خارج أسوار القلب
الفصل الأول
_______
ارتسمت ابتسامة خجلى تحمل سعادة الدنيا على شفتي (جمانة) وهي تطأطئ برأسها أرضا وتفرك كفيها الباردتين في توتر عندما أُغلِق باب الغرفة من خلفها بهدوء وسمعت صوته الدافئ الحنون يهمس لها بشوق و حب :
– أخيرا بقيتي معايا .. بقيتي ملكي .. لوحدي وبس .
صرخ قلبها بين ضلوعها كنت دوما ملكك فارسي وليس الآن فقط، أما هي فظلت تتطلع لأرضية الغرفة في خجل ورهبة، أمسك كتفيها برقة وأدارها لتواجهه، رفع وجهها إليه وأصابعه تحيط بذقنها لتسبل أهدابها خجلا، ابتسم لخجلها ورقتها ثم همس ثانية :
– بصي لي يالؤلؤتي .. بتهربي بعيونك ليه ؟
رفعت جفنيها ببطء وخجل لتنظر في عينيه العميقتين وسوادهما الداكن ثم أسبلتهما مرة أخرى، داعبها قائلا :
– تؤ تؤ تؤ كده ما أقدرش .. بجد بصي لي وإلا …… وضحك ضحكة خافتة.
ابتسمت بخجل ونظرت إليه وإلى ابتسامته الرائعة على شفتيه قائلة بصوت خافت لا يكاد يسمع :
– وإلا إيه ..!
همس :
– يعني مش عارفة؟
هزت كتفيها ونفت بدلال :
– تؤ
اتسعت ابتسامته وقال :
– طيب ليه أشرح لك لما ممكن أوريكِ عملي ؟
ابتعدت عن يديه وخفضت رأسها قائلة بوجل :
– توريني ايه بالظبط ؟
ضحك ثانية وقال :
– أوريك باب الدولاب طبعا شكلك نسيتي مكانه .
ثم ضحك مرة أخرى بصوت أعلى، التفتت إليه مبتسمة ووكزته في كتفه هاتفة بنبرة طفولية :
– كده طيب ماشي وريني باب الدولاب .
أمسك كتفه متظاهرا بالألم وغمغم :
– آه ياني .. يعني من أولها بتدبحي لي القطة .. تعالي ياأمي ياحبيبتي شوفي ابنك حبيبك ( حسام ) بيتعمل فيه ايه !
ضحكت وردت :
– لا لا لا خلاص كله إلا ماما وزعل ماما أنا ماعملتش حاجة .. ليه بقى بتتهمنى زور.
ظل ممسكا بكتفه، تساءل بخبث :
– انا باتهمك زور ؟ طيب دي كتفي دي تشهد .. أنا هانزل دلوقتي على أقرب مستشفى وأعمل محضر إثبات حالة .
ضحكت برقة وقالت :
– طيب خلاص معلش بلاش المحضر المرة دي عشان خاطري .. خليها مرة تانية .
ضحك ضحكة مجلجلة ثم قال هامسا وهو يقترب منها :
– يعني خلاص نكنسل المحضر.
أومأت برأسها إيجابا فهمس :
– بس بشرط !
رفعت عينيها بتساؤل فهمس مرة أخرى :
– مفيش مرة تانية .
واستمر في الضحك، ابتسمت وقالت مشاغبة :
– ده بيعتمد عليك بقى لو كنت ولد مطيع وبتسمع الكلام.
فاقترب منها أكثر وأمسك وجهها بين كفيه الدافئتين ونظر في عينيها هامسا بحب :
– أوعدك .. أوعدك .. أوعدك.
أسبلت جفنيها وابتسمت ثم رفعت عينيها إليه ثانية لتبادله همسه :
– بإيه ؟
استمر بنفس النبرة قائلا :
– بإني هافضل أحبك طول عمري وملكك طول عمري وقلبي ليكي طول مافيه نبض وعيوني ماتشوفش غيرك ولا أسمع حتى صوت غيرك ولا أكون إلا ليكي لأني فعلا ومن أول لحظة بقيت ليكي .. ملكك .. خاص بيكي وعشانك وباتنفسك فهماني أنا ملكك ،، وكمان أنت ملكي .. لي .. لوحدي .. مش لحد تاني قبلي ولا بعدي.
أومأت برأسها هامسة في حب :
– لا قبلك ولا بعدك ياعشقي وجنوني وكل لحظات فرحي وكل آمالي وأحلى حلم حلمته واتمنيته.
قبل جبينها هامسا :
– كل ده .. كتير علي أوي.
أمسكت بكفيه اللذان يمسكان بوجهها وضمتهما بيديها ورفعتهما لشفتيها ولثمت كل منهما بقبلة رقيقة ثم رفعت عينيها إليه مرددة :
– حياتي كلها مش كتير عليك .. إنت اللي كتير علي .. فرحتي بيك وبوجودك وقربك كتير علي .. إنت حلمي والواقع اللي خلاني استغنيت عن عالم الأحلام وقررت أعيشه لأنك فيه .. لأنه أجمل من كل أحلامي .. بيك أنت .
صمتت وظلت تتطلع إلى عينيه، صمت هو أيضا يتطلع إليها وكل خلجة من خلجاته تنطق بالحب والعشق وعيناه تلمع بدمعة خفية ثم ضمها إلى صدره ووضع أذنها على قلبه لتستمع لدقاته تحت رأسها تكاد تهتف باسمها، قبل رأسها مرة أخرى قائلا :
– ربنا مايحرمني منك يا أحلى لؤلؤة وهبها لي ربنا .. مش عارف أرد أقول إيه غير إني أدعي ربنا إن دايما يجمعنا ويقربنا منه ومن بعض .
ثم أبعدها برفق مستطردا :
– يلا ورانا صلاة ولا ناسية ؟
ابتسمت وهي ترد :
– لا طبعا ودي حاجة تتنسي .. ربنا يبارك لي في حياتي معاك ياحبيبي هأغير هدومي وأجهز حالا .
داعبها بمشاغبة :
– مش محتاجة مساعدة في الفستان .. سوستة مثلا دبوس طرحة في كمية دبابيس في حجابك مش عارف هتشيليها إزاي .
دفعته خارج الغرفة هاتفة بمرح :
– لا ماتخافش هاقدر أساعد نفسي .
توقف وهي تدفعه ورفض الخروج هاتفا بدوره :
– طيب يابنتي استني وإنت بتطرديني كده هاتي لي حاجة البسها أنا كمان ولا هافضل بالبدلة ؟
تراجعت وقالت :
– طيب اتفضل شوف محتاج إيه وبالسلامة بقى .
ضحك حبيبها ونظر إليها معاندا فبادلته نظرته معاندة هي الأخرى فقال :
– بقى كده ..! مش بأقول ياعيني عليك يا ( حسام ) ياغلبان .
ومط شفتيه في حزن كالأطفال، ضحكت لحركته و همست مداعبة :
– لا لا خلاص يلا ياقطتي خدي اللي محتاجاه واطلعي بره عشان أنا كمان اغير ونصلي .
عاد يضحك وهو يردد :
– قطتي .. ماشي .
ابتسمت وهي تتطلع إليه يحمل ملابسه ويخرج من الغرفة . أغلقت الباب خلفه واستندت إليه بظهرها ضامة يديها إلى صدرها وتنهدت بسعادة متطلعة للأعلى ثم هسمت :
– الحمد لله .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. أحمدك يارب على النعمة الكبيرة اللي اديتهالي .. يارب ماتحرمنيش منه أبدا .
********
أنهت (جمانة) تغيير ملابسها، لبست قميصا رقيقا مناسبا لرقتها فأظهرها أكثر أنوثة وجمالا ثم ارتدت فوقه الروب الخاص به، تطلعت لنفسها في المرآة راضية عن شكلها .. كانت تعلم أنها جميلة .. ربما ليست فاتنة .. لكن جمالها من النوع المميز الذي يلفت انتباه الآخرين بشكل لطيف كنسمة صيف باردة تداعب خيالك ليس جمالا عاصفا يعصف بكيانك .. لكن تبقى رقتها وعذوبتها تميزها،
رقيقة هي وناعمة بشعرها الكستنائي القصير وعيونها العسلية اللامعة، أهدابها الطويلة وأنفها الدقيق، شفتيها الممتلئتين بشكل جميل وملامحها الطفولية، التفتت لتحمل إسدال صلاتها وترتديه فوق ملابسها ثم توجهت لباب الغرفة، فتحته لتجد (حسام) جالسا على كرسي أمام الباب تفاجأت وتراجعت وهي تتنهد هاتفة :
– حرام عليك ياحسام خضتني .. إنت قاعد كده ليه ؟
ضحك كثيرا، نظرت إليه مغتاظة فحاول كتم ضحكته وقال لها :
– ماشوفتيش منظرك .. أعمل ايه ! بقى لك ساعة جوا فضلت واقف لحد ماتعبت جبت كرسي وقعدت أستنى لؤلؤتي اللي خايفة تطلع لي من محارتها .
تطلعت إليه بغيظ ثم ابتسمت بلطف وهي تغوص في عمق عينيه السوداوين فابتسم هو الآخر ونهض عن الكرسي واقترب منها متسائلا :
– إيه مش هنصلي ؟.. يلا بقى عشان أنا كده كتير علي .
نظرت إليه باستغراب وتساءلت :
– هو إيه اللي كتير ؟
رد عليها بهدوء :
– هأقولك بعد ما نصلي .
ثم ابتسم، فرشت سجادتين وتوجها إلى القبلة يؤمها حبيبها وزوجها، كبر ودخل فالصلاة فتبعته وبدأ بقراءة الفاتحة وماتيسر وهي تستمع له .. لم تكن تعلم أن صوته رائع هكذا في قراءة القرآن بخشوع وتدبر وتجويد .. تلاوته كانت رائعة جعلتها تنصت له وكأنها تسمع الآيات لأول مرة، أنهيا صلاتهما ووضع كفه على جبينها ودعا ( اللهم إني اسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه )، ابتسمت له قائلة :
– ماكنتش أعرف إن صوتك حلو أوي في القراءة كده .
بادلها ابتسامتها وهو يجيب :
– الحمد لله .. أنا درست تجويد مخصوص عشان كنت عاوز أقرأ قرآن صح يمكن ماوصلتش فيه لمرحلة متقدمة بس الحمد لله ولسه باتعلم .
أومأت برأسها وصمتت فابتسم مدركا لخجلها ومخاوفها، سألها مداعبا :
– مش هتقلعي الاسدال بقى وتيجي نتعشى ؟
احمرت وجنتاها بشدة و هي ترد :
– هاتعشى وأنا لابساه أصلي بردانة .
داعبها مغيظا إياها :
– ماتقلقيش لو لقيتي نفسك بردانة هادفيكِ .
ابتسمت بخجل مرة أخرى ولم تتحرك من مكانها فقام واقفا ثم جذبها إليه وربت على وجنتها برفق فطأطأت رأسها وبدأ بفك إسدالها ببطء وأنزله عن كتفيها، ثم ابتسم ابتسامة مشاغبة وقال مداعبا :
– ما إنت محجبة تحته أهو أمال برد إيه اللي بتحكي عليه ؟
ضحكت بخفوت وخجل فرفع وجهها إليه، نظر في عينيها الخجلى وظل صامتا .. طال صمته فأسبلت جفنيها وحاولت إفلات وجهها من بين يديه فلم يتركها ولم يتكلم .. رفعت عينيها إليه مرة أخرى فوجدته مبتسما فابتسمت هي الأخرى ثم همس مقربا شفتيه من أذنيها :
– أنا بأقول مش مهم عشا ولا ايه رأيك يالؤلؤتي ؟
أغمضت عينيها واحمر وجهها خجلا في صمت فهمس ثانية :
– طيب السكوت علامة الرضا .
ثم جذبها بين ذراعيه فاستكانت على صدره وهي تشعر بالطمأنينة والأمان، لتحلق معه في عالم كانت هي أميرته ومليكته .
********
ارتفعت صرخات (جمانة) عالية وهي تتأوه في ألم، تغمض عينيها ودموعها كالسيل هاتفة :
– يارب .. يارب .. يارب .
أمسك (حسام) بيدها وضمها لصدره، مسح جبينها الذي بلله العرق وهو يدعو في سره ويملأه التوتر ثم قال لها :
– معلش يا حبيبتي اجمدي هانت أهي الدكتورة جاية حالا هما بس بيجهزوا أوضة العمليات .
بكت بشدة وهي تئن ثم قالت بأنفاس متقطعة :
– مش قادرة ياحسام حاسة إني بأموت أنا إيه اللي خلاني أتجوز وأخلف بس آآآآه !.
لم يتمالك (حسام) نفسه وابتسم لها هامسا بمشاغبة :
– أنا طبعا .. الحب بقى وسنينه وعذابه .
نظرت له بغيظ ثم ردت من بين أسنانها :
– أيوة ما إنت مش تعبان في حاجة .
ضحك ثم همس في أذنها :
– على فكرة بقى أنا تعبان أكتر منك .. قلبي مش مستحمل يشوفك بتتألمي ولو ألم بسيط فما بالك بقى بولادة .. يرضيكِ قلبي يتعب كده ؟ هنعمل ايه بقى بيحبك وبيموت فيكِ ومالوش دوا .
ثم قبل يدها التي يمسك بها، ابتسمت هي في ألم وحب ثم فجأة ارتفعت صرخاتها مرة أخرى .
********
أفاقت ( جمانة ) ببطء، حاولت فتح عينيها لكنها شعرت بثقل في رأسها وجفنيها فحاولت الكلام وكان كل ما صدر منها همهمة خافتة، نهض (حسام) بسرعة من مقعده واقترب منها، تحسس جبهتها برفق وناداها :
– جمانة حبيبتي صحيتي ؟ سامعاني ؟
سمعت صوته فحاولت فتح عينيها مرة أخرى ونجحت هذه المرة، باغتها الضوء فضيقت جفنيها لتراه يحني رأسه فوقها وينظر لها بحب وقلق فتساءلت بصوت خافت :
– أنا الحمد لله كويسة فين البيبي ؟ ماشفتوش ؟
ابتسم ( حسام ) و أجاب :
– أنا عارف، من كتر الانهاك رحت في شبه غيبوبة والدكتورة قالت نسيبك ترتاحي .. ماتقلقيش (ملك) بخير .
ابتسمت ورددت :
– (ملك) ؟!
أومأ برأسه ونظر لها قائلا :
– أيوة .. بس للأسف مش هتلاقي اللي يتجوزها في يوم من الأيام .
فتحت عينيها على اتساعهما وقد باغتها ما قال، شعرت بانقباض في قلبها وهتفت في ضعف :
– ايه ؟ ليه مالها ؟
ابتسم في خبث وهو يرد :
– لا أبدا .. بس بيقولوا نسخة مني .
وانطلق يضحك وهي تنظر له بغيظ ثم لم تلبث أن ابتسمت قائلة :
– دي على كده قمر والعرسان هيقفوا على باب البيت من بكرة
ضحكا سويا ثم أمسك كفها وطبع عليها قبلة حانية، ضمها لصدره وهو ينظر لعينيها بكل حب راسما في عينيها قصة عشق موشومة داخل قلبيهما .