خارج أسوار القلب

الفصل الثاني عشر

************

جلست تتأمل زوجها النائم في حزن، لكم ودت أن يشعر بها أو يفكر في قلبها المنهك والمحمل بالأثقال كما يفكر في نفسه وفي أبوته المكتسبة، والتي يظنها ضائعة، لم تدر ما تفعل لكنها أرادت أن ينتهي الأمر وتوشم الحروف بنقاطها، أن يسيل دم قلبها الذبيح في صدرها حتى تنهض من رماد نفسها المحترقة مرة أخرى بعيدا عنه، بعيدا عن حب ظنته يوما يستحقه، وقلب دفن نفسه بين ضلوعه هو ليطعنه في النهاية بغدر، قررت أن تفاتحه في الأمر لكنها مشتتة بين اليوم وغد وبعد غد ومستقبل بعيد، مشتتة بين تناسي الأمر وتجاهله وبين إيقافه عند حده وإنهائه، رن هاتفها فجأة مقاطعا نهنهات محبوسة بين ضلوعها فالتقطته سريعا لتكتم أنفاسه كما هي مكتومة في صدرها وتطلعت لاسم المتصل لتجد (جمانة)، عقدت حاجبيها في قلق فقد تأخر الوقت، خرجت من الغرفة متجهة لمكتبها وهي تفتح الخط لتجيب شقيقتها :
– السلام عليكم، خير ياجمانة في حاجة ؟
أتاها صوت شقيقتها الباكي ترد :
– الحقيني يا لميا هياخدوا مني ملك.
ردت بسرعة شاعرة بالصدمة :
– اهدي بس وفهميني مين دول اللي هياخدوها ؟ ماتخافيش ياحبيبتي.
أتاها الصوت الدامع يمزق نياط قلبها :
– أهل حسام، عاوزين ياخدوها عشان ميراثها من أرض باباها، الحقيني يا لميا.
تطلعت للساعة أمامها لتجدها تخطت منتصف الليل بدقائق فقالت بحنان :
– خلاص خلاص اهدي ياجمانة انا جايالك حالا، ماتخافيش ياحبيبتي ماحدش هيقدر ياخدها منك طول ما أنا موجودة، اهدي بقى وماتوجعيش قلبي عليكِ.
سمعت صوت شقيقتها تهدأ قليلا وبدا وكأنها تمسح دموعها بكفيها شعرت بالحنان يغزو قلبها فقالت :
– معلش ياحبيبتي أنا مسافة السكة وأكون عندك إن شاء الله.
ردت (جمانة) بصوت أكثر تماسكا :
– لا خلاص يالولو، خليكي للصبح ماتخرجيش لوحدك دلوقتي أنا بس كنت خايفة وعاوزة أفضفض ولما سمعت صوتك حسيت بالأمان.
علت ابتسامة شفتيها وهي تجيبها :
– لا ياقلب لولو ماتخافيش علي، أنا جاية أهو، يلا سلام مؤقت.
أغلقت الخط وهي تحمد الله أن أرسل إليها ما يشغل بالها ويؤخر المواجهة بينها وبين زوجها ولو لساعات، ارتدت ملابسها على عجالة واتجهت نحوه، قبلت رأسه بحنان وهي تداعب شعره هامسة :
– أحمد، أحمد ؟
فتح عينيه بصعوبة وتطلع إليها بنصف عقل فهمست ثانية :
– معلش ياحبيبي، جمانة كلمتني ومنهارة، عندها مشكلة كبيرة مع أهل حسام الله يرحمه، أنا هانزل أروح لهم وهابيت هناك النهاردة، ماشي يا أحمد ؟
لم تشعر به مهتما لكنه قال بصوت ناعس وكأنه يريد أن يسكتها ليعود لنومه :
– طيب يا لميا.
شعرت بالحزن نوعا فهو لم يهتم أو حتى يعرض عليها أن يوصلها في هذا الوقت المتأخر لكن جاوبها صمته كما اعتادت، اتجهت خارجة من الغرفة بهدوء وقبل أن تغلق الباب سمعت صوته النائم يقول :
– خلي بالك من نفسك يا لميا.
لم تدري أتسعد أم تحزن، هل هو مهتم حقيقة ؟ أم يقوم بما يعتقد أنه نوع من الواجب؟ لم ترغب في مواصلة التمعن في تلك الأفكار السوداوية، فاتجهت سريعا إلى سيارتها وقادتها لمنزل شقيقتها بسرعة مستغلة خلو الشوارع النسبي في هذا الوقت، فتحت لها والدتها الباب وهي تهتف :
– لميا مالكيش حق تيجي في وقت زي ده ؟ أمال أحمد فين ماوصلكيش ؟
ردت بسرعة :
– معلش يا ماما، أنا قلقت أوي على جوجو وأحمد راجع متأخر من الشغل وكان تعبان جدا صعب علي سبته نايم والناس برا عادي الوقت مش متأخر للدرجة دي.
هزت الأم رأسها في عصبية قائلة :
– طيب أختك وبأقول عليها طايشة تقومي أنت كمان تعملي زيها ؟ انا كلامي معاكي بعدين أما نشوف آخرتها وكل واحدة فيكو ماشية بدماغها كده.
قبلت رأس والدتها و ردت :
– خلاص بقى ياقمر ماتزعليش، جوجو ماهانش علي الاقيها بتعيط كده واسيبها، هي فين بقى ؟
أشارت الأم للداخل وأجابت :
– جوا في الليفينج.
اتجهت (لمياء) بخطوات واسعة لغرفة المعيشة لتجد (جمانة) جالسة على الأريكة وهي تضم وسادة صغيرة تدفن فيها وجهها وجسدها يهتز، كان من الواضح أنها تبكي وبحرقة شديدة فاقتربت منها بسرعة وربتت على كتفها لتلفت انتباهها، رفعت (جمانة) رأسها لتجد عيني (لمياء) الحنونتين فازداد انهمار دموعها وهي تمسك بكفها، جلست (لمياء) بجوارها وضمتها إليها، كانت تتمنى أن تشق صدرها وتدخلها بين ضلوعها بالقرب من قلبها لتشعرها بالأمان، تركتها تفرغ دموعها لدقائق في صمت ثم أبعدتها ومدت يدها بمنديل تمسح عينيها الذابلتين وقالت بحنان :
– خلاص ياجوجو بقى، مش قلت لك ماتقلقيش، احكي بقى بالتفصيل.
في هذه اللحظة دخلت الأم الغرفة وهي تحمل كوبين من الحليب الدافئ لطفلتيها، كان قلبها موجوعا هي الأخرى ولم تدري كيف تقسم الوجع بينهما، وضعت الصينية على طاولة الغرفة وجلست أمامهما قائلة :
– خلاص بقى ياجمانة، أختك جت لك أهي وهتقول لنا فعلا يقدروا ياخدوها مننا ولا لا.
أومأت (جمانة) برأسها وانطلقت تحكي لشقيقتها تفاصيل ماحدث بينها وبين أخي زوجها الراحل، كانت (لمياء) صامتة تستمع باهتمام كبير لكل تفصيل وتكتفي بتمتمة أو إيماءة من رأسها حتى انتهت (جمانة) من الحديث فقالت :
– ايه البني آدم ده ؟ ده ماحاولش حتى يجمل كلامه ويتكلم بذوق.
ثم ربتت على كتف شقيقتها وهي تكمل :
– ماتقلقيش يا جوجو ماحدش يقدر ياخد ملك منك أبدا، وحتى لو حد ممكن ياخدها فالأولى بيها ماما بعدها مامة حسام الله يرحمه مش أعمامها خصوصا إنها حتى لسه ماكملتش 7 سنين.
مسحت (جمانة) دموعها وتساءلت في أمل :
– بجد يا لميا ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي ترد :
– أيوة طبعا بجد، أعمامها ياخدوها بمناسبة ايه أصلا، قانونا البنت حضانتها معاكي بعدين الزوج في حال وجوده بعدين مامتك إنتي بعدين مامة الزوج وهكذا، مش معقول أي قاضي هيتخطى دول ويحكم لعمها بالوصاية وأنت أولى بيها في سنها ده.
سألت مرة أخرى :
– يعني ممكن ياخدوها لما تكبر ؟
حاولت (لمياء) طمأنتها فأجابتها :
– مش وقت تفكير في الكلام ده، المشكلة هنحلها في أقرب وقت بإذن الله ومفيش حد هياخد منك ملك أبدا، اطمني ياحبيبتي.
تساءلت (جمانة) في خوف :
– افرضي عملوا أي حاجة عشان ياخدوها، خطفوها أو لفقوا لي حاجة، أنا خايفة يا لميا.
شعرت بالشفقة تجاه شقيقتها فردت بسرعة :
– ليه يعني هي سايبة ولا ايه ياجوجو ؟ يابنتي صدقيني ماتخافيش أنا معاكي وماحدش هيقدر يقرب منك او من ملك.
تطلعت لشقيقتها في امتنان، وسكن قلبها قليلا فقامت لتقبل رأسها وقالت :
– ربنا يخليكي لي يا لميا، مش عارفة من غيرك كان ممكن أعمل ايه !.
ابتسمت (لمياء) لكن الأم بقلبها شعرت أن ابتسامتها كسيرة يتخللها حزن مدفون في أعماق ابنتها والذي قلما تظهره، فقررت أن تتحدث معها وترى مابها، أمرت ابنتها الصغرى بأن تهدأ وتدخل لتنام بجوار طفلتها ثم أخذت بيد (لمياء) واتجهت لغرفتها لتنام معها، في الغرفة سألتها بوضوح وبدون مواربة :
– لميا، إنت مالك ؟ في حاجة مش طبيعية.
شعرت (لمياء) بالتوتر ثم أجابت :
– مالي يا ماما ! ما انا كويسة اهو.
شعرت بعيني أمها تسبر أغوارها وتكشف عما بقلبها فطأطأت رأسها أرضا لكن والدتها رفعت وجهها إليها وقالت :
– هتخبي علي يا لميا؟ احكي لي، أحمد قال لك إيه تاني زعلك ؟
ظهر الحزن جليا على وجه (لمياء)، لم تحاول أن تدرايه أو تحجبه عن والدتها التي لطالما احتوتها وكانت رفيق قلبها والصدر الحنون الذي ارتوى بدموعها والكف الرؤوف الذي طالما ربت على شعرها ليشعرها بالأمان ويمحو آلامها بلمسته، حتى وإن كبرت وشعرت باستقلالها لازالت تشعر بحاجة للارتماء بين ذراعي أمها والبكاء حتى تنضب دموعها ويصيب جفنيها وقلبها الجفاف وتتوقف نبضات خافقها الكائن بين الضلوع، لمعت دمعة في عينينها الحزينتين وهي تقول بخفوت :
– أحمد ماقلش حاجة وياريته يقول، علاقتي بأحمد في تدهور مستمر، بيفكر في الولاد بشكل غير عادي، بدأت أصدق إن مش ده السبب الوحيد اللي بيخيله يفكر في غيري لكن فعلا في علاقة أصلا بينه وبين واحدة تانية.
علت الصدمة وجه الأم وهي تهتف :
– واحدة تانية ؟؟ إنت اتأكدتي من كده يالميا ولا دي مجرد شكوك؟
(لمياء) بألم :
– اتأكدت ياماما، رسايل بينهم ع الموبايل واللي كان مستحيل آخد بالي منها لولا الرسايل اللي بتوصلني انا كمان.
الأم بتساؤل :
– إنت كمان إزاي ؟
(لمياء) ردت بحيرة تعتلي وجهها :
– رسايل بتجيلي إن أحمد في علاقة بينه وبين واحدة تانية وإني المفروض أبص في موبايله وهالاقي الدليل، إنت عارفة ياماما إن كان مستحيل أفكر إن ابص في موبايله من باب الشك أو حتى اشيك وراه زي الستات مابتعمل، لكن ماتعرفيش حسيت بإيه لما تيجيلي رسالة تقولي جوزك مابقاش ليكي انسحبي بهدوء أحسن والدليل على موبايله يبقى أتجنن، بقيت زي الطفلة الصغيرة اللي تاهت من مامتها في الشارع ومش عارفة تعمل ايه او تروح فين، أنا المحامية المشهورة الكبيرة اللي اسمها له شنة ورنة وبترعب الناس في المحاكم، بقيت حاسة بالضياع ومشتتة ومش قادرة أستوعب ولا أتصرف، كتير فكرت إن حد بيحاول يوقع بينا لكن في الآخر أخدت قرار إني أشوف بنفسي، واتصدمت لما لقيت إني الوحيدة اللي عايشة في وهم، حتى حمايا عنده فكرة عن الموضوع ولما حس إني متغيرة سألني وقلت له لقيته بيبص في الأرض ويسكت، اعتراف صريح ياماما.
أنهت كلامها ومع كل جملة كان صدرها يضيق أكثر وحروفها تضيع ودموعها أبت إلا أن تكمل حزنها وتحفر خطوط ألم على وجنتيها لتستقر بملوحتها ومرارتها على شفتيها الجافتين كصحراء عطشى للمطر، كان نشيجها قد بدأ يعلو وأنفاسها تتقطع فقامت والدتها من مكانها وجلست بجوارها تضمها لصدرها وتربت على رأسها في حنان شاعرة أن الخنجر المغروس في قلب ابنتها إنما هو في صدرها هي، لم تدري ماذا تقول لكنها حاولت تطييب خاطرها فقالت برفق :
– حبيبتي يالميا، ومااتكلمتيش من زمان ليه؟ كنت قولي لي وفضفضي يمكن نلاقي حل للموضوع مع بعض ونحط النقط ع الحروف بدل العذاب اللي إنت عايشة فيه ده، أنا هأكلم الحاج شكري وأتفاهم معاه بخصوص لعب العيال اللي بيحصل ده.
انتفضت (لمياء) بين ذراعي أمها وهي تسحب نفسها للخلف قائلة بسرعة وهي تمسح دموعها بكفيها :
– لا يا ماما، الموضوع ده بيني وبين أحمد، أنا وهو بس اللي هنتفاهم فيه ونحله، مادام في حاجة ……
صمتت لثانية ثم أكملت بألم :
– ما دام في حاجة ناقصاه معايا يبقى نتكلم ونشوف حل بدل ما الكبار يحلوا لنا مشاكلنا، أحنا مش أطفال وأنا مش محتاجة حد يدافع عني.
على الرغم من ضيق والدتها بما قالت، لكنها كانت تعلم جيدا طريقة تفكير ابنتها الكبرى التي تحملت المسئولية معها وكانت بمثابة أم أخرى لشقيقتها بعد وفاة والدهما، الابنة القوية الصلبة التي عانت الكثير ومازالت صامدة لتتلقى ماهو أكثر، الابنة التي تزوجت زواجا تقليديا عشقت بعده زوجها حتى النخاع وسكرت بكلامه حد الثمالة، الابنة التي تملك زوجها ذراتها وفتات قلبها وتحكم في موجات عقلها، طفلتها التي حلمت أن تكون أما لأطفال من حبيبها فإذا بها تتفاجأ بحلمه أن تكون أطفاله من أنثى غيرها، قررت أن تنزل على رغبة ابنتها فهي تعلم كم هي عنيدة، وتعلم كم هي أهل لأن تتحكم في الأمر وتسيطر عليه وتنجو من الصدمة بقوة حتى وإن زلزلت كيانها، ربتت على كتفها مرة أخرى وقالت بحنو :
– طيب يالميا، أنا هأسيبك تتصرفي وأيا كان تصرفك والقرار اللي هتاخديه أنا موافقاكي عليه لأني واثقة في تقديرك للأمور وعارفة ايه اللي تقدري تتحمليه.
هدأت (لمياء) قليلا، ومسحت باقي دموعها وابتسمت بحزن في وجه والدتها وقالت :
– ربنا يخليكي لي يا ماما، أنا عارفة كويس أنا أقدر أعمل ايه وأتحمل لحد فين، صدقيني أنا قوية ومصير الأيام تعدي وأنسى، الحب مش كل حاجة وكفاية عليَ حبكم، المهم جمانة، خايفة عليها أوي، جمانة رقيقة وضعيفة حتى لما تبقى ساعات مجنونة ولا عصبية، لكن بتخاف وموت حسام الله يرحمه أضعفها أكتر، ومحتاجانا كلنا جنبها.
ربتت والدتها على كتفها وهي تبتسم بإعجاب، هاهي الابنة والأم، الشقيقة التي تحمل حنان الكون بأكمله وتودعه شقيقتها، تعتبرها طفلتها على الرغم من فارق السن البسيط بينهما والذي لا يتعدى خمس سنوات، قامت من مكانها وانحنت تقبل رأسها هامسة :
– مش عارفة أقولك ايه يا لميا، ربنا يخليكي يابنتي ويسعد قلبك ويعوضك خير، قادر على كل شئ والأمل فيه كبير.
ابتسمت (لمياء) ابتسامة خفيفة وردت :
– ونعم بالله والحمد لله على كل حال، يلا يا ماما تصبحي على خير.
(الأم) بحنان :
– وإنت من أهله ياحبيبة ماما.
ثم مدت يدها تطفئ النور المجاور للسرير وهي تحاول جبر قلبها المكسور على ابنتيها.
********

دخل الحاج (عبد الرحمن) من باب منزل العائلة الكبير في إحدى قرى أحد أكبر محافظات الدلتا ليجد شقيقه (كمال) في انتظاره وما إن رآه حتى أقبل عليه متسائلا بلهفة :
– حمدالله ع السلامة ياحاج، اتأخرت كده ليه ؟.
نظر له الرجل بلامبالاة وأجاب :
– ولا اتأخرت ولا حاجة يا سي كمال، مسافة المشوار.
تبعه (كمال) حتى جلس بجواره على أريكة كبيرة في ردهة المنزل وتساءل ثانية وهو يحاول كبح جماح لهفته :
– ها ياحاج عملت ايه ؟ وافقت ع الجواز ؟
تطلع إليه الحاج بصمت وهو يشعر بمدى اندفاع شقيقه ولهفته التي لا داعي لها ثم أجابه :
– لا يا سيدي، وبعدين مااحنا كنا متوقعين إنها مش هتوافق.
عقد (كمال) حاجبيه في ضيق ثم قال في عصبية وصوته بدأ يعلو :
– وليه بقى يعني، ناقص ايد ولا رجل عشان الهانم بتاعة مصر ترفض، ولا مش في مقام سي حسام؟
نهره شقيقه قائلا :
– اتهد ياكمال ووطي صوتك، اللي يهمنا الأرض لا هي ولا غيرها، وأنا هددتها ناخد البنت منها وهنشوف آخرتها ايه معاها يمكن توافق.
قال بلهفة :
– تفتكر ياحاج ؟
سأله الرجل بسرعة :
– مالك ياواد عامل كده ليه ؟ اللي يشوف كده يقول حلوة وهتموت عليها، ماهي زيها زي ميت واحدة في البلد وبإشارة منك تجوز أحلاهم.
تراجع (كمال) وحاول أن يتماسك وأجاب :
– مش هاموت ولا حاجة ياحاج، أهي يعني ع الاقل بتخلف ويمكن تجيب لي الولد اللي يشيل اسمي ويورثني بدل الأرض البور اللي نايمة فوق دي.
تنهد الحاج وقال منهيا النقاش :
– هنشوف ياسيدي لسه الموضوع مااتقفلش.
قالها ونهض من مكانه ليدخل لغرفته في الطابق السفلي يتابعه زوجين من العيون، أحدها بلهفة وأمل والثاني مليء بالدموع والحزن والألم، ثم قام (كمال) ليصعد لطابقه في المنزل وعلى أولى درجات السلم تلاقت عيناه مع عيني زوجته الباكيتين فنظر لها في صمت ثم أدار وجهه وأكمل صعوده متجها لغرفة نومه غير آبه لها أو لدموعها.
********
في اليوم التالي في الشركة اتجه (آدم) لمكتب أخيه وألقى السلام على (سهام) بهدوء ثم دخل لأخيه الذي ابتسم له مرحبا وهو يقول :
– آدوم، فينك ياعم؟ بقي لي نص يوم ماشفتكش.
ثم ضحك فبادله أخاه الضحك ورد :
– أيوة عارف إني مش بأسأل بس يلا الدنيا مشاغل بقى، أوعدك بعد كده أسأل عليك كل 3 أو 4 ساعات.
رد (أدهم) :
– لا برده كتير، يابني ده إنت حبيبي لازم أشوفك كل نص ساعة وإلا ضغطي يوطى، مكتوب لي قبل وبعد الأكل.
(آدم) بضحكة صافية :
– خلاص ياعم هأعملك مني كبسولات.
(أدهم) بحنان تبعته ضحكة مرحة :
– وأنا موافق بس خايف أخد أوفر دوز .
(آدم) بشقاوة :
– لا ماتقلقش ده أنا فيتامين مش مؤذي خالص.
(أدهم) يعابثه :
– خلاص يادوك، كده أنا اطمنت.
حاول (آدم) الحديث بجدية فتماسك وقال :
– المهم يا أدهم عاوز منك طلب كده هينفعني جامد.
بدا الاهتمام على وجه (أدهم) وهو يتساءل :
– خير ياحبيبي ؟
أجابه (آدم) :
– جمانة!
رفع (أدهم) حاجبيه وقال في سخرية :
– اشمعنى ؟
هز (آدم) رأسه وابتسم مغتاظا من أخيه :
– هاها، ايه هي قافية ؟
رد (أدهم) بسخرية مرة أخرى :
– الله، مش إنت اللي قلت اسمها وسكت، القافية تحكم بقى .
تنهد (آدم) بغيظ وقال :
– ماشي يا أبو قافية، المهم عاوزها معايا في مكتبي.
عقد (أدهم) حاجبيه هذه المرة وشعر بشيء في قلبه لم يألفه من قبل فتساءل :
– عاوزها في مكتبك إزاي ؟
اندهش (آدم) لكنه أجاب :
– هيكون إزاي يعني؟ هأخليها مديرة مكتبي والمساعدة بتاعتي، هاعمل أنا وهي فريق عمل.
ظل حاجبي (أدهم) معقودين وتغلغل بداخله غضب لم يدر له سببا، لم يكن يملك جوابا محددا لطلب أخيه فسأله :
– طيب سألتها ؟ يمكن ماتوافقش، أو تكون مبسوطة في مكانها الحالي.
نهض (آدم) من كرسيه وأجاب بسرعة :
– ياسيدي انا متأكد إنها هتوافق، المهم مدير الشركة يدينا الأوك.
شعر (أدهم) بقلة الحيلة، كان يريد الرفض لكنه لا يملك مبررا له فصمت مفكرا ثم رد أخيرا :
– عادي يا أدوم لو شايف إنها هتساعدك وشغلكوا مع بعض هيفرق مفيش مشكلة.
ابتسم (آدم) وبانت سعادته على وجهه بشكل أثار قلق وتساؤل (أدهم) خاصة عندما قال :
– شكرا يابوص، هاروح لها بقى اشوف رأيها ايه ؟
كان (آدم) بالطبع يقصد رأيها في العمل معه في مكتبه الخاص لكن (أدهم) شعر بها وكأنه يريد أن يعرف رأيها في زواجه منها، ولمرة أخرى يشعر بالغيرة ممتزجة بالحنق والغضب من نفسه، لاحظ (آدم) شروده فسأله :
– مالك يا أدهم ؟
رفع عينيه إليه ورد بسرعة :
– لا مفيش، ابقي بلغني الأخبار.
(آدم) :
– طيب تمام، هاروح لها أنا بقى.
(أدهم) وهو يشعر بالغيظ :
– تروح لمين يابني، اطلبها تيجيلك مكتبك.
مط (آدم) شفتيه بلا اهتمام وقال :
– عادي يعني ما تفرقش.
رد (أدهم) بسرعة :
– ع الأقل عشان تتكلم براحتك مش هتسألها في وسط زمايلها.
(آدم) بتفكير :
– تصدق معاك حق.
ثم ابتسم وقال يغيظه :
– والله و طلعت بتفهم يا أدهم.
رد (أدهم) يغيظه هو الآخر :
– ها ها، وعبقري كمان.
ضحك (آدم) ثم قال :
– طيب هات التليفون أما أكلم أستاذ محفوظ أقوله يخليها تيجيلي المكتب.
ناوله (أدهم) الهاتف ثم شرد في أفكاره، بعد ثوان أفاق على صوت أخيه يقول بتساؤل :
– عارضة؟ ماتعرفش ليه يا أستاذ محفوظ ؟ .. طيب خلاص .. لا مش مشكلة ممكن الموضوع يتأجل .. مع السلامة.
ثم أغلق الخط لتقابله عيني أخيه المتسائلتين ولمح فيهما قلق لم يألفه من قبل، قال مجيبا على سؤال لم يُسأل :
– ماجاتش النهاردة، أستاذ محفوظ بيقول اتكلمت واعتذرت وقدمت عارضة النهاردة.
استغرب (أدهم) غيابها والذي لم يعتده وشعر بقلق غريب يغزو قلبه، حاول أن يطفئ لهيبه لكنه لم يستطع، ولمح أخاه كل ذلك مرتسما بوضوح على وجهه، لم يحاول أن يسأله عما به فقد كان القلق يغزوه هو الآخر.
قال لأخيه بعد صمت :
– إن شاء الله خير، عموما لما تيجي هأكلمها في الموضوع وأشوف رأيها.
تطلع إليه (أدهم) في شرود ثم أومأ برأسه وهو يرد :
– أوك يا آدم، ابقي بلغني عشان نزود لها المرتب بما إنها هتبقى مديرة مكتبك.
أجاب (آدم) :
– تمام، هاروح أنا بقى اراجع أوراق المناقصة دي، عشان هتتبعت بعد يومين إن شاء الله.
أومأ أخاه برأسه مرة أخرى في حين اتجه هو عائدا لمكتبه.

error: