رواية عزلاء أمام سطوة ماله للكاتبة مريم غريب
_ غيرة ! _
يلج “مراد” إلي المكتب و علي وجهه إبتسامة مشرقة … تختفي الإبتسامة فورا
عندما وقعت عيناه علي “سمر”
ظل متسمرا بمكانه لدقيقة كاملة … أفقده سحرها رشده ، بينما وقفت “سمر” مطرقة في خجل .. إلي أن حمحم “عثمان” بخشونة ..
مراد بتلعثم :
-آا . صباح الخير !
-صباح النور .. قالها “عثمان” بإقتضاب و هو ينظر له بغضب
مراد بإبتسامة و عيناه ما زالتا تقيسان “سمر” من أعلي إلي أسفل ببطء :
-أنا قلت أجي أبص عليك . بقالي يومين ماشوفتكش !
عثمان و هو يحاول بصعوبة الإمساك بغضبه :
-طيب إدخل واقف كده ليه ؟ .. و إنتي يا سمر إتفضلي علي مكتب دلوقتي.
لبت “سمر” أمره و خرجت ، ليغمض “مراد” عيناه مبتسما حينما مرت هي بمحاذاته ..
-الله علي البيرفيوم إللي حاطاه .. قالها “مراد” بهيام ، ثم فتح عيناه و أكمل بذهول :
-Chanel Number 3 ! .. سمر بتحط من مجموعات شانيل ؟ و بعدين هي دي أصلا سمر السكيرتيرة بتاعتك ؟؟؟
زفر “عثمان” غاضبا و قال :
-إدخل يا مراد . أساسا إيه إللي جابك هنا ؟!
مراد و يمشي صوب مكتبه ليجلس أمامه :
-إيه ياعم المقابلة الناشفة دي ؟ ده بدل ما تقولي منور يا صاحبي . خطوة عزيزة . أي حاجة من الحاجات اللطيفة دي !
عثمان بنظرات حادة :
-إنجز يا مراد أنا مش فاضيلك . جاي في إيه ؟
مراد و هو يخطف تحفة خزفية من فوق المكتب و يقلبها بين راحتيه :
-مش جاي في حاجة مهمة . كنت جاي أخد رأيك في موضوع بس.
عثمان بإهتمام :
-خير موضوع إيه ؟
إنتظر “مراد” قليلا .. ثم قال :
-أبويا قدملي عرض إمبارح . هو من ناحية حلو و من ناحية أنا مش مستريح .. حقيقي محتار . مش عارف إتصرف إزاي !!
-طيب إيه هو العرض ؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••
في قصر آل”بحيري” … يقفز “يحيى” من فراشه واقفا و قد غدت ملامحه كلها خطيرة فجأة
يحيى و هو يصيح زاعقا في هاتفهه :
-يعني إيه كل حاجة إتلغت ؟ .. يعني إيه المندوب ماجاش ؟ نعم ؟ المخازن مليانة إزاي ؟ أومال أنا كنت سافرت ليه ؟ .. في عقود ممضية . مين إللي ورا الموضوع ؟؟؟ .. إستحالت ملامحه إلي الصدمة الشديدة عند سماعه الإجابة
-إنتي متأكدة يا أسما ؟ .. تساءل “يحيى” بعدم تصديق ، لتؤكد له سكيرتيرته الخاصة التصريح للمرة الثانية
إشتد عضلات فكيه و هو يطبق أسنانه بغضب شديد ..
أغلق الخط و توجه نحو باب الغرفة تتبعه “فريال” و هي تسأله بقلق :
-في إيه يا يحيى ؟ .. إيه إللي حصل ؟ .. طيب رايح فين بس ؟؟؟
-إبعدي عني يا فريال من فضلك ! .. قالها “يحيى” بإنفعال و إتخذ طريقه صوب غرفة أخيه
يحيى بهتاف عنيف و أعصابه قد وصلت بالفعل إلي درجة الغليان :
-رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت . رفــــــــعـــــــــــــــــــــــت.
يخرج “رفعت” من غرفته بهدوء شديد بعكس حالة أي شخص قد يكون مكانه في هذه اللحظة ..
-في إيه يا يحيى ؟ بتزعق كده ليه ؟! .. تساءل “رفعت” ببرود مستفز
يحيى مزمجرا بشراسة :
-صحيح إللي أنا سمعته ده ؟؟؟
-إيه إللي إنت سمعته ؟
-إنت إللي بعت للعملا بتوعنا في لندن و قولتلهم الصفقة إنتهت ؟؟؟
-أه فعلا . حصل .. إعترف “رفعت” ببرودة أعصاب عجيبة ، لينفجر “يحيى” بغضب مستعر :
-لـــيــــــــــــه ؟ لــيــــه تعمل كده ؟ بتتصرف من دماغك منغير ما ترجعلي ؟ بتلغي صفقة بملايين منغير ما تاخد رأيي ؟ عملت كده لـــيــــــــــــه ؟؟؟
رفعت بحدة :
-يا ريت تكلمني كويس يا يحيى . ماتنساش إني أخوك الكبير.
-أخويا الكبير المفروض يبقي هو العاقل إللي بيخاف علي مصلحة أخوه الصغير . ليه ؟ ليه بتحاول دايما تبوظلي شغلي ؟ ده جزاتي ؟ ده جزاتي إني ماحبتش أبعدك عني و عملتلك مكان في الشركة ؟؟!!
رفعت بغضب :
-دي مش شركة لوحدك . إنت ناسي إنها ورث أبونا ؟؟
و هنا إجتمع كل من بالمنزل علي صوت هذا الشجار الناري ..
بينما قال “يحيى” بتهكم فظ :
-لأ و الله شكلك إنت إللي ناسي إن أبويا الله يرحمه كتبهالي بعد ما سيادتك فضلت تاخد نصيبك منها و تسافر بس أنا بقي إللي طلعت غبي لما رجعتك و كتبتلك ربع الأسهم فيها بعد ما ضيعت كل فلوسك .. و تابع بندم ممزوج بالحزن :
-كنت فاكرك إتعدلت و هتقف جمبي . كنت فاكرك فعلا أخويا الكبير إللي هيحميني و هيخاف علي مصلحتي . ماحسبتهاش صح بس قلت إحنا إخوات و مالناش إلا بعض ماينفعش نبعد ماينفعش نتفرق ماينفعش حد فينا يسيب إيد التاني . إستحملت منك كتير علي أمل إنك في يوم هتتغير . بس للآسف إنت زي ما إنت . غرورك و حقدك خلوك أعمي ممكن تدوس علي أي حد حتي لو كان أخوك !
صمت “رفعت” و ظل يحدجه بنظرات محتقنة فقط ..
يحيى بلهجة صارمة :
-أنا مش هقدر أقولك إمشي من البيت ده لإنه للآسف بيتك زي ما هو بيتي . بس لما أرجع من السفر هطلعك من شركتي و هسحب منك كل الأسهم . خلاص .. الثقة بينا بقت معدومة و أنا إستحالة آمنلك تاني يا . ياخويا.
و تركه و عاد إلي غرفته تلحق به زوجته
بينما وقفت كل من “هالة” و “صفية” و عائلة “مراد” مصعوقين مما حدث ، و لم يجرؤ أحدهم علي فتح فمه و الإستفسار أبدا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• •••••••••
عند “عثمان” … فرغ “مراد” من شرح مشكلته لصديقه و بقي منصتا لما سيقوله له
عثمان بجدية :
-شوف هو العرض كويس جدا و مسألة إنك هنا مرتاح و مش عايز تسافر تاني دي أنا شايفها سخيفة جدا . فيها لما تروح تتأسس المشروع إللي إقترحه أبوك و توسعه لحد ما تمده هنا ؟ وقتها هتقدر ترجع تاني زي ما إنت عايز . إنما حوار العواطف في الشغل ده مايأكلش عيش يا مراد لازم تتنصح شوية و لا هتفضل طول عمرك أهبل ؟!
مراد بإنزعاج :
-ما تبطل قلة أدب بقي ياعم و لم لسانك .. ثم قال بجدية مماثلة :
-طيب إنت شايف كده يعني ؟ أصل أنا بيعجبني تفكيرك بصراحة !
-أنا مش شايف غير كده . إنت لحد دلوقتي ماعملتش حاجة و مضيها بطول و العرض . آن الأوان تتكن في حتة معينة بقي و تشوف مستقبلك كفاياك كده.
أومأ “مراد” بتفهم و قال :
-أوك . خلاص علي بركة الله . نبدأ تنفيذ المشروع .. ثم تنهد و سأله بشقاوة :
-بس إيه التغييرا الفظيع إللي طرأ علي سمر ده ؟ دي إتغيرت خالص يا أخي . لثانية قلت دي مش هي !
عثمان و قد عاوده الغضب مجددا :
-و إنت مالك بيها يعني ؟ ما تتغير ياسيدي مهتم ليه إنت ؟؟
مراد بضحك :
-أيوه ياعم حقك تعمل أكتر من كده طبعا . ما إللي علي راسه بطحه بقي . مش قادر تنسي الرهان إللي خسرته.
في هذه اللحظة دق الباب ، ثم دخلت “سمر” حاملة مشروب “مراد” بين يديها ..
-إتفضل ! .. قالتها “سمر” برقة و هي تنحني قليلا صوب “مراد” بينما إبتسم الأخير بشدة و هو يقول :
-بنفسك ؟ جايبالي العصير بنفسك مش معقول !
ردت “سمر” له الإبتسامة ، ليصطبغ وجه “عثمان” بالحمرة و هو يقول بصوت غليظ :
-من إمتي بدخلي المشاريب بنفسك ؟ أومال فين الساعي ؟؟
سمر بشئ من التوتر :
-عم حسن تعبان و واخد إجازة مرضية إنهاردة !
مراد و هو يجذب إنتباهها مرة أخري :
-إنتي مش فكراني و لا إيه يا سمر ؟
سمر و هي تنقل نظرها بقلق بينه و بين “عثمان” :
-لأ إزاي فاكرة حضرتك طبعا.
مراد بنعومة :
-شكلك إتغير أوي . بس للأحسن طبعا.
سمر بتعثر :
-مـ ـيـ ـرسي !
-عموما أنا مبسوط إني شوفتك تاني .. و مد لها يده للمصافحة
بصورة تلقائية مدت “سمر” يدها هي الأخري و صافحته ..
حدق “عثمان” بغيظ في يد صديقه المطبقة بشدة علي يد “سمر” ثم حدق فيها هي منتظرا أن تسحب يدها بسرعة ، لكنها لم تفعل حتي قرر “مراد” بنفسه تركها بعد عدة لحظات ..
-عن إذنكوا ! .. قالتها “سمر” و هي تنظر بالأرض ، ثم إستدارت لتغادر المكتب
-مزززززززززه جآاامدة أوي يا عوث ! .. تمتم “مراد” بحرارة ، ليتنهد “عثمان” بنفاذ صبر و يرد :
-أظن إنها مش تيبك . و لا إيه ؟
مراد بضحكة ساخرة :
-يعني هي كانت تيبك إنت ؟ بس سيبك . إحلوت أووي عن أخر مرة شوفتها.
عثمان بإستهجان :
-لا إحلوت و لا حاجة عادي زي ما هي.
مراد بجدية :
-لأ .. جسمها لف و بقت مارشميللو خالص . ألوظت يعني.
-ما تلم نفسك يابني آدم إنت ! .. صاح “عثمان” بعصبية رغما عنه
مراد بدهشة :
-الله ! و إنت محموء كده ليه ؟ الكلام غريب علي ودانك ؟ ده إنت إللي بدعه .. ثم قال بخبث :
-و لا الهزيمة لسا حرقاك ؟
رمقه “عثمان” بحنق ، فضحك “مراد” و قام من مكانه و هو يقول بنبرة متكاسلة :
-أوك . همشي أنا بقي عشان ماعطلكش أكتر من كده .. يلا باي.
و رحل “مراد” ليرفع “عثمان” سماعة الهاتف فورا و يستدعي “سمر” ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° °°°°
شعرت “سمر” بخطر وشيك كلما إقتربت من غرفة مكتبه … لكنها تسلحت بجدار شجاعة واهية قابل للإنهيار ما إذا أحب هو أن يهدمه
تقف “سمر” عند الباب ، ليشير لها “عثمان” بإن تقترب … إنصاعت له و هي تبتلع ريقها بصعوبة حين لمحت تلك النطرة العنيفة بعينيه
سمر بصوت خافت :
-نعم !
قام “عثمان” من مكانه و مشي ناحيتها بتمهل ..
-إنتي بتشتغلي فين يا سمر ؟ .. قالها “عثمان” بجمود و هو يكتف يديه خلف ظهره
سمر ببلاهة :
-هه ! مش فاهمة ؟!
عثمان بصوت أجش :
-سؤالي واضح . إنت بتشتغلي فين ؟
سمر بعدم فهم :
-بشتغل هنا . في مؤسسة البحيري للتسويق و التجارة !
عثمان و قد غدت نبرته هادئة علي نحو يدهش :
-إللي هي ملك لمين ؟
سمر بحيرة ممزوجة بالتوتر :
-ليك !
-يعني أنا أبقي مين ؟ .. قالها “عثمان” بصوت هامس ، ثم رفعها بمنتهي الخفة و أجلسها علي سطح مكتبه
سمر حابسة أنفاسها بتوتر شديد :
-عـ عثمان البحيري !
عثمان و هو يزيح حچابها ببطء ليكشف عن شعرها :
-و إنتي تبقي إيه ليا ؟
-مـ .. مر مراتك .. نطقتها بصعوبة ، لتظلم عيناه في هذه اللحظة و هو يرد بغضب :
-و لما إنتي عارفة كده إزاي تسمحي لواحد غريب يلمسك ؟ إزاي تخليه يمسك إيدك ؟ و يبقي إيه لزمته الحجاب إللي علي شعرك ده ؟؟؟
سمر بحدة ممزوجة بالإرتباك :
-هو مامسكش إيدي بالمعني إللي تقصده ده سلم عليا بس و أنا بسلم علي كل الناس بالإيد عادي ! .. ثم قالت بإستغراب :
-و بعدين أنا مش فاهمة يعني إيه سبب التحقيق ده ؟ إيه إللي يسمعك كده يقول جوزي بجد و غيران !!
أجفل “عثمان” من ملاحظتها و قال :
-غيران ؟ أنا لأ طبعا .. ثم أردف بخشونة :
-و إيه جوزي بجد دي ؟ إنتي مراتي و لا عايزاني كل شوية أفكرك ؟؟؟
أحمـّر وجهها و أطرقت رأسها لتهرب من نظراته الحادة ، بينما تابع بنفس النبرة الخشنة :
-لازم تعرفي إنك ملكي أنا . و طول ما إنتي ملكي مش من حقك و لا من حق أي حد تبصيله أو يبصلك.
رفعت “سمر” وجهها و كم تمنت لو تستطع أن ترد عليه ، و لكنها عجزت كالعادة ، فإكتفت بنظرة حاقدة قصفته بها ..
عثمان بجدية تامة :
-و حاجة كمان . ماتحطيش أي بيرفيوم و إنتي خارجة .. و أكمل بسخرية :
-إذا كنتي مش بتحطيلي أنا بتخلي الناس هما إللي يشموا بدالي !
عضت علي شفتها السفلي بقوة جراء كلماته المحرجة جدا بالنسبة لها ..
تملصت في مكانها تريد أن تنزل عن المكتب ، ليثبت مكانه قليلا و هو يرمقها بنظرات غاضبة ، ثم يفسح لها المجال
راحت تضبط وضع حچابها مرة أخري و هي تشعر بالإهانة مجددا
تنفست بعمق و كادت تخطو بعيدا عنه ، ليقبض علي معصمها يقول بصوته الآمر :
-بكره هتيجي معايا الشقة و قبل ماتتحجي ماليش دعوة . دي مشكلتك مش مشكلتي . قولي لأخوكي أي حاجة بس بكره هتيجي معايا يعني هتيجي معايا .. سامعة يا بيبي ؟!
رمقته ببغض و شدت يدها بعنف من قبضته ، ثم غادرت مكتبه و هي ترتجف من فرط العصبية .