رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
( 57 )
_هروب ! _
بعد برهة من الزمن …
جاءت المسؤولة عن المكان و تحدثت بصوت رسمي رقيق :
-إتفضلوا معايا الأماكن جهزت خلاص !
صفية بحماسة :
-أوك جايين .. و لكن “سمر” لم تقوم و ظلت علي شرودها ، فلكزتها “صفية” بخفة في كتفها و قالت :
-سمر . إيه سرحانة في إيه ؟!
أفاقت “سمر” من شرودها و نظرت لها قائلة :
-هه ! لأ و لا حاجة
مش سرحانة في حاجة.
صفية بإبتسامة :
-طيب يلا عشان أماكنا جهزت.
سمر بإستغراب :
-أماكن إيه ؟
-أماكنا يا سمر . أومال هنعمل Hairstyle و Make_Up فين غير جوا ؟ إحنا في Beauty Center يا حبيبتي !
-لأ لأ آسفة مش عايزة .. قالتها “سمر” برفض قاطع
صفية بدهشة :
-مش عايزة إيه بس يا سمر ؟ قومي معانا لازم تعملي إللي إحنا هنعمله و لا إنتي جاية معانا ضيف شرف ؟
أجابتها “سمر” مبتسمة :
-بالظبط كده . أنا ماحبتش أزعلكوا عشان ألحيتوا عليا و كمان حبيت أمشي ملك شوية لكن أكتر من كده مش هقدر أعمل حاجة.
صفية بقنوط :
-ليه كده بس ؟؟؟
سمر بلطف :
-معلش . خليني علي راحتي من فضلك.
تنهدت “صفية” بإستسلام و قالت :
-أوك . إللي إنتي عايزاه . بس هتقعدي تستنينا فين ؟
سمر و هي تمسح علي شعر “ملك” بحنان :
-هاخد لوكا أشربها حاجة تحت في الكاڤيتيريا.
-أوك يا حبيبتي . طيب حيث كده بقي إتفضلي دي .. و فتحت حقيبتها و أعطتها نفس البطاقة التي أخذتها من “عثمان”
سمر بإستفهام :
-إيه دي ؟!
-دي ياستي الـATM بتاعة جوزك . إدهالي عشان لو إحتاجتي حاجة تاخديها و تسحبي منها المبلغ إللي إنتي عايزاه.
سمر بإباء :
-لأ شكرا مش عايزاها رجعيها في شنطتك لو سمحتي.
صفية بتبرم :
-الله بقي ! كل حاجة مش عايزة ؟ طيب أقول إيه أنا لعثمان ؟؟
سمر بهدوء :
-ماتقوليش حاجة خالص و بعدين أنا مش بعرف أستخدم البتاعة دي
و إن كان علي الفلوس أنا معايا فلوس ماتقلقيش.
صفية بعدم رضا :
-عثمان مش هيعجبه الكلام ده أبدا يا سمر . بس إللي يريحك .. هتاخدي تانيا معاكي ؟
و كأنها لم تحسب حساب في خطتها لتلك الشقراء الجالسة بجانبها ..
نظرت لها شزرا و قالت :
-طبعا هتيجي معايا.
أومأت “صفية” :
-تمام . عموما بردو إحنا مش هنتأخر هنا
مسافة ما أخلص أنا و هالة هتلاقينا قصادك.
سمر متقنة نبرتها و ملامحها التمثيلية :
-براحتكوا . خدوا وقتكوا و أنا مستنياكوا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في مؤسسة ( البحيري الكبري ) التابعة للعائلة … يجلس “عثمان” مسترخيا في كرسي مكتبه حاليا و مكتب والده سابقا
كان ممسكا بهاتفهه ، يقلب بالصور التي بعثتها له أخته ..
ظل يتأملها طويلا .. وجهها الساكن ، نظراتها الشاردة ، هناك لغزا ما مسطورا علي ملامحها ، لكنها تظل جميلة دائما
كما عرفها ، من الخارج و الداخل .. بريئة و ساذجة و ضعيفة ، لا تملك شيئا من نفسها ، و لا تريد شيئا لا منه و لا من الحياة
جل ما تريده هو الصلاح و لأشخاص غيرها ، إنها تركيبة عجيبة و فريدة من نوعها .. و هنا يكمن سر جمالها و حبه لها ..
يدخل “رفعت البحيري” عليه فجأة و هو يهتف بحنق :
-يابني إنت فين ؟ من الصبح بطلبك و بسأل عليك . ماجتليش ليـــه ؟؟؟
عثمان بشرود :
-هو أنا إزاي حبيتها أووي كده ؟؟؟!!!
رفعت بإستغراب :
-نعم ياحبيبي !
و هنا إنتفض “عثمان” منتبها لحضور عمه ..
-عمي ! .. قالها “عثمان” بإرتباك ، و تابع :
-خير في حاجة ؟
رفعت و هو يقترب ليجلس قبالته :
-يابني أنا مستنيك من الصبح في مكتبي عشان نرتب و ننسق مع بعض لإجتماع مجلس الإدارة بتاع إنهاردة . ماجتش ليه ؟؟
عثمان بآسف :
-معلش يا عمي Sorry كنت مشغول في حاجة كده .. ثم قال بجدية :
-عموما ماتقلقش أنا محضر للآجتماع كويس و خطتي للسنة الجديدة جاهزة هنقعد بس أنا و إنت قبل الإجتماع بربع ساعة نتناقش في الخطوط العريضة قبل ما ندخل نشرح التفاصيل للأعضاء.
-طيب خلاص . طالما عامل حسابك مافيش مشكلة .. ثم صاح مستذكرا :
-صحيح عرفت إللي حصل لرشاد الحداد !
عثمان بإهتمام :
-لأ . إيه إللي حصله ؟؟؟
ضحك “رفعت” و أجابه :
-مش خسر في الإنتخابات و طلع من دايرته قفاه يقمر عيش.
شارك “عثمان” عمه الضحك و قال بعدم تصديق :
-لأ مش ممكن . إللي أعرفه إنه صرف كتـيييير أووي و نزل بحملات تقيلة عشان يفوز . معقول يخسر ؟ حصلت إزاي دي ؟!
-ماتنساش إن كان قدامه منافسين عتاولة بردو
و كلهم عملوا زيه و أكتر منه و في الأخر العطا رسي علي إللي كلف أكتر.
عثمان بتشفي :
-يعني كده خسر المبالغ الخوزعبلاية إللي دفعها الدور ده و كمان خسر كرسيه في مجلس الشعب . آااه يا رشاد يا حداد . ضربة أخيرة و كانت قاضية .. قلبي عنده و الله
مش واجب بردو نبعتله ورد يا عمي و معاه كارت صغير كده نكتب عليه يجعلها أخر الأحزان !
إنفجرا الإثنان في الضحك ، ليقول “رفعت” :
-مافيش فايدة لسا تفكيرك شيطاني يابن أخويا . بس إوعي تعملها بجد إحنا مش ناقصين و ماصدقنا حكايتنا مع العيلة دي خلصت.
إبتسم “عثمان” بإزدراء و قال :
-حقيقي شخصية من أو×× الشخصيات إللي قابلتها في حياتي . كنت أتمني آذيه أكتر من كده و حلال فيه كل حاجة . بس زي ما قلت .. حكايتنا معاه خلصت و أنا قرفان من سيرته أصلا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في كاڤيتيريا المول الضخمة ..
تجلس “سمر” هي و شقيقتها و هذه المربية اللعينة إلي طاولة في الوسط
كانت “سمر” تنتظر فرصتها بصبر نافذ .. لم تستطع منع قدمها عن النقر علي الأرض بلا توقف ، بينما كانت “تانيا” تلاطف “ملك” و تضع لها أنبوبة شفط العصير بفمها الصغير لكي تشربه بسهولة
مرت الدقائق و العصبية لدي “سمر” تتزايد أكثر في كل لحظة ، فكرت في حيلة ما لتهرب من تلك الرقيبة دون أن يساورها الشك تجاهها
فكرت ، و فكرت ، و فكرت … إلي أن وقعت عيناها علي أحد الأبواب هناك في الزاوية البعيدة
إنه حمام السيدات ، و حيث أن “تانيا” موجهة له ظهرها و هي جالسة ، فمؤكد لن تلاحظ تحركاتها ..
-إنتي لو سمحتي . إديني أختي ! .. قالتها “سمر” بصلابة و هي تمد ذراعيها صوب “تانيا” لتأخذ “ملك”
تساءلت “تانيا” بحيرة :
-في هاجة مدام سمر ؟
سمر بوجوم :
-معايا غيارات لملك في الشنطة هاخدها في الحمام و أغيرلها.
تانيا بإستغراب :
-بس I Think هي نضيفة . مش فيها هاجة !
سمر بصرامة ممزوجة بالحدة :
-أحب أتأكد بنفسي بردو . و بعدين إنتي ماتجادلنيش أنا حرة أصلا أعمل في أختي إللي أنا عايزاه مايخصكيش.
تانيا بإرتباك :
-I’m Sorry مدام سمر . أنا مش يقصد هاجة . أوك as you like . إتفضلي هضرتك.
و ناولتها الصغيرة … أخذت “سمر” أختها و مضت إلي الحمام مباشرةً
قبل أن تدخل حانت منها إلتفاتة نحو “تانيا” .. وجدتها علي وضعها لم تحاول حتي رؤية أين ذهبت هي و الصغيرة
في هذه اللحظة بدأت “سمر” في الركض ، هرولت بخطوات متعرجة فالكسر في كاحلها لم يشفي تماما بعد ..
تجاهلت الألم الذي شعرت به في أطرافها و واصلت الركض ، كانت هذه فرصتها الوحيدة للفرار منه و هو دون أن يدري قدمها لها علي طبق من فضة
حتما أنه عندما يكتشف الأمر سيود أن يصفع نفسه لفعله هذا ..
كان الناس ينظرون إلي “سمر” بإستغراب و هي تركض بهذا الشكل و بعضهم من شك في أمرها و لولا التشابه الكبير بينها و بين “ملك” لأجزموا أنها قامت بإختطافها
تجاهلت “سمر” الناس أيضا و إندفعت نحو هذا المصعد ما أن رأته ، كان يهم بالنزول ، لكنها لحقته و حشرت نفسها بين الركاب و هي تسمع همهماتهم المنزعجة و لكنها لم تآبه ..
هبط المصعد للطابق الأرضي ، فعادت تعدو بسرعة مرة أخري .. خرچت من المول أخيـــــــــــرا و هي تلهث من شدة المجهود الذي بذلته
أوقفت سيارة أجرة و إستقلت بها للحال و هي تقول للسائق :
-إمشي علطول ياسطي لو سمحت ! .. ثم أخرجت هاتفهها و قلبها يخفق وجلا
ضربت رقم أخيها الذي تحفظه عن ظهر قلب و وضعت السماعة علي أذنها … ليأتي صوته بعد لحظات :
-ألو !
سمر بتلهف :
-فـآاادي أنا سمر
أرجوك ماتقفلش إستتي !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
عند “صفية” و “هالة” … بعد أكثر من ساعتان ، تنتهي أخيرا وصلة التجميل التي قامتا بها
دفعت “صفية” الحساب ، ثم ذهبت هي و هالة إلي الكاڤيتيريا لينضما إلي “سمر” و يقمن بطلب الغداء ..
-يآااااه أخيرا هناكل ! .. قالتها “هالة” بحبور شديد ، لتضحك “صفية” و ترد :
-يا طفسة . حاسبي علي نفسك بعد الجواز لو مشيتي علي كده هتبقي شبه البلونة و جوزك هيطفش منك.
هالة بغرور مصطنع :
-مين ده إللي يطفش مني يابنتي ؟ دودي حبيبي بيموت فيا أصلا و أنا عجباه في كل حالاتي.
صفية بضحك :
-طيب ياختي . إمشي قدامي بقي
زمان سمر زهقت من القاعدة مع تانيا.
و صلتا إلي حيث تجلس “تانيا” وحدها ، لتتساءل “صفية” بإستغراب :
-الله ! أومال فين سمر و ملك يا تانيا ؟!
تلتفت “تانيا” إليها و تجيب ببراءة :
-مش آرفة مس صافي . مدام سمر قالتلي رايهة الهمام مع ملك و لسا مش جت . بقالها نص ساعة . أنا إفتكرت هي راهتلك !
صفية بفزعة :
-لأ ماجتش . و بتقولي بقالها نص ساعة ؟ يانهار إسووود . ده عثمان منبه عليا عنيا ماتغفلش عنها.
هالة بتوتر حاولت إخفائه سدي :
-إهدي شوية يا صافي هندور عليها هتكون راحت فين يعني ؟ تعالي نشوفها في الحمام كده !
و فتشتا عليها في جميع الحمامات الموجودة بالمول و لكنها لم تكن موجودة ..
قلبت “صفية” و “هالة” المول كله بحثا عنها ، و أيضا لا أثر لها … و في الأخير أبلغت “صفية” أمن المول فقاموا بمساعدتها و البحث معها
إستغرق الأمر ثلاث ساعات كاملة دون أي نتيجة …
هالة و هي تتلفت حولها بتوجس :
-و بعدين يا صافي ؟ . بقالها 3 ساعات و قلبنا عليها المول كله !!
صفية بعصبية :
-إسكتي شوية بقي يا هالة . أنا مش ناقصاكي دلوقتي .. ثم قالت بتردد ممزوج بالخوف :
-كده . كده مافيش غير عثمان . ربنا يستر بقي !
و سحبت هاتفهها من الحقيبة بأصابع مترددة ، ثم طلبت رقم شقيقها …. !!!!!!!
يتبـــــــع …