خارج أسوار القلب

الفصل السادس

***********

بعد استقرار الأمور وعودة (جمانة) لعملها قررت والدتها أن تصارحها بالفكرة التي طرأت في بالها بعد معرفة (حسام) لذلك انتظرت عودتها من عملها في ذلك اليوم وحضرت الغذاء، بعد انتهائهم من الطعام أحضرت اللعب المفضلة للصغيرة وتركتها منشغلة بهم ثم أشارت لـ (جمانة) أنها تريد الحديث معها، ذهبت (جمانة) خلف والدتها للمطبخ متسائلة وهناك سألتها :
– خير يا ماما في حاجة ؟
(الأم) :
– أيوة ياجوجو كان عندي اقتراح كده وعاوزة أتكلم معاكي فيه، تعالي نعمل كوبايتين شاي ونقعد نتكلم براحتنا.
(جمانة) :
– ماشي يا ماما.
وبعد أن اتخذت كل منهما مقعدا وهي تحمل كوب الشاي الساخن بين كفيها قالت الأم :
– جوجو أخبار الصيدلية ايه ؟
استغربت (جمانة) من سؤال والدتها واستغربت أكثر من كونها ليس لديها أخبار بالفعل عن صيدلية زوجها الراحل فردت بتساؤل :
– والله يا ماما مش عارفة، إنت عارفة إني مش باتابعها، بس ليه بتسألي عليها دلوقتي ؟
(الأم) :
– أبدا يابنتي بس مش ملاحظة إنك مهملة أوي في حاجتك إنت وبنتك سواء الصيدلية أو ميراث حسام من باباه الله يرحمه .
(جمانة) :
– هأعمل ايه يا ماما أنا لا بأفهم في الأدوية ولا شغل الصيدليات وكفاية إن دكتور هشام متابعها وبيبلغني بأي جديد بيعمله فيها.
(الأم) :
– بس ياجمانة كده كتير، ايه الاهمال اللي انت فيه ده ؟ وبعدين إنت واثقة أوي في هشام ده؟ ده مجرد جه عزا حسام الله يرحمه وبعدها عرض عليكي يمسك الصيدلية ومن يومها وهو فيها وماحدش يعرف عنه حاجة ولا بيعمل ايه ولا بيمشيها إزاي.
(جمانة) :
– أعمل ايه يا ماما طيب أروح بنفسي أشوف هو بيعمل ايه ولا أشوف حد تاني يمسكها على الرغم إني ما أعرفش حد تاني.
(الأم) :
– إزاي ماتعرفيش؟ أمال دكتور حسام الله يكرمه راح فين؟
(جمانة) باستغراب :
– دكتور حسام عبد الرحمن ؟ إزاي يا ماما يعني بعد حادثة ملك أقوله تعالى كمان امسك صيدلية جوزي؟ هو ده اللي أنت شايفاه أحسن من هشام ؟
(الأم) بتأكيد :
– أيوة ياجمانة شايفاه أحسن من هشام، كفاية ذوقه وأخلاقه اللي ظاهرة من يوم ماعرفناه، وكمان هو صيدلي وعنده صيدلية خاصة يعني بيعرف يديرهم كويس وبصراحة أنا مطمنة له عن هشام ده اللي ماحدش عارف عنه حاجة.
(جمانة) :
– غريب أوي تفكيرك يا ماما ، الدكتور خلاص علاقتنا بيه انتهت لحد كده ايه اللي يخليني أعرض عليه شغل أو أطلب منه حاجة تاني ؟
(الأم) :
– ع الأقل كلميه واطلبي منه يعمل زيارة كده للصيدلية ويشوف الشغل هناك ماشي ازاي وهشام ده أمين عليها ولا لا.
(جمانة) :
– طيب وأنا هأطلب منه بصفة ايه أصلا ده على فرض إنه هيوافق وييجي يتابعها فعلا.
