رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ خيبة أمل ! _
في إحدي المقاهي المطلة علي البحر … تجلس “سمر” هي و “ملك” إلي طاولة صغيرة في إنتظار قدوم أخيها
لقد حرصت علي ملاقاته في مكان عام حتي تجبره علي إلتزام الهدوء ، رغم أنها تعلم أن ذلك لا يهمه في جميع الأحوال
لكنها تعلم أيضا أنه شقيقها أولا و أخيرا ، تعلم أنه سيأتي و هو لا يضمر لها أي شر ، تعلم أنه لن يؤذها أبدا .. لأنها أخته من لحمه و دمه و هو يعرفها جيدا و دائما يثق بها
فقط ما حدث خلال الفترة الأخيرة كان من شأنه هدم علاقتهما الأخوية الطيبة ، و لهذا السبب هي هنا الآن ، تچلس و تنتظره لتشرح له كل شئ
لتقول له أن ما من أحد علي وجه هذه الأرض يغنيها عنه ، هو الأهم بالنسبة لها ، هو إختصار كل شئ تحيا به و من أجله …
كانت الشمس تتوهج مشعة و قرصها يتوسط السماء ، عندما ظهر “فادي” من بعيد
تعلقت أنظار “سمر” به فورا ، بينما تسمر “فادي” بمكانه كالتمثال عندما رأها ..
كانت عيناه غائرتان و تحيط بهما هالات بنفسجية اللون ، و كما قالت لها “زينب” لحيته نمت بشكل ملحوظ جدا ، و شعره مبعثر في كل الإتجهات
بإختصار حالته يرثي لها ..
لاح علي ثغره طيف إبتسامة ساخرة و هو يمشي صوبها بثبات ، ألمتها نظرته إليها و لم تحاول إخفاء العذاب في عينيها … جلس “فادي” قبالتها دون أن يفه بحرف
شعر أن نظراته تزعجها فأكثر منها ، و مد يديه نحو “ملك” منتظرا أن تعطيه إياها
تنهدت “سمر” بحرارة و ناولته الصغيرة عبر الطاولة … قبلها “فادي” و ضمها بشوق لدقيقة كاملة ، ثم أجلسها علي قدمه و راح يمسح علي شعرها بحنان ..
طال الأمر و لم تعد تطيق “سمر” صبرا ، ليخرج صوتها مبحوحا متقطعا :
-فادي !
لم يرد عليها و لم يرفع وجهه حتي ، تجاهلها كليا و واصل الإهتمام بأخته الصغيرة ..
سمر بصوت كالأنين :
-فادي .أرجوك . ماتعملش فيا كده
رد عليا أرجووك !
و هنا نظر لها .. ثم قال بعد صمت :
-عايزاني أرد أقولك إيه ؟! .. كان صوته قاس
سمر بنبرة معذبة :
-رد . قولي أي حاجة .. إللي علي بالك قوله بس ماتسكتش كده.
فادي بسخرية مريرة :
-خليني ساكت كده أحسن . لو إتكلمت مش هيبقي في مصلحتك و الجرح هيتفتح من تاني و هينزف أكتر و مش هقدر أمسك نفسي
أنا عامل حساب لبابا و ماما بس . لولا هما كنت قتلتك بإيديا و إرتحت و مشيت و أنا رافع راسي و و لا ميت عثمان البحيري بتاعك ده كان حاشني عنك . إوعي تكوني فاكرة إنه حاميكي مني . لو كنت عايز أقسم بالله كنت قتلتك و في يومها يا سمر.
تقلص وجهها بألم شديد أمام هذا التأكيد ، بينما أكمل هو بعدم إهتمام :
-أنا وافقت أجي دلوقتي عشان ملك بس . كانت وحشاني و نفسي أشوفها.
-و أنا ! .. همست “سمر” بمرارة
-أنا ماوحشتكش يا فادي ؟
فادي بقسوة :
-لأ . و مش عايز أشوفك تاني أبدا.
سمر بدموع :
-حرام عليك . أنا أختك و ماليش غيرك.
قطب “فادي” حاجباه و رد بإستنكار :
-أختي ؟ هي فين أختي دي ؟ أختي غابت عني . أختي ماتت . ماتت لحظة ما وافقت تبيع نفسها و شرفها
أنا نفسي أفهم . قلبك طاوعك إزاي ؟ قدرتي تعملي كده إزآاااي ؟ أنا كل يوم بسأل نفسي السؤال ده و مش قادر أوصل لإجابة !!!
سمر بصوت ممزق من البكاء :
-قلبي طاوعني و قدرت أعمل كده عشانكوا . إنت و ملك أغلي عندي من نفسي ماليش غيركوا في الدنيا . و علي إيدك ماكناش نملك أي حاجة و ملك كانت هتموت مننا
ضحيت بنفسي عشان هي تعيش . ماكنتش عايزة حاجة أصلا و لا ةنت حطة جواز و لا إرتباط في دماغي . بس لما ظهر البني آدم ده في حياتي و قدملي الحل لكل الأزمات بشرط أسلمه نفسي .. قولتله لأ في الأول . سيبته و مشيت
بس لما شوفت حالتنا و لما كل الأبواب إتقفلت في وشي . ضعفت و رجعتله .. و إختتق صوتها في العبارة الأخيرة
فادي بغضب :
-و كانت فين كرامتك ؟ كان فين حيائك ؟ منظرك كان عامل إزاي قدام نفسك و إنتي رايحله و عارفة إنك هتعملي كل إللي هيطلبه منك ؟ هان عليكي شرفك ترخصيه كده ؟ تفرفي إيه إنتي دلوقتي عن أي واحدة بتقف في الشوارع بالليل عشان تستلقط الزبون إللي هيدفعلها أكتر ؟!
-بــــس بـــــــس ! .. غمغمت “سمر” بحرقة و هي تسد أذنيها بيداها لكي لا تسمع ما يقوله
رمقها بخيبة أمل شديدة ، لتقول و هي تنشج و تغص بصوتها :
-أنا أقدر أستحمل الكلام ده من كل الناس . لكن إنت لأ
إنت ماينفعش تقولي كده.
فادي بسخرية :
-ما أنا بردو من الناس . زيي زيهم لو كنت شوفت واحدة زيك عملت إللي إنتي عملتيه كنت هضم صوتي لصوتهم . الحقيقة مش بتداري.
سمر بإنكسار :
-بس إنت أخويا . لازم تحميني و تخاف عليا مش حد تاني . دلوقتي كرامتك بقت محفوظة أنا متجوزة !
فادي بغضب شديد :
-جواز إيه إللي بتتكلمي عنه ؟ إنتي مصدقة نفسك ؟ ده أنا لحد إنهاردة بمشي موطي راسي في الأرض . أنا إللي كنت بحط صباعي في عين التخين عيني بقت مكسورة دلوقتي . أي حد لو جه شتمني أو سمعني كلام و×× و لا هقدر أرد و لا أعمل حاجة . ماليش عين . راسي بقت في الطين خلاص و كله بسببك . و أنا بعدي في كل حتة بسمع كلام الناس بودني ببقي بتمني الأرض تتشق و تبلعني .. يا ريتني كنت مت يا سمر قبل الفضيحة دي . علي الأقل الناس كانوا هيقولوا أخوها مات و ليها حق تعمل أكتر من كده.
كرهت “سمر” نفسها أكثر بكثير الآن و ردت ببكاء :
-بعد الشر عليك يا حبيبي . يا ريتني أنا إللي كنت مت قبل ما أشوفك أو أسمع منك كل الكلام ده.
فادي بصوت مجروح :
-يا ريت . يا ريتك كنتي موتي و ريحتيني !
إعتصر اللظي قلبها ، لتخفض رأسها و تجهش بالبكاء أكثر ..
-عموما أنا مابقاش ليا قعاد هنا .. قالها “فادي” بجمود ، لتعاود “سمر” النظر إليه فورا و تسأله :
-قصدك إيه ؟ هتروح فين ؟؟؟
-شغلي في البحر الأحمر . هستقر هناك قريب لما ألاقي مكان مناسب .. ثم قال بصرامة :
-هاخد ملك معايا . إعملي حسابك علي كده في أي وقت.
إنتفضت “سمر” بذعر و قالت :
-تاخد ملك إزاي ؟ لأ .. مش هديهالك . ده أنا عملت كل ده عشانها . ملك دي بنتي مش أختي محدش يقدر ياخدها مني.
فادي بصرامة أشد :
-و أنا إستحالة أسيبهالك يا سمر . إستحالة أسيبك تربيها و تطلعيها زيك . مش هسمحلك تبوظيها زي ما عملتي مع نفسك . أنا إللي هربيها أنا إللي هعلمها إزاي تحافظ علي نفسها و تتمسك بأخلاقها و ماتقبلش بالغلط حتي لو سيف إتحط علي رقبتها.
قامت “سمر” من مكانها و مشت ناحيته و أخذت منه “ملك” ثم قالت و قد غدت نبرتها عدائية الآن :
-ملك بتاعتي أنا يا فادي . مش هتاخدها و تبعدها عني . لازم أموت بجد عشان تعمل كده.
إبتسم “فادي” بإستهزاء ، و نهض هو الأخر و قال ببرود :
-أنا ضيعت معاكي وقت كتير في كلام مالوش لازمة . بس أخر كلمتين هما إللي جيت مخصوص عشان أسمعهملك . ملك هتيجي معايا البحر الأحمر حتي لو دخلتي أبو الرجال بتاعك في الموضوع .. بردو هاخدها و محدش هيقدر يمنعني.
ثم إنحني قليلا ليقبل رأس “ملك” و بعدها ذهب ، بينما وقفت “سمر” تحدق في إثره الفارغ مصعوقة
هل يمكن أن يأخذ منها “ملك” ؟ .. “ملك” التي فضلتها عنها و ألقت بنفسها في الجحيم لأجل ففط أن تعيش ؟
لا … أي شئ ، كل شئ إلا “ملك” .. إحتضتنت “سمر” الطفلة بقوة و تمتمت بتصميم :
-لأ .. محدش هياخدها مني . أبدا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
في مؤسسة ( البحيري الكبري ) … أخيرا ينتهي الإجتماع الذي إستمر قرابة ساعتان و نصف
يخرج “عثمان” مع من غرفة الإجتماعات مبتسما بإعتداد ، بينما يمشي “رفعت” منتفخ الصدر فخورا بمهارات إبن أخيه التي لاقت إستحسان جميع أعضاء مجلس الإدارة ..
-براڤو يا عثمان Good job بجد .. قالها “رفعت” بإعجاب و هو يربت علي كتفه بلطف
عثمان بتفاخر :
-شكرا يا عمي . أنا ماعملتش حاجة.
ضحك “رفعت” و قال :
-ياسيدي علي التواضع . ربنا يزيدك يابني.
عثمان بإبتسامة خبيثة :
-أول مرة حد يقولي إني متواضع !
-ما أنا بقولهالك برو عتب كده يعني ماتاخدهاش بجد.
إنفجر “عثمان” ضاحكا و قال :
-برو عتب يا عمي ؟ مآااشي . بس بردو أنا ماعملتش حاجة كبيرة أنا وعدت بابا الله يرحمه إني هحافظ علي شقاه و أديني بوفي بوعدي مش أكتر.
رفعت بحرن :
-الله يرحمه . بس ده بردو مايمنعش إنك شاطر و أد المسؤولية.
عثمان بإبتسامة :
-شكرا يا عمي .. ثم شعر في هذه اللحظة بإهتزاز الهاتف في جيب سرواله
مد يده و أخرجه ، ثم رد علي أخته :
-ألو . إيه يا صافي ؟!
جاء صوت “صفية” مرتعشا عصبيا :
-إيه إنت يا أخي ؟ فينك من بدري بتصل بيك من الصبح !!
عثمان بأسف :
-معلش كنت في Meeting مهم . في حاجة و لا إيه ؟
صفية بتوتر :
-بصراحة أه في !
عثمان بقلق :
-في إيه يا صفية ؟ إيه إللي حصل ؟ .. ثم قطب فجأة و صاح برعب :
-سمر جرالها حاجة ؟؟؟
صفية بتردد :
-آا آ . مـ مش . مش بالظبط كـ كده.
عثمان بإنفعال :
-إتكلمي يا صفية إيه إللي حصل ؟؟؟؟؟
صفية بخوف شديد :
-عثمان سمر إختفت . مش لاقينها … !!!!!!
يتبــــــــع …