رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ فرار ! _
تخرج “سمر” من المرحاض بعد أن قامت بغسل وجهها و قد نجحت في إزالة آثار البكاء عنه … لكنها لم تستطع أبدا طرد شعور البؤس و المرارة المهيمن عليها
كان “عثمان” يقف أمام الخزانة و قد أعطاها ظهره ، بينما صدر عن حذائها أصوات أنبأته بحضورها
إستدار لها باسما ..
-خلصتي أخيرا يا حبيبتي ؟ تعالي . تعالي أوريكي حاجة !
مشت “سمر” صوبه بخطوات وئيدة ، في حين مد “عثمان” يده داخل الخزانة و إلتفت إليها بعد لحظات و هو يحمل علبة كبيرة مغطاة بالمخمل الأسود ..
-أولا أنا بعتذر إن حاجة زي دي جت متأخر ! .. قالها “عثمان” بإبتسامته الجذابة الآسرة ، و تابع :
-دي هدية مني ليكي . كان المفروض أقدمهالك أول ما جينا هنا المرة إللي فاتت . لكن للآسف نسيت . طول ما أنا معاكي بنسي كل حاجة يا سمر . و ده إللي عاجبني في علاقتنا.
إبتسمت بإستهزاء ، فتنهد “عثمان” بضيق و فتح العلبة ليخرج عقدا من الماس المرصع باللؤلؤ و الزمرد ذا بريق يخطف الأبصار ، مع قرطين مماثلين و خاتم و سوار ..
-الطقم عليه توقيع Damas ! .. تمتم “عثمان” بتفاخر و أردف :
-كل قطعة منه نادرة ماتلاقيهاش بسهولة لا هنا و لا حتي في البلد إللي إتصنع فيها . دفعت فيه مبلغ كبير جدا .. بس مش خسارة فيكي.
سمر بإزدراء شديد :
-قولتلك مش عايزة منك حاجة.
رد “عثمان” بصوت هادئ عميق :
-هديتي ماينفعش تترد يا بيبي . و بعدين إنتي مش فاهمة . الطقم كأنه معمول عشانك . تعالي نجربه عليكي عشان تتأكدي بنفسك !
لامست أصابعه الدافئة رقبتها و هو يضع لها العقد ثم يعلق القرطين بأذنيها ، بعد ذلك جرها إلي المرآة كي يريها المجوهرات التي زينت صدرها و أذنيها ..
لم تكن “سمر” تتخيل أن يستطيع رجل ما أن يقودها كما يفعل هذا الرجل الآن … زوجها الذي لا تعرف إذا كان زواجهما حق يعترف به أم باطل !!!
-إنتي جميلة أووي يا سمر .. همس “عثمان” من بين لفائف شعرها ، و أكمل و هو ينظر إلي إنعاكسها بالمرآة :
-أجمل من كل المجوهرات إللي في الدنيا دي . كنت فاكر إن هديتي هتزود جمالك .. لكن العكس إللي حصل . جمالك هو إللي كسب.
أبعدت “سمر” يده عن عنقها ببطء و قالت بإرتباك :
-شـ شكرا . بس أنا مش هينفع أقبل الهدية دي.
عثمان بحنق :
-ليه مش هينفع ؟
إلتفتت “سمر” له و أجابت بتوتر :
-عشان هي غالية زي ما إنت قلت و لو حد شافها عليا الموضوع ممكن يتكشف.
تآفف “عثمان” بنفاذ صبر ، ثم قال بحدة و هو يضع يديه علي كتفيها :
-الهدية مش هترجع سامعة ؟ هتاخديها و مايهمنيش لو حد شافها عليكي . في مليون حجة ممكن تخلقيها.
كادت “سمر” أن تجادله فقاطعها بصرامة :
-خلآااص إنتهي .. و أكمل بلطف مفاجئ :
-خلاص بقي عشان تشوفي المفاجأة التانية !
و أشار لها بإصبعه نحو ركن منفرد بأخر الغرفة ، لتري “سمر عشرات العلب البيضاء الكبيرة مطبوعة عليها العلامات التجارية باللون الذهبي و شريط بنفس اللون أيضا علي كلا منها ..
-أنا ماعرفش مقاسك في اللبس ! .. قالها “عثمان” بجدية و هو يحك طرف ذقنه بأنامله ، و تابع :
-بس إنتي جسمك قريب من جسم صافي أختي فإعتمدت علي كده و دخلت عملتلك Shopping من علي النت . إخترتلك حاجات هتعجبك أوي و كمان مانستش الجزم طبعا بعد ما شوفت مقاس جزمتك المرة إللي فاتت طلبت الـOrder كله علطول.
سمر بشئ من الحدة :
-بس أنا محجبة.
عثمان بسخرية :
-طب ما أنا عارف إنتي جبتي جديد يعني ؟ .. و لما أدرك قصدها صاح :
-آااااه فهمتك . ماتقلقيش كل الهدوم خاصة بالمحجبات أكيد حاجة زي دي مش هتفوتني و أكيد مانستش إنك محجبة يعني .. ثم مد وجهه للأمام و قال بخبث :
-بس في حاجات تانية مش تبع المحجبات خآاالص إشترتهالك بردو !
أجفلت “سمر” بتوتر ، فضحك و سحبها من يدها في إتجاه السرير ، حيث ربضت حقيبة عملاقة أشبه بحقائب السفر ..
-الشنطة دي بقي فيها هدوم عشاني أنا ! .. قالها “عثمان” مبتسما بمكر ، ثم أكمل و هو يلمس شفتها السفلي بإصبعه :
-الشنطة دي الوحيدة إللي هتفضل هنا . ما إللي جواها ماينفعش تلبسيه في مكان تاني . ماينفعش حد يشوفك لابسة كده .. غيري !
إنتفضت “سمر” و إبعدت نفسها عنه و هي تقول بحدة :
-أنا أصلا مش عايزة أي حاجة . مش هاخد الحاجات دي.
عثمان بثقة :
-هتاخديهم يا حبيبتي . أنا محدش يقولي لأ.
سمر بتحد سافر :
-طب أنا بقولك لأ . و مش هاخد حاجة.
قهقه “عثمان” عاليا و قال :
-يا جآااامد . أحب الجرأة بردو .. طيب هنحل المشكلة دي بعدين بس دلوقتي تعالي نتغدا سوا أحسن أنا جوعت خالص و الأكل كمان زمانه برد برا زي المرة إللي فاتت . تعالي يلا !
و مد لها يده ..
ترددت “سمر” للحظات ، ثم أعطته يدها … فسحبها بقوة و ضمها إلي صدره بلطف مدمدما :
-يومين يا سمر . هتكوني فيهم ملكي لوحدي تمآااااماً !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
الثانية ظهرا … عند كلية { الفنون الجميلة }
تقف “هالة” وحدها حائرة ، لا تعرف أين تتوجه بالضبط
و فجأة تشعر بشخص ينقر بخفة علي كتفها ، فإلتفتت بسرعة ..
-مراد ! .. هتفت “هالة” بإستغراب و هي تري “مراد” يقف أمامها و هنا في هذا المكان
مراد بإبتسامة :
-إزيك يا هالة ؟
هالة بحذر :
-الحمدلله . إنت بتعمل إيه هنا ؟!
-أنا جاي عشانك.
هالة بدهشة :
-جاي عشاني !!
-أيووه . ما أنا أصلي كنت جمب أنكل رفعت لما كلمتيه و قولتيله إنك محتاسة هنا و مش عارفة تعملي حاجة فهو بقي كلفني بالمهمة دي.
-مهمة إيه ؟
-مهمة البحث معاكي. إنتي مش كنتي جاية تدوري علي الكتب و الجداول بتاعتك ؟
-أيوه !
مراد بإبتسامة عريضة :
-أنا بقي جاي عشان أكون المرشد بتاعك.
هالة بتفهم :
-ممم . طيب إنت هتعرف يعني ؟ قصدي إنت عارف الكلية هنا عارف هنروح فين ؟ أصلها كبيرة أووي !
مراد بغرور زائف :
-يابنتي أنا بعون الله جن أعرف كل حاجة و بالذات إسكندرية أعرفها شبر شبر.
هالة بإبتسامة ساخرة :
-طيب أما نشوف . وديني بقي دلوقتي مكتب الشئون.
حمحم “مراد” بتوتر و قال :
-أوك هوديكي . بس تعالي نسأل البنت إللي هناك دي شكلها دارسة الكلية كويس.
هالة بضحك :
-و إنت عرفت منين ؟؟
مراد بحذاقة :
-إيه إللي عرفت منين ! ده أنا ليا نظرة ثاقبة بعرف بيها إللي قدامي علطول.
ضحكت “هالة” منه أكثر ، ليبتسم “مراد” لرؤيتها هكذا و يقول :
-طب ما إنتي حلوة أهو يا هالة . أومال كنتي مكتئبة ليه اليومين إللي فاتوا ؟؟
تجهمت “هالة” فجأة ، فأجفل “مراد” قائلا :
-أنا آسف . ماكنش قصدي ..
تنفست “هالة” بعمق ، ثم قالت بإبتسامة هادئة :
-و لا يهمك يا مراد . ممكن بقي نروح نشوف إللي ورانا ؟!
مراد بخجل :
-لما إتأكد إنك مش زعلانة الأول !
هالة بلطف :
-و أنا هزعل ليه ؟ إنت ماقولتش حاجة تزعل أنا فعلا كنت مكتئبة شوية . إنت عارف بقي الدنيا بقالها فترة ملخبطة معانا . حادثة صالح و تعبه و سفرنا من باريس لهنا و الجامعة حاجات كتيييير مش مترتبة.
تنهد “مراد” براحة و قال :
-تمام . طيب يلا بينا بقي ياستي نشوفلك الكتب و الجداول !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••••
في منزل الجارة “زينـــــب” … يلج “صابر” إلي الشقة
فيجد زوجته تجلس بالصالة و علي فخذيها ترقد “ملك” مستسلمة للنوم ..
-إيه ده يا وليـه ! تآااني ؟ تاني المفعوصة دي مقعداها عندنا ؟ أنا مش قلت ماتجيش هنا تاني ؟؟؟
هكذا ملأ “صابر” البيت صياحا ، لترد زوجته بحدة و هي تحافظ علي نبرة صوتها المنخفضة :
-وطي صوتك يا راجل البت هتصحي !
صابر بإنفعال :
-ما تصحي و لا تتأندل . مش كفاية مخلياني سايب لأخواتها الشقة بالغصب كمان جايبهالي شقتي و مقعداها في وشي !!
و هنا تململت الطفلة بقلق ، فأسرعت “زينب” و ربتت عليها بحنو حتي إستكانت مرة أخري
قامت و مددتها علي الآريكة ، ثم توجهت صوب زوجها و زمجرت :
-إتهد شوية يا صابر و إنكتم . أوعاك تكون فاكرني نايمة علي وداني و ماعرفش إن عينك كانت من سمر . أنا عارفة كل حاجة ياخويا بس بسكت بمزاجي و كمان حبيت أسيبك تجرب و كنت بتمني تروح تقولها عشان تفضحك وسط الحتة و أخوها كان عملها و جاب أجلك.
جحظت عيناه بصدمة لمعرفة زوجته بهذا الأمر ، فقد كان سر لم يبوح به لأي مخلوق ..
صابر بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-آاا آ إنتي إتخبلتي في نفوخك يا وليه ؟ سمر إيه دي إللي هبوصلهـ آا ..
-قولتلك إنكتم يا صابر ! .. قاطعته “زينب” بصرامة ، و تابعت :
-أنا واخدة بالي من كل حاجة . و لعلمك أنا غصبت عليك تسيب البت هي إخواتها في البيت عشان أنا واثقة فيها . واثقة من تربيتها و أخلاقها لكن إنت ماعنديش ذرة ثقة فيك.
صابر بإستهجان :
-ماشي ياختي . عموما أنا هسيبك تطمعيهم فيكي بزيادة . بشوقك ما الملك ملكك . البيت بتاعك و الضرر كله هينعاد عليكي.
-عليك نووووووور . أديك قولتها أهو . الملك ملكي . يعني أخرج منها إنت يا صابر و مالكش دعوة بالناس إللي بدخلهم بيتي.
صابر بغيظ :
-ماشي يا زينب . علي راحتك خآاالص .. ثم سألها و هو ينظر نحو “ملك” بضيق :
-طيب و بسلامتها قاعدة عندنا لحد إمتي ؟
زينب بنفاذ صبر :
-لحد ما أختها ترجع.
صابر و هو يقلدها بتهكم :
-و أختها راجعة إمتي ؟
زينب بجدية :
-هي لسا قافلة معايا و قالتلي هتغيب يومين.
صابر بدهشة :
-هتغيب يومين فين يا وليه ؟!
-عند واحدة صاحبتها في الشغل تعبت فجأة و هتروح تقعد معاها في بيتها عشان تاخد بالها منها أصلها وحدانية و مالهاش حد.
صابر بضحكة ساخرة :
-صاحبتها بردو يا زينب ؟
زينب بتعجب :
-في إيه يا راجل مالك ؟!
صابر بحنق شديد :
-ماليش ياختي . الحكاية و ما فيها بس إن الهانم الكبيرة أخت الهانم الصغيرة سايبالك الجمل بما حمل و دايرة علي حل شعرها و الغضنفر أخوها سافر و لا علي باله إحنا بس إللي قاعدين شايلين الطين هنا.
زينب بغضب :
-لم لسانك يا صابر الكلام ده ماينفعش و حرام.
صابر و هو يشيح بيده في حركة عصبية :
-بلا حرام بلا حلال بقي . إنتي براحتك إعملي إللي إنتي عايزاه.
و مشي من أمامها ..
بينما ظلت هي بمكانها تفكر في كلماته و إشارات الإستفهام تملأ رأسها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في يخت “عثمان البحيـري” … بناءً علي رغبته ، قامت “سمر” بإعداد وجبة العشاء و إنتهت من تحضير الطاولة
ليصر عليها بعد ذلك بأن تدخل إلي الغرفة و تبدل ملابسها و ترتدي شيئا من تلك الحقيبة السرية ..
رفضت طلبه لكنه لم يسمح لها بالإعتراض مرة أخري و أجبرها ، حيث أخذ يزجها زجا نحو الغرفة و قد أعطاها مهلة لا تقل عن عشرة دقائق لتكون جاهزة و إلا سيدخل هو و يفعلها بنفسها
سارت “سمر” متعثرة صوب الحقيبة المفخخة ، خالت و كأنها ستنفجر بوجهها في أي لحظة !
كانت فيها حقيبة آدوات زينة صغيرة ، و كانت فيها الكثير من قطع الملابس الوردية ..
إستبدت الصدمة بـ”سمر” و هي تبحث بين كدسات الثياب المرتبة بعناية ، كانت هناك كمية فظيعة من المخرمات و التـُل الشفاف و الساتان اللامع بين يديها
كلها ملابس داخلية … داخلية جدا ، عليها بطاقات فرنسية
لا يوجد بينهم شئ محتشم علي الإطلاق ، هل يمكن أن ترتدي ذلك حقا ؟ .. لا مستحيل !!
في هذه اللحظة سمعت طرق علي باب الغرفة ثم سمعت صوته ينذرها يتحذير :
-هآاا يا بيبي ! خلصتي و لا لسا ؟؟؟
سمر بإرتباك :
-لـ لسا !
-مش محتاجة مساعدة ؟!
سمر بإسراع :
-لأ شكرا.
بدا صوته نافذ الصبر و هو يقول :
-أووك . يلا بقي إطلعي بسرعة . مش قادر أصبر أكتر من كده !
و سمعت صوت خطواته تبتعد قليلا عن الغرفة ..
إزدردت ريقها بتوتر و هي تعيد نظراتها إلي محتويات الحقيبة ثانيةً
أخذت تقلب الثياب محاولة إيجاد شئ مناسب ، محتشم و لو قليلا … و لكن دون فائدة !!!
إستقرت في الأخير علي هذا الثوب ..
وقفت أمام المرآة لتراه بعد أن لبسته
ناعم بلون النبيذ ، من التـُل الشفاف بطول الكاحل و بحمالتين رفعيتين ، له فتحة تصل لمنتصف الصدر و فتحة أخري مثلثية تكشف عن ظهرها كله
إرتدت أسفله ألبستها الداخلية لتتداري مناطقها ..
-يا نهار إسود ! .. تمتمت “سمر” بذعر و هي ترتجف كعصفور مبتل
-معقول يشوفني بالشكل ده ؟ .. لأ . إيه إللي أنا فيه ده ؟ أي حاجة يقولها لازم أنفذها ؟ .. ما هو إشتراني بقي . أفتح بؤي ليه و أقول لأ !!
-كل ده بتعملي إيه ؟؟؟ .. صاح “عثمان” و هو يقتحم الغرفة فجأة
شهقت “سمر” بفزع و إلتفتت له ، بينما تسمر بمكانه يحدجها بنظرات جريئة ..
نظرات جائعة ، مشتعلة .. إرتعدت “سمر” و هي تتلفت حولها باحثة عن أي شئ تسطر به نفسها
وقعت عيناها علي الروب الحريري الأبيض فإنطلقت لتأخذه من فوق الفراش ، لكنه سبقها و قبض علي رسغيها ..
-بتعملي إيه ؟ .. قالها “عثمان” بصوت هامس ، ثم لف ذراعه حول خصرها و شدها لتلتصق به
سمر و قد زادت رجفتها و أثرت علي صوتها :
-الهدوم دي ماتنفعش خالص . أنا مش متعودة عليها !
عثمان بلهجة مستثارة و هو يقبل أسفل خدها ثم عنقها :
-بسيطة . إتعودي يا حبيبتي .. إنتي مش متخيلة منظرك . يجنن إزاي ؟!
عرفت أن الآن لا مفر منه ، عندما ينظر إليها بهذه الطريقة ، عندما يتصرف علي هذا النحو ، فهو قد فقد السيطرة علي نفسه تماما ..
إستسلمت لمصيرها كالعادة ، توقفت عن الحركة ، و أغمضت عيناها بشدة لكي لا تراه أبدا
في اللحظة التالية شعرت بشفتاه تلتقيان بشفتاها بنهم لا يخلو من العنف ..
شعرت أيضا بغضبه عندما لاحظ برودها ، بينما أمسك بمؤخرة رأسها بإحدي يديه و أمسك كتفيها بالثانية و إستمرت مداعباته في سعي يائس لإيقاظ أحاسيسها
و لكن دون جدوي ، لوح جليد غير قابل للذوبان في مواجهة ألسنة لهب حارقة ..
-إنتي مـــالك ؟ .. غمغم “عثمان” بغيظ ، ففتحت “سمر” عيناها و نظرت إليه
سمر بدهشة و أنفاسها تتلاحق بشدة و كأنها فرغت من سباق طويل للتو :
-مش فاهمة !!
عثمان بحنق :
-متخشبة كده ليه ؟ فكي نفسك شوية . محسساني إني غاصبك !
سمر بحيرة و إرتباك شديدين :
-أعمل إيه يعني ؟!
عثمان بنفاذ صبر :
-إعملي زيي.
و هم بالإقتراب منها مجددا ، لكنها أشاحت بوجهها تلقائيا ، فبرزت أوردته و هدر بغضب و هو يهزها بعنف :
-إنتي كده بتزهقيني . المرة إللي فاتت كان ليكي عذر عشان كانت أول مرة . لكن المرة دي لازم تظبطي نفسك . أنا بعملك كل إللي إنتي عايزاه و لو طلبتي حاجة أنا مستعد أنفذهالك من واجبك بقي إنك تريحيني و تسمعي كلامي . فكك من جو الضحية ده ماتعشيش الدور و كفاية كده.
سمر و قد إنتقلت لها عدوى غضبه :
-إنت ماتكلمنيش بالإسلوب ده . أنا عملتلك إيه ؟ و بعدين ما أنا قدامك أهو . شفتني فتحت بؤي و لا قولتلك حاجة ؟!
ضغط علي فكيه بقوة و قال :
-سمر . إنتي هنا عشاني . عشان أنا أكون مبسوط . لما تعكريلي مزاجي بقي هزعل . و قولتلك زعلي وحش !
-طيب و تزعل ليه أصلا ؟ خلينا نسيب بعض أحسن و محدش فينا يزعل من التاني.
عثمان بإستهزاء :
-أسيبك بسهولة كده ؟ إنتي ليه يا حبيبتي مش عايزة تصدقي إنك عجباني و عجباني أووي كمان . أنا بضمنلك إنك هتفضلي معايا فترة طويلة جدا .. ماتقلقيش مش هسيبك . ده أنا بعدت أخوكي مخصوص عشان الجو يروقلنا و ماتفضليش كل شوية متكدرة و خايفة منه.
سمر بصدمة :
-بعدت أخويا ؟!!
إبتسم “عثمان” تلك الإبتسامة الشيطانية و أجاب :
-أه . ما أنا عملت تحرياتي عنك و عن أخوكي من فترة و عرفت عنكوا كل حاجة . و دكتور أدهم . أنا إللي بعته و أنا إللي أمرته يشغل أخوكي في شركته و يسفره البحر الأحمر في أخر الدنيا عشان تفضيلي خالص و نبقي مع بعض مدة أكبر .. شوفتي بقي أنا بحبك أد إيه ؟
تجمدت نظراتها المعلقة بعيناه و دموعها راحت تنهمر في صمت … و فجأة تخلصت من ذراعيه لا تدري كيف ، و لكنها خرجت من الغرفة و أسرعت بجنون إلي الخارج ..
أرادت أن تهرب منه إلي مكان ، أي مكان لا يستطيع فيه الوصول إليها
وجدت نفسها وسط الهواء الطلق علي سطح اليخت ، السياج المعدنية شكلت حاجز منيعا يسد منافذ الهرب أمامها ..
ألقت نظرة مذعورة خلفها ، لتجده يسرع في خطاه ليصل إليها و في ضوء الليل الحالك بدا وجهه شيطانيا مخيفا
إبتلعت ريقها بصعوبة ، يائس غريب دفعها للفرار منه ، فأسدلت الستار علي عقلها و إعتلت السياج و ألقت بنفسها في ماء البحر ..
و فجأة كانت بين الأمواج المرتفعة ، تطلق صرخة قبل أن تشعر بموجة هائلة تغطيها و تسحبها إلي القاع
منتصف فصل الشتاء و في أجواء الساحل كــــــــــارثة !
أصابتها برودة الماء بصدمة بدأت تفقدها الوعي أكثر من ذلك القدر الذي ملأ رئتيها حد الإختناق
لكن صوتا هادرا شوشته مويجات البحر قليلا سمعته يتردد في أذنيها :
-ســـــمـــــــــــــــــــــر . ســـــمـــــــــــــــــــــر . ســـــمـــــــــــــــــــــر !!!
و عندما فتحت عيناها فيما بعد ، رأت المياه و هي تتساقط من شعره الداكن علي وجهها ..
-إنتي مجنونة صح ؟ .. قالها “عثمان” لاهثا و أنفاسه تصفق وجهها بقوة ، ثم أكمل و هو يدفن وجهه في عنقها :
-كنتي هتموتينا إحنا الإتنين . أعمل فيكي إيه دلوقتي ؟؟!!
سعلت “سمر” قليلا و قد أفرغت كل المياه من رئيتها بمساعدة “عثمان” … بينما قام هو و حملها إلي الداخل ، لترتجف بين ذراعيه و أسنانها تصطك بقوة ..
ولج بها إلي الحجرة و وضعها في الفراش ، ثم ركع أمامها منقطع الإنفاس ..
عثمان بصوت مبحوح و هو يرتعش بدوره :
-دي أول القصيدة كُفر يا سمر . الليلة باظت !