خارج أسوار القلب

الفصل الثاني والعشرون

***************

بعد خروجه أنهت قراءة الكهف ثم توضأت وجلست تردد بعض الأدعية والأذكار حتى أذن الظهر، قامت لتصلي ثم ختمت صلاتها، وبعدها أخذت تدور في الشقة فهي المرة الأولى التي تراها فيها، كان كل شيء حولها يدل على ذوق رفيع يتميز بالبساطة والرقي في نفس الوقت، ابتسمت ثم عادت لغرفتها، اتجهت للدولاب ثم فتحت الباب الأوسط تتطلع لمحتواه في دهشة، كيف يفكر في شراء أشياء كهذه وهو يعلم أن زواجهما ليس حقيقيا، ثم فكرت لحظة أمن الممكن أن … ؟ أغلقت الدولاب ثم التقطت هاتفها واتصلت بشقيقتها التي ردت عليها بسرعة وكأن الهاتف كان في يديها هاتفة :
– جوجوووو، وحشتيني، عاملة ايه ؟
ابتسمت وردت عليها :
– وعليكم السلام ورحمة الله ، برده ؟ برده ؟
سمعت ضحكة (لمياء) الصافية فأسعدها ذلك، شعرت وكأن زواجها كان مبعث سعادة أختها خاصة عندما قالت :
– يا باردة، طمنيني عليكي مع البيج بوص.
ضحكت (جمانة) وردت :
– بيج بوص ؟ تمام الحمد لله .
حاولت (لمياء) أن تعرف أكثر فعادت تقول :
– اعترفي يا بنت، ايه الاخبار ؟
شعرت بالخجل يكتنفها، ليس لعدم وجود شيء لتقوله ولكن لمجرد تفكيرها أن هناك شيء ما مشابه لاعتقاد أختها قد يحدث بينهما فصمتت، فسرت شقيقتها صمتها بطريقة خاطئة فداعبتها قائلة :
– بتنكسفي يابيضة !! خلاص ماشي عفونا عنك، المهم وحشتيني وملوكة هتتجنن عليكي، بنحاول نشغلها على قد مانقدر.
شعرت (جمانة) بالحزن فهي تريد صغيرتها وتعتقد أن (أدهم) لن يمانع لكن وجودها معها في هذه الأيام سيثير الشكوك حول علاقتهما فقالت في حنان :
– يعني مش هاعرف اكلمها، ممكن تعيط ؟
ردت (لمياء) :
– ده أكيد، معلش بقى خليكي في اللي إنت فيه، بس ايه رأيك في ذوقي ؟
شعرت (جمانة) بالدهشة، إذن فما اتصلت من أجله بشقيقتها هي من قامت به بالفعل، سألتها لتتأكد :
– ذوقك في ايه ؟
ضحكت (لمياء) وردت :
– في اللي بالي بالك ، كله ذوقي حتى الفساتين، عارفة الستايل اللي بيبقى تحفة عليكي وجبت منه الألوان اللي بتحبيها .
تداركت الأمر وقالت :
– بجد ؟ كنت فاكرة أدهم هو اللي جابهم .
ردت ضاحكة :
– أدهم مين يابنتي ده باين عليه مالوش في الكلام ده خالص وكسوف وكده ياتي.
ضحكت بشدة وقالت :
– كسوف وياتي، ماشي .
أرادت إغاظتها فهتفت بعبث :
– ايه ده ايه ده ؟ من أولها كده بنغير أمال كمان يومين تلاتة هتعملي ايه ؟ هتحبسيه في البيت.
ردت (جمانة) بمرح :
– لا ماتقلقيش أنا ديموقراطية جدا جدا، اديني ماما بقى.
داعبتها :
– أيوة اهربي اهربي.
ضحكت في سعادة وهي ترى شقيقتها تمرح وتعود البسمة لوجهها مرة أخرى بهذا الشكل، تناولت والدتها الهاتف وتحادثتا قليلا كانت توصيها بزوجها والاهتمام به، وهي تستمع في صبر، أنهت المكالمة ثم تنهدت في قليل من الضيق، قامت للدولاب وفتحته تتطلع للقمصان والفساتين بداخله، التقطت فستانا رقيقا بلون وردي فاتح طويلا ناعما للغاية، اتجهت به للمرآة ووضعته على جسدها وهي تتطلع لنفسها، كان لون الفستان مناسب لبشرتها جدا ويبدو رائعا على وجهها، أرادت تجربته فتطلعت للساعة خلفها وجدت أن أمامها مايقرب من أربعين دقيقة حتى يعود من الصلاة، قررت أن تجازف وتجربه خلعت عباءتها وارتدت الفستان كان أحد كتفيه عاريا والأخر يستكين على كتفها برقة، بدت فيه ذات طلة ملائكية، تركت شعرها ينسدل على كتفيها بنعومة ثم نقلته تجاه كتفها العاري وتركت الناحية الأخرى مواجهة لرقبتها، بدت جميلة للغاية ورقيقة، تنهدت في حزن ثم تذكرت الكابوس الذي استيقظت عليه اليوم، نظرات الحزن في عينيه ونبراته في صوته، يا إلهي ماذا تفعل ؟ خلعت الفستان سريعا وارتدت عباءتها ثم أعادته لمكانه وأغلقت الدولاب، جلست على الفراش وهي تمسك بحقيبة يدها، فتحتها وأخرجت منها كتيب مذكراتها الصغير، فتحته وأمسكت بصورة (حسام) ووجهه الباش تتطلع إليها في حزن، انحدرت من عينها دمعة، أمسكت القلم وفتحت صفحة فارغة كتبت فيها ” أمس عُقِد قراني على رجل آخر حبيبي، لكنني سأبقى مُلكا لك للأبد ” .. أغلقت الكتيب ثم تمددت على الفراش وهي تستند بظهرها على إحدى الوسائد وتتأمل الصورة في شجن وحزن عميق، ضمتها لصدرها كأنها تستشعر ذراعيه حولها، ولم تشعر بنفسها إلا وهي في عالم الأحلام معه، كان يبدو وسيما كما اعتادت ان تراه، يبتسم لها في حب ويمد يديه إليها، اتجهت نحوه فاقترب أكثر حتى وقف أمامها، قال لها ” عيشي حياتك يا لؤلؤتي، احمي بنتنا ودافعي عن حقها، اوعي تستسلمي، وخليكي في اللي جاي مش اللي راح” ابتسمت في هدوء وهي تحتضن كفيه، واكتفت بأن تتطلع إليه في حب، ثم شعرت بالسكينة بين ذراعيه فراحت في سبات عميق وهي تحتضن صورته.
بعد دقائق عاد (أدهم) إلى المنزل، فتح الباب برفق ودلف إليه وأغلقه خلفه بهدوء ثم تلفت حوله بحثا عنها، اتجه لغرفة النوم ليجدها مستلقية على الفراش وهي ترفع جسدها قليلا على إحدى الوسائد ومستغرقة تماما في النوم، اقترب منها وهو يتطلع إليها بحنان دافق، مال يتأملها بحب حينما وقعت عيناه على الصورة في يدها، كانت الصورة مقلوبة وظهرها لأعلى لكنه عقد حاجبيه وخمن من فيها، كاد يجن إقترب أكثر وأمال طرف الصورة البارز من أسفل يدها ليجد صورة رجل يحمل طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها بضعة أشهر، تطلع لوجه الرجل وابتسامته التي يطل منها الحنان بوضوح وخمن، بالتأكيد هو زوجها الراحل، إن الصغيرة نسخة منه، عينيه ونظرتهما الرءوم، شعره الداكن وبشرته الخمرية، اعتدل وأخذ نفسا عميقا، شعر بمزيج من الغضب والحزن ينتقل لقلبه رويدا رويدا عبر شرايينه، ” يا إلهي جمانة ! أتحبينه لهذه الدرجة ؟ وأنا الذي اعتقدت أنه يمكنني نيل قلبك وحبك بسهولة ؟ في بيتنا معا تحتضنين صورته في نومك ؟ هل تحلمين به ؟ وكيف ؟ كما أحلم أنا بك ؟ ” عند هذه النقطة من تفكيره تصاعد غضبه أكثر وكاد ينتزع الصورة من يدها ويمزقها إربا لكنه تماسك بأقصى قدر يملكه من الصبر والتعقل، ليست هذه هي الطريقة المثلى لمعالجة الأمور واقتحام أسوارها العالية، أبدا ليست هي، عاد يفكر ” كنت أتمنى أن أكون الأول في حياتك، أول حب، أول نظرة و أول لمسة، لم أكن لأترك مكانا لآخر في قلبك، أنا طماع وأريده كله لي، بل أنت كلكِ لي ” وجدها تتحرك في كسل فابتعد عنها والتفت ليخرج من الغرفة بسرعة لكنه لمح إلى جوارها الكتيب الصغير، لم يكن يرغب في أن تعرف أنه رأى الصورة، لكنه لم يستطع مقاومة فضوله، كان يرى أنه من غير اللائق أن يفتش في خصوصياتها لكن غلبه الفضول فالتقطه برفق وفتحه على الصفحة التي كان عندها القلم، قرأ آخر جملة كتبتها، “سأبقى ملكا لك للأبد”، تفجر غضبه أكثر وكاد يفتك بها، نظر إليها في حنق شديد، “ملك من يا امرأة تملكني ؟ أنت ملكي أنا ” كاد يوقظها وينهال على شفتيها تقبيلا مثبتا ملكيته، أغرته الفكرة للغاية لكنه تطلع إليها مرة أخرى في غضب امتزج بالحزن والقلق، رآها تتحرك مرة أخرى فالتفت مغادرا الغرفة بسرعة، اتجه لغرفة المعيشة وفتح التلفاز، قلب فيه قليلا حتى وجد أحد أفلام الكرتون فجلس يتابعه بصمت وهو يفكر في كيفية التصرف معها ونيل قلبها، لقد شعر بالأمس وصباح اليوم ببعض التجاوب منها، فهل يستمر هكذا ؟ أم أنه كان مخطئا في ظنه ؟ هل يذيبها بحبه ويشعلها بمشاغبته ويحرق أعصابها بطرق ملتوية كما فعل !، إنه يسعد برؤيتها كذلك ولكن إلى متى تستمر لعبة القط والفأر هذه ؟ ظلت لفترة طويلة نائمة فقد استنتج خطأً أنها استيقظت عندما تحركت، مر ما يقرب من ثلاث ساعات وهي غارقة في سباتها، كان يطل عليها كل بضع دقائق ليطمئن عليها وفي مرة طبع قبلة حانية سريعة على جبينها فابتسمت، شعر بقلبه يخفق في حب فطبع قبلة أخرى نال بها ابتسامة أخرى، تساءل أهذه الابتسامة لقبلته أم لحلم ما ؟ وقتها شعر بالغيرة تجتاحه مرة أخرى، كاد يوقظها لكنه لم يستطع فاستدار خارجا من الغرفة بهدوء وبركان الغيرة يعصف بقلبه ويثير جنونه، كيف يغار من رجل ميت ؟ وكلما فكر في الأمر تشتعل غيرته وتتأجج في قلبه أكثر صابة حممها على عقله المنهك، لقد لمسها، استنشق عبيرها، حبس في صدره أنفاسها، والأدهى أنها استجابت له، تلك التي تتمنع عليه، أنثاه ضاعت منه قبل أن يلتقيها وهو يستعر في نيران الغيرة من الماضي، كان هذا جنون لكن قلبه هو معقل الخبال، وهي السبب.
