رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
( 53 )
_ شزرا ! _
حملقت فيه بقوة متسائلة :
-الورقة العرفي لسا معاك لــيه ؟؟؟
عثمان بحيرة ممزوجة بالإرتباك :
-لسا معايا يا سمر . هتروح فين يعني ؟!
سمر بغضب :
-و محتفظ بيها ليه لما إنت إتجوزتني ؟ لسا هتعمل بيها إيه تاني ؟؟؟
تعجب “عثمان” من ردة فعلها و قال :
-هعمل بيها إيه ! مش هعمل بيها حاجة طبعا مابقاش ليها لازمة.
سمر بعصبية :
-مابقاش ليها لازمة دلوقتي لكن ليها لازمة بعدين ؟ حضرتك شايلها لوقت عوزة مش كده ؟؟؟
عثمان بحدة :
-قولتلك عشرين مرة قبل كده صوتك مايعلاش عليا لو أتكررت تاني هـ آ …
-هتعمل إيه ؟ .. قاطعته “سمر” بتحد
-هتضربني ؟ زي ما عملت المرة إللي فاتت ؟ إضربني . إعمل فيا إللي إنت عايزه ما إنت إشتريتني بفلوسك و كل شوية لازم تفكرني بعطفك و إحسانك عليا و أنا طبعا لازم أسكت و غصب عني أفضل عبدة ليك.
نظر لها بصدمة و إنقبض وجهه غضبا .. رد بعد أن تمالك نفسه :
-إنتي إللي حصل كله أكيد لسا مأثر عليكي .. كانت لهجته مقتضبة
-أنا مش هحاسبك علي إللي قولتيه دلوقتي بس أحب أعرفك حاجة . إنتي بقيتي مراتي . بقيتي مرات عثمان البحيري . يعني خدتي إسمي و واجهت الناس بيكي . عمري ما كنت هعمل حاجة زي دي إلا إذا كنت متأكد مية في المية إنها صح . عمري ما كنت هتجوزك كده و خلاص و أضر إسم عيلتي .. أتمني تكوني فهمتي !
و قام من أمامها و مضي صوب الحمام ، لتستوقفه بسخرية :
-ما إنت كنت متجوز قبل كده و طلقتها . بس طلقتها عشان جرحت رجولتك مش عشان ضرت إسم عيلتك .. و تابعت بمرارة :
-إنما أنا بقي الصدفة وقعتني في طريقك .. عشان تدمرني و تحس بينك و بين نفسك إنك رديت كرامتك.
إشتدت عضلات فكيه و هو يجاهد للمحافظة علي هدوئه ، إنها تتعمد إثارة أعصابه و هو لا يعلم إلي متي سيظل يتحملها !!!
لزم الصمت و أكمل طريقه نحو الحمام ، ليهتز كل شئ ساكن عندما صفق الباب بعنف من خلفه .. و لكن هي ، لم تهتز …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
كانت تمشي صوب غرفته بخطوات مترددة … علي ثغرها إبتسامة خجلة ، كانت تمسك في يدها لوحتها الفريدة التي تابعتها بدقة و لم تتركها إلا و هي مكتملة
دقت بابه و إنتظرت للحظات ، فتح لها “مراد” و إنفرجت أساريره بشدة عندما رأها ..
مراد بإبتسامة عريضة :
-هالة ! . أهلا . إزيك يا هالة عاملة إيه ؟؟
هالة بصوتها الرقيق :
-الحمدلله يا مراد . كويسة ! .. و تفادت النظر إلي عيناه حتي لا تزداد إرتباكا
-إيه خير ؟ .. تساءل “مراد” و هو يشملها بنظرات مبتهجة
-كنتي عاوزاني في حاجة ؟!
و أخيرا نظرت “هالة” إليه :
-أيوه . كنت جاية أوريلك حاجة !
-يا تري إيه ؟؟؟
-طيب ممكن أدخل ؟ .. سألته بتردد ، لتتلاشي إبتسامته و يجيبها غير واثقا :
-أه . أه طبعا . إ إتـ إتفضلي ! .. و أفسح لها مجالا للدخول
تمر “هالة” بمحاذاته ببطء و إستحياء ، و إذا بها ترفع اللوحة بعد أن أغلق الباب و تديرها ليري صورته المرسومة بمنتهي الدقة و الإبداع ..
مراد بذهول :
-إيه ده يا هالة ؟ .. ده أنا ؟؟!!
توردت “هالة” خجلا و أومأت له مبتسمة :
-أيوه .. إيه رأيك ؟؟؟
مراد و هو يتأمل الصورة بإعجاب شديد :
-تحفة . روعة .. جميلة جدا يا هالة . زي ما تكون صورة حقيقية مش رسمة … ثم إبتسم و قال مداعبا :
-بجد ماكنتش أعرف إنك رسامة جامدة أوي كده . و لا بيكاسو في زمانه.
ضحكت “هالة” بدلال و قالت :
-يآااه بيكاسو مرة واحدة ؟ مش للدرجة دي يا مراد.
-لا والله للدرجادي و نص . إنتي يابنتي مش عارفة قيمة نفسك . لكن عموما شكرا علي تعبك.
-ماتقولش تعب . طول ما أنا برسم مش بتعب . و كمان ماتقولش شكرا .. أنا كنت مبسوطة و أنا برسمك ! .. نطقت الجملة الأخيرة بخجل شديد
لتتلاشي إبتسامة “مراد”للمرة الثانية ، و لكن السبب كان مختلف الآن ..
-مالك يا مراد ؟ .. تساءلت “هالة” بقلق عندما أطال في صمته
-أنا قلت حاجة ضايقتك ؟
مراد بإبتسامة حزينة :
-لأ . لأ يا هالة ماقولتيش حاجة . و أنا مش مضايق خالص.
هالة بحيرة :
-أومال مالك ؟!
تنهد “مراد” بثقل و أجابها :
-أنا مسافر بكره يا هالة.
هالة بصدمة :
-بتقول إيه ؟ .. مسافر ؟؟؟؟
مراد و هو يراقب إنفعالاتها بتركيز :
-أه يا هالة . مسافر . هرجع لندن مع بابا و ماما.
نظرت له بصمت طويل .. و عندما تكلمت قالت بدهشة :
-حتي إنت كمان ! .. كان صوتها هامسا ، لكنه سمعها بوضوح
مراد بإستغراب :
-قصدك إيه يا هالة ؟!
هزت “هالة” رأسها قائلة بهدوء :
-و لا حاجة . مش قصدي حاجة يا مراد .. إتفضل اللوحة.
مد “مراد” يده و أخذ اللوحة منها ، لترسم إبتسامة خفيفة علي ثغرها و تقول :
-حافظ عليها بقي أهي تذكار يفكرك بيا . مع السلامة يا مراد.
و مشت عدة خطوات ..
-إستني يا هالة ! .. صاح “مراد” ليوقفها
إلتفتت له “هالة” فسألها :
-هنبقي نتكلم صح ؟
هالة بإبتسامة :
-أكيد .. ثم خرجت لتعود من حيث آتت
-دايما من طرف واحد ! .. تمتمت “هالة” لنفسها ، و تابعت بكآبة :
-العيب فيا و لا فيهم ؟؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في غرفة “عثمان” …
يخرج من الحمام متدثرا بالروب المجفف ، تفوح منه الروائح الطيبة .. تظاهر بتجفيف شعره و لم يعير “سمر” ذرة من إهتمامه و تصرف كما لو أنها غير موجودة
و لكنها في الحقيقة لم تبالي به و راحت تعتني بأختها .. كانت تطعمها أخر ملعقة ملأتها من الصحن عندما دق باب الغرفة و ذهب “عثمان” ليفتحه
و كانت الخادمة ..
عثمان بتساؤل :
-نعم !
الخادمة بتهذيب :
-عثمان بيه الممرضة إللي من طرف دكتور رؤوف وصلت تحت و كمان الـBabysitter جت و مستتية علي البوابة برا عند الآمن حضرتك.
عثمان بجدية :
-قولي للآمن يدخلوها و هاتيهوهملي هنا هما الإتنين.
الخادمة :
-تحت أمرك يا بيه ! .. و إنصرفت
لتعود بعد قليل و بصحبتها آنستان ناضجتين بدت كلا منهما قريبة من عمر الأخري ..
إقترب “عثمان” منهما و خاطب المربية أولا :
-إزيك يا مس تانيا ؟!
تانيا بلكنة إنجليزية :
-الهمدلله مستر آوثمان . إنتي إزي هضرتك ؟
عثمان بإبتسامة :
-أنا تمام شكرا يا مس تانيا . شرفتيني و نورتي بيتي.
تانيا و هي تبادله الإبتسامة :
-منور بيكي . Thanks .. ثم سألته :
-أومال فين الـBaby إللي كلمتني آشانها مستر آوثمان ؟!
إلتفت “عثمان” و أشار نحو “سمر” التي إنتقلت الآن و جلست في ركن الإستقبال :
-مس تانيا أقدملك مدام سمر مراتي و دي تبقي أختها الصغيرة . الطفلة إللي كلمتك عنها.
إبتسمت “تانيا” بود و قالت بصوت مرتفع قليلا :
-Good morning مدام سمر . إزي حضرتك ؟
لم ترد “سمر” لا علي تحيتها أو إبتسامتها ، بل نظرت لها شزرا .. إذ كانت جميلة جدا ، جميلة إلي حد الإيلام
شقراء ، عيناها زرقاواتان واسعتان ، وجهها أبيض و أحمر مثل الفراولة … جمالها لا يطاق !
-مس تانيا بتتكلم عربي كويس أوي يا سمر .. قالها “عثمان” و هو يقترب من “سمر” و تابع :
-هتعرفي تتعاملي معاها و مش هتقابلك أي مشكلة.
سمر بإستخفاف :
-حتي لو مش بتتكلم عربي . حد قالك عليا جاهلة ؟!
رمقها “عثمان” بإبتسامة جانبية و قال بصوت ناعم :
-أنا مش قصدي . كنت بحاول أشرحلك بس !
سمر بإبتسامة باهتة :
-شكرا ليك .. ثم أشاحت بوجهها للجهة الأخري
إتسعت إبتسامة “عثمان” ليلتفت إلي “تانيا” في اللحظة التالية و يقول بلطف زائد :
-مس تانيا . حضرتك ليكي أوضة مخصوصة بس Sorry مش هتكوني فيها إلا يوم أجازتك و باقي الأيام هتكوني مع ملك في أوضتها.
أومأت “تانيا” قائلة :
-Never mind مستر آوثمان مافيش مشكلة .. ثم مالت برأسها لتنظر نحو الصغيرة “ملك” :
-Oh my goodness . She is a very beautiful girl !
و مضت صوب الشقيقتان و مدت ذراعيها نحو “ملك” و هي تقول :
-مدام سمر May i ( تسمحيلي ) ؟!
لوت “سمر” ثغرها بإمتعاض و ناولتها “ملك” ..
حملتها “تانيا” بسهولة و حرص و هي تغمغم بسعادة :
-أوه . إنتي جميلة أوي أوي . إهنا هنلـآب سوا كتـيييير كتـييير .. و راحت تؤرجحها بخفة ، ثم نظرت إلي “عثمان” و قالت :
-إطمني مستر آوثمان . الـGirl هتكون Safety ( في آمان ) معايا مش تخافي عليها إنتي و مدام سمر.
عثمان بإبتسامة :
-شكرا يا مس تانيا.
-فين بقي آوضة إللي قولتي عليها ؟؟
في هذه اللحظة نادي “عثمان” الخادمة و آمرها بإيصال “تانيا” إلي الغرفة الخاصة بـ”ملك” و بعد ذلك إلتفت إلي الممرضة الواقفة بمكانها في هدوء تام ..
عثمان بإعتذار :
-أنا آسف يا آنسة خليتك تنتظري و أكيد عطلتك !
الممرضة بإبتسامة لطيفة :
-لأ أبدا يا عثمان بيه و لا يهمك . أنا تحت أمر حضرتك.
عثمان بصوت هادئ :
-شكرا كلك ذوق.
الممرضة بنبرة رقيقة :
-حضرتك حاسس بإيه إنهاردة ؟ الخياطة تعباك و لا حاجة ؟؟
عثمان و هو يتحسس كتفه من فوق رداء الإستحمام :
-في الحقيقة تعباني أه و ماعرفتش أنام طول الليل.
-لأ ألف سلامة علي حضرتك . أنا ههتم بالموضوع ده ماتقلقش و أنا بغيرلك علي الجرح هحطلك مخدر موضعي مش هيخليك تحس بأي آلم.
-أوك . طيب تحبي تشوفي شغلك فين ؟ أقصد يعني تفضلي أكون قاعد علي السرير و لا فين بالظبط ؟!
الممرضة بإرتباك شديد عندما إلتقت عيناها بعينا “سمر” الملتهبتين :
-حـ حضرتك ممكن . ممكن تقعد هناك جمب المدام !
و أومأت بذقنها إلي كرسي فارغ بجانب “سمر” ..
في هذه اللحظة صوب “عثمان” نظراته نحو زوجته ، بينما حاولت “سمر” إستعادة تعابير وجهها الطبيعية لكنها لم تستطع إخفاء العذاب الظاهر في عينيها
إبتسم “عثمان” بخبث ، فزمت شفتاها بغضب و نظرت للجهة الأخري ، ليهتز جسده بقوة و هو يحاول يصعوبة كيت ضحكة مجلجلة … !!!
يتــــبع …