رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ القرصان ! _
علي متن اليخت الذي لم يقلع بعد … تجلس “سمر” في غرفة النوم الفاخرة متيبسة ، لا تعرف كيف تتصرف
مع أنه ترك لها الغرفة منذ نصف ساعة لتحظي ببعض الخصوصية و تجهز نفسها علي الأقل بما إنها لم تأت بثياب إضافية لتبدل فيها طوال اليوم ..
لكنها مشلولة ، هذا أنسب تعبير لوصف حالتها الآن
عندما يتعلق الأمر به تجد نفسها عاجزة تماما .. عزلاء ، لا تملك ما تدافع به عن نفسها ، لا تستطيع التصرف أو التفكير
فقط كلمته هي التي تطغي علي كل شئ حتي تتحق مشيئته بالنهاية ، فهو يمسكها من اليد التي تؤلمها ..
-طيب و بعدين ؟ هعمل إيه دلوقتي ؟ .. تمتمت “سمر” لنفسها بحيرة شديدة ، ثم قامت من مكانها و أخذت تجوب المكان بنظرها بلا هدف معين
لتقع عيناها علي باب الحمام الموارب ..
مضت إليه بسرعة … نظرت إلي الخارج عبر النوافذ الدائرية ، لكنها لم تري سوي البحر و السماء
قضي الأمر ، لقد أصبحت تحت رحمته و لا مفر منه أبدا ..
-مين ! .. صاحت “سمر” بذعر حين سمعت طرق علي باب الغرفة ، ليأتيها الرد ساخرا :
-مين إيه يا سمر ؟ هيكون مين يعني ! أنا عثمان.
سمر بتوتر :
-عايز إيه ؟
عثمان بضيق :
-خلصتي و لا لسا ؟ أنا قاعد لوحدي بقالي كتير و زهقت.
-أنا جاية !
تنهد “عثمان” بنفاذ صبر و قال :
-طيب . ما تتأخريش أنا مستنيكي.
و إختفي صوته
لتندفع موجة من الحرارة في جلدها من جديد ..
تنفست بعمق لمرتين ، ثم إتجهت نحو المرايا المتوضعة فوق الرف الطويل
بدا منظرها فوضوي للغاية ، إذ كان شعرها أشعث بسبب يده و أصابعه التي راحت تعبث فيه عندما كانت معه بالخارج ..
وجدت فرشاة الشعر أمامها ، فأمسكتها و أقحمتها بعنف بين لفائف شعرها و أخذت تسرحه حتي صار مرتبا و ناعما كعادته
غسلت وجهها الملتهب بالماء البارد ، فشعرت بإرتياح شديد يغمرها لتلقي المياه علي مؤخرة عنقها أيضا ..
إنتهت من هذا الغسل الجزئي ، ثم عادت إلي الغرفة مجددا
تناولت حچابها من فوق الفراش و لفته حول وجهها .. ثبتته جيدا ، ثم عدلت ثيابها المجعدة
و أخيرا إستعدت للخروج …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
ضاقت ذرعا بهذا … طفح كيلها ، لقد تركته لأيام طويلة علي أمل أن يعود لصوابه و يعتذر منها و يطلبها للإتيان ليُصلح ما أفسده في فورة غضب
و لكنه لم يغعل ، حتي الآن لم يفعل .. و كأن حبه لها لا يعني شيئا ، و كأنه كان مجرد كذبه باتت طي النسيان !
و لكنها لن تقبل و لن تسمح بذلك أبدا ، فهذا ليس قراره وحده هي شريكته و نده في كل شئ مرتبط بهذه العلاقة ..
حسمت “صفية” أمرها و إستفاقت باكرا و ذهبت إلي المشفي ، عقدت العزم و بقوة علي إنهاء تلك المهزلة مهما كلف الأمر
لن ترحل من هنا إلا و هي مهزومة أو منتصرة ، إنما لن تنسحب أبدا ..
فتحت باب غرفته فجأة و دخلت دون أذن ، لينتفض “صالح” و هو يدير رأسه ليري من الذي إقتحم جناحه بهذا الشكل !!
-صفية ! .. هتف “صالح” ذاهلا
و لكن سرعان ما عاد التجهم إلي وجهه و هو يكمل بصلابة :
-إنتي إيه إللي جابك ؟ أنا مش قلت ماتجيش هنا تاني . مش قلت مش عايز أشوفك ؟!
وقفت “صفية” أمام سريره ، ثم قالت بجدية ممزوجة بالصرامة :
-لازم نتكلم يا صالح.
صالح واجما :
-مافيش كلام بينا يا صفية . كل حاجة إنتهت و إنتي عارفة كده كويس.