أما هي فغرقت في سباتها ورأت في أحلامها كأن (حسام) يأخذ بيدها ثم يسلمها لرجل آخر، تطلعت إليه في دهشة وغضب فوجدت ابتسامته تمحي غضبها، لم ترى ملامح الرجل الآخر جيدا، كان يوليها ظهره متظاهرا أنها غير موجودة فشعرت بالغضب لذلك، استدارت تتحدث مع زوجها الراحل فلم تجده ووجدت نفسها وحيدة مع هذا الرجل الذي لا تعرفه، فجأة استدار لها وابتسم، كان هناك ضباب حول وجهه كأنه خاص به لكنها تبينت ابتسامته بوضوح وشعرت معها بالسكينة والأمان فابتسمت هي الأخرى، اقترب منها وطبع قبلة حانية على جبهتها فعادت تبتسم، ثم ظلت معه حتى استيقظت فجأة، تطلعت حولها بقلق واعتدلت لتجد صورة (حسام) و (ملك) بين أصابعها، نظرت إليها في ذعر، يا إلهي، كم الساعة الآن ؟ بنظرة سريعة علمت أن الساعة تخطت الرابعة عصرا وقد اقترب وقت صلاة العصر، إذن لقد عاد (أدهم) بالتأكيد ولكن أين هو ؟ قامت من الفراش ووضعت الصورة في الكتيب وأعادته لحقيبتها ثم تركتها جانبا، لم تفكر إن كان قد رآها أم لا، فبالتأكيد لم يفعل، عدلت هندامها وغسلت وجهها سريعا ببعض الماء البارد وهي تصفف شعرها بأصابعها ثم خرجت من الغرفة لتبحث عنه، وجدته في غرفة المعيشة، كان مستلقيا على الأريكة ويبدو على ملامحه إرهاق شديد لكنه مغمض العينين كأنه نائم بعمق، اقتربت منه تتأمله، دوما كانت تشعر بالخجل كلما رفعت عينيها إليه ولم تستطع ولو لمرة أن تدقق في ملامحه جيدا، اقتربت أكثر وجلست على الأرض أمام وجهه الذي يستند مع رأسه إلى ذراع الأريكة وبجواره أحد ذراعيه والآخر يثنيه فوق جبهته، مالت برأسها تنظر إليه، وابتسمت، لم يكن بهذه الصرامة و ذاك الحزم أثناء نومه، إنه يبدو كطفل صغير جميل ذو ذقن خشنة أرهقه التعب فنام في سكينة وهدوء، نعم هو وسيم للغاية، كيف لم تلحظ ذلك من قبل ؟، كادت تمد يدها تتحسس لحيته النامية لكنها تراجعت في خجل، التفتت تنظر للتلفاز لتجد قناة أطفال فضحكت في خفوت ثم حاولت التماسك قدر استطاعتها، قامت من مكانها متجهة إلى المطبخ لتحضر طعام الغذاء فقد تأخر الوقت جدا لكنها فوجئت به يمسك كفها ويثبتها في مكانها قائلا دون أن يفتح عينيه :
– خليكي هنا .
شهقت في رعب وكاد قلبها يتوقف ففتح عينيه وتطلع إليها بسخرية هاتفا :
– في إيه ؟
تنهدت بعمق وردت في خجل :
– خضتني ! كنت فاكراك نايم.
ابتسم وهو يقول :
– لا ماكنتش نايم خالص.
تعمد أن يخبرها أنه يعلم بوجودها وبتطلعها إليه منذ أول لحظة ليغيظها فقط ونجح بالفعل لأنها هتفت :
– ماكنتش نايم ؟
واعتراها الخجل مرة أخرى لكنها انتبهت إلى أنه لايزال يمسك كفها فسحبتها منه بسرعة، تركها هو تنساب من بين أصابعه وهو يبتسم، فسألته :
– تحب تتغدى ايه ؟ معلش نمت غصب عني ومالحقتش أعمل غدا.
تطلع إليها في صمت ثم قال :
– أنا أول مرة أشوف عروسة بتقف في المطبخ.
اعتراها الخجل من جديد ثم ردت :
– مش عروسة بالظبط يعني.
وقف أمامها بسرعة ورفع رأسها إليه متطلعا إلى عينيها، وكعادته كلما اقترب منها خفق قلبه ورمي نفسه بين أصابعها، لكنه قال وهو ينظر إلى عينيها في تحد :
– لا عروسة بالظبط ، وسهل أوي نثبت كده.
تراجعت بسرعة مبتعدة عنه وأدارت وجهها تجاه المطبخ، تجاهلت ما قاله وهي تقول في ارتباك :
– ماقلتش تحب تتغدى ايه ؟
نظر إليها في صمت، كان يرغب في استفزازها أكثر لكنه أجل الأمر قليلا مجيبا :
– مفيش مطبخ هنطلب دليفري أي حاجة، شوفي تحبي تاكلي ايه ؟
هزت رأسها نفيا وقالت :
– لا لا دليفري ايه ؟ بجد هاطبخ بسرعة مش هتحس بالوقت.
أنهى النقاش في حزم وهو ينظر إليها :
– قلت مفيش مطبخ، هتاكلي ايه ؟
ثم التفت يلتقط هاتفه وعاد ينظر إليها منتظرا جوابها، شعرت بالارتباك مرة أخرى فأجابت :
– أي حاجة، شوف هتجيب إيه وأنا زيك.
مط شفتيه وتساءل :
– طيب افرضي مش هتحبي اللي هاجيبه ؟
سألته :
– إنت هتاكل ايه ؟
رد :
– مش عارف، إيه رأيك نجيب بيتزا ؟
ابتسمت وقالت :
– اوك، مفيش حد مش بيحب البيتزا.
بادلها ابتسامتها ثم قال في خبث :
– سي فوود ؟
تطلعت إليه في استغراب ثم هزت كتفيها مجيبة :
– أوك .
سألها بخبث أكبر :
– طيب افرضي الفرامل باظت ؟
لم تفهم فسألته بدهشة :
– فرامل إيه ؟
قهقه بشدة وهي تتطلع إليه في غباء ثم توقف وهو ينظر إليها بنظرة خاصة فهمتها وفهمت مقصده فتراجعت في ارتباك قائلة :
– طيب خلاص خليها فراخ .
سألها بنفس اللهجة :
– وأنا برده فراخ ؟
هزت كتفيها وكادت تقول ” كما تريد ” لكنها عدلت عنها وقالت :
– أيوة.
عاد يقهقه وهي تنظر إليه بابتسامة وبدا نوع من السعادة على وجهها وهي ترى فيه نزعة طفولية راقت لها، انتبهت له يبادلها نظراتها في صمت فأدارت وجهها لتقع عيناها على التلفاز، تصنعت الاهتمام وهي تسأله :
– إنت بتحب الكرتون ؟
نظر إليه هو الآخر وأجاب :
– آها، جدا، عارف إن أنا وملوكة هنتفاهم ونعمل فريق ضدك.
ابتسمت ثم التفت إليه وهي تغمغم :
– الظاهر كده.
سألها باهتمام جاد هذه المرة :
– كلمتيها ؟
أجابت :
– لا، كلمت ماما ولميا، قالولي بلاش عشان هما بيحاولوا يشغلوها على قد مايقدروا ولو كلمتني ممكن تعمل مشكلة.
شعر بالقلق فقال :
– طيب هي دلوقتي مش زعلانة ؟ ماتخليها تيجي بقى .
نظرت إليه في دهشة فسألها :
– في ايه ؟
شعرت بالحرج وهي تجيب :
– أبدا أصل غريب تطلب طلب زي ده، ع الاقل مش بسرعة كده مش طبيعي يعني قدام الناس.
عقد حاجبيه في تفكير ثم تساءل:
– طيب وإمتى يبقى طبيعي قدام الناس ؟
شعرت به مغتاظا لكنها أجابت :
– ع الأقل كمان أسبوع، عشان ماما ولميا.
تنهد في غيظ ثم طلب الغذاء حين أذن العصر، فقال :
– لسه شوية على ماالأوردر ييجي، هانزل أصلي وآجي.
أومات برأسها وهي تجيب :
– أوك
توضأ وخرج ثم أغلق الباب خلفه في عنف أفزعها وهي لا تفهم كعادتها، ذهبت لتصلي هي الأخرى وانتظرت حتى عاد ثم تناولا الغذاء سويا، جلست تشاهد معه فيلم كرتوني آخر، هي تضحك كالأطفال وهو فقط ينظر إليها والعشق مرتسم على ملامحه، بعد انتهاء الفيلم التفتت إليه ضاحكة وهي تهتف :
– بأموت في الفيلم ده و ملوكة كمان عشان كده حفظته بسببها، كرتي البعبع .
لاحظ أن تحفظها معه قد زال قليلا فشعر بالسعادة لذلك أما هي فصمتت عندما رأت نظرته إليها، ظلت أسيرة عينيه وعلى الرغم من لونهما البني إلا أنها شعرت وكأنها تغوص في بحر عميق لا قرار له، ظللهما الصمت وكلاهما ينظر في عيني الآخر، فكر هو ” ماذا أفعل الآن ؟ ماذا تريدين مني ؟ هل أقترب أم أبتعد ؟ وهل ستقبلين اقترابي ؟ ماذا لو اقتربت وفعلت ما يمليه علي قلبي مهما كانت العواقب ؟ حتى لو غضبتِ ؟ ولكن ماذا لو تسبب ذلك في حزنِك ؟ يمكنني إغضابِك والاستمتاع بذلك لكن ذرة حزن صغيرة في قلبك بسببي لا يمكنني احتمالها أبدا ” تنهد بعمق ثم أشاح بوجهه في صمت جعلها تخفض عينيها هي الأخرى، لقد تحررت من أسره، هب واقفا فجأة وقال وصوته لا يكاد يخرج من بين شفتيه :
– أنا هانام، مانمتش كويس امبارح، تصبحي على خير.
ثم اتجه للغرفة في خطوات سريعة بدون أن يعطيها فرصة للرد، نظرت إليه وهو يغادر في صمت ثم قالت في خفوت :
– وإنت من أهله.
جلست مكانها قليلا ثم أسندت رأسها للخلف تفكر فيه، لمَ هو هكذا ؟ هل يحبها بالفعل ؟ أحياناً يبدو عليه كما لو كان غارقا في بحر العشق معها حتى النخاع وأحيانٌ أخرى يبدو ساخرا مستفزا لا مباليا كما حدث الآن، لم تدري لمَ توقعت منه شيئا ؟ ولم تسترح لفكرة أنها تفكر فيه بهذه الطريقة ؟ هل كانت ستستسلم له ؟ نفضت الفكرة عن رأسها وهزتها بعنف ثم أغمضت عينيها في سكون.
أما هو فقد نام كطفل صغير، كان إرهاق اليوم كله إرهاقا نفسيا أضناه حتى أنهكه فلم يشعر بنفسه إلا عند الفجر، فتح عينيه بهدوء فلم يجدها بجواره، استغرب وتساءل هل مازالت ساهرة للآن ؟ اعتدل في مكانه وفرك عينيه للحظات ثم قام خارجا من الغرفة، عاد لغرفة المعيشة ليجدها نائمة كملاك صغير وهي في وضع الجلوس، تستند برأسها على ذراعيها المعقودين فوق مسند الأريكة، تطلع إليها في حنان ثم إقترب منها ونادها برفق وخفوت :
– جمانة ؟ .. جمانة اصحي ادخلي نامي جوا .
لم تستجب مطلقا فشعر بالقلق، كاد يمد يده نحوها ليحركها لكنه تراجع وناداها بصوت أعلى هذه المرة :
– جمانة طيب اصحي صلي الفجر !
ظلت على وضعها فشعر بالشفقة تجاهها، مال نحوها ومد يديه يحملها برفق شديد محاولا عدم إيقاظها، وما إن استقرت بين ذراعيه حتى تطلع إليها بوَلَه، ها أنتِ حبيبتي بالقرب من قلبي ولكن هل تشعرين بدقاته تصرخ باسمك ؟ سار بهدوء عائدا للغرفة ثم وضعها على الفراش برقة، قبل جبهتها فعادت تبتسم، عقد حاجبيه في تساؤل، هل تبتسم بسبب قبلتي ؟ لا يعقل أن تكون في المرات الثلاث مجرد مصادفة ! .. ابتسم هو أيضا ثم انطلق للصلاة .
********
مرت ثلاثة أيام على زواجهما وهما بين مد وجزر، يضحكها، يغيظها، يثير مشاعرها وأحيانا يخيفها ويربكها، عندما استيقظت في اليوم التالي بعد نومها على الأريكة ووجدت نفسها في الفراش شعرت بخجل شديد يكتنفها، لابد أنه حملها ليضعها هناك، تخيلت نفسها بين ذراعيه فازداد خجلها ولم تستطع مواجهته في اليوم التالي دون أن يحمر وجهها مما أسعده للغاية، في اليوم الثالث كان (كمال) يندفع كالصاروخ إلى بهو منزلهم ليجد أخيه (عبد الرحمن) وزوجته جالسين يتحادثان في خفوت فهتف في غضب شديد :
– شفت اللي حصل يا حاج ؟ أهي بتاعة مصر اتجوزت.
رفع الحاج رأسه إليه وعقد حاجبيه وهو يسأله :
– مين اللي اتجوزت يا كمال ؟
رد وغضبه يزداد :
– مرات سي حسام، راحت اتجوزت اللي رفضتني عشانه أكيد.
هب الحاج واقفا في ذهول ثم انتقلت عدوى الغضب إليه هو الآخر وهو يصيح :
– إيه ؟ اتجوزت ؟ أمال كانت عاملة فيها شريفة وهاعيش على ذكراه وانت بتهينني، يابنت **** إن ما كنت أوريكي ما أبقاش أني عبد الرحمن كبير عيلة زيدان.
قال (كمال) بعصبية شديدة :
– شوف لك حل يا حاج بدل مااروح أخلص عليها الفاجرة دي، بقى أني ترفضني عشان واحد مصرواي زيها هُزُء ولا يسوى .
تطلع إليه الحاج في غضب هو الآخر وهتف فيه :
– ياكمال اتهد بقى أما نشوف حل للمصيبة دي ؟ إنت عرفت منين وعرفت اتجوزت مين ولا لا ؟
شعر بالغيظ، نعم كان يعلم ومعرفته تلك كانت تثير قلقه لكنه أجاب :
– ياحاج أني ليا عنين هناك ومش سايبها، واتجوزت ابن جلال الحسيني.
اتسعت عينا الرجل وهتف مرة أخرى :
– جلال الحسيني صاحب شركات ….
قاطعه (كمال) في عصبية بلا أدنى قدر من اللياقة :
– أيوة هو، هو في كم جلال الحسيني يعني ياحاج، المهم هنعمل ايه ؟
هنا أتى صوت زوجة الحاج (عبد الرحمن) وهي تقول صرامة :
– ماتتبط يا كمال، عاجباك على ايه المسلوعة دي ؟ اصبر وشوف أخوك هيعمل ايه ؟
أجابها :
– يا أم أشرف مش حكاية عاجباني، بس مش أني اللي اترفض عشان واحد تاني حتى لو كان ابن مين.
مصمصت السيدة شفتيها في استهجان وتساءلت بفضول :
– ودِه وقعته إزاي دي ؟
رد (كمال) :
– كانت بتشتغل عنده في الشركة، والظاهر لفت عليه بنت ***** وخلته يتجوزها، هي فاكرة إنها كده بتقف قصادنا.
ثم قال (عبد الرحمن) :
– خلاص يا كمال روح إنت دلوقتي وأني هاعرف شغلي معاها هي واللي اتجوزته دِه، لو فاكرة إنه هيحميها مننا، تبقى ماتعرفش أحنا ممكن نعمل ايه !
صمت (كمال) على مضض وإن كان غضبه يتأجج بداخله ويسري كما تسري النار في الهشيم.
********
أنهت (لمياء) العمل على الأوراق الخاصة بعملية شراء (أدهم) أرض شقيقتها وابنتها، استخرجت الإذن اللازم من المحكمة ثم اتفقت معها على مقابلتها في منزلها، كان قد مر على زواجهما خمسة أيام ولم يعد (أدهم) لعمله بعد، فقط يتابعه أحيانا مع أخيه الذي يمازحه دوما بخصوص (جمانة) لدرجة تثير غيرته في كل مرة، كانا يجلسان في انتظار قدوم (لمياء) فنظر إليها وسألها بجدية :
– هو اللبس اللي إنت لابساه ده طبيعي واحدة تلبسه مع جوزها في وجود أختها ؟ مش شايفة إنه غريب شوية ؟ يعني أختك تقول ايه ؟
تطلعت لما ترتديه في دهشة، كانت ترتدي عباءة أنيقة للغاية ذات لون كريمي بدا رائعا عليها، فسألته :
– ماله ؟
هز رأسه وهو يجيب :
– مش حشمة زيادة شوية ؟
ارتبكت ثم دارت ارتباكها بضحكة مفتعلة وردت :
– حشمة، لا طبعا دي عباية استقبال عادية جدا والناس كلها بتلبسها في حاجات زي كده ؟
رد مدافعا :
– حاجات مع ناس غريبة لكن مش مع أختك.
هزت رأسها نفيا وقالت :
– لا طبعا عادي مع أي حد.
تنهد ثم قال في حزم :
– جمانة قومي البسي أي حاجة زي الناس العادية مفيش داعي تلفتي انتباهها، أختك ذكية ولماحة وممكن تستنتج حاجة، وأنا ماحبش إن حد يعرفها لمجرد إني عملتها عشان خاطرك.
ارتبكت، نعم لقد صدق، ماذا لو فهمت (لمياء) الأمر ؟ لم تدري ماذا تفعل فحثها :
– قومي يلا.
تطلعت إليه في توتر، علم أنها تخجل من ارتداء شيء ولو كان كاشفا قليلا أمامه على الرغم من أنه زوجها، أراد مداعبتها كما اعتاد فقال وهو يرفع أحد حاجبيه :
– إيه محتارة ؟ في الدولاب كده في النص فتحته بابص لقيت حاجات تنفع قومي جربي حاجة منها.
اتسعت عيناها في صدمة وهي تنظر إليه كاد يضحك لكنه اصطنع الجدية واستطرد :
– إيه أنا شفت حاجات ظريفة أوي، هتبقى تحفة عليكي، تحبي أساعدك تختاري ؟
عقدت حاجبيها هي الأخرى وهتفت :
– إنت بتهرج مش كده ؟ يعني عاوز تفهمني إنك مش عارف دول إيه وبتغلس علي وخلاص صح ؟
تعجب، هذه أول مرة تواجه مشاكسته بجرأة، أراد أن يخجلها مرة أخرى فقال :
– لا عارف دول إيه ؟ المهم إنت تكوني عارفة، وبعدين يعني هو أنا اللي جبتهم ؟ إنت اللي نيتك وحشة أهو.
صُدِمت من جرأته الزائدة، هل يتحداها لأنها جابهته، إذن هي الحرب، ردت بعناد :
– مش أنا اللي جبتهم طبعا، هو أنا هاتفق معاك على حاجة وأرجع فيها مثلا، دول هدية.
أعجبته اللعبة فاستمر فيها، رفع حاجبيه في سخرية وهتف :
– كل دول هدية ؟ قولي لي ع اللي جابهم عشان اتعرف عليه مادام هداياه بتبقى ضخمة كده.
تحدته قائلة :
– أيوة هدية ومااعرفش عنها حاجة إلا يوم ماجيت هنا، من ماما و أختي، ده طبيعي لأنه فاكرين إن ده جواز عادي.
شعر بالغيظ فاستفزها أكثر :
– طب ماهو جواز عادي، هو في عادي واكسترا لارج مثلا، وبعدين ممكن حالا نخليه فوق العادي كمان.
صمتت فجأة شاعرة بالخجل مانحة إياه الشعور بالانتصار، فقال في عجالة :
– قومي بقى غيري قبل لميا ماتيجي .
قامت من مكانها في صمت متجهة لغرفتها وهو يتابعها بعينيه في ظفر ممتزج ببعض الفضول ولمحة من الشغف، توقفت أمام دولابها في حيرة ما الذي يمكن أن ترتديه أمامه بدون أن تشعر بخجل زائد كما أنه لا ينبغي أن يثير فضول شقيقتها .

error: