رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ صراع ! _
تذرع “سمر” الغرفة جيئة و ذهابا بـ”ملك” … فما زالت الصغيرة تبكي بحرارة ، و ما زالت هي تبذل محاولاتها لتجعلها تكف عن البكاء
راحت تغني لها بصوت عذب و تهدهدها بين ذراعيها ، و بالفعل نجح الأمر و هدأت “ملك” تدريجيا إلا من بعض الشهقات و الإرتجفات البسيطة
-بقت كويسة ؟ .. سمعت “سمر” صوته أتيا من خلفها ، لتغمض عيناها في حنق ثم تلتفت إليه ..
سمر بحدة :
-نعم ! عاوز إيه ؟؟؟
عثمان عابسا بشئ من التوتر :
-أنا ماكنش قصدي أزعق في أختك . هي في الأول و في الأخر طفلة و أنا مش حيوان أوي كده عشان ماتفرقش معايا مشاعرها .. ثم مد ذراعيه صوبها مكملا :
-ممكن !
كانت دعوة لا ترفض ، خاصة بعد ما أظهره من سلوك إنساني مهذب و لأول مرة
لوت “سمر” شفتاها ممتعضة ، لكنها ناولته شقيقتها في الأخير ..
توتر جسد “ملك” في بادئ الأمر و إتسعت عيناها الخضرواتان و هي تنظر إلي “عثمان” بخوف و ترقب ، لكنه طمئنها بإبتسامة خفيفة حلوة و ضمها إلي صدره بلطف
تكورت “ملك” بحضنه و دست رأسها في صدره دلالة علي خجلها و حبها في آن ..
عقدت “سمر” حاجبيها بإنزعاج من هذا ، فمدت يديها و إستعادت الصغيرة منه و هي تقول بجفاء :
-ملك حساسة أوي و لسا مانسيتش إللي حصل برا . عشان كده لازم أخدها و أمشي دلوقتي.
و هنا إنقلب مزاج “عثمان” فجأة ، إلا أنه تماسك و رد بأقصي ما إستطاع من هدوء :
-إحنا لسا جايين . و بتقوليلي تمشي ! ده كلام يعني ؟ خليكي شوية إحنا لسا ماقعدناش مع بعض لوحدنا.
سمر بعناد :
-أختي أهم من أي حاجة.
عثمان بنفس الهدوء :
-طيب أنا ماقولتش حاجة و بعدين هي هديت دلوقتي و ممكن تنام بسهولة.
في هذه اللحظة دق هاتف “سمر” … أخرجته من جيب معطفها … ألقت نظرة علي إسم المتصل … و ردت :
-فادي ! .. إيه يا حبيبي صحيت ؟ .. أنا ماحبتش أقلقك .. أيوه عارفة إن إنهاردة أجازة بس ملك كانت محتاجة تروح للدكتور .. إحنا خلصنا كشف خلاص .. لأ هي زي الفل … ماشي . إحنا جايين بسرعة أهو .. سلام يا حبيبي.
أنهت مكالمتها ، ثم نظرت إليه قائلة بأسف مصطنع :
-فادي بيستعجلنا . للآسف لازم أمشي دلوقتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في ڤيلا “رشاد الحداد” … يدخل هذا الشاب ليقابل “چيچي” بالحديقة الخلفية
كانت تجلس علي الأرجوحة تتصفح إحدي مجلات الموضة عندما آتي ، إنتبهت لحضوره و تركت المجلة من يدها ..
چيچي بصوتها الفاتر :
-هآا ! .. طمني عملت إيه ؟
الشاب و هو يمد لها يده بمظروف كاكي اللون :
-أنا عملت كل إللي قدرت عليه . بس للآسف مقدرتش أوصل لجوا الشقة و مش هقدر يا چيچي هانم . إللي إسمه عثمان البحيري ده حاويط أوي و دايما جاهز لأي حاجة !
تنهدت “چيچي” بغيظ و هي تشد المظروف منه بعنف …
فتحته و أخذت تطالع الصور التي كانت فيه ، لم يسترعي “عثمان” علي إهتمامها بقدر ما فعلت “سمر” ..
راحت تمرر أمام عينيها الصورة تلو الأخر فإستغرقت بلا وعي في تأمل تلك الفتاة ، منافستها … أغضبها أن تضع نفسها محل مقارنة بجانبها
فهذه أجمل منها لو قورنت بها فعلا ، لابد أن زوجها السابق يستمتع كثيرا هذه الأيام ، و لكنها في الواقع ستجعله يستمتع أكثر ..
-يعني مش هتقدر تجبلي أكتر من كده ؟ .. قالتها “چيچي” بتساؤل و هي تلقي بالصور فوق طاولة صغيرة أمامها
الشاب بأسف :
-خارج النطاق ده ! مش هقدر يا هانم أعذريني.