صفية بإنفعال :
-لأ ده بالنسبة لك كل حاجة إنتهت لكن بالنسبة لي لأ . لأ يا صالح . إنت مش من حقك تقرر مصير علاقتنا لوحدك أنا شريكتك في القرار و لما قرارك مايعجبنيش يبقي مش هيتنفذ سامع ؟؟؟
أشاح بوجهه عنها و هو يقول ببرود :
-أنا مابقتش عايزك يا صفية . إحنا فعلا ماننفعش لبعض زي ما أبوكي قال . هو رأيه كان صح . و أعتقد إنه إتأكد من كده أكتر بعد إللي حصلي.
-يعني ده كمان بقي رأيك يا صالح ؟ .. تساءلت “صفية” بوهن شديد ، و تابعت :
-إنت بجد عايز تسيبني ؟ .. عايز تسيبني بعد كل ده ؟ بعد كل السنين إللي عشناها سوا بنحب بعض ؟ عايز تسيبني بعد ما إرتبطنا رسمي و قدام الناس كلها ؟؟!!
عاود “صالح” النظر إليها ، ثم قال بسخرية :
-بس ماتقوليش بنحب بعض بس . أنا إللي كنت بحبك يا صفية و كنت عارف إنك مابتحبنيش . إنتي عمرك ما حسستيني إني موجود في حياتك أصلا . أنا بالنسبة لك كنت مجرد تحصيل حاصل كأنك كنتي بتقولي لنفسك إللي أعرفه أحسن من إللي ماعرفوش لحد ما يجي الشخص المناسب . كنت متأكد دايما إن هيجي عليكي يوم و هترميني بس أنا بقي فوقت قبل ما تعلميها و سبقتك يا صفية . كنت مغفل .. بس خلاص صحيت من غفلتي.
صفية بصدمة كبيرة :
-هي دي كانت فكرتك عني ؟ . إنت كنت فاكرني وخداك للمنظرة .. ثم صرخت بغضب :
-كنت فاكرني ممكن أبص لحد غيرك و أنا خطيبتك ؟؟؟
صالح بغضب مماثل :
-دي حقيقة مفروغ منها بالنسبة لي . لو ماكنش ده تفكيرك إنتي فأنا متأكد إنه تفكير أبوكي . عمره ما أخد موضوعنا بجدية و دايما بيتعامل معاه بعدم إهتمام كأنه واثق إننا مش هنكمل مع بعض و بردو كنت دايما بحاول أقنع نفسي بالعكس بس دلوقتي خلاص . إللي أنا بقيت فيه خلاني أستخدم عقلي و أشوف الحقيقة زي ما هي منغير كدب و لا تزويق.
-يعني ده أخر كلام عندك ؟ .. تساءلت “صفية” بغموض ، ليرد “صالح” بثبات :
-أيوه يا صفية . أنا سيبتك و إحنا دلوقتي مش أكتر من ولاد عم . ده أخر كلام عندي.
أومأت “صفية” رأسها ، ثم إستدارت و مشت بمنتهي الهدوء نحو النافذة الزجاجية ..
-رايحة فين يا صفية ؟ .. سألها “صالح” بقلق ، لتكمل هي سيرها غير مبالية به
-صفية رايحة فيـــن ؟؟ .. كرر “صالح” سؤاله ثانيةً ، فأجابته ببرود و هي تمد يديها و تفتح النافذة علي مصراعيها :
-إنت بتقول إن كل حاجة بينا إنتهت . و إني إنتهيت بالنسبة لك .. يبقي لازم إنتهي فعلا يا صالح !
و صعدت علي الكرسي لتعتلي السور الرخامي ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
في الخارج … يجلس “عثمان” في إنتظار “سمر” و هو يشعر بالملل الشديد
كان ممسكا بكأس من الڤودكا الممتزجة بعصير الفواكه ، أخذ يتجرعه بفتور و عيناه مثبتتان علي باب الغرفة ..
-أخيـــــرا خرجتي يا بيبي ! .. قالها “عثمان” لحظة خروج “سمر” من الغرفة ، ثم قام و إتجه صوبها و هو يكمل :
-طولتي أووي . كنتي بتعملي إيه كل ده ؟
سمر بإرتباك و هي تتجنب النظر إليه :
-كنت بغسل وشي.
عثمان بدهشة :
-كل ده و كنتي بتغسلي وشك بس ؟ ده أن إفتكرتك بتاخدي شاور ! .. و لفت نظره أنها وضعت الحچاب مرة أخري ، ليقول بدهشة أكبر :
-الله ! لبستي الإيشارب تاني ليه ؟!
سمر بشئ من الإرتباك :
-أنا مش متعودة أقلع الحجاب قدام حد غريب.
عثمان و هو يبتسم بخبث :
-بس أنا مابقتش غريب بالنسبة لك يا سمر . أنا جوزك و إنتي مراتي . و لا ناسية ؟
لم ترد
لتزداد إبتسامته إتساعا و هو يقوم بنزع حچابها مرة أخري ..
-أيووه كده .. تمتم “عثمان” و هو يتأمل شعرها الفاحم الطويل بإعجاب ، ثم تابع :
-شعرك جميل أوي يا سمر . إنتي جميلة .. جميلة أووي .. و جاء ليقبلها ، فأبعدت وجهها بسرعة و هي تقول بإرتباك شديد :
-أنا . أنا لسا . لسا مش مستعدة !
عثمان و هو يرفع حاجبه بسخرية :
-مش مستعدة لإيه ؟ هو أنا هديكي حقنة يا بيبي ؟ ده أنا هبوسك.
سمر بأعصاب تالفة :
-معلش . مش دلوقتي.
تنهد “عثمان” و قال :
-أووك . عشان خاطرك . نصبر شوية كمان .. ثم أكمل بنبرته الخبيثة :
-لسا قدامنا الليلة بحالها !
أجفلت “سمر” خائفة ، ليمسك هو برسغها و يشدها خلفه قائلا :
-طيب تعالي نطلع فوق عشان نتغدا سوا . تحبي تاكلي الأول و لا نطلع باليخت الأول ؟؟
سمر بخفوت :
-إللي إنت شايفه !
-يبقي نطلع باليخت الأول . الأكل في وسط البحر بيبقي أمتع.
و أخذها علي سطع اليخت ..
أجلسها علي طاولة كبيرة مستديرة الحواف ، و ذهب هو إلي غرفة القيادة
و بعد قليل سمعت “سمر” صوت هدير المحركات و شعرت باليخت و هو يتحرك في الماء ..
فيما أظهر “عثمان” مهارة واضحة في القيادة ، حيث أقلع بروية و حرفية شديدة في آن حتي تجاوز مياه المرسي ..
مضي مسرعا إلي الأمام ، و كان اليخت يندفع عبر الأمواج بينما إزداد شعور الخوف لدي “سمر” و لكنه كان خوف مختلف عن سابقه
فقد كانت تخشي السرعة التي يبحر بها و كانت تشعر بقليل من الدوار ، لكنها تماسكت و حاولت أن تركز علي أشياء أخري
نادها “عثمان” عندما إنطلق شرقا في البحر الواسع ، فقامت و ذهبت إليه ..
-تعالي يا سمر . تعالي بصي ! .. قالها “عثمان” بإبتسامة عريضة و هو يمسك بخصرها و يقربها منه ، لتضغط علي أسنانها بقوة و هي تحاول ألا تلتصق به قد إستطاعتها
-عمرك شوفتي كوبري ستانلي من تحت ؟ .. سألها “عثمان” و هو يشير لجسر الإسكندرية المشهور ، لتهز “سمر” رأسها نفيا و تقول :
-أنا عارفة الأماكن هنا و شوفتها من بعيد . بس عمري ما إتفسحت فيها.
عثمان بإستغراب :
-ليه كده ؟
سمر بإقتضاب :
-بابا الله يرحمه كان دايما مشغول و ماما طول عمرها بتخاف عليا و ماكنتش بخرج لوحدي . و هما الإتنين مالهمش في جو الفسح ده.
عثمان بتفهم :
-إممم فهمت . عموما و لا يهمك يا حبيبتي . أنا هاعوضك و هحققلك كل أحلامك .. ثم ألصق فمه بخدها يلثمه بعمق ، لتظهر علامات الأشمئزاز علي وجهها فورا و تجاهد و هي تحاول أن تداريها قبل أن يلاحظها
لكنه لاحظ شيئا أخر و قال بضيق شديد :
-بردو لابسة الإيشارب ؟ لبستيه تاني ليـــــه ؟؟؟
سمر بنبرة مستهجنة :
-ألبسه طبعا . إحنا مش لوحدنا دلوقتي و أي حد حوالينا ممكن يشوفني.
عثمان بنفاذ صبر :
-ماشي يا سمر . علي راحتك.
مضي بعض الوقت و هو يتجول بها في إنحاء المدينة كلها ، و قد مرا علي مناطق عديدة كلها يفوح فيها عبق التاريخ
كـخليج أبي قير و سيدي جابر و قصر المنتزه الذي كان في القديم أحد القصور الملكية الفاخرة
وصولا إلي الأحياء الراقية بصورة عالية جدا ، و منها حي زيزينا الساحر ، و حي جليم الذي نشأ و كبر فيه ..
