضنه ، ثم قال بهدوء :
-أنا عارف إن حياتنا إتغيرت أو إتقلبت بمعني أصح . بس أنا و إنتي لازم نحط خطوط حمرا لمشاعرنا طول الفترة الجاية خصوصا قدام ماما يا صافي . ماما مش دريانة بأي حاجة . أنا مش قادر أشوفها كده . لازم نعمل المستحيل لازم نساعدها عشان تخرج من إللي هي فيه . إحنا مابقاش لينا غيرها.
وافقته “صفية” بإيماءة صغيرة :
-عندك حق يا عثمان . صدقني أنا بمسك نفسي قصادها جامد أوي . بس بردو هي حالتها أسوأ مننا بكتير . دي مانزلتش دمعة واحدة كاتمة في نفسها و ده إللي مخوفني عليها.
عثمان بثقة :
-هتبقي كويسة . إن شاء الله هتبقي كويسة بس محتاجة شوية وقت .. ثم قال و هو يمسح لها دمعة بأنامله :
-يلا إدخليلها . و زي ما قولتلك إوعي تسيبيها أبدا.
صفية بهمس :
-أوك !
و دلفت إلي أمها ، بينما نزل “عثمان” إلي الأسفل ليوافي “مراد” في الصالون الصغير
كان يحتسي فنجانا من القهوة عندما أقبل عليه ..
-عثمان ! فينك مستنيك بقالي ساعة .. قالها “مراد” و هو يرجع فنجانه إلي الطاولة
عثمان بصوت جاف :
-كنت عند أمي .. ثم جلس قبالته و أكمل :
-عملت إيه مع رئيس التحرير ؟
مراد بجدية :
-خلاص الموضوع إنتهي و هو فهم رغبتك خلاص.
عثمان بخشونة :
-مش مهم يفهم رغبتي . المهم يفهم إني ممكن لو حبيت هوديه في ستين داهية و هقفله الجريدة خالص.
مراد بصوت مهدئ :
-إهدا يا عثمان الراجل ما قالش حاجة و بعدين هو مالوش ذنب الصحافيين إللي عنده هما إللي جريوا يغطوا الحادثة و نشروا الخبر و في كل الأحوال أي جريدة تانية لو كانت جاتلها الفرصة تنشر الخبر قبل أي حد كانت عملت كده.
عثمان بغضب :
-أنا ماحبش إسمي أو إسم عيلتي يبقي لبانة في بؤ إللي يسوا و إللي مايسواش.
مراد بتعجب :
-يابني ما إنتوا عيلة مشهورة و من زمان من أيام جدودك و الصحافة بتكتب عنكوا إيه إللي جد ؟!
عثمان بإنفعال :
-إللي جد إن مهنتهم بقت قذرة أوي و بقوا يألفوا علي مزاجهم . كذا خبر نزل عن الحادثة مش منطقي و مالوش أي علاقة بينا و قضايا التعويض إللي رفعتها هي إللي هتأدبهم عشان يحرموا ينشروا كلمة واحدة قبل ما يتأكدوا منها.
مراد بإنزعاج :
-خلاص بقي يا عثمان هدي أعصابك . إنت بقيت صعب أووي !
زفر “عثمان” غاضبا ، ثم قام من أمامه و مضي إلي خارج المنزل كله …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في إحدي وكالات الأنباء الشهيرة … تجلس “چيچي” أمام المدير في هذا الثوب الغريب عليها تماما
كانت ترتدي نظارة شمسية كبيرة أيضا لتداري وجهها ، و كانت تغطي شعرها بوشاح داكن اللون ظهرت من تحته بعض من خصلاتها الشقراء ..
-أنا جيت علي سمعة الوكالة الأخبار عندكوا بتنتشر بسرعة رهيبة و بتوصل لكل الناس و ده إللي أنا محتاجاه ! .. قالتها “چيچي” بصوت ثابت النبرات
المدير و هو يقلب الصور بين يديه :
-مفهوم حضرتك . بس أعتقد إن خبر زي ده لو إتنشر في وقت زي ده مش هيبقي حلو علي سمعة عيلة البحيري . إنتي عارفة هما بيمروا بإيه يا أنسة . آا و لا يا مدام ؟
چيچي بضيق :
-حضرتك قول إللي إنت عايزه مش هتفرق . بص يافندم أنا شرحتلك مشكلتي و فهمتك إن في علاقة بيني و بين عثمان البحيري . أنا بقالي كتير معاه و هو مش راضي يعلن عن أي حاجة تخصنا . ضغطت عليه كتير بس ده أحسن وقت . أرجوك ساعدني ! .. و لفظت أخر جملة برجاء
المدير بعد تفكير :
-ماشي يا مدام . أوعدك هعمل كل إللي أقدر عليه عشان أساعدك.
چيچي بإمتنان :
-بجد ميرسي أوي . أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي !
المدير بإبتسامة خفيفة :
-العفو يا مدام.
چيچي و هي تقوم من مكانها :
-أول ما أشوف الخبر منشور هدفعلك مبلغ معقول أوي.
المدير بجدية :
-حضرتك لسا قايلة إنك جاية علي سمعتنا . إحنا هنا في الوكالة ماتهمناش الفلوس إحنا إللي يهمنا بجد قيمة الخبر و عيلة البحيري أكبر عيلة في إسكندرية و ليهم شعبية واسعة جدا . الناس كلها بتهتم بأخبارهم و دي حاجة هتعود علينا بمكسب أكبر من الفلوس.
چيچي بإبتسامة :
-أوك . يبقي متفقين . إستأذنك بقي دلوقتي !
المدير بكياسة و لطف :
-إتفضلي . نورتينا.
و حالما خرجت ضغط بسرعة علي زر الإستدعاء ، ليحضر ذاك الشاب خلال ثوان قصيرة ملبيا ندائه ..
الشاب بخباثته المعهودة :
-آمرني يا ريس . في مصلحة جديدة و لا إيه ؟ المزة جتلك محملة صح ؟ .. و غمز له بعينه
المدير بتوبيخ :
-إهمد شوية ياض و طرطألي ودانك . عايزك تنزل بسرعة و تقطرلي البت إللي لسا نازلة . عايزك تجيبلي قراراها و تعرفلي هي مين.
الشاب بضيق مصطنع :
-إنت ماتحتاجنيش أبدا إلا في المشاوير ؟!
-بقولك إيه مش عايز رغي كتير و بعدين إنت عارف إني معينك هنا ندورجي ببعتك تجيبلي أخبار الناس و بديك أجرك .. ثم قال بصرامة :
-إنجز بقي و ألحقها بسرعة قبل ما تمشي أحسن و الله أمشيك أنا و دلوقتي حالا.
الشاب بضحكة ساخرة :
-لا و علي إيه . هطير أنا أهو و هاجبيلك أخرها قبل أولها كمان ده إنت تؤمرني يا ريس.
و إنطلق متعقبا إثر الزائرة
بينما أمسك المدير بهاتفهه و أخذ يبحث في اللائحة عن إسم معين …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل”بحيري” … تذهب “هالة” لتطمئن علي والدها
تجده جالسا في الظلام وحده ، غرفته هادئة تماما و كئيبة مثل كل شيء في البيت كله ..
تقترب منه ببطء ، ثم تركع أمام مقعده و تقول بصوت حزين :
-بابي ! إنت كويس ؟ .. يا بابي بليز رد عليا . هتفضل ساكت علطول كده ؟!
رفعت بصوت خال من أي تعبير :
-عايزاني أقول إيه يا هالة ؟ مافيش كلام ممكن يتقال خلاص.
هالة و هي تمسك يده الكبيرة بكلتا يداها :
-إنت بقالك إسبوع علي الحال ده . لا بتاكل و لا بتشرب و حابس نفسك في الأوضة . حرام عليك يا بابي أنا و صالح محتاجينلك.
و هنا نظر “رفعت” إلي إبنته ..
تراقصت بعينا الدموع و هو يقول :
-أخويا مات يا هالة . يحيى .. أخويا الصغير مات . مات و هو زعلان مني . أنا عمري . عمري ماتخيلت إن له في قلبي الحب ده كله . عمري ما فكرت إني هندم أووي كده علي كل موقف . كل لحظة زعلته فيها . كنت دايما بقول علي نفسي أنا الكبير . لكن هو إللي طول عمره كان الكبير . بأفعاله و تصرفاته . أنا كنت أخ وحش أوووي عمري ما حبيته عمري ما خدت بالي منه.
و أطرق رأسه مجهشا بالبكاء ، لتقوم “هالة” و تحتضنه بقوة قائلة :
-يا بابي كفاية . عشان خاطري كفاية ! .. كانت تبكي مثله الآن
رفعت بصوت كالأنين :
-ماكنش يستاهل مني كل الكره ده . نفسي أشوفه بس و لو لمرة واحدة . عايز أعتذرله و أترجاه يسامحني . يا ريتني كنت أنا إللي مت و هو إللي عاش علي الأقل كان ممكن يسامحني أنا ماستهلش أعيش بداله ماستهلش.
هالة بحزن شديد :
-يا بابي إسكت . كفاية بالله عليك . ربنا يخليك لينا أنا مستحيل أقدر أعيش منغيرك.
رفعت بمرارة حارقة :
-و أنا دلوقتي بقيت لوحدي . أخويا سابني و مش هقدر أعيش منغيره . ماعادش ليا حد و لا ضهر . ماعادش ليا لازمة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في سيارة “عثمان البحيري” … يركن قريبا من الشاطئ ، ثم يترك سيارته و يمضي بإتجاه البحر
يجلس فوق الرمال بعيدا عن الأمواج قليلا غير عابئ بتلويث ملابسه السوداء
ينظر إلي السماء الحالكة الملبدة بالغيوم و المرصعة بالنجوم … يطلق تنهيدة حارة مطولة ، ثم يخرج هاتفهه من جيب سترته و بدون تردد يتصل بها ..
يأتي صوتها بعد لحظات :
-ألو !
عثمان بنبرة مهمومة :
-سمر ! .. إزيك ؟
سمر بصوت حذر :
-الحمدلله . إزيك إنت ؟!
عثمان بقنوط :
-أهو . عايش . عادي يعني .. ليه ما سألتيش عليا طول الأيام إللي فاتت ؟ إنتي ماعرفتيش إللي حصل ؟
سمر بتردد :
-عرفت . بس ..
-بس إيه ؟
-ماحبتش أضايقك . إنت في إيه و لا في إيه ؟
عثمان بإهتمام :
-ليه إنتي عندك مشكلة و لا حاجة ؟؟
سمر بتوتر :
-لأ . مش بالظبط كده .. بس بقالي يومين حاسة إني تعبانة شوية.
-سلامتك . طيب أجي أخدك للدكتور ؟!
سمر بإسراع :
-لأ . إن شاء الله هبقي كويسة . مالوش لزوم الدكتور !
-هو أخوكي لسا عندك ؟
-لأ سافر إمبارح.
-طيب ممكن أشوفك بكره ؟
صمتت “سمر” و لم تجب …
عثمان برجاء :
-من فضلك يا سمر . أنا محتاجلك أوي . أنا عارف إنك بتكرهيني بس معلش حاولي تنسي مشاعرك شوية و تستحمليني الفترة دي.
سمر بعد صمت طويل :
-حاضر . أشوفك بكره !
عثمان بجدية :
-بس ملك ماتكونش معاكي زي المرة إللي فاتت .. و هنا دخلت مكالمة أخري علي الخط ، ليستأذنها بلطف :
-سمر معلش هقفل معاكي دلوقتي معايا مكالمة تانية !
-إتفضل طبعا .. و أغلقت معه ، ليرد :
-ألو !
المتصل :
-ألو السلام عليكم . عثمان بيه البحيري معايا ؟!
عثمان بصوت أجش :
-أيوه . مين معايا ؟
المتصل :
-أنا عبد المنعم صقر مدير وكالة ( ——— ) الخاصة بأخبار الفن و المجتمع.
عثمان و قد إكتسب صوته نبرة عدائية :
-أهلا . خير حضرتك ؟ يا تري بتكلمني بخصوص قضية التعويض إللي رفعتها عليك ؟ أحب أقولك دي أقل حاجة عملتها معاك رغم إني معاك في إن قيمة التعويض كبيرة شوية بس ده عشان تقدر تميز بعد كده بين الأخبار قبل ما تنشرها خصوصا لو كانت متعلقة بيا أو بأي واحد من عيلتي.
-بالراحة شوية يا عثمان بيه . أنا مش بكلمك عشان أتفاوض معاك علي قيمة التعويض . إنت عارف إننا وكالة كبيرة و ممكن ندفعلك المبلغ كاش و من بكره الصبح لو حبيت.
عثمان بغضب :
-أومال بتكلمني ليه ؟ أخلص و هات من الأخر عشان صبري إبتدي ينفد.
-أنا بكلم حضرتك دلوقتي عشان في مستندات تحت إيدي أعتقد إنها مهمة و تخصك.
عثمان بإستغراب :
-مستندات إيه دي ؟؟؟
-لا يا باشا مش هينفع في التليفون . لو ممكن تشرفني دلوقتي خمس دقايق بس هتشوف بنفسك و تقول رأيك قبل ما أنشر أي حاجة و تزعل مننا تاني.
عشرة دقائق … و كان “عثمان” بمقر الوكالة
-أهلا أهلا يا عثمان بيه ! .. قالها المدير و هو يقف و يصافح “عثمان” بحرارة ، و تابع بترحيب :
-خطوة عزيزة . بجد ده شرف ليا إنك واقف في مكتبي دلوقتي.
عثمان بفتور :
-أنا جيت أهو يا أستاذ عبد المنعم . فين المستندات المهمة إللي تخصني دي ؟!
عبد المنعم بإبتسامة :
-طيب أقعد يافندم.
تنهد “عثمان” بصبر ، و جلس أمامه
فتح “عبد المنعم” أحد أدراج مكتبه ، و أخرج مظروف كاكي اللون و ناوله إياه ..
أخذه “عثمان” و فتحه بنفاذ صبر و سحب محتوياته … لتتسع عيناه بغضب و هو يشاهد تلك الصور التي ضمته مع “سمر” و شقيقتها في ذلك النهار الأسود الذي توفي فيه والده ..
-مين إللي جابلك الصور دي ؟؟؟ .. صاح “عثمان” بغضب شديد و هو يهب من مكانه كما العاصفة
أجفل “عبد المنعم” بشئ من التوتر و قال :
-إهدا شوية يا عثمان بيه . حضرتك ممكن تسأل بهدوء و أنا أجاوبك.
بلغ “عثمان” قمة غضبه ، فمشي صوب مدير الوكالة بخطوات واسعة ..
أمسك بتلابيب قميصه و إجتذبه ليقف علي قدميه أمامه :
-و رحمة أبويا لو ما إتكلمت و قولتلي مين إللي جابلك الحاجات دي لاكون دفنك هنا و يسلام لو كنت جايبني و بتساومني و تكون إنت إللي بعت جواسيسك يلموا ورايا أقسم بالله هتشوفوا إللي عمركوا ما شوفتوه علي إيدي.
عبد المنعم بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-نزل إيدك يا عثمان بيه مش طريقة حوار دي . أنا لا بعت جواسيس وراك و لا نيلة كل الحكاية إن في واحدة جاتلي من شوية و سلمتني الصور دي.
عثمان بعصبية مفرطة :
-و دي مين دي إسمها إيه إنطق ؟؟؟
-عبد المنعم بنفس الحدة :
-ماعرفش إسمها إيه بس هي كانت محجبة و الاكيد إن هي إللي في الصورة يعني.
بـُــهت “عثمان” في هذه اللحظة ، و تبدلت ملامحه إلي الصدمة و عدم التصديق !!!!!!
يتبـــــع …
_ إحتياج ! _
يخرج “عثمان” من غرفة أمه و هو يتنهد بآسي … تأتي “صفية” في هذه اللحظة حاملة كأس من الماء و بعض من الحبوب العلاجية
صفية بملامح ذابلة كئيبة :
-مامي عاملة إيه دلوقتي يا عثمان ؟
عثمان و هو يفرك وجهه بكفاه :
-كويسة . يدوب كلت من إيدي بالعافية .. ثم نظر لها و أكمل بصوت لا حياة فيه :
-صافي مش عايزك تسيبي ماما خالص . خليكي جمبها طول الوقت و لو إحتاجت لأي حاجة تبلغيني فورا.
صفية بدموع :
-حاضر يا عثمان .. و أخفضت رأسها حتي لا يري دموعها المتدفقة بحرارة
عثمان بضيق :
-كفاية يا صفية . كفاية أبوس إيدك أنا مش ناقص و عايزة تدخلي لماما و إنتي بالشكل ؟!
صفية و هي تكفكف دموعها بعزم :
-خلاص يا عثمان . خلاص أنا مش هعيط تاني.
نظر لها بحزن و شدها إلي حضنه ، ثم قال بهدوء :
-أنا عارف إن حياتنا إتغيرت أو إتقلبت بمعني أصح . بس أنا و إنتي لازم نحط خطوط حمرا لمشاعرنا طول الفترة الجاية خصوصا قدام ماما يا صافي . ماما مش دريانة بأي حاجة . أنا مش قادر أشوفها كده . لازم نعمل المستحيل لازم نساعدها عشان تخرج من إللي هي فيه . إحنا مابقاش لينا غيرها.
وافقته “صفية” بإيماءة صغيرة :
-عندك حق يا عثمان . صدقني أنا بمسك نفسي قصادها جامد أوي . بس بردو هي حالتها أسوأ مننا بكتير . دي مانزلتش دمعة واحدة كاتمة في نفسها و ده إللي مخوفني عليها.
عثمان بثقة :
-هتبقي كويسة . إن شاء الله هتبقي كويسة بس محتاجة شوية وقت .. ثم قال و هو يمسح لها دمعة بأنامله :
-يلا إدخليلها . و زي ما قولتلك إوعي تسيبيها أبدا.
صفية بهمس :
-أوك !
و دلفت إلي أمها ، بينما نزل “عثمان” إلي الأسفل ليوافي “مراد” في الصالون الصغير
كان يحتسي فنجانا من القهوة عندما أقبل عليه ..
-عثمان ! فينك مستنيك بقالي ساعة .. قالها “مراد” و هو يرجع فنجانه إلي الطاولة
عثمان بصوت جاف :
-كنت عند أمي .. ثم جلس قبالته و أكمل :
-عملت إيه مع رئيس التحرير ؟
مراد بجدية :
-خلاص الموضوع إنتهي و هو فهم رغبتك خلاص.
عثمان بخشونة :
-مش مهم يفهم رغبتي . المهم يفهم إني ممكن لو حبيت هوديه في ستين داهية و هقفله الجريدة خالص.
مراد بصوت مهدئ :
-إهدا يا عثمان الراجل ما قالش حاجة و بعدين هو مالوش ذنب الصحافيين إللي عنده هما إللي جريوا يغطوا الحادثة و نشروا الخبر و في كل الأحوال أي جريدة تانية لو كانت جاتلها الفرصة تنشر الخبر قبل أي حد كانت عملت كده.
عثمان بغضب :
-أنا ماحبش إسمي أو إسم عيلتي يبقي لبانة في بؤ إللي يسوا و إللي مايسواش.
مراد بتعجب :
-يابني ما إنتوا عيلة مشهورة و من زمان من أيام جدودك و الصحافة بتكتب عنكوا إيه إللي جد ؟!
عثمان بإنفعال :
-إللي جد إن مهنتهم بقت قذرة أوي و بقوا يألفوا علي مزاجهم . كذا خبر نزل عن الحادثة مش منطقي و مالوش أي علاقة بينا و قضايا التعويض إللي رفعتها هي إللي هتأدبهم عشان يحرموا ينشروا كلمة واحدة قبل ما يتأكدوا منها.
مراد بإنزعاج :
-خلاص بقي يا عثمان هدي أعصابك . إنت بقيت صعب أووي !
زفر “عثمان” غاضبا ، ثم قام من أمامه و مضي إلي خارج المنزل كله …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في إحدي وكالات الأنباء الشهيرة … تجلس “چيچي” أمام المدير في هذا الثوب الغريب عليها تماما
كانت ترتدي نظارة شمسية كبيرة أيضا لتداري وجهها ، و كانت تغطي شعرها بوشاح داكن اللون ظهرت من تحته بعض من خصلاتها الشقراء ..
-أنا جيت علي سمعة الوكالة الأخبار عندكوا بتنتشر بسرعة رهيبة و بتوصل لكل الناس و ده إللي أنا محتاجاه ! .. قالتها “چيچي” بصوت ثابت النبرات
المدير و هو يقلب الصور بين يديه :
-مفهوم حضرتك . بس أعتقد إن خبر زي ده لو إتنشر في وقت زي ده مش هيبقي حلو علي سمعة عيلة البحيري . إنتي عارفة هما بيمروا بإيه يا أنسة . آا و لا يا مدام ؟
چيچي بضيق :
-حضرتك قول إللي إنت عايزه مش هتفرق . بص يافندم أنا شرحتلك مشكلتي و فهمتك إن في علاقة بيني و بين عثمان البحيري . أنا بقالي كتير معاه و هو مش راضي يعلن عن أي حاجة تخصنا . ضغطت عليه كتير بس ده أحسن وقت . أرجوك ساعدني ! .. و لفظت أخر جملة برجاء
المدير بعد تفكير :
-ماشي يا مدام . أوعدك هعمل كل إللي أقدر عليه عشان أساعدك.
چيچي بإمتنان :
-بجد ميرسي أوي . أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي !
المدير بإبتسامة خفيفة :
-العفو يا مدام.
چيچي و هي تقوم من مكانها :
-أول ما أشوف الخبر منشور هدفعلك مبلغ معقول أوي.
المدير بجدية :
-حضرتك لسا قايلة إنك جاية علي سمعتنا . إحنا هنا في الوكالة ماتهمناش الفلوس إحنا إللي يهمنا بجد قيمة الخبر و عيلة البحيري أكبر عيلة في إسكندرية و ليهم شعبية واسعة جدا . الناس كلها بتهتم بأخبارهم و دي حاجة هتعود علينا بمكسب أكبر من الفلوس.
چيچي بإبتسامة :
-أوك . يبقي متفقين . إستأذنك بقي دلوقتي !
المدير بكياسة و لطف :
-إتفضلي . نورتينا.
و حالما خرجت ضغط بسرعة علي زر الإستدعاء ، ليحضر ذاك الشاب خلال ثوان قصيرة ملبيا ندائه ..
الشاب بخباثته المعهودة :
-آمرني يا ريس . في مصلحة جديدة و لا إيه ؟ المزة جتلك محملة صح ؟ .. و غمز له بعينه
المدير بتوبيخ :
-إهمد شوية ياض و طرطألي ودانك . عايزك تنزل بسرعة و تقطرلي البت إللي لسا نازلة . عايزك تجيبلي قراراها و تعرفلي هي مين.
الشاب بضيق مصطنع :
-إنت ماتحتاجنيش أبدا إلا في المشاوير ؟!
-بقولك إيه مش عايز رغي كتير و بعدين إنت عارف إني معينك هنا ندورجي ببعتك تجيبلي أخبار الناس و بديك أجرك .. ثم قال بصرامة :
-إنجز بقي و ألحقها بسرعة قبل ما تمشي أحسن و الله أمشيك أنا و دلوقتي حالا.
الشاب بضحكة ساخرة :
-لا و علي إيه . هطير أنا أهو و هاجبيلك أخرها قبل أولها كمان ده إنت تؤمرني يا ريس.
و إنطلق متعقبا إثر الزائرة
بينما أمسك المدير بهاتفهه و أخذ يبحث في اللائحة عن إسم معين …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل”بحيري” … تذهب “هالة” لتطمئن علي والدها
تجده جالسا في الظلام وحده ، غرفته هادئة تماما و كئيبة مثل كل شيء في البيت كله ..
تقترب منه ببطء ، ثم تركع أمام مقعده و تقول بصوت حزين :
-بابي ! إنت كويس ؟ .. يا بابي بليز رد عليا . هتفضل ساكت علطول كده ؟!
رفعت بصوت خال من أي تعبير :
-عايزاني أقول إيه يا هالة ؟ مافيش كلام ممكن يتقال خلاص.
هالة و هي تمسك يده الكبيرة بكلتا يداها :
-إنت بقالك إسبوع علي الحال ده . لا بتاكل و لا بتشرب و حابس نفسك في الأوضة . حرام عليك يا بابي أنا و صالح محتاجينلك.
و هنا نظر “رفعت” إلي إبنته ..
تراقصت بعينا الدموع و هو يقول :
-أخويا مات يا هالة . يحيى .. أخويا الصغير مات . مات و هو زعلان مني . أنا عمري . عمري ماتخيلت إن له في قلبي الحب ده كله . عمري ما فكرت إني هندم أووي كده علي كل موقف . كل لحظة زعلته فيها . كنت دايما بقول علي نفسي أنا الكبير . لكن هو إللي طول عمره كان الكبير . بأفعاله و تصرفاته . أنا كنت أخ وحش أوووي عمري ما حبيته عمري ما خدت بالي منه.
و أطرق رأسه مجهشا بالبكاء ، لتقوم “هالة” و تحتضنه بقوة قائلة :
-يا بابي كفاية . عشان خاطري كفاية ! .. كانت تبكي مثله الآن
رفعت بصوت كالأنين :
-ماكنش يستاهل مني كل الكره ده . نفسي أشوفه بس و لو لمرة واحدة . عايز أعتذرله و أترجاه يسامحني . يا ريتني كنت أنا إللي مت و هو إللي عاش علي الأقل كان ممكن يسامحني أنا ماستهلش أعيش بداله ماستهلش.
هالة بحزن شديد :
-يا بابي إسكت . كفاية بالله عليك . ربنا يخليك لينا أنا مستحيل أقدر أعيش منغيرك.
رفعت بمرارة حارقة :
-و أنا دلوقتي بقيت لوحدي . أخويا سابني و مش هقدر أعيش منغيره . ماعادش ليا حد و لا ضهر . ماعادش ليا لازمة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في سيارة “عثمان البحيري” … يركن قريبا من الشاطئ ، ثم يترك سيارته و يمضي بإتجاه البحر
يجلس فوق الرمال بعيدا عن الأمواج قليلا غير عابئ بتلويث ملابسه السوداء
ينظر إلي السماء الحالكة الملبدة بالغيوم و المرصعة بالنجوم … يطلق تنهيدة حارة مطولة ، ثم يخرج هاتفهه من جيب سترته و بدون تردد يتصل بها ..
يأتي صوتها بعد لحظات :
-ألو !
عثمان بنبرة مهمومة :
-سمر ! .. إزيك ؟
سمر بصوت حذر :
-الحمدلله . إزيك إنت ؟!
عثمان بقنوط :
-أهو . عايش . عادي يعني .. ليه ما سألتيش عليا طول الأيام إللي فاتت ؟ إنتي ماعرفتيش إللي حصل ؟
سمر بتردد :
-عرفت . بس ..
-بس إيه ؟
-ماحبتش أضايقك . إنت في إيه و لا في إيه ؟
عثمان بإهتمام :
-ليه إنتي عندك مشكلة و لا حاجة ؟؟
سمر بتوتر :
-لأ . مش بالظبط كده .. بس بقالي يومين حاسة إني تعبانة شوية.
-سلامتك . طيب أجي أخدك للدكتور ؟!
سمر بإسراع :
-لأ . إن شاء الله هبقي كويسة . مالوش لزوم الدكتور !
-هو أخوكي لسا عندك ؟
-لأ سافر إمبارح.
-طيب ممكن أشوفك بكره ؟
صمتت “سمر” و لم تجب …
عثمان برجاء :
-من فضلك يا سمر . أنا محتاجلك أوي . أنا عارف إنك بتكرهيني بس معلش حاولي تنسي مشاعرك شوية و تستحمليني الفترة دي.
سمر بعد صمت طويل :
-حاضر . أشوفك بكره !
عثمان بجدية :
-بس ملك ماتكونش معاكي زي المرة إللي فاتت .. و هنا دخلت مكالمة أخري علي الخط ، ليستأذنها بلطف :
-سمر معلش هقفل معاكي دلوقتي معايا مكالمة تانية !
-إتفضل طبعا .. و أغلقت معه ، ليرد :
-ألو !
المتصل :
-ألو السلام عليكم . عثمان بيه البحيري معايا ؟!
عثمان بصوت أجش :
-أيوه . مين معايا ؟
المتصل :
-أنا عبد المنعم صقر مدير وكالة ( ——— ) الخاصة بأخبار الفن و المجتمع.
عثمان و قد إكتسب صوته نبرة عدائية :
-أهلا . خير حضرتك ؟ يا تري بتكلمني بخصوص قضية التعويض إللي رفعتها عليك ؟ أحب أقولك دي أقل حاجة عملتها معاك رغم إني معاك في إن قيمة التعويض كبيرة شوية بس ده عشان تقدر تميز بعد كده بين الأخبار قبل ما تنشرها خصوصا لو كانت متعلقة بيا أو بأي واحد من عيلتي.
-بالراحة شوية يا عثمان بيه . أنا مش بكلمك عشان أتفاوض معاك علي قيمة التعويض . إنت عارف إننا وكالة كبيرة و ممكن ندفعلك المبلغ كاش و من بكره الصبح لو حبيت.
عثمان بغضب :
-أومال بتكلمني ليه ؟ أخلص و هات من الأخر عشان صبري إبتدي ينفد.
-أنا بكلم حضرتك دلوقتي عشان في مستندات تحت إيدي أعتقد إنها مهمة و تخصك.
عثمان بإستغراب :
-مستندات إيه دي ؟؟؟
-لا يا باشا مش هينفع في التليفون . لو ممكن تشرفني دلوقتي خمس دقايق بس هتشوف بنفسك و تقول رأيك قبل ما أنشر أي حاجة و تزعل مننا تاني.
عشرة دقائق … و كان “عثمان” بمقر الوكالة
-أهلا أهلا يا عثمان بيه ! .. قالها المدير و هو يقف و يصافح “عثمان” بحرارة ، و تابع بترحيب :
-خطوة عزيزة . بجد ده شرف ليا إنك واقف في مكتبي دلوقتي.
عثمان بفتور :
-أنا جيت أهو يا أستاذ عبد المنعم . فين المستندات المهمة إللي تخصني دي ؟!
عبد المنعم بإبتسامة :
-طيب أقعد يافندم.
تنهد “عثمان” بصبر ، و جلس أمامه
فتح “عبد المنعم” أحد أدراج مكتبه ، و أخرج مظروف كاكي اللون و ناوله إياه ..
أخذه “عثمان” و فتحه بنفاذ صبر و سحب محتوياته … لتتسع عيناه بغضب و هو يشاهد تلك الصور التي ضمته مع “سمر” و شقيقتها في ذلك النهار الأسود الذي توفي فيه والده ..
-مين إللي جابلك الصور دي ؟؟؟ .. صاح “عثمان” بغضب شديد و هو يهب من مكانه كما العاصفة
أجفل “عبد المنعم” بشئ من التوتر و قال :
-إهدا شوية يا عثمان بيه . حضرتك ممكن تسأل بهدوء و أنا أجاوبك.
بلغ “عثمان” قمة غضبه ، فمشي صوب مدير الوكالة بخطوات واسعة ..
أمسك بتلابيب قميصه و إجتذبه ليقف علي قدميه أمامه :
-و رحمة أبويا لو ما إتكلمت و قولتلي مين إللي جابلك الحاجات دي لاكون دفنك هنا و يسلام لو كنت جايبني و بتساومني و تكون إنت إللي بعت جواسيسك يلموا ورايا أقسم بالله هتشوفوا إللي عمركوا ما شوفتوه علي إيدي.
عبد المنعم بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-نزل إيدك يا عثمان بيه مش طريقة حوار دي . أنا لا بعت جواسيس وراك و لا نيلة كل الحكاية إن في واحدة جاتلي من شوية و سلمتني الصور دي.
عثمان بعصبية مفرطة :
-و دي مين دي إسمها إيه إنطق ؟؟؟
-عبد المنعم بنفس الحدة :
-ماعرفش إسمها إيه بس هي كانت محجبة و الاكيد إن هي إللي في الصورة يعني.
بـُــهت “عثمان” في هذه اللحظة ، و تبدلت ملامحه إلي الصدمة و عدم التصديق !!!!!!
يتبـــــع …