زفرت “چيچي” بضيق ، ثم قالت :
-طيب فين الـNegative بتاعت الصور دي ؟
أخرج الشاب فيلم التصوير من جيبه و ناولها إياه متمتما :
-إتفضلي يا هانم !
چيچي و هي تقلب الفيلم بين أصابعها :
-أوك . دلوقتي تقدر تروح و المبلغ إللي إتفاقنا عليه هيتحول في حسابك بعد ساعتين بالظبط.
الشاب بإبتسامة :
-شكرا يا هانم . و حضرتك لو إحتاجتيني مرة تانية أنا تحت أمرك في أي وقت.
جلست “چيچي” بعد رحيل جاسوسها تفكر ، كيف تستغل هذه الصور ؟؟؟
توصلت لحل وحيد و قد بدا لها الأكثر فعالية أيضا ، و لكن متي تنفذه ؟ ..
-لأ يا چيچي .. تمتمت “چيچي” لنفسها ، و أكملت بخباثة :
-مش دلوقتي . لازم تستفيدي من دروس الـProfessor بتاعك . عثمان البحيري .. في أقرب مناسبة هفرجلك القنبلة الفظيعة دي يا حبيبي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
عندما وصلت “سمر” إلي البيت … توجهت فورا إلي شقة الجارة “زينب”
تتهلل أسارير “زينب” عند رؤيتها ، لتصيح بعدم تصديق :
-ســــــمـــــــر ! حمدلله علي السلامة يابنتي . جيتي بدري مش مصدقة !!
سمر بإبتسامة عريضة :
-الخطة مشيت أحسن ما رسمتها يا ماما زينب . مقدرش عليا المرة دي.
زينب بسرور :
-الحمدلله . جدعة عقبال مانخلص منه علي خير . طيب خشي واقفة كده ليه ؟!
-هطلع بقي عشان فادي صحي و بيزن كل خمس دقايق في التليفون .. و أكملت و هي تربت علي ظهر “ملك” النائمة علي ذراعها :
-و كمان عشان أنيم الأبلة دي في سريرها أحسن تبرد . بتنام كتير أوي البت دي بس الحمدلله إنها نامت لما نزلنا و مانامتش و إحنا معاه.
-الحمدلله يابنتي . ماشي إطلعي و لما تصحي حبيبة قلبي دي إبقي نزليهالي عشان وحشاني.
سمر بإبتسامة :
-حاضر يا ماما زينب.
و صعدت إلي شقتها … لتجد “فادي” كعادته جالسا أمام التلفاز يتابع إحدي المبارايات المـُعادة ..
-مساء الخير يا فادي ! .. قالتها “سمر” بنيرة خفيفة و هي تمشي بحرص حتي لا توقظ “ملك”
فادي بشئ من الإنزعاج :
-إتأخرتي كده ليه يا سمر ؟ ده أنا في إجازة يعني و المفروض إرتاح اليومين دول قبل ما أنزل الشغل تاني.
سمر و قد تلاشت إبتسامتها :
-إيه إللي حصل بس يا فادي ؟
فادي بضيق :
-جعان ياستي.
-يا حبيبي . طيب ما دبرتش حالك ليه لحد ما أوصل ؟
-التلاجة فاضية.
سمر بخجل :
-أه معلش نسيت . طيب خلاص أنا هحط ملك في سريرها و هانزل أجيب فطار و شوية حاجات كده.
فادي و هو يقوم من مكانه بتكاسل :
-لأ خليكي إنتي . أنا معايا فلوس أخدت دفعة أولي من المرتب . قوليلي إنتي بس إحنا محتاجين إيه و أنا هجيب كل حاجة.
-ماشي يا حبيبي.
و توجهت نحو غرفتها ، إلا أنها تعثرت و هي تمشي و قد أصابها دوار مفاجئ .. كادت تسقط ، لكنها أمسكت بظهر الكرسي بسرعة كي لا تسقط “ملك” ..
-ســـمــــــر ! .. صاح “فادي” بذعر و إنطلق صوب أخته كالسهم
قام بإسنادها و هو يقول بقلق ممزوج بالخوف :
-سمر . مالك ؟ إنتي كويسة ؟؟؟
شعرت “سمر” بوخزة حادة أسفل معدتها و بغثيان يهدد تماسكها ..
لكنها ردت رغم ذلك :
-أنا كويسة يا فادي ! .. كان صوتها ثقيلا ، بطيئا و إنتابها الإستغراب و القلق من هذا .. تساءلت ماذا يحدث معها ؟؟؟
فادي بنفس نبرة الخوف :
-إيه إللي حصلك فجأة ؟ ده إنتي كنتي هتقعي من طولك !
في هذه المرة خرج صوتها أوضح قليلا :
-ماتقلقش يا فادي أنا كويسة.
-أجيب دكتور ؟
سمر بإسراع :
-لأ . مالوش لزوم . أنا هبقي كويسة لما تجيب الفطار و ناكل سوا هبقي كويسة.
فادي بحنق :
-و هو إنتي نزلتي منغير ما تاكلي ؟ ينفع كده يا سمر ؟!
سمر بلطف :
-معلش . ربنا سترها أهو و أنا مافياش حاجة .. ثم قالت و هي تضع “ملك” بين يديه :
-أمسك ملك عشان ماتقعش مني . حطها في سريرها و أنا هفضل قاعدة هنا لحد ما تنزل و تيجي.
فادي و هو يشملها بنظرة فاحصة :
-ماشي . و خلي الموبايل جمبك لو حسيتي بأي حاجة كلميني.
سمر بإبتسامة متكلفة :
-حاضر يا فادي.
و بعد ذهاب “فادي” … بقت “سمر” وحدها تراقب مدي تطور حالتها متمنية ألا يكون الشئ البديهي الأول الذي فكرت فيه …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في سيارة “عثمان البحيري” … يقود بإتجاه القصر
زاد من السرعة متجاوزا عدة إشارات ، لم يتوقف أبدا و كانت عيناه المتقدتان تحدقان إلي الأمام ..
و لكنه في الواقع لم يكن ينظر إلي الطريق بكل هذا التركيز ، بل كان ينظر إلي وجهها الذي يلوح أمام ناظريه أبيا تركه لحاله
و فجأة يدخل “عثمان” في صراع نفسه ..
نفسه :
-إهدا شوية علي نفسك مالك عصبي كده ليه ؟
عثمان :
-لا عصبي و لا حاجة أنا تمام.
نفسه :
-لا يا راجل ! ده إنت من ساعة ما نزلت من الشقة و إنت قايد نار . معقولة واحدة تعمل فيك كده.
عثمان بغضب :
-لا عاشت و لا كانت . لسا ماتخلقتش و بعدين دي تحت جزمتي لو عوزتها في أي وقت هلاقيها.
نفسه :
-إنت لحد دلوقتي معاملتك ليها غير معاملة لواحدة قبلها . و في كل مرة معاها بتحس إنها أول مرة . مش قادر تستغني عنها يا عثمان .. إنت بتحبها !
عثمان بغضب أشد و قد خرج صوته صادحا بعد أن كان مجرد همهمة داخل عقله :
-لأ . مـابحبـهآاش . مش ممكن أنا أحب واحدة زي دي.
نفسه :
-و مالها دي ؟ إنت عارف كويس أوي إنها أحسن من كل إللي عرفتهم في حياتك . إنت إللي أذيتها إنت إللي إستغليت ضعفها إنت إللي خليتها كده . إنت السبب.
عثمان :
-أنا ماجبرتهاش . هي إللي بمزاجها جت لحد عندي.
نفسه :
-بعد ما ساومتها علي حياة أختها الطفلة الصغيرة !
عثمان مغمغما بعنف :
-إسكت . أنا مش غلطان في أي حاجة و بعد إللي حصل إنهاردة ده هخليها تشوف الوش تاني.
نفسه :
-بتحبها.
عثمان بإصرار :
-مش بحبها . و هثبتلك !
يصل “عثمان” أخيرا إلي بيته … يترك سيارته للبستاتي يصفها بالكراچ ، بينما يمضي هو إلي الداخل
يدق هاتفهه و هو بمنتصف الدرج ، ليخرجه و يقطب مستغربا ..
والده يتصل !
من المفترض أن يكون علي متن الطائرة الآن ..
-إيه يا بابا إنت لسا ماسافرتش ؟ .. رد “عثمان” بنبرة هادئة متسائلة ، ليأتيه صوت غريب تماما و ليس صوت والده :
-السلام عليكم ! عثمان بيه معايا ؟
عثمان بصوت أجش و قد ساوره القلق في هذه اللحظة :
-أيوه . مين معايا ؟؟؟
المتصل :
-معاك الرائد معتز الشيدي . أنا آسف بس مضطر أبلغك بخبر مؤسف شوية و كمان مالاقتش رغم رقم حضرتك كان أخر رقم كلمه يحيى بيه.
إزدرد “عثمان” ريقه الجاف بصعوبة و سأله بشئ من العصبية :
-ما تتكلم يافندم في إيه ؟ إيه إللي حصل ؟؟؟
المتصل :
-يحيى بيه عمل حادثة و هو رايح علي مطار القاهرة . هو دلوقتي في عربية الإسعاف يا ريت حضرتك تاخد أول طيارة و تيجي بسرعة …. !!!!!!!!!