-شوفي يا سمر .. صاح “عثمان” و هو يشير لها بسبابته نحو قصر ضخم يعد تحفة فنية فريدة ، ثم أكمل بتفاخر :
-ده قصر البحيري . ده بيتي.
و نظر لها ليري ردة فعلها ، لتبتسم “سمر” بخفة و هي تسخر منه بشدة في قرارة نفسها ..
مرت بضعة دقائق أخري ، راحت أنوار المدينة و البنايات الضخمة تتلاشي قليلا عندما أخذ “عثمان” يبتعد حتي توقف في منطقة بعيدة
و فجأة بات كل شئ هادئ و ساكن حولهما ، فقط أصوات الأمواج و حركة اليخت الخفيفة ..
-خلصنا لف ! .. قالها “عثمان” بإبتسامة ، و أردف :
-إيه رأيك ناكل بقي ؟ أنا موصي علي غدا هيعجبك أوي . هو أكيد برد بس لو حابة تسخنيه أنا ممكن أساعدك ماعنديش مانع.
سمر بتوتر :
-لأ . مش مهم . عادي أنا أصلا مش جعانة أوي.
-لا لا لا مافيش الكلام ده يا بيبي . هتاكلي معايا . يلآااا .. و جرها خلفه للخارج ، ليجلسا قبالة بعضهما علي الطاولة
و في الهواء الطلق ، أخذ “عثمان” يكشف عن الصحون المغطاة بالآواني الزجاجية
لتظهر أطباق كبيرة الحجم بها مختلف المأكولات البحرية بكافة أنواعها ..
-يلا كلي بقي .. قالها “عثمان” بضيق ، و أكمل :
-مابحبش آكل لوحدي !
أومأت برأسها موافقة
و أمسكت بالملعقة و كادت تقرب لها صحنا ، ليدق هاتفهها في هذه اللحظة ، فتخرجه من جيب ردائها الصوفي و تنظر لإسم المتصل ..
-مين بيتصل يا سمر ؟ .. سألها “عثمان” بفضول حين رآي علامات الذعر ترتسم علي وجهها
بينما وثبت من مكانها في الحال و ضغط زر الإجابة ، و ردت :
-أيوه يا فادي !
فادي بلطف :
-إيه يا حبيبتي . فينك دلوقتي ؟ وصلتي المستشفي ؟
سمر بإرتباك خفيف :
-أه يا حبيبي وصلت من بدري .. أومال أنت فين كده ؟!
-أنا في الجامعة . لسا الإمتحان فاضله ربع ساعة قاعد بقي براجع مع صحابي.
-ربنا يوفقك يا حبيبي و يجعلك الصعب سهل . إبقي طمني بقي لما تخرج.
فادي بحب :
-حاضر يا حبيبتي . إدعيلي إنتي بس و بوسيلي البت لوكا بوسة جامدة أوي عشان وحشاني.
-ماشي يا حبيبي .. ماشي .. يلا .. مع السلامة.
و حالما أغلقت الخط ، تطلعت إلي “عثمان” و صاحت :
-نزلني !
عثمان بإستنكار :
-نعم ؟ قولتي إيه ؟!
سمر بجدية :
-قلت نزلني . أنا عايزة أرجع دلوقتي رجعني حالا.
عثمان بحدة :
-أرجعك إيه هو لعب عيال ! إهدي كده يا سمر و أقعدي مكانك . أنا مش فاهم إنتي جرالك إيه فجأة !!
صرخت فيه :
-نزلنــــي !
قام “عثمان” من مكانه و هو يقول بغضب شديد :
-إهدي و وطي صوتك ده . في إيه ؟ حصل إيه لكل ده ؟؟؟
صرخت بقوة أكبر :
-نزلنـــــــــــــــــــــــي !
عثمان منفعلا :
-إنتي مجنونة أنزلك إزآاااي ! هو إحنا ماشيين عالكورنيش ؟ إحنا في عرض البحر !!
سمر بتهديد :
-لو مانزلتنيش هرمي نفسي في البحر.
عثمان بذهول :
-لأ إنتي إتجننتي فعلا .. ثم تحول فجأة و غمغم بحدة شديدة :
-أو بتلاعبيني . بس مانصحكيش . إنتي مش أدي يا سمر !
نظرت له بخوف ، لكنها قالت بتصميم :
-أنا عايزة أرجع . نبقي نتقابل مرة تانية بلاش إنهارد آا ..
-مافيش رجووع .. قاطعها بصرامة شديدة ، و تابع بغضب :
-إنتي عايزة ترجعي في كلامك ؟
سمر بتردد :
-لـ لأ . بس ..
-بس إيه ؟ أنا قولتلك إني مابحبش الغصب . و عمري ما هجبرك علي حاجة .. ثم أكمل بمكر :
-بس لو رجعتي في كلامك أنا هزعل . و زعلي وحش أووي يا سمر .. مش عايزك تجربيه.
صمتت “سمر” أمام تهديده الصريح ..
هو محق ، بإستطاعته فعل الكثير .. إذا لم يؤذيها هي فربما يفعلها مع أخيها أو أختها ، و هي لن تتحمل ذلك
لن تتحمل ذلك أبدا !!
-قولتي إيه ؟ .. تساءل “عثمان” بنبرة هادئة للغاية ..
-لسا عايزة ترجعي ؟ أنا تحت أمرك.
أغمضت عيناها بشدة و خرجت الإجابة من فمها تزخر بالقهر الشديد :
-لأ .. مش عايزة أرجع !
_ غادر ! _
تصرفت بجنون مطلق … عندما وقفت علي السور الزلق بحذائها ذي الكعب العالٍٍ غير آبهة بنداء “صالح” المتواصل ، فقد وجدت متعة شديدة في ترويعه و إخافته
و كأنها ترد له ما فعله بها و لكن بطريقة أكثر قسوة ..
-إنزلــــــــــي يا مجنوووونة ! .. صاح “صالح” بعصبية للمرة العاشرة حتي الآن ، لتبتسم “صفية” بإستفزاز قائلة :
-مش هنزل يا صالح . إنت إللي حكمت عليا بكده . يبقي بتلومني و عايز تمنعني ليه ؟!
صالح و هو يزدرد ريقه بقلق :
-صافي من فضلك إنزلي . ماينفعش تهزري في حاجات زي دي . إنتي عارفة إحنا في الدور الكام ؟
أومأت “صفية” و هي تجيبه ببرود :
-أيوه عارفة . في الدور الـ20 !
صالح بإنفعال :
-يبقي بطلي جنان و إنزلي . إنزلي حالا . دلوقتي يا صافي.
صفية بعناد :
-لأ يا صالح . مش هنــــزل ريح نفسك . أنا قررت مصيري زي ما إنت قررت مصير علاقتنا بالظبط !
صالح بعصبية مفرطة :
-صفيـــــــــة بقولك إنزلــــي . إنزلــي دلوقتي ماتجننيش.
صفية بإبتسامة باردة :
-باي يا صالح !
و مدت ساقها للأمام ، ليصرخ “صالح” بقوة و هو يحاول النهوض من السرير :
-لأااااااااااااااااااا !
و بكل ما فيه من غضب و كره للعجز الذي أصابه ، تحرك بعنف
ليسقط من فوق السرير و هو يتآوه بآلم شديد ..
-صالــــــــــح ! .. صرخت “صفية” بهلع و هي تنزل عن السور و تركض ناحيته
ركعت علي ركبيتيها بجواره و رفعت رأسه عن الأرض قائلة بخوف :
-صالح حبيبي .. إنت كويس ؟ إنت كويس يا حبيبي ؟ رد عليا !
و إختنق صوتها فجأة حين ذرفت عيناها الدموع ، ليرد “صالح” بصوت متألم :
-إنتي مجنونة آااه . إيه إللي كنتي عايزة تعمليه ده ؟ حرآاام عليكي كنتي هتموتيني.
صفية بإبتسامة ممزوجة بدموعها :
-خفت عليا يا صلَّوحي ؟!
صالح بضيق :
-صلَّوحك إيه و هباب إيه بقي ؟ .. أنا كنت ناقص يا صفية ؟ جيتي تكملي عليا !
صفية بحزن شديد :
-أنا ماقدرتش أبعد عنك أكتر من كده . و كنت كل يوم بستناك تكلمني تقولي وحشتيني تعالي أنا آسف .. بس ماكنتش بتتصل يا صالح . فصممت أجي و أوضع حد للسخافات بتاعتك دي.
صالح بحدة :
-تقومي تعرضي نفسك للخطر ؟ إنتي إتهبلتي ؟!
صفية بغضب :
-كنت عايزني أعملك إيه يعني ؟ كنت عايزني أثبتلك إزاي إني بحبك بجد ؟ إنت ظلمتني و رفضت تسمعني . أول مرة أشوفك قاسي بالشكل ده !
صالح بسخرية :
-بتتكلمي عن القسوة ؟ و إللي إنتي كنتي فيه معايا ده كان إسمه إيه ؟ ده إنتي عمرك ما بليتي ريقي بكلمة حلوة.
صفية بتبرير يشوبه بعض الإرتباك :
-آا إنت . إنت عارف . عارف إن أنا بتكسف و آا ..
-بتتكسفي ! .. هتف بدهشة و تابع :
-ليه أنا كنت بقولك كلام أبيح ؟ ده أنا طول عمري كنت حريص في التعامل معاكي و إنتي دايما كان إسلوبك واحد . النشفـــــــــان . عمرك ما قولتيلي كلمة حلوة يا صفية.
صفية بإنزعاج :
-خلاص بقي يا صالح . إنسي . إنسي عشان خاطري . و أنا أوعدك إني هتغير و هاهتم بيك أكتر بكتير من الأول.
صالح بجدية :
-الإهتمام مابيطلبش يا صافي . الإهتمام لازم يكون نابع من جواكي و لازم تكوني حباني عشان تقدري تاخدي بالك كويس و إنتي بتتعاملي معايا . تعرفي إيه إللي يجرحني و إيه يزعلني منك بجد.
صفية بصدق و نبرة حزينة :
-أنا بحبك.
تنهد “صالح” بثقل ، و قال :
-و للآسف أنا كمان لسا بحبك !
-للآسف ! .. غمغمت “صفية” و هي تضربه بخفة علي صدره ، ليبتسم نصف إبتسامة و هو يقول :
-أه للآسف . بجد كان نفسي أكرهك أوي و أبطل أحبك .. بس إكتشفت إن الحكاية مش بالسهولة دي أبدا يا صافي.
إبتسمت “صفية” بسعادة شديدة ، ثم قالت و وجنتها تتوردان خجلا :
-و أنا إكتشفت إني مش بس بحبك . ده أنا طلعت بموت فيك و أنا مش واخدة بالي . كنت هتجنن بجد كنت هتجنن طول الأيام إللي إتخاصمنا فيها . لا كنت عارفة آكل و لا أشرب . حتي عنتر أهملته جدا و مابقتش أسأل فيه زي الأول.
صالح بضيق شديد :
-ياااادي عنتر و سنين عنتر . أقسم بالله حاسس إن نهايتي هتكون علي إيده في يوم.
صفية و هي تضحك برقة :
-بعد الشر عنك يا قلبي . ده أنا أضربه بالنار لو بس حاول يخربشك.
صالح بعدم تصديق :
-بجد ؟ بجد يا صافي ؟ ممكن تضحي بعنتر عشاني.
-أيوه يا حبييي . حد قالك إن عنتر ده يبقي عمرو إبن أختي ؟ ده مجرد حيوان بعطف عليه .. ثم قالت بجدية :
-المهم إن إنت سامحتني . مش كده يا صالح ؟!
صمت قصير … ثم قال “صالح” بإبتسامة :
-مابعرفش أزعل منك أبدا.
صفية بإبتسامة حب :
-حبيبي يموووت فيك و الله . كده بقي أقدر أرجع أزورك كل يوم و إبقي معاك و إنت في جلسات العلاج.
تجهم “صالح” فجأة عندما جاءت علي ذكر العلاج ، لتكمل “صفية” بجدية ممزوجة باللطف :
-إنت أخدت وقت كتير أوي يا صالح . لازم تبدأ . عشان خاطري . بلاش تعاند . أنا واثقة و متأكدة إن ربنا هياخد بإيدك و هتتحسن و هترجع أحسن من الأول كمان.
-أنا مش عايز أتعلق بأي أمل يا صفية ! .. قالها “صالح” بلهجة حزينة للغاية ، و تابع :
-مش عايز أحلم بحاجة و أصحي في الأخر علي كابوس . أنا كده كويس.
صفية بإستنكار :
-إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ كلامك ده ماينفعش علي فكرة و مش منطقي . ده إسمه إستسلام يا صالح و أنا مش هسمحلك تعمل كده .. ثم قالت بصرامة :
-إسمع . إنت هتتعالج و هتبقي كويس . و غصب عنك هكون فوق راسك ليل و نهار لحد ما تقف علي رجليك فاهم ؟
صالح بإبتسامة :
-فاهم.
و هنا دخل الطبيب ، ليجدهم علي هذا الوضع الغريب ..
-إيه ده يا صالح بيه ! حضرتك وصلت للأرض إزاي ؟؟؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في يخت “عثمان البحيري” … تحديدا عند بنش البـار في الطابق الثاني
يدق هاتف “سمر” و هي تجلس مع “عثمان” في هذا المكان علي مضض ..
بينما يتآفف الأخير بضجر قائلا :
-و بعدين بقي في موبايلك ده ! من الصبح مابطلش رن !!
تجاهلته “سمر” و ردت بصوت هادئ :
-ألو يا فادي .. كويسة يا حبيبي .. أيوه . أيوه إتعشيت .. إنت أكلت و لا لسا ؟ .. هتلاقي الغدا في التلاجة عندك . في تاني رف علطول .. بالهنا و الشفا يا حبيبي .. إن شاء الله علي بكره الصبح .. لأ مش هتأخر .. هنفطر سوا بإذن الله .. ماشي يا حبيبي .. يلا تصبح علي خير.
-لازم تدي لأخوكي تقرير مفصل كل ساعة يعني ؟ .. تساءل “عثمان” بسخرية ، ثم شرب ما تبقي في كأسه دفعة واحدة
لتجيبه “سمر” و هي تشعر بالملل و الضيق الشديد من رفقته المنفرة :
-أخويا و بيطمن عليا . حاجة ماضايقنيش.
عثمان بحدة :
-بس تضايقني أنا . أنا مش عارفة أتكلم معاكي كلمتين علي بعض من ساعة ما جينا . إقفلي الموبايل ده من فضلك.
سمر بإستنكار :
-مش هينفع لو فادي إتصل و لاقاه مقفول هيقلق و ممكن يعمل أي حاجة.
عثمان بغيظ شديد :
-يعني هنفضل كده طول الليل ؟ كل عشر دقايق ألاقي موبايلك بيرن ! بالشكل ده اليوم كله هيروح علي مافيش.
سمر بتوتر :
-هـ هو خلاص مش . مش هيتكلم تاني . لازم ينام بدري عشان عنده إمتحان الصبح.
تنهد “عثمان” و قال :
-يا مسهل . أما نشوف ! .. ثم أردف و هو يصب لها كأسا :
-يلا بقي إشربي معايا بقالي كتير بتحايل عليكي . إشربي ماتخافيش مش هيحصلك حاجة.
سمر بحدة :
-قولتلك مش هشرب خمرة . مستحيل أدوقها حتي.
عثمان و هو يحاول إقناعها :
-يا بيبي ماتبقيش خوافة كده . و بعدين الكاس مليان عصير و أنا يدوب حطيتلك شوية ڤودكا صغيرين . يلا بقي إشربي . صدقيني طعمه هيعجبك أوي.
سمر برفض قاطع :
-لأاااااا.
عثمان بضيق :
-طيب بلاش ده . هحطلك ليكور . ده مشروب خفيف و مناسب ليكي أوي مش هتسكري و الله ماتخافيش.
و هم ليصب لها من هذا المشروب ، لتصيح بحدة شديدة :
-قلت مش هشرب خمـرة . مش هشـــــــــــــرب.
عثمان بنفاذ صبر :
-أووك .. براحتك يا سمر.
و أخذ الزجاجة ليملأ كأسه الفارغ و يشرب هو من دونها
لكنه لم يفرط في الشراب كثيرا حتي لا يثمل و تنتهي الليلة التي خطط لها قبل أن تبدأ ..
-أنا قولتلك قبل كده إني كنت متجوز صح ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل ، لترد “سمر” بإقتضاب :
-أيوه قولتلي.
عثمان و هو يلهو بكأسه :
-ممم .. بس لسا ماقولتلكيش أنا طلقتها ليه !
سمر و هي تهز كتفاها بعدم إكتراث :
-عادي . أنا مش مهتمة أعرف.
عثمان بإبتسامة خفيفة :
-بس أنا عايز أحكيلك.
صمتت “سمر” و لم ترد ..
ليبدأ “عثمان” روايته :
-چيچي .. چيچي الحداد . بنت الحسب و النسب . أبويا هو إللي إخترهالي . قالي أبوها عنده نفوذ و جوازي منها هيضيف لعيلتنا كتيــــــر .. سمعت كلامه و خطبتها . 6 شهور و أنا معاها . ماحستش إني بحبها و لا إن في قابلية إني ممكن أحبها حتي . هي حلوة و كل حاجة . لكن أنا كنت قافل منها مش عارف ليه . بس برغم كده كملت معاها و قلت مش مهم الحب و خليني راجل عملي أحسن .. بس إتفاجئت قبل فرحنا بإسبوع واحد إنها بتخوني . شوفتي جرأتها ؟ نامت في حضن عشيقها قبل فرحها بسبعتيام و كانت عايزة تنام في حضني أنا و هي فاكرة إنها إستغفلتني .. ثم قهقه فجأة ، و أكمل بإسلوبه الشيطاني :
-المشكلة إني إبن أبلسة أصلا و أنا عارف كده كويس عشان كده ماعرفتش تضحك عليا .. عارفة عملت فيها إيه يا سمر ؟
رمقته “سمر” بوجوم تام و قد إزداد رعبها إزاءه ، ليكمل هو بإبتسامته الشريرة عندما أطالت في صمتها :
-صورتها و هي في حضن حبيب القلب . عندي ليها حتة cd يساوي مبلغ و قدره لو حبيت أستندل معاها أوي و أبيعه لأي منافس من منافسين أبوها هيجبلي ثروة في ساعة زمن مافيش غيرها.
-و إنت بجد ممكن تعمل حاجة زي دي ؟ .. تساءلت “سمر” بذهول شديد
بينما زم “عثمان” شفتاه ، ثم قال بمكر :
-و الله كل شئ وارد . ممكن بنسبة 90% الـcd ده يطلع في يوم من الأيام !
سمر بعدم تصديق :
-بس دي كانت مراتك . و غير كده دي بنت .. معقول هتآذيها بالطريقة دي ؟؟؟
عثمان بسخرية :
-دي واحدة خاينة . تستاهل الموت . آذيتي ليها بحاجة زي دي هتبقي أقل واجب ممكن أعمله معاها .. ثم غير مجري الحديث و قال مبتسما بخبث :
-خلاص بقي كفايانا كلام لحد كده . تعالي نطلع أوضتنا . عايزك تعرفي إنك أول واحدة تحط رجليها في اليخت ده .. هو عزيز جدا عليا . عشان كده مش أي حد ممكن يدخله !
و قبض علي يدها بقوة ، لتنتفض و هي تنظر له بخوف ..
-إيه يا سمر ! خايفة ؟ .. سألها “عثمان” بمكر ، لترد بشئ التوتر :
-لأ . مش . مش خايفة !
-طب يلا . تعالي معايا.
و شدها خلفه إلي غرفة النوم في الطابق العلوي
أغلق الباب و إلتفت إليها ..
بينما وقفت “سمر” مسلفة إليه ظهرها .. أعصابها مشدودة تكاد تكون علي حافة الإنهيار ، و الغرفة شديدة الدفء بعكس الجو العاصف بالبرودة في الخارج
لم تسمعه و هو يقترب منها ، لكنها شعرت بيداه و هما تحطان علي وسطها ..
فأحست أن كل عصب في جسدها صار مثل سلك كهربائي حي
إرتجفت بقوة ، ليطوقها هو بذراعيه و يلصق ظهرها بصدره قائلا بصوت متمهل :
-سمر .. ماتخافيش يا حبيبتي .. إنتي في إيد أمينة !
و مست شفتاه رقبتها ، تحت أذنها تماما ..
دغدغت أنفاسه الحارة عنقها ، فتململت قليلا محاولة الفكاك منه ، ليتركها هو بحركة مفاجئة و هو يقول بصوته العميق :
-يلا بقي .. إقلعــــــــي !
ضربها الرعب عند نطقه بها ، فإبتلعت ريقها بصوت مرتفع و هي تنظر له بذعر شديد ..
-إيه مستنية إيه ؟
سمر بإرتباك و قد تسارع وجيب قلبها بسرعة مميتة :
-آا أنا . أنا .. لأ . لأ مش . مش هقدر !
و راحت تهز رأسها سلبا بلا توقف ، ليقترب منها بخطوة و يمسك بوجهها قائلا بهدو :
-إهدي . إهدي يا حبيبتي . أنا معاكي أهو واحدة واحدة .. مش مستعجل.
و أمسك بسحاب ردائها و أنزله ، ثم قال بخفوت :
-يلا . كملي إنتي بقي.
حاولت “سمر” بصعوبة … و لكنها لم تستطع !!!
-لأ .. صرخت برفض
ليتنهد “عثمان” بصبر ، ثم يقول بإقتراح :
-طيب .. عندي فكرة . أنا هطفي النور . تمام . و مش هفتحه خاااالص .. و إنتي خدي راحتك علي الأخر . بس ما طوليش أوك ؟ عشان أنا بمل و أنا لوحدي . إتفقنا ؟!
أومأت “سمر” ببطء
فذهب هو و أطفأ نور الغرفة … ليسألها بعد خمسة دقائق بالضبط :
-ها .. خلصتي خلاص ؟
سمر بنبرة مهزوزة :
-لـ لـ. آ. ـ..ـسا لسـ.ا !
و بعد ثلاث دقائق إضافية :
-هاااااه ! .. لم يصدر عنها صوت
فإلتوي ثغره بإبتسامته الشيطانية ، ليغدرها و يضئ النور فجأة ، فينكشف له كل شئ ..
و هنا صرخت “سمر” ملء حنجرتها و هي تقول :
-يا كدااااااااااااااااااب . يا حيوااااااااان كدبت علياااااا كدبت عليااااااااااااااااا.
و أصابها الجنون و هي تحاول أن تستر ما ظهر منها دون فائدة ، فحاولت أن تشد ملاءة السرير ، لكنه قبض علي ذراعيها و هو يقول بنعومة خبيثة :
-تؤ تؤ تؤ .. إوعي يا بيبي . إوعي تستخبي مني . إوووعـــــي !
ثم شدها برفق و حزم في آن نحو الفراش الأكثر عمقا !!!!!