رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
( 9 )
_ مفاجآت ! _
رفعت “سمر” رأسها بسرعة لتنظر إلي محدثها
كان شابا في مقتبل عمره ، ملامحه نبيلة و جذابة ، يرنو إليها بعينان بنيتان تتسمان بالجرآة و الثقة ، و علي فمه إرتسمت إبتسامة خفيفة جدا ..
-نعم حضرتك ! .. قالتها “سمر” بإستفهام :
-أقدر أساعدك في حاجة ؟!
تحدث الأخير بإتزان ممزوج بالهدوء :
-أنا جاي أقابل المدير.
-في معاد سابق طيب ؟؟
-لأ .. قوليله بس مراد أبو المجد.
أومأت “سمر” بينما أرسلت يدها إلي موضع الهاتف الذي يصل بين مكتبها و مكتب مديرها
رفعت السماعة ، ليأتيها صوته بعد ثوان :
-في إيه يا سمر ؟
سمر بصوت ثابت و رقيق :
-آسفة يافندم . بس في واحد عندي هنا طالب يقابل حضرتك . بيقول إسمه مراد أبو المجد !
عثمان بسرعة :
-دخليه حاالا !
-حاضر يافندم.
و وضعت السماعة ، ثم نظرت إليه و قالت بإبتسامة :
-إتفضل حضرتك .. عثمان بيه منتظرك جوا.
و أشارت نحو مكتب المدير
شملها “مراد” بنظرة فاحصة سريعة ، ثم حيد عنها و توجه صوب غرفة المكتب ..
ولج بإبتسامة واسعة و هو يهتف :
-أنا قلت أعملهالك مفاجأة و أطب عليك يوم الإفتتاح علي غفلة منها أخضك و منها أباركلك !
قهقه “عثمان” بمرح كبير و هو ينهض من خلف مكتبه و يتجه نحو صديقه المقرب قائلا :
-مش أنا إللي أتخض ياض يا — ده أن أخض عشرة زيك و أنا واقف هنا مكاني.
و فتح ذراعاه ليحتضنه بقوة
إحتضنه “مراد” هو الأخر و ربت بقوة علي كتفه و هو يقول :
-واحشني يا عثمان.
عثمان بغبطة :
-و إنت كمان ياض .. عامل إيه ؟
و تباعدا ، ليجيبه “مراد” :
-تمام الحمدلله . إنت إيه أخبارك ؟
عثمان و هو يلوح بيده في حركة دائرية :
-أهو زي ما إنت شايف . مطحون في الشغل الجديد .. تعالي نقعد.
و جلسا في الجهة الأخري من الغرفة فوق آريكة عصرية الشكل ..
-قولي بقي يا سيدي . جاي في إيه ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل و هو يرمق صديقه بنظرات فرحة
بينما قال “مراد” :
-مش في حاجة . أنا نويت بس إستقر هنا.
عثمان بغرابة :
-لا و الله ! ليه كده يابني ؟ أوام زهقت من أوروبا و من بنات أوروبا ؟؟؟
نطق جملته الأخيرة مبتسما بخبث ، ليرد الأخير ضاحكا :
-يابني أنا راجل صحتي علي أدي مش أد الحاجات دي ، ده أنا ماشي بالبركة.
عثمان بغمزة :
-علي بابا يالا ؟ .. إطلع منهم ده أنا عاجنك و خابزك.
-طب يا عم أنا لسا في ليڤل المبتدئين إنما إنت دكتور في الموضوع.
عثمان ببراءة مصطنعة :
-ده أنا ؟ أستغفر الله العظيم !
مراد رافعا أحد حاجبيه :
– لا يا راجل ؟ إسم الله عليك قال يعني قلبت شيخ جامع في 7 شهور ! ده إنت حرمجي أد الدنيا.
-آه يابن الـ—- !
-ده إنت إللي فسدت أخلاقي ، ملفاتك السودا كلها معايا.
-طب أسطر عليا.
و إنفجرا في الضحك معا ، ليكمل “مراد” :
-نسيت عملت إيه في العجمي الصيف إللي فات ؟ إنت يا صاحبي مابتعرفش حريم لأ . ده إنت بتفطر و بتتغدي و بتتعشي حريم.
-خلااااص الله يخربيتك هتجبني الأرض بعين أمك دي . يا صديق السوء .. ثم إبتسم و قال :
-و الله يابني بقالي كتير مانزلتش الملعب .. زهقت ، تصدق محتاج أجدد نشاطي ! محتاج أعمل Refresh.
و هنا صاح “مراد” بإستذكار :
-آاااه صحيح كنت هتنسيني .. إنت إيه إللي هببته مع چيچي ده ؟ إنت كنت في وعيك لما عملت ده كله ؟؟؟!!
عثمان و قد تجهم وجهه فجأة علي إثر سيرة زوجته السابقة ..
عثمان بإقتضاب :
-إفتكرلي حاجة حلوة ونبي .. ماتعكرش مزاجي في يوم زي ده.
مراد بحذر :
-إيه إللي حصل بس يا عثمان ؟ ده إنتوا إتجوزتوا !!!
ما زال علي صمته ، فتنهد “مراد” بثقل و حاول مرة أخري ..
مراد بلهجة هادئة :
-عثمان .. إحكيلي يا صاحبي . طول عمرنا بنحكي لبعض .. قولي بس ليه طلقتها ليلة جوازكوا ؟ شفت عليها حاجة ؟!
-خاينة ! .. قالها “عثمان” بغضب شديد ، ليرتد “مراد” متمتما :
-خاينة ؟ .. إنت . إنت إتأكدت كويس طيب ؟ مش يمكن تكون بريئة ؟ مش يمكن إنت ماخدتش بالك من حاجة !
عثمان و هو يقول بإستهجان :
-هو أنا تلميذ و لا إيه ؟ .. ثم أردف بعدم إهتمام :
-و بعدين أنا مالمستهاش أصلا.
مراد بدهشة :
-الله ! طب بناءاً علي إيه بتقول خاينة ؟؟!!
نظر إليه “عثمان” في صمت لبعض الوقت ، ثم بدأ يسرد عليه كافة التفاصيل …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل “بحيري” … يصلا كلا من “يحيى” و “فريال” إلي المنزل أخيرا ، و بمفردهما
يعبرا البوابة الضخمة بتلك السيارة الفارهة ، يصفها “يحيى” بإهمال وسط الساحة الداخلية ، ليأتي البستاني و يأخذ مكانه ليدخلها إلي الكراچ ..
تتجه “فريال” في هذه الأثناء إلي الدرج المؤدي لباب المنزل ، يلحق بها “يحيى” مسرعا ، ثم يمسك بذراعها و يديرها إليه مغمغما بغلظة :
-إنتي كده بتزويدها أوي يا فريال .. مش شايفة إنك مكبرة الموضوع ؟؟؟
فريال بجفاء و هي تحاول أن تخلص ذراعها من قبضته :
-الموضوع كبير يا يحيى . إنت فعلا مش مهتم بإللي حصل لإبن أخوك و فوق كده رايح تشد معاه في المستشفي إنهاردة.
يحيى بعصبية :
-عايزاني أعمل يعني ؟ ما أنا علي إيدك روحت قابلت رئيس النيابة عشان أقدم بلاغ في رشاد بس قالي طالما مافيش دليل يبقي ماينفعش يتوجهله إتهام عشان عضو زفت مجلس شعب.
-بردو إنت مش عايز تتعب نفسك في الموضوع . و مش مقدر إن صالح فدا إبننا يعني لو ماكنش هو إللي أخد العربية و طلع بيها في الليلة دي كان عثمان هو إللي ركبها و كان زمانه مكانه دلوقتي .. الله لا يقدر طبعا !
يحيى متآففا بضيق :
-أنا مابقتش عارف أرضي مين و لا مين في البيت ده . مهما بعمل محدش فيكوا بيحس . بفضل أصلح في غلط كل واحد و في الأخر كلكوا بتضغطوا علي أعصابي بطريقة مستفزة !
و كاد يتجازوها إلي الداخل ، فأمسكت بيده قائلة :
-خلاص .. خلاص يا يحيى . أنا آسفة.
أغمض عيناه لبرهة و هو يتنفس بعمق ، ثم إستدار إليها و قال بهدوء :
-أنا مش فرحان في إللي حصل لإبن أخويا يا فريال . صالح ده إبني . زيه زي عثمان و صفية بالظبط .. رفعت بس إللي طول عمره واخد مني موقف و لا مرة قدرت أفهمه !
إبتسمت “فريال” بخفة ، ثم وضعت كفها علي وجهه و قالت :
-أنا عارفة إن مافيش في الدنيا قلب أطيب من قلبك .. عشان كده حبيتك يا يحيى . ماتزعلش مني.
يحيى مبتسما بحب :
-أنا مش ممكن أزعل منك يا فريال .. إنتي حبيبتي . و أنا إللي مقدرش أزعلك أبدا.
و أرسل نظرات عاشقة إلي عيناها الملونتين ، ثم أخذ كفها الذي إحتضن وجهه ، و رفعه إلي فمه ليطبع قبلة عميقة مطولة في باطنه
إتسعت بسمتها أكثر ، و ألقت برأسها خجلة علي كتفه ، ليلف ذراعه حول خصرها و يكملا معا طريقهما إلي الداخل …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
-يانهار أزرق ! .. قالها “مراد” بصيحة ذاهلة ، و تابع :
-عملت كده قبل فرحكوا بإسبوع ؟ جالها قلب تعملها إزاي بنت الـ— دي ؟! .. ثم تساءل بإهتمام :
-طيب و إنت عرفت إزاي الحوار ده ؟؟؟
عثمان و هو يشعل سيكارة بحاجبين معكوفين :
-أبدا .. في الفترة الأخيرة لاقيت أحوالها معايا مش متظبطة . مابتقابلنيش كتير . مابتتصلش بيا ، و الكبيرة بقي !
مراد بإصغاء :
-إيه ؟؟؟
عثمان و هو ينفث الدخان من فمه بترو ، ثم قال :
-كنا بنتعشا مع بعض برا .. و إحنا بنتكلم . فجأة إتلغبطت و قالت إسمه بدل إسمي.
مراد بتركيز :
-ها و بعدين ؟!
-و لا حاجة بقي .. عملت فيها عبيط و فوتها . بس تاني يوم كنت مكلف واحد يراقبهالي 24 ساعة . هما يومين . و كان جايبلي الڤيديو الجميل بتاعها .. قال جملته الأخيرة بتهكم مرير ، و أكمل :
-ماخلتهاش تحس بأي حاجة .. بالعكس . إتصرفت عااادي جدا . و زودت إهتمامي بيها كمان . مثلت كويس يعني .. لحد ليلة الفرح.
-أه .. أكيد إدتها العلقة التمام.
عثمان بسخرية مرحة :
-إنت تعرف عني كده ؟ يابني أنا مابحبش العنف . كل حاجة بتيجي معايا بالحب.
ضحك “مراد” من قلبه ، ثم قال :
-ماشي يا حكيم عصرك .. طب عملت إيه قولي ؟؟
عثمان و هو يتأمل وهج السيكارة بين إصبعيه :
-ماعملتش حاجة .. مضيتها بس علي تنازل.
-تنازل عن إيه ؟!
-عن حقوقها و عن حصتها في الشركة دي ، ما أنت عارف . أبوها دخلها شريكة معايا .. بس أهو . أديها ماطلتش قشاية . و أنا خرجت منها كسبان و عوضت فلوس الفرح إللي عملتهولها.
مراد بإعجاب :
-معلم يا صاحبي .. معلم و منك نتعلم . شيطان بجد !
عثمان بضحك :
-جري إيه ياعم ! كلكوا ماعندكوش إلا الكلمة دي ؟ حتي صالح ماسكلي فيها.
-آاااه صاالح ! كنت هتنسيني تاني .. هو عامل إيه دلوقتي ؟ أنا قريت الخبر من يومين !
عثمان بجدية :
-أهو كويس الحمدلله . إتصلت بأبويا من شوية و قالي إنه فاق إنهاردة الصبح .. إن شاء الله هخلص شغل و هروح المستشفي أشوفه.
-طيب هروح معاك بقي . لازم أزوره و أطمن عليه.
-أووك .. شوية كده و هنقوم نروحله سوا .. ثم سأله :
-إنت لسا جاي إنهاردة صح ؟
-أنا جاي من عالمطار عليك علطول.
-طيب أكيد جعان بقي و أنا كمان مافطرطش أصلا .. دلوقتي معاد الـBreak يجي و هخلي سمر تطلبنا غدا.
مراد بإستفسار و هو يشير بإصبعه نحو الباب :
-سمر دي السكرتيرة إللي قاعدة برا ؟!
عثمان عابسا بإستغراب :
-آه .. بتسأل ليه ؟!
-أصلي بصراحة أول ما شوفتها إتصدمت !
-إتصدمت ؟ .. ليه ؟؟!
-مش تيبك يعني . جايبلي بنت محجبة و لبسها واسع و مقعدها برا . حسيت إني داخل محل عبايات في التوحيد و النور .. و ضحك إثر جملته الأخيرة
بينما رد عثمان في لامبالاه :
-هنا مكان شغل يا مراد .. مش Night Club هاجيب نسوان حلوة ليه ؟ أنا جاي أشتغل مش جاي أعمل حاجة تانية.
مراد بجدية :
-لأ يا عثمان بصراحة البت حلوة أوووي و Babyface كده . أومال أنا ليه قلت مش تيبك ؟ إنت متعود عالبجحين . إنما دي شكلها غير . رغم إنها كانت نازلة حب في التليفون برا مع واحد بس شكلها بردو آا ..
-نازلة حب مع واحد ! .. قاطعه “عثمان” بتساؤل ، ليرد :
-أه . و أنا داخل عليها سمعتها بتكلم واحد و نازلة فيه حب . شكله خطيبها !
عثمان بوجوم :
-لأ . مش مخطوبة.
-و إنت إيش عرفك ؟؟
عثمان . بعد صمت قصير :
-مافيش دبلة في إيديها .. ثم تنفس بعمق ، و قال مغيرا مجري الحديث :
-المهم .. ماقولتليش أمك و أبوك عاملين إيه ؟؟
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-كويسين .. مارضيوش يجوا معايا ، قالوا قاعدين هناك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
إنتهي الدوام أخيرا .. و عادت “سمر” إلي بيتها
لم يكن يومها شاق ، ربما لأنه أول يوم ..
دخلت “سمر” إلي البيت ، و بدأت في صعود الدرج ، لتسمع صوت جلبة آتية من الطابق الثاني حيث يقطن العم “صابر” و زوجته السيدة “زينب” ..
صعدت “سمر” الدرجات المتبقية بسرعة ، حتي وصلت إلي الطابق المنشود
توجهت صوب هذه الشقة المفتوحة ، لتري أخيها واقفا هناك في الداخل
عرفته من ظهره و .. من صوته العال ..
-لو سمحتي يا حجة زينب دي حاجة تخصني أنا ، أنا مش موافق . أنا حر .. قالها “فادي” بهتاف حاد و قد كان يحمل “ملك” علي ذراعه ..
إقتربت “سمر” في اللحظة التالية و تساءلت بقلق :
-في إيه يا جماعة ؟ في إيه يا فادي بتزعق كده ليه ؟؟؟
إلتفت إليها و قال بغضب :
-إطلعي إنتي فوق دلوقتي !
سمر بإستغراب :
-حصل إيه طيـ ..
و ما كادت تكمل جملتها ، ليصرخ بوجهها :
-قولتلك إطلعي فوق . و خدي ملك معاكي.
و ناولها الصغيرة و عيناه تشعان نارا ..
أخذت “سمر” أختها و صعدت إلي شقتها حين أدركت أنه لا مناص من إطاعة “فادي”
تركت الباب مفتوح ، و جلست بالصالون المقابل في إنتظار مجيئ أخيها ..
لم يغيب طويلا ، حضر “فادي” بعد دقيقة تقريبا
كانت “ملك” مستيقظة و لكنها هادئة ، فتركتها “سمر” علي الآريكة ، ثم مشت نحو شقيقها ..
-إيه إللي حصل ؟ .. تساءلت “سمر” متجهمة :
-كنت بتزعق للحاجة زينب ليه ؟؟؟
فادي بغضب مضاعف و قد أحمـّر وجهه أكثر :
-جايبالك عريس !!!
يتبـــع …