خارج أسوار القلب

الفصل الرابع عشر

************

عندما عاد (أدهم) لمكتبه حانقا، كان يشعر بتوتر لا مثيل له ولا يدري له سببا مما أثار غيظه أكثر، لمَ يغضب بسبب ماسمع في مكتب أخيه، وحتى عرض (آدم) للزواج من (جمانة) وإن كان جادا ما الذي يسيئه فيه ؟ فما بالك به يمزح ! قرر أن يدفن رأسه في أوراقه ويعمل ليشغل ذهنه، في الخارج كانت (سهام) تحادث (دينا) على هاتفها قائلة :
– تعالي بس معلش شوية، في صورة هنا نسيتيها من المرة الي فاتت من بتوع الحفلة تعالي خديها .. لا لا صورة من بتوعك مع الباشمهندس أدهم .. ايه يابنتي بتصرخي كده ليه ؟ .. طيب طيب تعالي مستنياكي.
أغلقت الخط ومالت تفتح الدرج الذي تركت فيه الصورة، أخرجتها ووضعتها مقلوبة أمامها على المكتب لتعطيها إياها عند مجيئها، ارتفع بعدها رنين الهاتف الداخلي فالتقطت سماعته في آلية وهي ترد :
– أيوة يا باشمهندس ؟
جاءها صوته صارما :
– هاتي لي ملف شركة النيل بسرعة.
أجابت :
– حاضر يافندم، دقيقة واحدة.
وضعت السماعة وانحنت تبحث عن الملف على المكتب حتى وجدته فالتقطته بسرعة وهي تتجه لمكتب (أدهم) لكنه انفلت من يدها بسبب العجلة وتناثرت بضع وريقات منه، جمعتها سريعا ووضعتها بداخل الملف ثم اتجهت للمكتب، طرقت الباب برفق ودخلت لتناوله لـ (أدهم) الغاضب فتناوله منها بنوع من العنف أخافها ولم ينطق، تراجعت بسرعة عائدة لمكتبها في انتظار مجيء (دينا) ، دلفت (دينا) للمكان متعجلة وهتفت فور دخولها :
– فين الصورة يا سهام ؟
مالت (سهام) تلتقط الصورة من فوق مكتبها قائلة :
– أهي !!
أصابتها الدهشة وهي تبحث عنها ولم تجدها في حين توترت (دينا) للغاية وكادت تصرخ وهي تسألها :
– هي فين يا سهام ؟
شعرت (سهام) بالحيرة وهي تجيب مستمرةً في البحث :
– كانت هنا لسه مطلعاها من الدرج حالا بعد ماكلمتك، راحت فين دي ؟
حاولت (دينا) مشاركتها البحث وتساءلت ثانية وتوترها في ازدياد :
– آخر مرة كانت فين ؟
أشارت (سهام) لمكتبها وردت :
– هنا.
قبل أن تسأل (دينا) المزيد من الأسئلة ارتفع رنين الهاتف فالتقطته وقبل أن ترد أتاها صوت (أدهم) صارخا في غضب شديد :
– ابعتي لي الآنسة دينا مصطفى حالا.
سقط قلبها بين قدميها وهي تتطلع لـ (دينا) التي وصلتها صرخته من خلف باب مكتبه فاتسعت عيناها في ذعر، وقالت :
– إنت اديتهاله ؟
هزت (سهام) رأسها نفيا بعنف وأجابت :
– لا طبعا دي حاجة تخصكم انا مستحيل اديهاله، ياربي شكلها اتحطت بالغلط في الملف اللي دخلته له من شوية، أنا آسفة يا دينا عارفة إنك كنت عاوزة توريهم له بنفسك.
لم تدر (دينا) بما تجيبها هل تنكر وتصرخ فيها فتفهم اللعبة أم تصمت وتتلقى اللوم من (أدهم)، قررت الصمت وهي تتجه لمكتب (أدهم) في تردد، طرقت الباب في خفوت فأتاها صوته الغاضب آمرا بالدخول، فتحت الباب وأطلت منه فرفع عينيه إليها وقال في غضب شديد :
– اتفضلي يا آنسة دينا.
دخلت في خوف فوقف بعنف خلف مكتبه مما جعلها تتراجع بسرعة لكنه رمى الصورة في وجهها وهو يهتف في صرامة شديدة :
– ممكن أفهم ايه دي ؟
قالت بارتباك :
– هاشرح لك يا أدهم.
صرخ :
– اشرحي، فهميني وإلا قسما بالله لا أكون جرك من شعرك قدام الناس لحد ماأرميكِ قدام أبوكِ عشان يشوف القذارة اللي انت عاملاها دي يابنت العائلات المحترمة.
شعرت بالخوف الشديد، لما هو بهذا الشكل ومنذ متى وهو همجي قاس هكذا؟ كان غضبه يبدو مضاعفا زائدا عن الحد، ازدردت ريقها في صعوبة وقالت بصوت خفيض :
– أدهم إنت عارف إني بحبك، وانت مش بتشجعني أبدا، اعتبرني مراهقة وغلطت، نفسها في حاجة تجمع بينها وبين اللي تحبه وبتنام تحلم بيه ليل ونهار، مجرد حاجة أطبطب بيها على قلبي.
عقد حاجبيه في غضب واقترب منها حتى وقف أمامها تماما وظهرها للحائط ثم قال في صرامة شديدة :
– حب؟ انت بتضحكي على مين يادينا ؟ حب ايه ده ؟ بصي كويس للصورة ؟ القرف اللي فيها ده مش حب، ده حرام، حاجة تغضب ربنا وبس، جبتي واحد وفضلتي تتلزقي فيه طول الحفلة والله أعلم عملتوا ايه مع بعض تاني وفي الاخر تحطي صورتي بداله ؟ ايه القرف اللي انت فيه ده؟ مش مكسوفة من نفسك بالله عليكي ؟ طب حتى احترمي أهلك ووالدك الراجل المحترم وسمعته بين الناس، لبسك زبالة وأخلاقك زبالة وتصرفاتك طايشة ومالكيش لجام وجاية تكلميني عن الحب؟
تراجع للخلف ووقف أمام مكتبه وأكمل بحزم دون أن يعطيها فرصة للرد :
– اتفضلي على مكتبك تكتبي استقالتك وتكون عندي في ظرف خمس دقايق وياريت مااشوفش وشك تاني لأن هيكون لي معاكي تصرف مش هيعجبك.
أخيرا نطقت وهي تهتف في خوف :
– أدهم إنت بتقول ايه؟ أنا اعتذرت لك، ليه بتعمل كده ؟
التفت إليها صارخا :
– قلت استقالتك تكون قدامي في ظرف خمس دقايق، اتفضلي.
ازداد خوفها فانطلقت خارجة من المكان، بكت وشعرت بالغضب والغيظ والحقد يغلي بداخلها وأقسمت ألا ينتهي الأمر بسلام أبدا.
بعد خروجها علا صوت (أدهم) الغاضب صارخا عبر الباب المفتوح :
– آنسة (سهام) تعالي هنا.
توترت (سهام) بشدة واتجهت إليه بخطى مترددة حتى رآها فهتف فيها غاضبا :
– ممكن أعرف الصورة القذرة دي جت في الملف إزاي ؟
ارتبكت (سهام) وترددت فصاح :
– ردي عليَّ.
قالت بخفوت :
– دينا كانت بتفرجنا على صور الحفلة وكانت مصممة نشوفها، دول كانوا في وسطهم وشفناهم غصب عنا، دي وقعت منها كنت لسه هارجعها لها لما حضرتك طلبت الملف واتحطت فيه بالغلط .
عقد حاجبيه بشدة وتساءل :
– بتفرجكوا مين ؟ ودول ايه هما كم صورة ؟
ردت بتردد :
– أنا وجمانة، ومااعرفش كم صورة بس احنا شفنا تلاتة وفيديو.
اتسعت عيناه وبدا غضبه شيطانيا، صرخ بانفعال مفرغا كل الغضب المحبوس بداخله في وجهها :
– جمانة ؟ كمان ؟ وفيديو ؟ كان فيه ايه ؟
خفضت عينيها في خجل فكون صورة في ذهنه عن محتواه مما جعل غضبه يشتعل أكثر، ثم قال في صرامة مخيفة :
– تاني مرة يا آنسة سهام لما أي حد يعرض عليكي الكلام في أي موضوع شخصي ترفضي، هنا مكان عمل مش نادي، ولما تشوفي حاجة ممكن تضر مديرك تبلغيه بيها فورا مش تحتفظي بالصور عشان ترجعيها لاصحابها.
تلجلجت وقالت مدافعة :
– يافندم الصور فيها موضوع شخصي وحاجات مستحيل كنت اقدر اتكلم فيها مع حضرتك، يعني حضرتك متخيل إني ممكن أجيب صورة زي دي وأديهالك واقولك اتفضل دي من دينا، مستحيل طبعا.
حدق فيها بدهشة كأنه يراها لأول مرة، انتبه لحمرة الخجل التي تغلف وجنتيها وعلم أنها على حق فقال بحزم وإن كان قد هدأ بعض الشيء :
– خلاص يا آنسة سهام، اتفضلي إنت وموضوع زي ده مايتكررش تاني.
أومأت (سهام) برأسها ثم التفتت لتخرج من المكتب بسرعة وقبل أن تصل للباب وجدت (آدم) يظهر أمامها هاتفا :
– خير يا أدهم صوتك جايب آخر الممر ليه كده ؟
تطلع إليه (أدهم) بنظرة غاضبة، وتساءل بداخله : أهذا وقت مناسب لتظهر فيه يا أخي العزيز ؟ لم يرد على سؤاله والتفت يتطلع للخارج من النافذة الضخمة في مكتبه وهو يزفر في حنق شديد، اقترب منه (آدم) وربت على كتفه في رفق وسأله مرة أخرى بهدوء :
– مالك يابني ؟ زعلان ليه ؟ ايه اللي حصل ؟
زفر (أدهم) مرة أخرى والتفت لأخيه هاتفا في غضب :
– الآنسة دينا، عملت عملة مهببة.
تساءل أخيه :
– خير ؟ عملت ايه المصيبة دي ؟
التفت يتطلع للصورة الملقاة أرضا ثم أشار إليها في صمت، نظر أخيه في اتجاه إشارته ليجد الصورة، اقترب منها ثم التقطها وهو يتطلع إليها في صدمة هاتفا :
– ايه ده ؟ ايه اللي انت عامله معاها ده يا أدهم ؟ وايه اللبس الزبالة ده ؟
اغتاظ (أدهم) أكثر وهو يرد :
– بأقولك ايه أنا مش ناقص، بالعقل كده تفتكر إني ممكن أعمل حاجة زي دي؟ الهانم في حفلة باباها من كم يوم جابت واحد صاحبها وفضلت ترقص معاه بطريقة زفت وفي الآخر حطت صورتي بداله، والمصيبة الأكبر إنها جت هنا عشان تخلي سهام وجمانة يشوفوها.
اندهش (آدم) وتساءل :
– جمانة ؟ واشمعنى جمانة وايه اللي خلاها تشوفها أصلا ؟
(أدهم) بعصبية :
– أنا عارف بقى، أنا هاتجنن أصلا وكان نفسي أخنقها بايدي.
فكر (آدم) بهدوء لثوان، ثم قال :
– طيب سهام وسكرتيرتك وطبيعي تكون في مكتبك هنا، إنما ايه جمع بينها وبين جمانة في وقت الصور ده بالذات.
هز (أدهم) كتفيه وأجاب :
– يمكن صدفة.
رفع (آدم) حاجبيه في سخرية وهو يرد :
– صدفة مين يابني؟ أكيد الموضوع فيه إن، بس هي إيه مش عارف، غالبا الموضوع ده من كم يوم لما كنا هنقعد ننتاقش في التعديلات على ملف المناقصة، لما جيت لقيت جمانة مع سهام ودينا ولما شافتني ادتني الملف وهربت من قدامي بسرعة.
قال (أدهم) بغيظ :
– هربت ؟ المهم إن شكلي بقى زي الزفت قدام سهام وجمانة وطلعت واحد سافل ماعندوش أخلاق والله أعلم قالت لهم ايه تاني عننا، الموقف اتصلح مع سهام إنما جمانة هاقولها ايه؟
تظاهر (آدم) بعدم الفهم وهو يسأل :
– وتقولها ليه أصلا، يفرق ايه تعرف حاجة عن حياتك الشخصية أو ماتعرفش؟
أدار (أدهم) وجهه للنافذة مرة أخرى وهو يقول :
– ولا حاجة بس مااحبش صورتي تبقى بالشكل ده قدام أي حد.
تطلع إليه (آدم) في صمت وهو يستشف شيئا من كلام أخيه لكنه أراد التأكد منه ولم يدرِ كيف؟ فصمت، أما (أدهم) فعاد يلتفت إليه مرة وتساءل متظاهرا بعدم الاهتمام :
– عاملة ايه معاك جمانة في المكتب ؟
أجاب باقتضاب محاولا استفزازه :
– هايلة .
شعر بالغيظ يكتنفه مرة أخرى فأدار وجهه للنافذة مجددا وهو يزفر في حنق جعل الابتسامة تعلو شفتي أخيه، لكنه عاد يسأل دون أن يلتفت إليه :
– بتساعدك زي ماكنت متوقع ولا ايه ؟
أراد (آدم) استفزازه أكثر فكسى لهجته بصبغة حالمة وقال ممتدحا :
– بأقولك هايلة، من كل الجوانب، انسانة ممتازة.
التفت (أدهم) يحدق فيه بدهشة ممتزجة بالغضب والذي بدا واضحا على ملامحه كما توقع (آدم) فأكمل برومانسية :
– مش عارف حاسس إني خلاص ماعدتش أقدر أستغنى عنها.
اتسعت عينا (أدهم) وتساءل في قلق :
– قصدك ايه ؟
أجاب (آدم) وهو يهز كتفيه ببساطة :
– بافكر أعرض عليها الجواز.
تراجع (أدهم) للخلف بعنف، فارق كبير بين المزح والجد، هنا (آدم) لا يمزح إنه بالفعل يريد الزواج منها ؟ خفض عينيه في ألم وسأله بخفوت :
– بتحبها ؟
شعر (آدم) بما يعتمل في صدر أخيه فخفف عنه قليلا وهو يجيب :
– مش لازم يكون حب زي حب الرجل للست العادي، بس هي فعلا انسانة كويسة جدا.
عاد الأمل يتردد في صدر (أدهم) مما جعله يسأل مرة أخرى :
– بس كده ؟ مفيش حب ؟ وهتعيش معاها إزاي ؟
هز كتفيه وهو يرد :
– عادي زي ناس كتير والحب ييجي بعدين.
التفت للنافذة مرة أخرى مفكرا في صمت استفز (آدم) فاقترب منه وأدار وجهه إليه وهو يقول بلهجة مازحة :
– يابني اعترف وريح دماغك بدل القلق ده .
تساءل (أدهم) بدهشة :
– أعترف بايه ؟
رفع (آدم) حاجبيه ونظر إليه في صمت جعله يخفض عينيه أرضا ويقول في خفوت :
– كبر دماغك يا آدم مفيش حاجة من اللي فيها دي حصلت.
(آدم) بهدوء :
– بجد ؟
صمت (أدهم)، هل يرد كاذبا أم ينفي ماقاله للتو ؟ شعر بالحيرة فصمت، مما جعل أخاه يتطلع إليه في حنان شاعرا بحيرته، ثم قال :
– لو بتحبها انطق لأنها محتاجاك جنبها.
رفع (أدهم) عينيه لأخيه في دهشة من صراحته ولم يستطع الكلام فجذبه (آدم) من يده وهو يستطرد :
– تعالى نقعد وأحكيلك المشكلة اللي فيها والحل اللي اقترحته واللي عارف إنه هيعجبك.
ثم قص عليه الأمر باختصار شارحا فكرته، بعدها فكر (أدهم) لدقيقة وهو يشبك أصابعه أمام وجهه ثم قال :
– فكرتك غريبة يا آدم، تفتكر ممكن تنجح.
أكد عليه قائلا :
– أكيد.
سأل مرة أخرى :
– وايه اللي خلى فكرة عجيبة زي دي تيجي في بالك ؟
مط شفتيه وهو يجيب :
– مش عارف، بس حسيتها مناسبة وهتحل المشكلة، ها قلت ايه ؟
(أدهم) بشرود :
– قلت ايه في ايه ؟
نهض (آدم) من مكانه وقال :
– بقى كده، طيب مع نفسك بقى، أنا راجع مكتبي لجمانة.
نظر إليه في غيظ فبادله النظرة بأخرى عابثة جعلته يلف وجهه ثم ابتعد هو في صمت.
********
جلس (أدهم) في مكتبه يفكر في شرود، لم يدر كيف خمن أخيه ماقاله، هل يبدو عليه الحب ؟ هل يحبها فعلا ؟ أي نوع من الحب هذا الذي يجعله يسعد باستفزازها وإغضابها ؟ أي حب الذي لا يشعر به إلا عندما ينبهه أحدهم إليه ؟ وتلك الفكرة التي اقترحها (آدم)، فكرة مجنونة جعلت أخرى أكثر جنونا تقفز إلى عقله لتثيره أكثر وتجبره على تنفيذها ، قطع شروده رنين هاتف المكتب المتصل بالاستقبال فنظر إليه في دهشة ثم رفع سماعته مجيبا :
– أيوة يا حسن خير ؟
أتاه صوت موظف الاستقبال قائلا في عجلة :
– أيوة يافندم، في واحد هنا مصمم يدخل الشركة بأي شكل ومتعصب جدا، عاوز يطلع الحسابات عشان يقابل أستاذة جمانة أبو الفتوح.
يا إلهي ! ألن ينتهي هذا الأمر ؟ هكذا فكر (أدهم) ، كل دقيقة يحدث شئ يتعلق بها حتى كاد يفقد صوابه، طال صمته فأتاه صوت (حسن) مرة أخرى متسائلا :
– يافندم! أعمل ايه أطلعه ؟
أفاق من شروده على السؤال الذي استفزه أكثر فرد في عصبية :
– تطلعه فين ياحسن ؟ هو نادي ؟ عاوز ايه ده كمان ؟
رد (حسن) بلا اهتمام :
– مش عارف يافندم.
هنا علا صوت غاضب بجواره يهتف :
– انتو بتستهبلوا، بأقولكم عاوز أقابلها هو في ايه ؟ داخل منطقة عسكرية أنا هنا يعني ؟
عقد (أدهم) حاجبيه في غضب بعدما سمع تلك الجملة وقال :
– طلعه على مكتبي ياحسن أما نشوف آخرتها.
ثم أغلق الخط وهتف في حنق :
– ده ايه البلاوي دي ياربي ؟
بعد دقائق لم تطول طُرِق باب مكتبه، فقال في حزم :
– ادخل.
دلف للمكان شاب متوسط الطول خبيث النظرات، بدا كأنه لم ينم منذ فترة شديد العصبية والغضب وبصحبته أحد أفراد أمن الشركة، سأله (أدهم) بهدوء :
– مين حضرتك ؟
أجاب الشاب في عصبية :
– أنا دكتور هشام عبدالله، كنت مدير صيدلية جوز جمانة.
شعر (أدهم) بغضبه يزداد من طريقة حديث الرجل وذكره لاسمها مجردا هكذا فسأله :
– طيب وعاوز ايه حضرتك ؟ دي شركة ومكان عمل وبس مش كافيه تتقابلوا فيه .
علا صوت (هشام) وهو يقول في عصبية :
– ما أنا مش عارف أوصلها، الهانم بتستهبل، بعد ماشلت الصيدلية على كتافي وتعبت فيها وكبرتها جابت واحد ركبته علي ودلدل رجليه وفي الآخر ألشوني منها هما الاتنين عشان يفضى لهم الجو مع بعض.
تماسك (أدهم) قدر استطاعته وضم قبضتيه بقوة أسفل المكتب، كان يريد الانقضاض عليه وتحطيم أسنانه بسبب ماقاله والطريقة التي قاله بها، وبسبب ما لمح إليه، بالتأكيد يقصد (حسام) الذي صدم ابنتها بسيارته ثم ملكته مالها بعدها تلك المجنونة، انتابه الغضب أكثر لأنه شعر بالغيرة تجتاح قلبه وتشعل فيه نيرانها لكنه اكتفى بأن يهتف به في غضب :
– أيه الكلام الزبالة ده ياحضرت، مش عيب دكتور محترم يتكلم بالطريقة دي على واحدة ست في غيابها، عاوز تتفاهم معاها يبقى بعيد عن الشركة وبمنظرك ده يفضل ماتقربش منها أحسنلك.
ثم أشار لرجل الأمن هاتفا في حزم غاضب :
– طلعوه بره الشركة وممنوع بعد كده حد يدخل وخصوصا البني آدم ده.
ظهرت شرارة الغضب والشر في عيني (هشام) ثم صاح بصوت عال :
– آآآه ، قول كده بقى ؟ الهانم دايرة على حل شعرها وموقعة الرجالة في دباديبها، بتطردني عشانها بدل ماتجيبلي حقي منها، ماشية معاك إنت كمان ؟
لم يشعر (أدهم) بنفسه إلا وهو ينقض عليه ويكيل له لكمة عنيفة في فكه أسقطته أرضا والدماء تنزف من فمه بغزارة ثم انحنى يقبض بعنف على ياقة قميصه وقال في صرامة شديدة وهو ينظر في عينيه :
– الحيوان الزبالة اللي زيك مايستاهلش غير كده، واللي بتتكلم عليها دي أشرف منك ومن كل اللي تعرفهم مليون مرة، وقسما بالله لو اتعرضت لها لا تكون فيها نهايتك ؟ فاهم ؟
قالها وهو يحدق في عينيه بصرامة وغضب شديدين أثار الرعب في أوصاله واستشعره (أدهم) فشعر بالتقزز منه، ألقاه أرضا بعنف وهتف في رجل الأمن :
– طلعوا الزبالة ده بره.
أمسكه رجل الأمن بقوة وهو يصرخ في عصبية محاولا الإفلات منه حين دنا منهما رجل أمن آخر لمساعدة زميله وقاما بجره جرا خارج الشركة وهو يصرخ ويتوعد، كانت (دينا) واقفة قرب بوابة الشركة بعد أن كتبت استقالتها وأرسلتها لمكتب (أدهم) في طريقها للمغادرة مهزومة مدحورة، وقفت تتابع ما يحدث في اهتمام ولفت نظرها صراخه باسم (جمانة)، شعرت أن القدر قد ألقى في طريقها بالحبل الذي ستلفه حول عنق (جمانة) حتى يخرج آخر نفس في صدرها، انتظرت حتى أخرجوه من الشركة تماما ثم تبعته بسرعة، لاحظت أنه يتأوه ويمسك بمنديل يمسح به الدماء من فمه، ابتعدا قليلا عن الشركة وما إن اقترب من سيارته حتى نادته هاتفة بأرق نبرة استطاعت أن تضفيها على صوتها :
– يا أستاذ لو سمحت.
التفت لصاحبة الصوت بعينين ناريتين وما إن رآها بملابسها الفاضحة وجمالها الواضح حتى تبدلت ملامحه وتدلى فكه السفلي في انبهار واشتهاء واضح أثار غرورها فاقتربت منه قائلة في هدوء وهي تمد يدها إليه :
– أنا دينا باشتغل مع جمانة في الشركة.
تطلع إلى يدها الممدودة لحظة ثم تناولها في لهفة وهو يهتف :
– أهلا وسهلا.
تركت يدها في يده عمدا وهي تراقب تأثير ذلك عليه ثم قالت في نعومة :
– ماعرفتنيش بنفسك طيب ؟
رد مرتبكا وهو يرفع عينيه إليها :
– ها .. آه .. اسمي هشام، دكتور صيدلي.
قالت في دلال :
– طيب يادكتور هشام تسمح لي أعزمك على الغدا ونتكلم شوية في موضوعك مع جمانة وتشرح لي اللي حصل يمكن أقدر أساعدك.
كان شَرِهاً للغاية، شرها لها ولأنوثتها الطاغية ولفكرة أن تدفع هي ثمن طعامه فوافق على الفور واتجها إلى سيارتها الفخمة فتطلع إليها في بلاهة ممتزجة بجشع ونهم مما جعلها تدرك أنها بالفعل أمسكت بطرف الخيط الذي ستشده حتى يخنق غريمتها .

error: