رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ مفقودة ! _
يقود “عثمان” سيارته بسرعة جنونية بإتجاه بيت “سمر” …
ما زالت أخته معه علي الخط ، و مازال يبوخها بعنف شديد :
-إزآااااي تختفي ؟ إزآاااي و إنتي معاها ؟ ده أنا موصيكي عليها بدل المرة عشرة يا صفية !
صفية بنبرة باكية :
-و الله يا عثمان ما قصرت
كانت معايا و بعدين مارضيتش تدخل معانا الكوافير
فسيبتها مع تانيا لحد ما نخلص بس طلعت مالاقتهاش.
عثمان صائحا بغضب :
-أنا قولتلك عينك ماتغفلش عنها
نبهت عليكي ماتتواربش عنك لحظة.
صفية بنشيج مخنوق :
-بليز يا عثمان كفاية . و الله ما كان قصدي ماكنتش متخيلة إنها ممكن تسيبني و تمشي كانت بتتصرف طبيعي خالص !
عثمان بسخرية لاذعة :
-خدعتك يا ماما عشان تهرب منك و إنتي زي الهبلة صدقتيها .. ثم أكمل بحنق شديد :
-عارفة يا صفية لو مالاقتهاش ؟ أقسم بالله ماهسامحك طول عمري.
و لم ينتظر ليسمع ردها ، أغلق الخط بوجهها فورا
ثم أكمل طريقه مزودا من سرعة السيارة حتي بلغت مئة و ستون كيلومترا في الساعة ..
يصل “عثمان” أخيرا و بمعجزة بعد أن كاد يفعل أكثر من حادث في الطريق
يصعد أولا إلي شقة الجارة “زينب” … يدق علي الباب بقوة و عصبية ، لتفتح السيدة بعد لحظات و هي تطلق زعقات منزعجة إنقطعت كلها عندما رأته يقف أمامها ..
-إنت ! .. قالتها “زينب” بدهشة سرعان ما تحولت إلي الذعر :
-إيه إللي جابك ؟ سمر حصلها حاجة ؟؟؟
عثمان بحدة :
-إنتي بتسأليني ياست إنتي ؟ ماتفكريش تعمليهم عليا أنا عارف إنها عندك.
زينب بإستنكار :
-مين دي إللي عندي ؟ أنا بقالي يومين ماعرفش حاجة عن سمر .. ثم أمسكت بياقتي قميصه و زمجرت :
-وديتها فين ؟ عملت فيها إيـــــه إنطق !
خلص “عثمان” نفسه منها بسهولة و هو يصيح بإنفعال :
-بقولك إيه الحركات دي مش هتخيل عليا . إنطقي إنتي و قوليلي سمر فين ؟ أنا مش همشي من هنا إلا و هي معايا.
صرخت “زينب” بوجهه :
-قولتلك ماعرفش عنها حاجة بقالي يومين
إزاي جاي تدور عليها هنا ؟ مش كانت في بيتك ؟ خرجت إزآااااي
إنت أكيييد عملت فيها حاجة.
إزاحها “عثمان” من طريقه و ولج لداخل الشقة ، أخذ يبحث عنها في كل مكان و هو ينادي بإلحاح ممزوج بالحدة :
-سمـــر . سمـــر. سمـــر !
لكنه لم يعثر عليها … إتجه للخارج و كاد أن يصعد لشقتها هي ، فأستوقفته “زينب” :
-تعالي هنا محدش فوق . فادي لسا ماشي من شوية سافر لشغله.
أطبق “عثمان” أجفانه بغضب شديد و غمغم بوحشية :
-و رحمة أبويا لو عرفت إنك عارفة هي فين و بتنيميني ما هرحمك يا ست إنتي . سمر مراتي و حامل في إبني
هالاقيها يعني هالاقيها بس لو إكتشفت إن ليكي علاقة بهروبها مني أو مخبياها أو عارفة طريقها مش هتلحقي حتي تندمي علي إللي عملتيه.
ثم إستدار مغادرا ، لتتبعه “زينب” و تطل عليه عبر سور الدرج و هي تهتف بعدائية :
-أنا إللي هاوديك في ستين داهية لو سمر مارجعتش . أقسم بالله هدخل فيك السجن لو البت جرالها حاجة . إوعي تكون فاكرني مصدقة الفيلم إللي جيت تعمله عليا ده أنا أكلك بسناني لو مسيت سمر بحاجة وحشة . سامعني يابن الأكابر ؟؟؟
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
أمام محل الجزارة … يقف المعلم “رجب” بجانب زوجته “نعيمة” يشاهدان “عثمان” و هو يخرج من منزل السيدة “زينب” و قد بدا للبعيد قبل القريب منه إنه في أقصي مراحل غضبه
طلت نظراتهم تترصده حتي ركب سيارته و إنصرف من المنطة كلها ..
تميل “نعيمة” صوب زوجها و تتمتم بتساؤل :
-تفتكر الباشا ده جاي ليه الساعة دي يابو خميس ؟
رجب بصوته الخشن :
-علمي علمك يا نعيمة . و عموما إحنا مالنا ؟ ما يجي و لا مايجيش حاجة ماتخصناش.
نعيمة بتأييد شديد :
-أيوه طبعا ماتخصناش إلهي لا يرجعه لا هو و لا إللي تتشك في قلبها مراته . إحنا ما صدقنا الواد خميس قدر يطلعها من دماغه شوية و إقتنع ببنت خالته.
رجب بسخرية :
-و أنا كنت دايما أسأل نفسي يا نعيمة ليه البت سمر ماكنتش عجباكي و كنت بترفضيها علطول
أتاريكي كنتي راسمة علي جواز بنت أختك من إبني !
نعيمة بضحكة ماكرة :
-بصراحة أه يا حبيبي و أنا كنت هلاقي لإبني أحسن من بنت أختي فين ؟ هي أولى يا بابا و كمان متربية و أشرف من الشرف مش زي الصايعة العايبة التانية دي.
رجب بضيق :
-طيب خلاص إسكتي . ربنا يسهلها ماتشمتيش فيها و كفاية بقي أهيه راحت لحالها.
إبتسمت “نعيمة” بظفر و قالت :
-إلهي لا يعودها !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
مرت الأيام ثقيلة ، كئيبة علي “عثمان” … ستة أشهر منصرمة لا يعرف عنها شئ
إختفت كما تختفي قطعة السكر في الماء
كان يبحث عنها كل يوم ، كل ساعة دون كلل أو ملل ، يكاد أن يصاب بالجنون .. أين ذهبت ؟ لقد قلب الدنيا رأسا علي عقب دون أن يأتي بنتيجة !
لدرجة أنه صعد الأمر للجهات العلية بالبلد ، فكان من دواعي سرورهم أن يقدموا لرجل أعمال بحجمه أي خدمة يطلبها
و لكن للآسف كان الفشل حليفهم جميعا في كل مرة … و لما شعر “عثمان” باليأس ، راح يحاول الإتصال بهاتفها المغلق علي الدوام
ترك لها عشرات الرسائل الكتابية و الصوتية
كان يرجوها دائما بصوت معذب : ” أرجوكي يا سمر . إرجعي . أنا بجد هموت من القلق عليكي ”
“سمر .. فاتوا أربع شهور . أنا مش عارف عنك أي حاجة . هتجنن ! ”
“سمر . طيب بلاش ترجعي . ردي عليا بس . طمنيني عليكي أرجوووكي ”
كان يعلم أنها لا تستطيع السفر إلي خارج البلاد ، لأنها لا تملك جواز سفر بجانب المال و تكاليف أي رحلة
و لكنه إتخذ كل الإحتياطات و تم وضع صورة لـ”سمر” بجميع نوافذ المطارات سواء بالإسكندرية أو أي محافظة أخري بها ميناء جوي
حتي أكشاك المرور الصحراوية ، لديهم إسمها فإذا مرت بأي من هذا سيصل لها بسهولة .. و لكنه حتي الآن لم يصل و لا يدري ماذا حل بها ، التفكير أرق نومه ليلة بعد ليلة ، لم يعد يحيا حياة طبيعية مثل البشر
و لكن ما أراح قلبه قليلا أن الأخبار السيئة أيضا لم تصله ، هذا يعني أنها بخير ، لكنها لا تريد أن تعود إليه …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في مركز العناية بالحيوان … تقف “صفية” أمام السرير الذي يحمل الأسد المخدر
كانت تفحصه بإهتمام و هي ترتدي المعطف الطبي و القفازات البلاستيكية في يديها ، بينما وقف “صالح” ورائها و قلبه يرف في صدره بقلق ..
-أنا نفسي أفهم إمتي ربنا هيتوب عليكي من الشغلانة الزفت إللي كلها خطر دي ؟! .. قالها “صالح” بتبرم
صفية بنصف تركيز :
-قولتلك 100 مرة ده شغلي و أنا بحبه . و بعدين ماتنكرش إن مشكلتك مع عنتر بالذات.
صالح معترفا بغيظ :
-و إنتي شايفة غير كده يعني ؟ مش سيادته كان سبب الحادثة إللي عملتها و كنت هموت فيها ؟؟
-بعد الشر عليك يا حبيبي.
-ما لو ماكنتيش طلبتي مني يومها أنزل أجبهولك من المستشفي ماكنتش عملت الحادثة و كنا إتجوزنا من زمان بدل التأجيل إللي كل شوية يحصل ده.
و هنا صاحت “صفية” بإنفعال و هي تلتفت له :
-خلاص بقي يا صالح . أنا زهقت كل شوية تفتح الموضوع و كل مرة بقولك مش هتجوز و أخويا عنده مشاكل المرة دي بقي أنا إللي بقولك عايز نسيب بعض أنا ماعنديش مانع أنا أصلا تعبت خلاص . تعـــــــــــبت !
نظر لها “صالح” بصدمة و قال :
-صافي ! إيه إللي بتقوليه ده ؟؟؟
صفية بعصبية :
-إللي سمعته . لو مضايق من تأجيل الجواز أنا مستعدة أريحك و دلوقتي حالا و كل واحد يروح لحاله.
و شرعت في إخراج خاتم الخطبة من إصبعها ، ليقبض علي يدها و يقول بحدة :
-إيه إللي بتعمليه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟ أنا كنت قلت إيه لكل ده ؟!
صفية بدموع :
-إنت أناني يا صالح . مش بتفكر غير في نفسك مش مهم عندك أنا . حاسة بإيه . مالي . كل إللي همك إيه إللي يرضيك و بس.
شدها “صالح” إلي حضنه و قال بلطف :
-طيب مالك يا صافي ؟ حاسة بإيه ؟ و إيه إللي يرضيكي ؟ قوليلي إنتي عايزه إيه و أنا أنفذهولك فورا.
دفنت “صفية” رأسها في صدره و غمغمت ببكاء :
-أنا عايزاك تفهمني . نفسي تفهمني و تقدر مشاعري أكتر من كده . أنا مش من حجر يا صالح.
صالح بحيرة :
-و إيه بس إللي مضايقك أوي كده ؟؟!!
-عثمان يا صالح . عثمان زعلان مني و مقاطعني من يوم ما إختفت سمر .. ده خلف إنه عمره ما هيسامحني لو ماقدرش يوصلها.
و إزدادت وتيرة بكائها ، ليمسح “صالح” علي شعرها بحنان و يقول :
-هيلاقيها يا حبيبتي . إن شاء الله هيلاقيها و هيرجع يكلمك تاني و هنتجوز بقي . و الله العظيم أنا إللي تعبت حاسس إني قربت إتجوز علي روحي.
إتفلتت منها ضحكة رغما عنها ، لتضربه بخفة في كتفه فيبتسم بدوره و يشد علي عناقها بسعادة ..
سمعا في اللحظة التالية صوت زئير الأسد … إنتفض “صالح” و هو يقول بذعر :
-يانهار إسوود . ده صحي
إجرري يا صافي !
صفية بضحك هستيري :
-إستني . يابني إثبت ما هو مربوط قدامك أهو.
صالح بتوجس :
-يعني هو مش هيعرف يفك نفسه ؟ لأ لو إنتي مستبيعة يا حبيبتي أنا هطلع و هستناكي برا . عيشي اللحظة معاه براحتك بقي.
و مشي صوب باب الخروج ، لتقهقه “صفية” قائلة بمرح :
-يا جبان !
أتاها صوت “صالح” من الخارج :
-أيوه أنا جبان عايزة حاجة ؟
ضحكت صفية و راحت تباشر عملها في نفس الوقت …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل”بحيري” …
يجلس “عثمان” عند أمه بغرفتها ، تتألم “فريال” لرؤيته علي حزينا هكذا .. فتكتب ورقة و تعطيها إليه :
” يا حبيبي مش كده . عشان خاطري أخرج من إللي إنت فيه ده”
يبتسم “عثمان” بمرارة و يرد :
-أخرج إزاي يا ماما . أنا مش عارف عنها أي حاجة .. فص ملح و داب . مش عارف إذا كانت لسا حامل و لا لأ . و فاضل كام يوم علي شهر ولادتها . يعني ممكن تولد و أنا مش معاها . ممكن ما أشوفش إبني أو بنتي زي كل أب بعد الولادة علطول !
تنهدت “فريال” بآسي و كتبت ورقة أخري :
-طيب إنت ماتعرفش لو كان ليها قرايب معارف أي حاجة
ممكن تكون عند حد منهم ؟!
هز “عثمان” رأسه سلبا و قال بكآبة :
-للآسف مالهاش قرايب خالص . و كل المعارف إللي ممكن تكون راحت لهم دورت عليها عندهم . مالهاش أثر .. ثم أكمل بندم :
-أنا السبب يا ماما . أنا ظلمتها أووي و آذيتها كتير .. ليها حق تكرهني و تهرب مني . ليها حق ماتحسش بالأمان معايا.
كتبت “فريال” من جديد :
-أنت فعلا غلطان و أنا إتصدمت فيك بعد إللي سمعته منك . ماكنتش إتخيل إن جواك شر للدرجة دي . بس إللي هون عليا شوية لما إعترفتلي إنك بتحبها و ندمان .. كان نفسي ماتعملش كده يا عثمان . يا كنت تساعدها أو كنت تسيبها تروح لحالها . وجعتني أوي حتة إنك إستغليت حاجتها و ضعفها . حسيت للحظة إنك مش إبني و لا إبن يحيى البحيري . حسيت إنك واحد تاتي غير إبني عثمان إللي ربيته علي الحب و الطيبة !
أطلق “عثمان” زفرة نائحة ، ثم قال :
-حظها رماها في طريقي . أو الصدفة ماعرفش .. كنت لسا مطلق چيچي . شوفتها تاني يوم الصبح علطول . كانت محجبة و لابسها حاجة كده شبه الخيمة . جسمها ماكنش باينخالص . إستفزتني . كنت عايز أوي أعرف إيه إللي تحت الهدوم الواسعة دي مخبياه ؟ وشها كمان إستفزني أكتر . في براءة مش طبيعية . مش متكلفة و لا بلاستيك . و إللي خلاني أحطها في دماغي أكتر تجهالها ليا و تقليلها مني . سمر منغير ما تحس حولت الشيطان إللي جوايا ليها هي بعد ما كنت مسلطه علي چيچي و عشان إنتقم .. بس إنتقمت منها هي.
دق باب الغرفة في هذه اللحظة ، و دخلت الخادمة و قالت بإبتسامة :
-عثمان بيه . في واحد تحت عند البوابة إسمه فادي طالب يقابل حضرتك … !!!!!
يتبــــــــع …