رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ هاوية ! _
وصلت “زينب” إلي المنزل أخيرا …
لم يجذبها الحشد الكبير في الشارع و الذي جمع كل الفضوليين و المتطفلين من الجوار ، صعدت طوابق البيت بسرعة رهيبة و مستحيلة بالنسبة لإمرأة في سنها
قادتها حاسة السمع خاصتها إلي أمام شقة “سمر” حيث رأت كل من “شهيرة” و السيدة “نعيمة” و المعلم “رجب” جميعهم يقفون تسيطر عليهم حالة رعب شديدة و هم يحاولون بلا فائدة إقناع من بالداخل بالكف عن كل ما يحدث و الخروج الآن
إنتبهت “نعيمة” لوصول “زينب” فإستقبلتها فورا ..
نعيمة بصوت مجلجل و قد سالت الدموع من عيناها :
-تـعـآااااااااااالي . تـعـآااااالي يا زيـنـب . تعالي شوفي إللي بيجرا و إفرحي أوي بالعيلة إللي بتحميهم و بتخافي عليهم . عايزاكي تفرحي بالمجزرة إللي بتحصل جوا . بس و ربنا لو إبني حصله حاجة هاخد عمرك و عمر إللي أواياهم في بيتك.
تعطي “زينب” الصغيرة “ملك” لـ”شهيرة” و ترد لاهثة بذعر :
-إيه إللي حصل ؟ إيه إللي بيحصل ؟؟؟
نعيمة بصراخ :
-إطرشيتي ياختي ؟ مش سامعة المصايب إللي بتحصل جوآاا .. و لم تتمالك “نعيمة” نفسها أكثر و إنهارت باكية بحرارة شديدة
-إبني هيروح مني يا خلق .. غمغمت بنواح ، ليقول “رجب” بتوتر و هو يزيحها من أمامه :
-إحنا مش هنفضل واقفين نتفرج كده . أنا هنزل أجيب الصبيان يكسروا الباب ده ! .. و ذهب
بينما تساءلت “زينب” بشحوب :
-سمر .. البت سمر فين ؟؟؟
أجابتها “شهيرة” بمزيد من الخزي و الخجل :
-و الله . و الختمة الشريفة مسكت فيها و قولتلها بلاش بس ماسمعتش كلامي.
” لأ ” .. كانت تود “زينب” أن تقولها لو وجدت القدرة علي علي فتح فاهها و الكلام ، لكنها لم تشعر إلا و هي ترمي بنفسها صوب باب الشقة و صوتها قد خرج نائحا بصورة تلقائية :
-فـــــــــآااااااااااااادي . يــآااااابـني . إفتح البـآاااااااب . يابني الله يخليك . إفــتـــح !
هكذا إستمر هتاف “زينب” و نداءات توسلها .. و لا من مجيب
مزقها الآلم إربا و فاضت دموعها إنهارا و هي تستمع إلي صراخ و عويل “سمر” المتواصل .. أصوات العراك .. بكاء “ملك” .. نواح “نعيمة”
أيقنت “زينب” أن الخسارة واقعة لا محالة ، حتما هناك من سيموت الليلة ، لن يمر هذا بسلام أبدا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في قصر آل”بحيري” … عندما دق هاتفهه و رأي إسمها ، شعر بصدمة لذيذة و ظهرت نبضات قلبه في عينيه
رد “صالح” بسرعة و تلهف :
-صآافي . صآافي حبيبتي . أنا أسف يا صافي ماكنش قصدي آاا .. قاطعه صراخها الحاد :
-صآااااااااااالح . إلحقنا يا صآااااالح !
صالح منتفضا بذعر :
-صـفـيــــة . مـالك ؟ فـي إيـه ؟؟؟؟
صفية ينشيج مخنوق :
-عـ . عـثمآاان . عثمآاان قتلوه . أه قتلووه.
صالح بصدمة :
-بتقولي إيه ؟؟ إنتوا فـيـــن ؟ إنتوا فـيـن يا صـفـيـة ؟؟؟؟؟
تمتمت “صفية” بنبرة مرتبكة متداخلة الأحرف ، ليقاطعها “صالح” قائلا بصوت آمر :
-صفيـــة ! بالراحة . قوليلي العنوان.
صفية بصوت كالأنين :
-ماعرفش العنوان !
صالح بعصبية :
-قوليلي أي حاجة . أوصفيلي المكان المنطقة أي علامة مميزة !!
تأتأت “صفية” و هي تجاهد لتقول له بتركيز :
-فـ في مـ محـ ـطة الـ الرمـ ـل . في الـ ـشـوارع إ إللي مـ من جوا خآلص.
صالح و هو يقفز من مكانه فورا :
-طيب إهدي . إهدي يا حبيبتي . أنا جايلك حالا . خليكي معايا ماتقفليش . أنا جايلك بسرعة ماتخافيش يا صافي .. ثم أبعد الهاتف عن أذنه قليلا و صاح بصوت إرتجت علي إثره نوافذ و أبواب القصر كله :
-بـــآااااابــآااااااااااااااااااااااااااااااااااا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
كان العراك علي أشده … و قد أظهر “عثمان” مهارة بالغة ، كان شديد التركيز و لم يزل أبدا حتي الآن ، كل شئ كان مجرد مناورات و مناوشات .. لم يستطع أحدهم التغلب علي الأخر حتي هذه اللحظة
كانت “سمر” راكعة علي ركبتيها هناك بعيدا عن ساحة القتال ، جسدها يتقلص و ينقبض ، رأسها يكاد ينفجر من شدة الآلم و هي تري كل هذا يحدث أمام عيناها
كل ذرة و كل جزء منها إستسلم للأمر الواقع .. إلا صوتها ، لم يتوقف عن الصراخ أبدا … صراخ هستيري لا جدوي منه و هي تعلم ذلك جيدا
و رغم أنها حاولت أن يكون وجودها مفيدا .. حاولت أن تقوم و تضع نفسها بين الرجال الثلاثة ، و لكن ساقاها لم تطيعانها أبدا
كما لم تستجب لها عيناها عندما إرادت تحويل نظرها عما يحدث ، و كأن العذاب سائل مـُر في كأس ، و هي مجبرة علي تجرعه من البداية إلي النهاية ..
علي بعد مترين تقريبا منها كانت الرقصة الثلاثية لا تزال مقامة .. كان “عثمان” يماشي حركة أقدام الرجلان كالظل مدافعا عن نفسه في المقام الأول لسببين
أولا ، لأنه لا يريد إيذاء “فادي” شقيق “سمر” فلو حدث ذلك سوف تتسع الفجوة بينهما و سيبقي هذا فراقا إلي الأبد
و ثانيا ، لأنه سمع شقيقته تتحدث إلي “صالح” و تصف له موقعهم و من المؤكد أنه في طريقه إلي هنا الآن ، لذا فهو يكسب بعض الوقت مستعينا بخبرته الواسعة في الألعاب الرياضية و ما تعلمه في صغره من تدريبات الدفاع عن النفس و الفنون القتالية
تلك أشياء نفعته في هذه المحنة لولاها لخر صريعا من أول محاولة لقتله بهذه الآلات الحادة المتربصة له سواء التي ييد “فادي” أو “خميس”
بالطبع لم يستمر دوره البطولي طويلا ، حيث نجح “فادي” ببعض الحركات في أن يلهو بخيوط إنتباه “عثمان” … و فجأة
حدثت ثلاثة أشياء في وقت واحد …
شن “خميس” هجومه السريع علي “عثمان” .. فأطلق “عثمان” زعقة ألم حادة و هو يقع علي ركبيته .. و صرخت “سمر” صرخة مدوية حين رأت الدماء تسيل من كتف زوجها المجروحة
و بلحظة إنقطعت صرختها ، و زاغت عيناها ،
ثم وقعت في الهاوية و إبتلعتها الظلمة … سقطت “سمر” مغشيا عليها ، ليجأر “عثمان” بأعلي صوته :
-ســــــــــمـــــــــــــــــــــر !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في السيارة الـJeep Grand الضخمة .. إحدي ممتلكات عائلة “البحيري” الثمينة
يجلس “مراد” في الكرسي المجاور لكرسي السائق ، بينما يجلس “صالح” في الخلف بجانب والده
لا تزال “صفية” معه علي الخط ، يطمئن عليها بين الحين و الأخر ، حتي سمعها تصرخ صرخة أخيرة و لم يعد صوتها بعد ذلك ..
-صـفـيـة ! .. هتف “صالح” ملتاعا ، و تابع :
-صـفـيـة . إيه إللي حصل ؟ روحتي فين ؟ صـفـيـــــــــة !!!
-في إيه يا صالح ؟! .. تساءل “رفعت” بقلق
صالح برعب شديد :
-ماعرفش . ماعرفش مابتردش عليا .. و أكمل بغضب :
-كله منه . الحيوآاان أخوها كله منه . و رحمة أمي لو كان لسا حي لأقتله هــقـتـــلـــــــه.
مراد بتبرم :
-إحنا في إيه و لا في إيه يا صالح ؟ و بعدين هو ماله عثمان ؟ حد عارف إيه إللي بيحصلهم بالظبط ؟!
صالح بإنفعال :
-أيا كان إللي بيحصل ده إنسان عديم المسؤولية . إزاي يودي أخته في حتة زي دي و يعرضها للموقف ده !!
رفعت بتوتر ممزوج بالعصبية :
-طيب خلاص يا صالح خلاص . إحنا قربنا إن شاء الله هنلحقهم.
إلتفت “صالح” إلي والده و قال بصوت معذب :
-بابا إطلب البوليس . أنا مش مطمن.
رفعت بعصبية أكبر :
-يعني هو البوليس هيبقي أسرع مننا دلوقتي ؟ و بعدين هو عارفين إبن عمك عمل إيه ؟ مش جايز عامل مصيبة هنوديه في داهية بإدينا ؟؟
صالح بغضب :
-إن شاالله يروح في ستين داهية مايهمنيش . أنا إللي يهمني صافي.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
يصعد المعلم “رجب” ثانيةً عند شقة “سمر” … جلب معه ثلاثة من صبيانه الأشداء
فض تجمع النساء و هو يقول بصوته الخشن :
-إوعي يا ولية منك ليها . إوعوا من السكة ! .. ثم إستدار نحو صبيانه و أمرهم :
-إكسرولي الباب ده.
و في خلال ثوان ، كان باب الشقة مخلوعا من إطاره ، و كانت “زينب” أول المقتحمين تليها “نعيمة” ثم “رجب” و “شهيرة” ..
أمر “رجب” رجاله للمرة الثانية بالإمساك بإبنه و “فادي” ففعلوا رغم أن الفض بين الثلاثة رجال كان صعب جدا خاصة و إنهم إزدادوا شراسة و علي وجه التحديد “عثمان”
لم تعيقه إصابته عن التعامل مع هؤلاء ، بل إستطاع التغلب عليهم و تجريدهم من أسلحتهم ، إنقلبت الموازين و أصبح هو من يشكل الخطر عليهم .. و لكنه لم يحاول أن يؤذيهم فقط من أجلها
في اللحظة التالية رمي “عثمان” الآلات الحادة من يده ، و أسرع لاهثا نحو الغرفة التي حجز أخته بداخلها ، بينما هرعت “زينب” نحو “سمر” تتفحصها بذعر و تري ماذا أصابها بالضبط …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في هذا الوقت … وصلت فرقة الإنقاذ ، فوقف جميع سكان المنطقة ينظرون بإنبهار شديد إلي سلسلة السيارات الفخمة التي إصطفت تباعا أمام منزل السيدة “زينب”
نزل “صالح” من السيارة مستندا علي عكازيه و هو يقول :
-أكيد هو ده البيت . سامعين الدوشة إللي فوق ؟؟؟ .. و أشار إلي إحدي الشرفات المفتوحة بالأعلي
بإشارة واحدة من يد “رفعت” تجمع كل أفراد الحراسة و وقفوا أمامه ..
رفعت بصوت صارم :
-عايز شوية هنا قدام باب البيت و الباقي بسرعة علي فوق !
و بينما كان يحدث كل هذا ، تعالت الهمسات و الهمهمات النسائية ، فواحدة تقول :
-يالهوي ياختي . شايفة إللي أنا شايفاه ؟؟؟
ترد الثانية :
-شايفة ياختي . دي باينها ليلة سودا مش هتعدي.
الأولي :
-طلعت الإشاعة حقيقية و البت سمر صحيح غلطت مع البيه صاحب الشركة إللي بتشتغل فيها . الله أعلم يمكن غواها.
الثانية بسخرية :
-غوا مين يا حبيبتي ! دي أكيد هي إللي رمت روحها عليه إي$ جاب لجاب . إنتي عارفة مين العيلة دي ؟؟
الأولي بفضول :
-لأ ياختي ماعرفش . مين ؟؟؟
الثانية بغيظ :
-عيلة البحيري . أكابر إسكندرية يا حبيبتي البت لعبتها صح.
الثانية بتساؤل :
-بس تفتكري ممكن يتجوزها ؟؟؟؟
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
كانت “صفية” مستكينة في حضن “عثمان” … عندما وصلوا بقية أفراد العائلة
-صـافـي ! .. قالها “صالح” بتلهف حين وقعت عيناه عليها ، و فورا مضي صوبها
فيما إكتظ المكان بالكثير من الناس ، و البعض أظهر خوفه من طاقم الحراسة الأشبه بقطيع من الثيران البشرية ، ولج “رفعت البحيري” بخطوات مضطربة ، لكنه أطلق زفرة إرتياح عندما شاهد أولاد أخيه بخير و بخاصة “صفية” ..
-إيه إللي حصل يا عثمان ؟ .. تساءل “رفعت” بغلظة و هو يرمق جميع الغرباء هنا بنظرات دموية
عثمان بلهجة هادئة :
-مافيش حاجة يا عمي . كله تمام.
و هنا إنفجر “صالح” بغضب شديد :
-يعني إيه مافيش حاجة ؟ آا ..
-صالح ! .. قاطعه “رفعت” بحزم دون أن يحيد بنظره عن “عثمان” و أكمل :
-أومال مال دراعك ؟؟؟
عثمان بنفس الهدوء :
-دي حاجة بسيطة !
إنضمت جماعة أخري إليهم في هذه اللحظة ، فبرز صوت “رجب” قائلا بحنق :
-مين إللي بلغ البوليس … ؟؟؟!!!!!
لم يتسني لأخد أن يجيبه ، ليقرل ضابط الشرطة الذي تقدم عسامره بوقار :
-كله يثبت مكانه و محدش يتحرك .. كان صوته حادا ، إلي أن رأي “رفعت”
صاح بدهشة :
-رفعت بيه البحيري ! .. خير يافندم إللي حصل ؟ حد هنا إتعرض
لحضرتك ؟؟؟؟!!!!
نظر “رفعت” إلي “عثمان” حائرا و لم يجب ….. !!!!
يتبــــــــع …