(الأم) بابتسامة :
– أنا واثقة إنه هيوافق
تطلعت (جمانة) لوالدتها بدهشة أكبر وهي تتساءل :
– ليه واثقة يا ماما ؟
(الأم) :
– أولا لأنه ذوق وأخلاقه عالية ومش هيرفض يساعد ثانيا هو بيتمنى نطلب منه حاجة عشان موضوع الحادثة ونفسه يساعدنا بأي شكل.
تراجعت (جمانة) في مقعدها وهي تفكر في صمت وتقلب الفكرة على جميع الوجوه ثم في النهاية قالت لوالدتها :
– خلاص يا ماما ماشي، بس بشرط ; كلميه إنت واتفقي معاه إنه يتابع الصيدلية ولو حتى لفترة بسيطة ويشوف الشغل ماشي فيها إزاي ولو محتاجة حاجة يبلغنا عشان نظبطها.
ظهرت ابتسامة ارتياح على وجه والدتها وقالت بسرعة :
– أكيد هأكلمه، كمان شوية كده بعد المغرب أصلي واكلمه وأشوف رأيه ايه ؟
ابتسمت (جمانة) وهي تقول :
– ماشي ياماما، هأدخل انا بقى أريح شوية كده لأني مرهقة بجد.
(الأم) :
– طيب يا حبيبتي هأبقى أصحيكي ع المغرب برده عشان تصلي وتسمعيني وأنا بأكلمه.
(جمانة) :
– أوك ياست الكل، يلا أشوفك كمان شوية.
وابتسمت وهي تتجه لغرفتها وفي طريقها انحنت لتطبع قبلة على رأس صغيرتها التي كانت مستغرقة في اللعب، ثم دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب واستندت إليه وهي تتنهد بعمق، ثم اتجهت لفراشها وجلست عليه بهدوء، فتحت الدرج المجاور له وأخرجت منه كتيب مذكرات صغير فتحته والتقطت منه صورة صغيرة تجمع بين زوجها الراحل وطفلتها في أولى شهور عمرها، ابتسمت في حزن وكما هي عادتها سقطت دمعة من عينيها ثم التقطت قلما كان داخل المذكرات وفتحت صفحة بيضاء كتبت فيها :
( اليوم حبيبي كان يوم عمل مرهق جدا، كنت أتمنى أن أعود لأجد ابتسامتك تضمنى وكلمة أحبك تزيل بها تعبي، لكن سأقولها أنا لك .. أحبك )
أغلقت الكتيب وطبعت قبلة على الصورة ثم دستها داخله وأعادته للدرج بعدها راحت في نوم عميق .
********
في الموعد المحدد اتصلت والدة (جمانة) بالدكتور (حسام) وبعد السلام و السؤال عن الأحوال فاتحته في أمر إشرافه على صيدلية (حسام) زوج (جمانة) الراحل وأخبرته أنها و(جمانة) لا تعلمان عنها شيئا وترغبان في مساعدته، وكما توقعت الأم تماما سُعِد الرجل بالطلب كثيرا وأبدى استعداده للذهاب والمتابعة من اليوم التالي وأيدته الأم في ذلك وشكرته ودعت له، ثم كان الاتفاق أن تذهب (جمانة) للصيدلية يتبعها هو هناك ليتفقا مع (هشام) الذي يديرها على تنظيم العمل وبالفعل هذا ما حدث ففي اليوم التالي ذهبت (جمانة) لعملها كالمعتاد وقررت أن تستأذن قبل موعد الانصراف بساعتين لتذهب إلى الصيدلية لتنهي الأمر، تقدمت بطلبها للأستاذ (محفوظ) والذي ما إن لمحها تدلف إلى مكتبه حتى قال بابتسامة أبوية :
– بنت حلال، كنت لسه هابعت لك تيجي لي المكتب.
ابتسمت (جمانة) بخجل وتساءلت :
– خير يا أستاذ محفوظ ؟ كنت محتاجني في حاجة ؟
(محفوظ) :
– أيوة ده ملف بعته الباشمهندس أدهم للقسم هنا وعاوزنا نراجعه ونكتب ملاحظاتنا عليه وقال لي أديهولك بالاسم كده لأنه مبسوط جدا من شغلك في حسابات فرع الشركة اللي كلفك بيها قبل كده، يلا همتك بقى لأن الملف محتاجينه كمان ساعتين أنا عارف انه هيتعبك طبعا بس مستعجلين عليه وهو عموما مش هياخد وقت طويل، عاوزك تركزي معاه وتسيبي أي شغل تاني في ايدك.
(جمانة) بحرج :
– للأسف مش هأقدر يا أستاذ محفوظ، ده انا كنت جاية أستأذن من حضرتك أمشي بدري ساعتين عشان عندي مشوار مهم جدا ومش هأقدر أأجله.
(محفوظ) بتردد :
– بس يابنتي والباشمهندس أدهم هأقوله ايه ؟ هو قال إنك لازم تستلمي الملف وتخلصيه النهاردة ؟
(جمانة) :
– معلش بقى يا أستاذ محفوظ بلغه اعتذاري واضطراري للخروج بدري.
(محفوظ) :
– لا يابنتي إنت ماتعرفيهوش ساعة الغضب، روحي اعتذري له بنفسك واطلبي منه إذن الانصراف وربنا يستر.
(جمانة) في سرها ” يا الله ! هل سأضطر للتعامل معه وجها لوجه ؟ ” لكنها تساءلت بملل :
– يعني ضروري ماتنفعش حضرتك تاخد لي الإذن وتعتذر له ؟
(محفوظ) وهو يحاول التملص من الأمر :
– للأسف مش هينفع لازم تبلغيه اعتذارك عن مراجعة الملف بنفسك.
(جمانة) باستسلام :
– طيب هأروح له وربنا يسهل.
ثم اتجهت للطابق العلوي من مقر الشركة لتقابل مديرها، دلفت لمكتب السكرتارية وألقت السلام على (سهام) الجالسة خلف مكتبها، رفعت (سهام) عينيها إليها وابتسمت وردت السلام فقالت (جمانة) بارتباك :
– إزيك ياسهام هو أنا ممكن أقابل الباشمهندس أدهم دلوقتي؟
ظلت الابتسامة على وجه (سهام) وهي تجيب :
– الحمد لله ياجمانة إنت أخبارك ايه ؟ هو دلوقتي معاه تليفون مهم استني خمس دقائق كده وبعدين هأستأذن لك منه .
نظرت (جمانة) لساعتها في توتر ثم جلست على الكرسي المقابل لمكتب السكرتيرة وسألتها في قلق :
– تفتكري هيتأخر ؟
السكرتيرة :
– ما أعتقدش التليفون معاه من بدري .
ثم ابتسمت مرة أخرى وعادت لعملها، مرت الدقائق الخمس ببطء شديد و (جمانة) تتطلع لساعتها كل عدة ثوان، كانت تريد الوصول للصيدلية قبل الدكتور (حسام) لا العكس حتى تتفاهم مع (هشام) وتشرح له الموقف وكانت تتساءل إن كان سيتقبل متابعة (حسام) للصيدلية وهل سيمر الأمر بدون مشاكل أم لا ….
قاطع تفكيرها (سهام) وهي تنادي باسمها قائلة :
– جمانة !! جمانة !! ايه رحتي فين ؟
التفتت إليها (جمانة) بدهشة وهي تتساءل :
– ايه ؟ معلش سرحت شوية ؟ خلص المكالمة ؟
ابتسمت (سهام) وهي ترد :
– أيوة خلاص وبلغته إنك هنا ومنتظرك .
قامت (جمانة) من مكانها وقالت وهي تتجه للمكتب :
– شكرا ياسهام.
طرقت باب المكتب بهدوء وسمعت صوته الآمر يسمح لها بالدخول فترددت لحظة ثم أخذت نفسا عميقا وفتحت الباب ودخلت رفع عينيه من الأوراق التي كان يطالعها ونظر لها باهتمام وهو يقول :
– إزيك يا مدام جمانة ؟ ايه خير ؟ خلصتي الملف اللي بعته لك بالسرعة دي ؟
اغتاظت منه فهي لم تعلم بأمر الملف سوى منذ أقل من عشر دقائق لكنها ردت بهدوء :
– لا طبعا يافندم أنا جاية أبلغ حضرتك اعتذاري عن مراجعة الملف لأني مضطرة أستأذن بدري النهاردة ساعتين وأستاذ محفوظ بلغني إن حضرتك طلبت منه إن أنا اللي أراجع الملف وقال لي لو هتعتذري يبقى أبلغك الاعتذار بنفسي.
تطلع إليها في صمت أثار توترها أكثر، كانت تحاول تخمين ما يشعر به أو ما سيقوله الآن لكنها لم تستطع، تخيلت في ذهنها عدة سيناريوهات لرد فعله بعد كلامها سواء أن يغضب أو ينهرها أو يقول لها بضعة كلمات كالتي قالها لها من قبل أو أن يتجاهل الأمر تماما فهي ليست الوحيدة التي تعمل في الشركة لكنها لم تتوقع سؤاله التالي الذي نطقه في هدوء :
– وليه الأستاذ محفوظ قالك تبلغيني بنفسك؟ ليه مابلغنيش هو ؟
ترددت هل تخبره بما قاله الأستاذ (محفوظ) عن غضبه أم لا لكنها قالت في النهاية :
– الحقيقة مش متأكده بس يمكن لأن حضرتك كلفتني بالملف شخصيا فالمفروض أعتذر عنه بنفسي.
تساءل مرة أخرى في هدوء أثار قلقها :
– طيب وبتعتذري عنه ليه ؟
ازداد توترها وهي تعلم أن الأمر شخصي لكن مابيدها حيلة فأجابت :
– مضطرة أستأذن بدري يافندم.
تطلع إليها بنظرة صارمة وكأنه يقول ليست هذه هي إجابة سؤالي فتلعثمت ووجدت نفسها تقول باستسلام :
– حضرتك عارف إن زوجي كان صيدلي وكان عنده صيدلية، اللي بيديرها حاليا مااعرفش عنه حاجة ولا بيديرها إزاي فطلبت من دكتور حسام اللي حضرتك عارفه من أيام حادثة ملك إنه يتابعها وكده ومضطرة أروح هناك دلوقتي .
قالت كلماتها المفسرة باندفاع ثم صمتت فجأة تنتظر رد فعله، هل سيصرخ في وجهها ويقول أن العمل خارج الأمور الشخصية وعليها تلبيته أولا ؟ . . أما هو فطال صمته نوعا ما وهو ينظر إليها بطريقة أشعرتها بالخجل، كانت نظراته متفحصة كأنها تسبر أغوارها وتحاول استكشاف ما تخفيه فخفضت عينيها أرضا وهي تنتظر رده، اكتشف أن صمته طال فتساءل في حزم :
– هو إنت إزاي عادي كده مع الراجل اللي صدم بنتك بالعربية ؟ وكمان هتأمنيه على ممتلكاتك الشخصية ؟
كان تساؤله غريبا وفي أمر لا دخل له به فرفعت عينيها تنظر إليه بدهشة ثم قالت في نوع من الصرامة :
– إيه اللي حضرتك بتقوله ده ؟ مش أي حادثة تحصل معناها إن اللي عملها مجرم وأظن حضرتك كنت موجود وعرفت ملابسات الموضوع وشفت هو تصرفه كان إزاي بمنتهى الشهامة اللي قل إن الواحد يشوفها حاليا، وحد بالأخلاق دي ممكن أأتمنه على ممتلكاتي زي ما حضرتك بتقول خصوصا إن اللي مؤتمن عليها حاليا مانعرفش عنه أي حاجة خالص ونقطة أخيرة يافندم …
وصمتت لحظة ثم أخذت نفسا عميقا مكملة بحزم :
– ده موضوع شخصي مالوش علاقة بشغلي.
فهم حديثها وأنها تخبره بتهذيب أن لا شأن له بما يخصها خارج شركته، شعر بالغضب منها ومن نفسه أكثر، لمَ يهتم إن حتى تركت له كل ممتلكاتها ولمَ يقلق بشأن ذلك الرجل مع أنه اعترف داخله بأخلاقه الحسنة، دار هذا بداخله في ثوان قال بعدها معلنا انتهاء النقاش داخله ومعها :
– طيب يامدام جمانة، اتفضلي روحي مشوارك والملف هنا لحد بكرة.
رفعت رأسها شاعرة بالغيظ، إذن فيمكن للملف أن ينتظر وليس الأمر عاجلا كما أخبرها الأستاذ (محفوظ) ، ودون كلمة أخرى استدارت خارجة من المكتب وقبل أن تخطو خطوة واحدة كان يكمل في حزم وهو يدفن عينيه مرة أخرى في الأوراق امامه :
– بكرة أول حاجة تشتغلي عليها هي الملف ده وتسلميه لسهام بره بعد ماتخلصيه مباشرة .
لم تلتفت لكنها قالت بسرعة :
– بإذن الله، بعد إذن حضرتك.
وانطلقت خارجة من المكتب والذي تركت بابه مفتوحا بعد دخولها ثم أغلقته خلفها في هدوء، رفع رأسه يتطلع للباب الذي خرجت منه بصمت وهو يفكر لماذا يتعامل معها بهذا الشكل ولمَ يهتم لأمرها من الأساس؟! لم يجد إجابة لسؤاله ولم يحاول البحث أكثر فطرحه جانبا وهو يكمل عمله.
أما هي فخرجت من مكتبه مسرعة وألقت التحية على (سهام) وأخذت طريقها إلى حيث تقع صيدلية زوجها الراحل، أوقفت سيارتها أمامها مباشرة وترجلت منها متجهة للداخل، كان الدكتور (هشام) جالسا خلف مكتب جانبي يطالع جريدة يومية شهيرة ولم يشعر بقدومها فتنحنحت محاولة لفت انتباهه لوجودها رفع رأسه في ملل متطلعا للقادم وعندما رآها هب واقفا ورسم على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يقول بترحاب كان واضحا جدا أنه مصطنع :
– ايه ده مش معقول ؟ مدام جمانة هنا ؟ نورتينا، اتفضلي
رسمت هي الأخرى على شفتيها ابتسامة باهتة وتساءلت :
– إزيك يادكتور هشام، أخبارك و أخبار الشغل والصيدلية ايه ياترى ؟
ابتسم بخبث مجيبا :
– طيب اتفضلي استريحي واشربي حاجة وبعدين نتكلم في الشغل.
نظرت إليه نظرة صارمة تلقاها هو بثبات فخفضت عينيها أرضا وهي تقول :
– معلش يادكتور أنا مش جاية أضايف هنا، أنا جاية أبلغك بموضوع مهم.
ضيق عينيه في تساؤل قلق فأكلمت :
– في واحد معرفة هييجي يتابع الصيدلية معاك شوية، زميل حسام الله يرحمه.
جز على أسنانه في غيظ لم يظهره ثم قال في توتر واضح :
– ليه يامدام جمانة هو أنا قصرت معاكم في حاجة ؟ ده أنا حتى بأجيبلك أخبار الشغل أول بأول ودايما بأجيبلك الحسابات تتابعيها .
أجابت بهدوء :
– أنا عارفة طبعا يادكتور وده مجرد حد معرفة مش هيكون موجود طول الوقت لأنه مشغول بصيدليته برده .
ثم أخذت نفسا عميقا مكملة :
– المهم عاوزة من حضرتك تتعاون معاه لأنه أكيد هيساعدك ويخفف الحمل عنك، إنت عارف إني مش بأفهم في شغل الأدوية ولا حساباتها والكلام ده فهتعتبره هنا مكاني.
رفع حاجبيه في دهشة وهو يتساءل بداخله : ألتلك الدرجة ؟ حسنا سنرى وترجم أفكاره قائلا :
– طبعا يا مدام جمانة دي صيدليتك وتشغلي فيها اللي إنت عاوزاه .
قالت بهدوء مهادنة :
– لا طبعا يادكتور حضرتك الخير والبركة وكفاية إنك شايلها بقى لك سنين.
اغتاظ وهتف بداخله : وهذا هو جزائي، تتركينها لآخر لكنه قال بدلا من ذلك :
– ربنا يخليكي يا مدام جمانة، ياترى ملك أخبارها ايه ؟ بقى عندها كم سنة دلوقتي ؟.
ردت باقتضاب لتشعره أنه لا دخل له بحياتها ولو بسؤال بسيط عن طفلتها :
– الحمد لله كويسة.
ولم تجب سؤاله الآخر فصمت في ضيق ، وعندما حاول جذب أطراف الحديث معها مرة أخرى محاولا الاستفهام عن الشخص الذي سيشاركه العمل وجد من يدخل بهدوء للمكان ملقيا السلام، رفعت (جمانة) عينيها إليه وردت سلامه في ألفة في حين رد هو بعدم تركيز ظنا منه أنه عميل واتجه إليه فقالت (جمانة) بسرعة :
– أعرفك يادكتور هشام .. ده كتور حسام عبد الرحمن اللي هيتابع الصيدلية مع حضرتك.
ابتسم (حسام) في هدوء واتجه لــ (هشام) الذي تطلع إليه في دهشة وابتدره (حسام) بالسلام مصافحا :
– إزيك يادكتور هشام، أتمنى مايكونش وجودي فيه أي ضيق .
وابتسم له ابتسامة لطيفة في حين ابتسم (هشام) في ضيق واضح وهو يصافحه قائلا :
– لا طبعا يا دكتور أهلا بيك.
كانت (جمانة) صامتة تتطلع إليهما وهما يتصافحان وتقارن بداخلها بين ابتسامة (حسام) الحقيقية وابتسام (هشام) التي تبدو مصطنعة تحمل كما كبيرا من الضيق والغضب لكنها تغاضت عن الأمر وقالت في هدوء معلنة عن رحيلها :
– طيب هأسيبكم أنا تتعرفوا وتتفاهموا على نظام الشغل مش هأوصيك يادكتور هشام.
ثم التفتت لـ (حسام) قائلة بامتنان :
– متشكرة جدا على وجودك يادكتور حسام أنا مضطرة أمشي لكن البركة في دكتور هشام طبعا وأنا مش هأقدر أفيدك في الشغل هنا ، ربنا يوفقكوا، بعد إذنكم.
ابتسم (حسام) مودعا في حين قال (هشام) ومازال الضيق ظاهرا عليه :
– مع السلامة يا مدام جمانة .
خرجت من المكان فالتفت (هشام) قائلا لزميله بضيق واضح :
– أهلا بيك يادكتور، ياترى تعرف مدام جمانة منين ؟
ابتسم (حسام) و رد بهدوء :
– معرفة قديمة يادكتور هشام.
تطلع إليه (هشام) محاولا الوصول لطريقة التعامل المثلى معه ولم يحاول كشف أوراقه له الآن فقال :
– طيب اتفضل معايا عشان أعرفك نظامنا هنا إزاي وباقي الشغل .
اتجه معه (حسام) لذلك المكتب الجانبي وبدأ العمل، في حين غادرت (جمانة) إلى منزلها وقصت على والدتها أثناء تناولهما الغذاء ماحدث في الصيدلية وختمت حديثها قائلة :
– عارفة يا ماما كان واضح جدا على دكتور هشام إنه متضايق من اللي حصل بس أنا عملت نفسي مش واخدة بالي، تفتكري فعلا بيعمل حاجة مش مظبوطة ؟
قالت والدتها :
– مش شرط ياجوجو، ممكن يكون حاسس بس إنك مش واثقة فيه أو إنه مش هيبقى مدير المكان زي الأول وبقى له فيه شريك، مع إني مش مستريحة له أصلا بس مفيش داعي لسوء الظن.
وافقتها (جمانة) بهزة من رأسها ثم اتجهت إلى غرفتها مع صغيرتها لتستريح من عناء ذلك اليوم .
مرت عدة أيام تابع فيها (حسام) الصيدلية بنشاط وهمة لم يعهدها في نفسه حتى في صيدليته الخاصة، كان قد ترك معظم مسئوليات صيدليته لشريكه فيها في أول أيام عمله في صيدلية (جمانة) ثم بدأ في تنظيم وقته وتنسيق العمل بينه وبين (هشام)، كان هو يعمل في وردية نهارية و(هشام) وردية ليلية تنتهي الساعة الثانية صباحا، كان يمر في أثناء عودته لمنزله من صيدليته الخاصة من أمام الصيدلية ليطمئن عليها ويتأكد من إغلاقها جيدا، في نهاية الأسبوع الثاني من عمله في المكان كان ذاهبا لمنزله مارا بالصيدلية كما اعتاد فوجدها مازالت مفتوحة قليلا وكأن (هشام) كان على وشك إغلاقها ثم عاد للداخل مرة أخرى، أصابه القلق فقرر أن يلقي نظرة، غادر سيارته واتجه لباب الصيدلية بهدوء، خفض رأسه ليمر أسفل الباب المعدني ويتطلع للضوء الخافت الصادر من الداخل، هم بمناداة (هشام) عندما وصلت لأذنه ضحكة أنثوية ماجنة بصوت منخفض من الغرفة الداخلية للصيدلية، تسمر في مكانه وعلت الصدمة وجهه ولم يعرف ماذا يفعل ؟ هل يدخل ليرى ما هنالك أم يقف مكانه بلا حراك، فكر لثوان أخرى بلغته فيها ضحكة ثانية وإن كانت أكثر مرحا كأن صاحبتها يدغدغها شخص ما، لم يستطع الحركة أو الانتظار فنادى بصوت عال يكسوه الحزم :
– دكتور هشاااام، حضرتك جوا !؟
مرت لحظات صمت شعر بها كدهر بعدها ظهر أمامه هشام من الداخل يصلح هندامه المبعثر قليلا ويمرر يده على شعره بتوتر مجيبا :
– دكتور حسام ؟ حضرتك هنا من إمتى وليه ؟
لم يدري (حسام) أيتساءل عمن بالداخل أم يرد على سؤاله وفقط ويترك كالأمر لينكشف تلقائيا، لكنه قال :
– أبدا كنت مروح وعديت من هنا لقيت الباب مفتوح وفي نور فقلقت؟ هو في حد هنا ؟
توتر (هشام) أكثر وتردد قبل أن يجيب :
– آآآآآ، لا لا مفيش أنا كنت بأراجع شوية حاجات كده وكنت مروح، اتفضل إنت روح وأنا هأخلص وأقفل .
نظر له (حسام) بغيظ وقال :
– لا لا شوف لو محتاج حاجة هأساعدك ونروح سوا .
هتف (هشام) بسرعة :
– لا مالوش لازمة تتعب نفسك دي حاجات خاصة بورديتي ومسئوليتي أنا هأخلصها وأمشي.
نظر له (حسام) مطولا وهو يتساءل أيقتحم الغرفة ليرى من بالداخل ويعرف سبب كذب (هشام) أم ينصرف ولا يسبب مشكلة في المكان في هذا الوقت، شعر أن (جمانة) لو علمت لما تحملت الأمر فآثر الصمت ونظر لـ (هشام) نظرة قال له من خلالها أنا أعلم ماكنت تفعله لكنني سأصمت الآن فقط ولكن حذار من تكراره، تلقى (هشام) الرسالة الصامتة بوضوح ونكس رأسه أرضا منتظرا رحيل (حسام) الذي قال في صرامة :
– طيب يادكتور هشام براحتك، بس لو سمحت ما تبقاش تتأخر بالشكل ده تاني، دي وصية مدام جمانة ولازم نحافظ لها ع المكان اللي استأمنتنا عليه، تصبح على خير .
قالها وغادر المكان بسرعة غير آبهٍ للرد.

error: