خارج أسوار القلب

الفصل الخامس والعشرون

*****************

في الموعد المحدد ارتدت (دينا) ملابسها وكما هي عادتها حرصت أن تكون جميلة، ودعت والدتها وقادت سيارتها للعنوان المنشود، لم ترق لها المنطقة كثيرا فهبطت من سيارتها وهي تتطلع إليها بنوع من الاشمئزاز، تطلعت للxxxx الذي يفترض بها الصعود إليه ولم تلحظ نظرات البعض من حولها لها ولسيارتها الفارهة، صعدت للطابق الثاني واتجهت للشقة الوحيدة به ثم ضغطت زر الجرس لثانية، بعد لحظات فتح الباب ليظهر على عتبته (هشام) مبتسما ابتسامة واسعة مرحبة هاتفا:
– دينا هانم، أهلا أهلا، نورتي المنطقة ولو إنها مش قد المقام.
أفسح لها الطريق فدخلت وقالت وهو يغلق الباب خلفها :
– كويس إنك عارف إنها مش قد المقام ياهشام، ليه جبتني هنا كان ممكن نتقابل في أي مكان تاني ؟
ابتسم في دهاء وهو يقودها لأريكة في منتصف الردهة ويشير لها بالجلوس مجيبا :
– ما أنا قلت لك في التليفون، مش هينفع نتقابل برا، اللي هتساعدنا ماتحبش حد يشوفها مع الزباين بتوعها.
تأففت لحظة ثم عادت تهادنه وتسأل :
– ها ماقلتليش خطتك ؟ ناوي على إيه ؟ لاحظ إنهم اتجوزا خلاص فالخطة لازم تكون أقوى من أي حاجة فكرت فيها قبل كده .
احتفظ بابتسامته الخبيثة ورد :
– طبعا فاهم، إنت فاكراني بالعب، تشربي حاجة الأول.
كانت ابتسامتها ساخرة وهي تتطلع إليه متسائلة :
– حاجة زي ايه ؟
هز كتفيه وأجاب :
– معلش بقى إنت عارفة إني عازب يعني مفيش حاجة فريش، ياشاي يا عصير في العلبة .
ردت بقرف :
– أوك هاخد عصير، أي فلافر Flavor ماتفرقش.
ابتسم وغمغم :
– تمام .
ثم اتجه لمطبخ منزله وعاد بعلبتي عصير باردتين ناولها إحداهما وجلس أمامها على أحد الكراسي، قال باهتمام :
– نتكلم بقى في الجد .
بدأت ترشف من علبتها بأناقة وهي تتطلع إليه قائلة :
– أوك، قولي ناوي على ايه ؟
ابتسم في خبث وهو يرد :
– خطة ماتخرش الماية، هتخليه يديها بالجزمة ويطردها زي الكلاب وكمان هي نفسها يمكن تنتحر بعدها وتدفن عارها معاها.
برقت عيناها في جشع وهتفت في لهفة :
– خطة ايه ؟ قول بسرعة .
نظر لعلبة العصير في يدها ثم قال :
– هاصورها معايا ع الهوا وابعت له الفيديو .
تراجعت في مقعدها في صدمة، لم تفهم شيئا فسألته :
– إزاي ده بقى ؟ إنت فاكر إنك ممكن تعمل معاها حاجة من دي ؟.
رد بدهاء :
– من ناحية ممكن فهو ممكن وجدا كمان، استدرجيها بس هنا وسيبي الباقي عليا ،
ظهرت عصبيتها وهتفت فيه في حنق :
– هشام هات اللي عندك مرة واحدة .
قهقه وعاد ينظر إليها ويقول في خبث شديد :
– عادي، هاجيبها هنا بأي سبب حتى لو كذب، علبة عصير زي اللي في ايدك دي، تتخدر وتبقى تحت أمري .
نظرت لعلبة العصير في يدها بقلق ثم تركتها على المائدة فضحك بسخرية أثارت استياءها فعادت تهتف :
– وهو إنت لما تصورها معاك متخدرة تبقى كده شوهت صورتها ؟
هز كتفيه وهو يشرح لها كمعلم يهدي تلاميذه درسا في الحياة :
– ومين قال إني هاصورها وهي متخدرة ؟ دي هتبقى معايا بمزاجها ومزاج عالي كمان.
ظل التساؤل يغيم على ملامحها فاستطرد بنفس الخبث :
– بسيطة أوي إنت ناسية اني صيدلي ولا ايه ؟
عادت تسأله وهي تشعر بالنعاس :
– طيب وهتجيبها هنا إزاي ؟
لاحظ ما يحدث لها فأجاب في سخرية :
– هاقولها إن عندي خطة ادمر عدوتها بيها، هتيجي زي القطة تتمسح فيا وهي مش عارفة ايه اللي هيجرى لها .
غلبها النعاس أكثر لكنها شعرت بالرعب وهي تهتف بصوت لا يكاد يسمع :
– إنت عملت ايه ؟
وقف أمامها فجأة وقال في سخرية :
– ما انا شرحت لك الخطة بالتفصيل، ايه عاوزاني اعيدها تاني ؟
بدأ جفنيها ينغلقان وهي تتنفس في صعوبة، في حين أكمل هو :
– الفرق بس إن البطلة مختلفة، هي هاسيبها لأهل جوزها اللي مات يقوموا معاها بالواجب، أما إنت فواجبك معايا أنا .
ظل صدى كلمته الأخيرة يتردد في أذنيها وهي تغيب عن الوعي، في حين يبدو هو أمامها كأنما يغلفه الضباب حتى لم تعد تشعر بشيء، حينها ابتسم كنمر جائع أمام فريسته التي انتقاها بعناية.
********
وصل الحاج (عبد الرحمن ) لمنزل (أدهم)، رحب به واتخذ كل منهم مجلسه، كانت (جمانة) تشعر بقلق وخوف لا حد لهما فجلست بجوار (أدهم) الذي لاحظ اضطرابها فربت على كفها برفق ليشعرها بالأمان، الغضب يبدو على الرجل وهي تعلم ما يمكن أن يفعلوه، أول من تكلم هو (أدهم) عندما قال في حزم :
– منورنا ياحاج، ياريت نتكلم في موضوعنا مباشرة من غير لف ودوران .
تطلع إليه الرجل بنوع من الغضب المكبوت، لكنه ابتسم في تزلف :
– ده نورك يا أدهم بيه، أني مبسوط إن اتعرفت عليك وبقيت من العيلة، صيتك وشغلك مسمع في السوق كله .
ابتسم (أدهم) في مجاملة واحتفظت (جمانة) بصمتها و هو يرد :
– ربنا يخليك ياحاج، إن شاء الله يكون وجودي في العيلة خير للكل.
تملقه الرجل :
– أكيد يا أدهم بيه، إنت وجودك في أي عيلة يشرفها .
احتفظ (أدهم) بابتسامته وهو يقول :
– شكرا يا حاج .
أخذ الرجل نفسا عميقا ثم قال بلهجة حازمة هذه المرة :
– نتكلم بقى في الجد ، ينفع يا أدهم بيه اللي حصل دِه ؟ هي دي الأصول بردك ؟ .
عقد (أدهم) حاجبيه في غضب من حديث الرجل لكنه تماسك و رد في هدوء :
– وهي الأصول برده يا حاج إني اهدد واحدة إني هاخد منها أرضها وأرض بنتها اليتيمة بالغصب عشان مفيش حد يقف جنبها ويدافع عن حقوقها ؟
فوجئ الرجل من كلام (أدهم) فقد كان يتوقع منه بعض المداهنة لكنه صدمه بوضوحه وصراحته، قال بطريقة هجومية :
– يعني إنت عارف من الأول وموافقها على عمايلها ؟.
ازداد غضب (أدهم) ولم يتمالك نفسه فانفعل هاتفا :
– ياحاج لاحظ إن اللي بتتكلم عليها دي مراتي ومااسمحش لحد يتكلم عنها بطريقة زي دي .
تراجع الرجل لوهلة لكنه عاد يصيح بعصبية :
– يا أدهم بيه اللي حصل دِه ما يرضيش حد، إحنا كان ممكن نتفاهم مش تروح تبيع أرضنا لحد غريب يشاركنا فيها عشان خايفة ناخدها، إحنا كان ممكن نشتريها وأني عرضت عليها تتجوز أخويا وكانت هتبقى في عينينا، إنما هي عايزة تقلبها خراب وتحطك إنت في وش المدفع .
شعر (أدهم) بغضبه يتأجج أكثر، تتزوج من أخيك ؟ هل جننت لتنطقها أمامي هكذا ؟ إنها امرأتي يارجل ! كان يتماسك بصعوبة، لقد كان (آدم) على حق، هذا الرجل يثير حنقه وغضبه لأقصى حد غير آبه بما قد يعود عليه من جراء ذلك، كانت لهجته صارمة وباردة للغاية عندما قال :
– أولا ياحاج أنا مش غريب، أنا جوزها، وهي حرة تبيع أرضها ماتبيعهاش دي حاجة ترجع لها، وأظن يا حاج مايصحش تروح لواحد تقوله أنا كنت هاجوز مراتك لأخويا عيب أوي، والمدفع اللي بتتكلم عليه أنا واقف قصاده أهو وريني هيعمل ايه ؟
لهجته أصابت الرجل بغضب شديد، هو أكبر منه سنا وعلى الرغم من ذلك يكاد يُجمِّد الدم في عروقه، هب واقفا وصاح :
– إنت الظاهر مش عارف بتتكلم مع مين ؟ خلي بالك يا أدهم بيه إحنا آه من الريف بس اللي ياخد مننا حاجة مش بتاعته ما بيلحقش يتهنى بيها .
تصاعد غضب (أدهم) وتفجرت به خلاياه فوقف في وجه الرجل غاضبا وقال بحدة :
– ده تهديد ده ياحاج ؟ بتهددني في بيتي ؟
شعرت (جمانة) بخوف شديد، بدا (أدهم) شديد الغضب والرجل عصبي للغاية وقدرت أن الأمر لن يمر بسلام، ارتعبت فجأة فقامت بسرعة تقف خلف زوجها وتمسك بذراعه كطفلة صغيرة تائهة، شعر بها وبقلقها فمد يده الأخرى يربت على كفها الممسكة بذراعه والحاج يعود ليهادنه :
– أني مش باهددك يا أدهم بيه حاشا لله، بس اللي إنت بتقوله دِه يِجِن .
تطلعت هي للرجل في دهشة، لقد تراجع في ثوان، أدارت وجهها تنظر لزوجها، هي متعلقة بذراعه وهو يمسك كفها بحنان على الرغم من غضبه المرتسم على وجهه، سرحت في خيالها فجأة معه، كيف لم تلحظ أنه بهذا الطول من قبل ؟، على الرغم من أنها ليست قصيرة فإن رأسها لا تكاد تتخطى كتفه بمسافة قليلة، وذراعه التي تمسك بها قوية وصلبة، نعم يمكنه أن يحميها، يمكنها أن تشعر بالأمان معه وأن يظللها بحبه، شعرت بقلبها ينبض له في صدرها، غضب عقلها ووضع حاجز ذكرياتها أمام عينيها لكن قلبها رفرف حوله وألقى نفسه بين كفيه، أفاقت على صوت الرجل يخاطبها بلهجة متخاذلة :
– هي دي آخرتها يا أم ملك ؟ ينفع اللي حاصل دِه ؟
قبل أن تنطق كان (أدهم) يقول بصرامته :
– أظن يا حاج أنا موجود وباتكلم معاك، يبقى أم ملك برا الموضوع ومادام لها راجل يبقى هو اللي توجه له كلامك .
تنهد الرجل ورد في استكانة :
– ماشي يا أدهم بيه، خلاص مادام ده اللي إنتم عايزينه إحنا هناخد أرضنا، أكيد ماتلزمكوش في حاجة .
التفت (أدهم) لـ (جمانة) وقال بنفس الحزم :
– ده قرار أم ملك يا حاج، يا تبيعها يا تحتفظ بيها .
نظرت إليه وتفاهم معها بعينيه، خفضت رأسها أرضا وظلت صامتة وهو يخاطب الرجل :
– خلاص ياحاج هنبيع، بس بشرط ، هنجيب خبير محايد يتمن الأرض وتتباع بتمن السوق، والحق ماحدش بيزعل منه، ولا إيه ياحاج ؟
تنهد الرجل في استسلام وقال :
– ماشي يا أدهم بيه اللي تقول عليه .
انتهى الأمر، واتفقوا على موعد مناسب لتقدير ثمن الأرض وإمضاء العقود، رحل الرجل محملا بخزي لا مثيل له، وهزيمة شعر بها ماحقة فوق رأسه، لكن لا يمكنه المخاطرة بأعماله مع رجل مثل (أدهم) له ثقله في السوق.
أغلق (أدهم) الباب وراء الحاج (عبد الرحمن) ثم التفت عائدا إليها، تطلعت إليه في صمت ، لم تجد كلمة تعبر عن مدى امتنانها له فاكتفت بأن تعبر نظراتها عنه، ابتسم لها وسألها بمرح :
– ها إيه رأيك ؟ مرعب مش كده ؟
ضحكت وتنهدت في ارتياح ثم ردت :
– جدا .
اقترب منها وهمس :
– بس إنت ماخفتيش مني ؟ إوعي ؟ إلا إنتِ .
خفضت عينيها في خجل وقالت بخفوت :
– بالعكس، كنت حاسة بالأمان أوي .
أطارت عبارتها صوابه، إنها تمدحني صراحةً، اقترب أكثر فلم تتحرك مبتعدة مما أثار دهشته، فزاد في اقترابه حتى أصبح أمامها مباشرة، لم يلمسها إنما أمرها :
– بصي لي .
كان خجلها يتضاعف لكن رغما عنها ومع لهجته الآمرة رفعت عينيها إليه ولمع فيهما شيء لم يفهمه، ابتسم لها فشعرت بقلبها يصرخ باسمه، “رباه ما الذي يحدث لي، وما تلك الابتسامة الآسرة ؟” اتسعت ابتسامته وهو يراها تتخبط في حيرتها، كل ما أراده في هذه اللحظة أن يفتك بها ويذيقها جحيم الأسابيع الثلاثة الماضية وكم الحرمان الذي شعر به خلالها، مد يديه إليها فلم تتحرك، كانت دهشته أكبر، تساءل : هل ستستسلم له ؟ أمسك كتفيها برفق وتطلع إلى عينيها لثوان، قرأت في عينيه الكثير، انحنى نحوها ببطء فأغمضت عينيها في انتظاره ………..
توقف فجأة ولم يقترب أكثر، ثم تراجع للخلف وظل ينظر إليها في تساؤل، فتحت عينيها لتجده يتطلع إليها في صمت، شعرت بالخجل وعنفت نفسها : ماذا فعلت ؟ كان هو غاضبا، نعم بل ويشتعل غضبا، “لقد تركت نفسها له تعبيرا عن امتنانها، كيف تجرؤ ؟” تركها بحركة مفاجئة أصابتها بالدوار ونوع من الشلل، كان قلبه ينتفض بعنف بين ضلوعه، كاد يعود إليها لكن كرامته أبت، حاول الكلام فلم يخرج منه صوت وقطع خباله الذي أوشك على الصراخ به رنين هاتفه، أفزعها الصوت فانتفضت، أما هو فتطلع إليه لحظة لم يرد فيها الرد، سيشعر أخيه بغضبه، نعم سيفعل، لكنه يريد أن يطفئ النيران المستعرة بداخله ويخفف لهيبها الذي يكاد يقتله، أجابه بمرح مفتعل :
– آدوم، في وقتك المناسب يا كبير …. ههههههه لا ماتفهنيش صح أرجوك ….. يابني خليك في حالك … ملوكة بتعمل ايه ؟ … يادي المصيبة يا دي العار جبت لي العار يا جو ؟ …. احنا ماعِنديناش بنتة تتصرمح مع الشباب اللي بعيون زُرج يا وِلد …. آدم احترم نفسك إنت عارف إني بأغير… أيوة الحريم بتوعي مالكش دعوة بيهم …. انجز يابني أنا جاي آخد بنتي من عندكم شباب ضايع صحيح وابنك الأمور ده قول له مالوش دعوة بيها البنت هتكمل تعليمها الأول وبعدين نفكر …. ههههههه طيب يا سيدي مسافة السكة .
أغلق الخط، ثم التفت إليها ليخبرها أنه سيذهب لإحضار (ملك) فوجدها تتطلع إليه بابتسامة، ذاب غضبه فجأة مع ابتسامتها فبادلها إياها، داعبته محاولة التخلص مما يعتريها من مشاعر متضاربة :
– الحريم بتوعك !!
ضحك ورد بلهجة صعيدية طريفة :
– إيوة، حريمنا ماتنكشفش على ردالة أبدا .
ضحكت هي الأخرى فأعادت له عذابات قلبه ثانيةً كأنها تأبى إلا أن تشعلها على الدوام، خفض عينيه أرضا في صمت، رؤيتها تلهب أعصابه وتطلق في جسده شرارات تصليه بنارها، قال بسرعة :
– هاروح أجيبها بقى أنا باغير زي ماقلت لك .
ثم انطلق هاربا من سجن هالتها التي تطوقه كلما كان في حضرتها، ابتسمت بعد خروجه وبدت منتشية، هل انقلبت الأدوار وبات هو المسكين ؟ نعم لقد شعرت بالنصر على الرغم من ابتعاده عنها وقتما كانت طوع بنانه، تنهدت وجلست في انتظار عودته لتمارس دور القط هذه المرة .
********
بدأت (دينا) تشعر بوعيها وإن كان ضبابيا بعض الشيء، حاولت فتح عينيها ببطء فأحست كأن ثقل يربط جفنيها سويا، قاومت أكثر وفتحتهما ببطء أكبر حتى استطاعت أن تنظر حولها، كانت في غرفة نوم غير مرتبة أشعرتها بالقرف، استجمعت ذكرياتها وركزت وعيها أكثر وهي تدير رأسها للجهة الأخرى فوجدته بجوارها ينظر إليها نظرة باردة جمدت الدماء في عروقها، حاولت الصراخ أو الكلام لكنها فوجئت بنفسها مكممة وبقوة، اتسعت عيناها في ذعر وحاولت الهرب لتكون المفاجأة الأكبر، أنها مقيدة إلى فراش وأطرافها متناثرة على أركانه الأربعة مانعة إياها من الحركة تماما، عادت ترجوه بعينيها لكن برودة نظرته قابلتها مرة أخرى، التقط من جواره ثمرة تفاح وسكين صغيرة وبدأ يأكلها أمامها في بطء وتلذذ ثم سألها :
– مش جعانة ؟ أنا باحب أحلي الأول.
بدأت دموعها في الانهمار بصمت وصوتها محبوس خلف كمامتها، فقام من جوارها ووقف أمامها قائلا في نشوة :
– شفتي ؟ قلت لك لما أحب آخد حاجة بآخدها، كان لازم تصدقي كده من الأول وتعملي لي ألف حساب.
ظلت تنهنه في صمت منكسر وهو يتطلع إليها في شماتة ويدور حول الفراش المقيدة إليه، من منضدة أمامها التقط حقيبة صغيرة فتحها وتطلع لمحتواها بعين خبيرة ثم انتقى منها شيئا ما يشبه الأمبول ومحقنا صغيرا، وقف أمامها وهي تتطلع إليه في رعب، بدأ يملأ المحقن بمحتوى الأمبول ثم التفت إليها وعلى شفتيه ابتسامة شيطانية قائلا :
– ده حاجة هتخليكي ريلاكس خالص، حاجة بتتاخد في جلسات العلاج النفسي، اسمه العلمي مايهمكيش المهم إنه هيعجبك أوي .
اتجه نحوها وهي لا زالت تتوسل إليه بدموعها وعينيها ثم حقنها بها وهي تحرك جسدها بعنف محاولة إبعاده عنها لكنه ثبتها بقوة، عاد لحقيبته مرة أخرى وأخرج منها قرصا أمسكه بين إصبعيه ورفعه أمام عينيه وهو يريها إياه قائلا :
– ده بقى أكيد إنت عارفاه، ماتقوليش ماجربتيهوش ؟ LSD ، آخر روقان بس أنا عاوزك مركزة معايا فمش هاديكي إلا النص بس، كفاية عليكي أوي نصها .
وعاد يتجه إليها ومن أسفل الكمامة الموضوعة بين أسنانها أفلت القرص ورفع ذقنها مجبرا إياها على بلعه، انتظر بجوارها قليلا، ثم وقف أمامها يتطلع إليها في صمت وتوحش ودموعها تنهمر حتى توقفت تماما، فجأة نظرت إليه واتسعت عيناها في صمت فابتسم في ظفر وقال :
– أيووووة كده، أهو ده الروقان، كده أفكك وأنا مطمن .
بدأت نبضات قلبها تزداد وحلقها يجف تلاها ارتفاع درجة حرارتها، انتظر لدقائق أخرى ثم شرع يفك قيودها ثم كمامتها وهي مستسلمة له تماما بل وتضحك في نوع من الهيستيريا، ابتسم لدى سماعه ضحكتها اللعوب واتجه صوب كاميرا فيديو صغيرة موضوعة فوق حامل ثلاثي إلى جانب الفراش، كانت الكاميرا تقوم بتصوير ماقام به فقام بنزع الذاكرة ووضعها جانبا ثم وضع ذاكرة أخرى بداخلها قائلا لها وهي لا تعي ما يفعله :
– تسجيل اللحظات اللي من النوع ده بينفع أوي، سلاح في إيدي أستخدمه وقت ما أحب ياقمر إنتِ وذكريات حلوة كمان.
أعاد تشغيل الكاميرا وبدء التسجيل ثم اتجه نحوها وهي تنظر إليه ولعينيه القاسيتين المتوحشتين بدون فهم .
********
عاد (أدهم) يحمل (ملك) نائمة على كتفه، فاستقبلته (جمانة) بتساؤل أجابه في خفوت :
– نامت وأنا جاي في الطريق.
أومأت برأسها في صمت في حين اتجه هو لغرفة الصغيرة ووضعها في فراشها برفق وأسدل الغطاء فوق جسدها الصغير ثم خرج من الغرفة وأغلق بابها خلفه بهدوء، عاد إليها في غرفة المعيشة فوجدها تتصفح إحدى الروايات بملل، جلس إلى جوارها فرفعت عينيها إليه وابتسمت متسائلة :
– عملت إيه هناك ؟
هز كتفيه وأجاب متصنعا الغضب :
– الهانم رحت لقيتها بتلعب مع جو ورايقة ع الآخر، الصنارة غمزت باين وشكلها هتتحبس في البيت مش هتخرج تاني، الواد ده أنا مش واثق فيه حاسس إنه بيضحك عليها وهو البنات بتجري وراه كده .
ضحكت (جمانة) فخلبت لبه، ثم تطلعت إليه بنظرة لم يفهمها و قالت :
– لا يا بابا ماتقولش كده، بنتك عاقلة وعارفة مصلحتها .
ابتسم فهاهي تجاريه، أسعدته كلمة “بابا” للغاية، استمر في تأدية الدور :
– لا مراية الحب عامية يا أم ملك، والواد مز تلاقيه غمز لها بعيونه الزرق دول البت اتعلقت في رقبته على طول .
قررت أن تهاجم فقالت بجرأة :
– مش فاهمة حاجة بنتك دي ياسي أدهم، هو في أحلى من العيون البني ؟
اختلطت في نظراته الدهشة بالاستغراب لكنه استمر للنهاية قائلا :
– مش كده يا عيون سي أدهم يا حلو إنت يا طعم، قال أزرق قال، مفيش أحلى من البني .
ثم حرك حاجبيه بطريقة أضحكتها، فقالت :
– ربنا مايحرمنا منهم يا أخويا، بني بني وماله .
صمت متطلعا إليها والحب يملأ ملامحه فبادلته نظراته بجرأة لم يعهدها فيها، تساءل ” ما الذي جرى لها ؟ لقد جنت حتما “، فجأة وقفت وسألته :
– ها يا سي أدهم تحب تتعشى إيه، عملالك شاورما إنما إيه لا تقولي مطاعم ولا جاهز بعد كده .
لم يقاوم أكثر فضحك بشدة وهي تتطلع إليه بابتسامة، قرر أن يكون أكثر جرأة فلن يملكها زمام الأمور أبدا، وقف أمامها فلم تتحرك من مكانها، اقترب أكثر وانحنى يهمس في أذنها بخفوت شديد :
– أنا مش عاوز شاورما، أنا هاتعشى حاجة تانية أحلى وألذ، ومش عشا بس، ده عشا وفطار وغدا كمان.
عاد الخجل يكتنفها من جديد وأنبت نفسها ” لست أهلا لمجاراتك سيدي “، أسرعت هاربة من أمامه وهو يقهقه بشدة شاعرا بالانتصار والظفر، قرر أنه لن يتركها فيكفي مافعلته به اليوم، ذهب خلفها للمطبخ ووقف خلفها أمام أحد الأركان فلم تستطع الحركة، لمسها برفق فشعرت بالتوتر يغزوها، وجدته يتشممها مرة أخرى فاستغربت تلك العادة منه، قال فجأة وأنفاسه تلفح عنقها :
– امممم ريحة العشا حلوة أوي، شكلها ليلة إنما إيه !.
ابتسمت في خفر ولم تقل شيئا اقترب منها أكثر وكاد يضمها لولا أن سمعا بكاء الصغيرة، عقد حاجبيه هذه المرة في حنق ” هذه الفتاة تقصده هو بالذات وتريد أن ترهق قلبه أكثر من أمها ” أطلق سراحها لتنطلق عائدة لصغيرتها، عادت بعد دقائق للمطبخ فلم تجده فاتجهت لغرفة نومها، وجدته هناك خارجا من الحمام للتو يجفف شعره المبتل بفوطة صغيرة وعندما نزعها من فوق رأسه تساقطت بعض الخصلات على جبهته، راودتها تلك الرغبة مجددا في أن تعيدها للخلف لكنها كعادتها لم تمتلك الجرأة لتقوم بها فظلت تتطلع إليه في صمت، التفت إليها وسألها :
– إيه العشا جاهز ؟
أفاقت من شرودها على صوته ثم تنحنحت في حرج و ردت :
– لا أنا لسه خارجة من عند ملك وجيت أشوفك نمت ولا إيه، هاروح أجهزه حالا.
وقبل أن تلتفت كان إلى جوارها يمسك بيدها ويهمس :
– بس أنا شايف إنه جاهز .
أطرقت برأسها عائدة لخِدْر خجلها مجددا، لم يهتم بل جذبها إليه فاستسلمت، ضمها إلى صدره برقة فاستكانت على دقات قلبه، لم يدري لما اجتاحه الغضب من جديد، توتر فجأة وارتبك، ” أأتراجع أم أتقدم ؟ أنا أريدك يا امرأتي عاشقة، لا أريد امتنانك ولا حتى بعض الشكر لي، أريد تملك ذلك القلب الصغير بين جنبيك، قبل أن أتملك جزءا آخر منك “، شعرت بتوتره لكنها لم تبالي، فهي ستهديه نفسها اليوم والآن لو أراد، فوجئت به يتراجع للخلف دفعة واحدة مما أشعرها بخواء بعد دفء جسده، ظل يتطلع إليها في صمت، ثم همس بسؤال :
– ليه ؟
لم تفهم فزوت ما بين حاجبيها في تساؤل أجابه بسرعة :
– ليه بتديني اللي منعتيه عني طول الفترة اللي فاتت فجأة كده ؟
ارتبكت ولم تجد ردا، لمَ يسأل ولمَ حقا يرفض؟ لم تفهم فعاد يقول :
– لو تعبير عن شكرك عشان موقف النهاردة مع عم ملك يبقى أكبر غلط بتعمليه .
نظرت إليه في دهشة، أهكذا يفكر ؟ كادت تصفه بالغباء لكنها أمسكت لسانها، أدارت وجهها للجهة المقابلة قائلة في حنق :
– إنت شايف إنه مكافأة وخلاص ؟ لو شايف كده ؟ تبقى ماتستحقوش .
ثم التفتت مغادرة الغرفة تاركة إياه يتخبط في جدران حيرته وقلقه، لاعنا تسرعه ورعونته، كان يمكنها الآن أن تكون بين ذراعيه، لكنه فقط أحمق غبي يعاني فوبيا حبها .

error: