خارج أسوار القلب

الفصل الثالث عشر

************

في نفس اليوم كانت (لمياء) قد قررت أن تقطع الشك باليقين وتنهي الأمر ستواجه زوجها وتحسم المعلق بينهما ليكف عذاب قلبها المرهق، استيقظت مبكرا و تناولت فطورها مع والدتها وشقيقتها وابنتها ثم سلمت عليهما عائدة لمنزلها، اليوم هو إجازة زوجها ولن تذهب لمكتبها لذلك ستعود للمنزل وتجده هناك بالتأكيد، وصلت للبيت ودلفت إليه بهدوء فوجدت حموها يتناول فطوره وحيدا على طاولة المطبخ، اقتربت منه وربتت على كتفه قائلة بحنان :
– صباح الخير يا بابا، انت عملت الفطار لنفسك ؟ كنت استناني شوية.
ابتسم الرجل في حب وأجاب :
– صباح الورد يا أستاذتنا، اقعدي افطري معايا بقى ودوقي البيض بتاعي.
بادلته ابتسامته وقالت :
– أكيد لذيذ، بالهنا والشفا يا بابا، هو أحمد لسه نايم ؟
أجاب :
– مااعتقدش، سمعت صوته من شوية بياخد شاور.
ابتسمت مرة أخرى ثم اتجهت لغرفتها، دخلت بهدوء فوجدته جالسا على الفراش يلف نفسه بمنشفة كبيرة ويجفف شعره بأخرى في يده، نظرت إليه وابتسمت، شعرت بالحنين إليه، بالشوق لصدره وتربيتة يده لتشعرها بالأمان، لم يكن الوقت مناسبا لتفيض مشاعرها نحوه فهي تريد إنهاء الأمر لذلك قطعت سيل أفكارها واتجهت إليه وهو يتطلع إليها مبتسما جلست بجواره وسألته :
– أحضرلك الفطار ؟
أجاب بنفس الابتسامة :
– لا هأفطر مع نسيم.
شعرت به يطعن قلبها في الصميم، كذبته، لم تصدق أنها سيتركها يوم أجازته ليقضي اليوم مع صديقه، بل سيقضيه مع الأخرى، فقالت في حزم :
– طيب معلش يا أحمد ياريت تلبس هدومك وتستنى شوية، عاوزاك في موضوع مهم، معلش مش هأخرك على صاحبك.
شعر بالقلق من لهجتها فتساءل وهو يحاول أن يمسك كفها :
– خير يا لميا ؟ هي جمانة كويسة ؟
أومأت برأسها أن نعم وقالت :
– الحمد لله، الموضوع اللي هأكلمك فيه يخصني أنا وإنت مش جمانة يا أحمد، ياريت بس تلبس وتستناني على ما أغسل وشي .
رد ببعض العصبية :
– خير يا لميا، هو نكد ع الصبح، ارحميني بقى مش كل ماتشوفي وشي تضربي البوز الخشب وتفتحي أي خناقة.
ثم قام من مكانه متجها للدولاب، فتحه بعنف وهو يهتف :
– أنا نازل، مش ناقص قرف حتى يوم الأجازة مافيهوش راحة.
وجدت أن عدوى العصبية قد انتقلت إليها وهي تقول :
– أحمد من فضلك، لا نكد ولا غيره، هو موضوع واحد وأخير هنتكلم فيه ونحط النقط ع الحروف وبعدها هترتاح.
نظر إليها بقلق فاتجهت للحمام وغسلت وجهها بالماء البارد الذي اختلط بدمعة سالت على وجنتها دون أن يراها أحد، عادت إليه لتجده يزرر قميصه فاتجهت للأريكة في ركن الغرفة وجلست عليها، أشارت إليه ليجلس بجوارها، كانت تريده قريبا تستشعر رائحة الندى على جسده، يلامسها دفئه ولو من بعيد، اتجه إليها وجلس بجوارها، الآن ستعلم من الكاذب، أخرجت هاتفها وفتحت الرسالة ومدت يدها به إليه وسألته :
– الموضوع اللي هنتكلم فيه يا أحمد أهم موضوع في حياتنا، هو الحاجة اللي بتجمع بيننا، مش هاقول أولاد أو انشغالك او انشغالي، لا هأقول الحب اللي متأكدة إني حبيتهولك، حبك لي مش عارفة هو موجود ولا لا، بس حبي موجود وبإيدك يعيش أو يموت.
نظر إليها ولم يفهم، شعر بالقلق وتساءل في داخله : ما الذي تقصده ؟ أما هي فبعد لحظة صمت استطردت :
– عاوزة إجابة صريحة يا أحمد وصدقني هأقدر أتعايش مع الموقف وأتقبله.
ثم رفعت الهاتف بالرسالة أمام عينيه وسألته :
– ممكن تقول لي إيه الرسالة دي ؟
لم يحاول التقاط الهاتف منها بل قرأها بعينيه سريعا وشعر بالبرودة تغزو أطرافه، توتر وهو يجيب :
– مااعرفش، ايه الكلام الفارغ ده؟
لم تعلق بل مدت يدها إليه وقالت :
– طيب ده كلام فارغ، ممكن موبايلك ثواني.
سأل بعصبية :
– عاوزاه ليه ؟
ردت بهدوء :
– أبدا، إنت بتقول الرسالة دي كلام فارغ، عاوزة تقولي الرسايل المقرفة اللي على موبايلك برده كلام فارغ ولا بجد ؟
اتسعت عيناه وازدادت عصبيته وهو يهتف :
– انت بتفتشي في موبايلي يا لميا؟ من امتى ؟ وانا نايم على وداني وفاكرك الاستاذة المحامية المتحضرة الواثقة من نفسها، طلعتي بتعملي زي الستات الجاهلة اللي بتفتش ورا أزواجها.
قابلت عصبيته ببرود شديد وقالت :
– ممكن الموبايل.
تطلع إليها لوهلة في دهشة، لما هي باردة هكذا؟ أين الحب والوله الذي كان يسكن ملامحها؟ أتراها تعلم بالفعل وتصدق؟ قال بعد تفكير :
– إنت عاوزة ايه يالميا ؟
ردت بهدوء :
– عاوزة نحط النقط ع الحروف، أعرف أنا بقيت فين في حياتك ؟ عاوزة القلق والألم والخوف اللي عايشة فيه ينتهي.
استنكر هاتفا :
– قلق وألم وخوف ؟ معايا يالميا ؟
لمعت في عينيها دمعة صامتة لم تشأ لها أن تظهر أمامه فيستشعر ضعفها وحبها لكنها أجابت :
– أيوة معاك يا أحمد، إنت شفت الرسالة بنفسك، وأنا شفت رسايل أقل وصف لها إنها قذرة على موبايلك، أهملتني وتقريبا عايشة أنا وباباك لوحدنا، ياشغل يا أصحاب ياالله أعلم ايه كمان ؟ ايه يخليني اصبر أو اقيدك، احنا اللي كان بيربط بينا خلاص، انقطع من عندك فمالوش داعي أفضل متمسكة بيه، الأفضل أسيبه عشان ع الاقل قلبي الموجوع يستريح شوية وانت تشوف حياتك ومستقبلك والولاد اللي نفسك فيهم مع اللي بعتتلي الرسالة.
شعر بالغضب فانتفض واقفا وهو يهتف بها في عصبية :
– انت أكيد اتجننتي يالميا، لمجرد إن حد بعت لك رسالة مالهاش لازمة تقومي تهاجميني بالشكل ده وتقولي لي نبعد وإنت قطعت وإنت عملت، كنت فاكرك أعقل من كده.
وقفت أمامه وردت بهدوء حازم :
– بلاش سياسة خدوهم بالصوت دي يا أحمد، إحنا الاتنين أعقل وأكبر من كده، بتنكر ليه؟ ماتقوليش لسه باقي عليَ، لو كنت باقي ماكنتش تخون، وماتقولش لا ماعملتش، انت حتى وانت بتنكر صوتك مهزوز وواضح في عينيك.
زم شفتيه وظهر الغضب جليا على وجهه وهو يضم قبضتيه بشدة، شعرت بالخوف فتراجعت خطوة للخلف، لكنه اقترب منها بسرعة وأمسك ذراعيها بعنف صارخا في وجهها :
– عاوزة ايه يالميا؟ عاوزة اعتراف ؟ عاوزة تسمعي مني بودانك إني باخونك واني باحب واحدة تانية ؟ طيب يالميا، انا فعلا باحب واحدة تانية ومش بس باحبها انا اتجوزتها وخدي دي كمان، هي حامل في الشهر الخامس، مبسوطة كده يا أستاذة يا كبيرة ؟
كال لها لكمات كلماته حرفا حرفا متتابعة حتى انهارت وتكسر قلبها فتاتا من الألم، ثم تركها مبتعدا يملؤه الغضب، لم تدر ماذا تفعل، هل كانت تتمنى أن ينكر ويصر على إنكاره، أن يرجوها، أن يبثها حبه ؟ أن يسخر حتى من أفكارها ومخاوفها ؟ ربما، لكن أن يلقي بقنابله تباعا في وجهها وبتلك القسوة هذا مالم تتوقعه، شعرت بقبضة قاسية تعتصر قلبها فينزف دموعه، صمتت تتطلع إليه وهو يلهث من شدة الغضب بعد تلك القنابل المدوية التي فجرها لسانه، وقبل أن تتمكن من منعها سالت دمعة حارقة من عينيها، لمحها هو فلان قلبه، اقترب منها لكنها تراجعت للخلف بسرعة وهي تمد يدها لتمسح دمعتها، تنهد وقال :
– ليه كده يالميا ؟ أنا ماطلبتش حاجة وحشة أو حرام؟ أنا نفسي أكون أب ومن حقي أكون أب، ماقلتش لأني مش عاوز أجرحك، وباقي عليكي حتى لو مش مصدقة، ابني هيبقى ابنك وتشوفيه وتربيه زي مامته بالظبط، مش عاوزك تسيبيني.
كان قلبها يبكي وهي تحاول التماسك، حاولت الكلام فخرج صوتها دامعا وهي ترد :
– أنا ماقلتش حرام يا أحمد، إنت خبيت عليَّ ماكنتش صريح، مااديتنيش حرية الاختيار، عاملتني بقلة اهتمام لمجرد إنك عاوزني أفضل معاك، ديكور، أكسسوار، المهم إني موجودة، بس للأسف زي ما إنت من حقك تدور وتسعى عشان تكون أب انا كمان من حقي أكون أم وأسعى لتحقيق الحق ده، كل الدكاترة قالوا إن مفيش حاجة فينا احنا الاتنين تمنع الحمل، لكن نصيبنا كده، إنت مارضيتش بنصيبك على الرغم من إني سكت وكل ده لأني بحبك، لكن مادام إنت دورت ع اللي ناقصك، أنا كمان من حقي أدور ع اللي ناقصني، وكمان بتقولي ابني هو ابنك، ليه هتاخده من مامته، هتكسر قلبها هي كمان زي ماكسرت قلبي، ابني يا أحمد هيكون ابني من دمي وكنت أتمنى إنه يكون من دمك، لكن ربنا ما أرادش وإنت ماصبرتش.
شعر بالتوتر وتساءل :
– قصدك ايه بالظبط يا لميا ؟
ردت في هدوء ظاهري :
– قصدي الطلاق يا أحمد، وهي كلمة محددة وواضحة مش هأجملها أو أختار غيرها، إحنا مالناش نصيب نكمل مع بعض، يبقى كل واحد يشوف حياته ويمشي في طريقه لوحده، واضح إن من الأول حياتنا كانت خطين متوازيين وبالخطأ حصل بينهم نقطة تقاطع لكن في النهاية كل خط بيرجع يمشي في مساره الطبيعي موازي للتاني وبعيد عنه.
توتر أكثر لكنه لم يجب، لم يكن يتوقع أن يأتي يوم وتطلب فيه زوجته الانفصال عنه، تلك التي كانت تذوب له عشقا وتتمنى رضاه في كل لحظة، تلك العملاقة القوية التي كانت أنثاه هو، والضعيفة دوما بين ذراعيه، هل يصدق؟ ها هي تقف أمامه الآن تتحداه وتطلب منه الفراق، لكن هل يوافق ؟ بل هل يمكنه ذلك ؟
طال صمته فحثته قائلة :
– ماتفكرش كتير يا أحمد، لميا بتاعة زمان ضاعت منك ومش هتعرف ترجعها، حياتنا مع بعض انتهت خلاص واللي كان بينا مات، وعمر اللي بيموت مابيرجع للحياة تاني.
نظر إليها لثوان أخرى ثم التقط سترته وارتداها، عاد ينظر إليها في المرآة وقال مخاطبا إياها عبرها :
– لميا أنا مش هاخد على كلامك دلوقتي، أنا خارج واقعدي مع نفسك وأنا كمان هاقعد مع نفسي، راجعيها في القرار اللي أخدتيه، وبلغيني بعدها.
ثم التفت إليها واقترب منها وهو يكمل :
– فكري في اللي بينا، ومش هاقول كان لأنه لسه موجود، وقفي عقلك شوية وخلي لميا الحنونة الأنثى اللي حبيتها هي اللي تقرر.
نظرت إليه في صمت، هكذا كان يفكر، يريدها أنثاه فقط، يقتلها ويحييها، يقربها منه ليسقيها خمر عشقه ثم يبعدها ليذيقها مرار بعده، وهي الضعيفة المستكينة المستسلمة لأمره، خرج وتركها فانتظرت للحظات ثم انهارت على أريكتها باكية ودموعها تروي قلبها المكسور.
********
بعدها بيومين تم الطلاق في هدوء، بكت (لمياء) ونزفت دموعها أنهارا، بكت كما لم تبك من قبل وكما لن تبكي بعد اليوم، ظنت أنها أقوى لكن بعد نطقه لكلمتي : أنت طالق؛ انهار بداخلها شيء ما جعل حمم دموعها تنصهر في قلبها وتحرق مقلتيها فوجنتيها ثم تستقر مبللة وسادتها، انتقلت لتقيم مع شقيقتها ووالدتها اللتين حزنتا كثيرا من أجلها، لم تكن والدتها تظن أنها عندما تركت الأمر بيديها سيصل لهذه المرحلة، لكنها لم تعاتبها أو تراجعها، فهي تعلم مدى تحمل ابنتها ومادام الأمر قد وصل لنهاية مسدودة فلابد أن ابنتها قد سعت قبلها كثيرا لتحول دونها، لكن قدر الله وما شاء فعل، في خلال اليومين أيضا عرض (آدم) على (جمانة) العمل الجديد في مكتبه فرحبت بالفكرة، واستقرت الأمور مرة أخرى حتى أتاها اتصال من أخي زوجها الحاج (عبدالرحمن) ليعرف قرارها النهائي، نسيت هي أو تناست الأمر، شعرت بالأمان مع كلام شقيقتها، لكنها عادت للقلق من جديد عندما أبلغته رفضها فهددها أن الأمر لن يمر بسلام أبدا، كانت تجلس شاردة واجمة في مكتبها ولم تسمع اتصال (آدم) بها حتى خرج من مكتبه ووقف أمامها ينادي باسمها وهي لا ترد، لم يدر ماذا يفعل فطرق على المكتب بقوة أفزعتها وهي تتطلع إليه في رهبة، نظر لها وقال مهدئا :
– ايه ايه ماتخافيش، مالك ياجمانة ؟ شكلك مش هنا ومرعوبة كده ليه؟
خرج صوتها مرتبكا قلقا وهي ترد :
– لا أبدا مفيش حاجة، شوية مشاكل خاصة.
نظر إليها وود أن يمتلك القدرة ليحل لها مشاكلها، كان يشعر نحوها بأبوة غريبة على الرغم من إعجابه بها كامرأة، حاول أن يشاركها مشاكلها ولكن بتردد خوفا من أن ترفض تدخله في حياتها الخاصة فجلس أمام مكتبها وتساءل بهدوء :
– خير، قولي لي يمكن أقدر أساعدك.
هزت رأسها نفيا مجيبة :
– ولا يهمك يا دكتور آدم، حاجة مالهاش حل، ربنا يحلها من عنده.
ابتسم وقال بود :
– طيب جربي يمكن تلاقي عندي حل، لو الموضوع مايضايقكيش أو خاص أوي.
علت شفتيها ابتسامة باهتة وهي تشكر له اهتمامه وقالت :
– هو مش خاص للدرجة، لكن مش عارفة نهايته ايه ولا ممكن يوصل لفين؟
نظرت إليه لتجده يبادلها النظر باهتمام حاثا إياها على الحديث، كانت شبه فاقدة الأمل خائفة مرتبكة فقررت أن تحكي له، أخذت نفسا عميقا وهي تستطرد :
– هأقول لحضرتك يمكن فعلا يكون عندك حل.
انطلقت تحكي له عن مشكلتها مع أهل زوجها الراحل وطلبهم الغريب ثم تهديدهم لها ومحاولة أخذ ابنتها منها بالقوة أو الاستيلاء على ميراثها بدون وجه حق، استمع لها باهتمام وهو يفند كل موقف حتى انتهت، وختمت حديثها قائلة :
– وغير ده كمان أختي اتطلقت من كم يوم، كأن الحزن مصمم يعشش في قلوبنا للأبد.
شعر بالأسى على حالها وأختها فقال مواسيا :
– لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أعلم الخير فين، يمكن طلاق أختك لأن ربنا شايل لها حاجة أحسن.
أومأت برأسها موافقة وهي تبتسم في حنان ثم ردت :
– ونعم بالله.
صمت مفكرا لدقيقتين او أكثر وهي تتطلع إليه في أمل عله يجد حلا لمشكلتها مع أهل زوجها، ثم انتعش الأمل في قلبها أكثر عندما هتف فجأة :
– عندي حل غير متوقع لموضوعك، بس مش واثق من موافقتك عليه.
تساءلت في أمل :
– حل ايه ؟
رد ببطء :
– الجواز.
تراجعت للخلف برهبة وتردد صدى كلمته في أذنيها بعنف، حدقت فيه بشدة وهو ينظر إليها صامتا حتى هتفت في استهجان شديد :
– جواز يادكتور ؟ هو ده الحل ؟ يعني أنا رفضت اخوهم عشان اتجوز واحد غيره ؟ ده لو سبنا مبدأ أصلا إني رافضة الجواز فأنا كده باسوأ سمعتي عندهم وباديهم فرصة أكبر ياخدوا بنتي مني.
ابتسم وقال بهدوء :
– طيب اسمعي تفاصيل الفكرة الأول.
هزت رأسها نفيا قائلة :
– بداية الفكرة مرفوضة هاسمع تفاصيلها ليه ؟
هز كتفيه وأجاب :
– يمكن تعجبك، كملي معايا للآخر.
عقدت حاجبيها في استغراب وأنصتت إليه في أثناء قدوم (أدهم) لأخيه، سمعهما يتحدثان فلم يقاوم فضوله للاستماع لحديثهما، انتحى جانبا وأمسك هاتفه كأنه يفعل به شيئا ما ويسمع مايقولان بوضوح، أما (آدم) فقال :
– شوفي ياستي، ليه طرحت فكرة الجواز، اولا هتكتبي الأرض باسم جوزك بيع وشرا مع طبعا ضمان لحقوقك، هو اللي هيبقى شريكهم ويتصرف معاهم وممكن يبيعها لهم بالسعر اللي تستحقه، ثانيا هيمنع تفكيرهم فيكي من ناحية الجواز نهائي، ثالثا جوزك هيعتبر حماية ليكي ولملك من أي تهديد وهو اللي هيتصدى لهم ويمنعهم، رابعا لما تهدأ الأمور وكل واحد ياخد حقه تقدري تاخدي أرضك تاني او لو اتباعت تاخدي تمنها، المهم تختاري انسان أمين وقوي بما فيه الكفاية عشان يسوي المسألة.
هزت رأسها نافية بعنف وردت :
– يادكتور كلامك مش منطقي، مجرد جوازي هيديهم سبب ينفذوا تهديدهم وياخدوا ملك والمحكمة ممكن تحكم لهم لأني اتجوزت وبنتي تضيع مني ده غير إن العرسان مش واقفين ع الباب مستنين الاشارة وهاختار منهم الأمين القوي اللي هيحافظ لي على أملاكي.
ابتسم وأجاب :
– موضوع المحكمة ده تنسيه، القانون بيدي حق الحضانة في حالة زواج الأم لأمها هي وبعدها أم الزوج، يعني دورهم متأخر أوي في القايمة، وكمان السبب اللي هما عاوزين ياخدوا بنتك عشانه خلاص هيكون مفيش لأن الأرض باسم جوزك ومش هيقدروا يعملوا حاجة إلا بالقانون عشان أرضهم ترجع لهم، والعريس سهل إنت انسانة تستاهلي كل خير وكتير يتمنوكِ.
تراجعت في مقعدها تفكر، أهذا ممكن بالفعل لكن أمرا ما قفز لذهنها فجأة فقالت :
– طيب ماهي مامة حسام الله يرحمه ممكن تاخد مني ملك، أنا وعدتها إن مستحيل حد تاني يدخل حياتي بعد حسام.
حملق فيها بدهشة وهتف :
– وعدتيها بإيه ؟؟ ده اللي هو إزاي يعني ؟
تنهدت وقلبت كفيها في قلة حيلة فاستطرد :
– والله ياجمانة ماانا عارف اقولك ايه، الحقيقة يعني ده تصرف طايش جدا، ووعد زي ده ماينفعش من الأساس لأنه فوق طاقة أي حد، وبعدين إنت مش مركزة ليه بأقولك بعدك إنت الحضانة لمامتك مش لمامته .
شردت تفكر في الأمر، أهذا ممكن؟ أتزوج؟ رجلا آخر يفتح الباب الموصد وقفله الذي علاه الصدأ، هل قلبي سيستجيب؟ لم تستسغ الفكرة مطلقا فهزت رأسها بعنف وكأنها تطردها منها وقالت بلهجة قاطعة :
– مستحيل يا دكتور آدم، ما أقدرش أعمل حاجة زي دي أبدا.
قام من كرسيه وهو يقول :
– عموما فكري في الموضوع واستشيري حد بتاع قانون يفتيكِ أكتر، ولو ع العريس ياستي .. أنا موجود.
قالها وضحك بشدة في حين شعرت هي بالصدمة وهي تتطلع إليه في ذهول لم يكن بأقل من الذهول المرتسم على وجه أخيه وهو يستمع للحوار الدائر بينهما، أما هو فأنهى ضحكته وقال :
– مالك مزبهلة كده ليه؟ مش عاجبك؟ ده أنا دكتور جامعي ومدير محترم في شركة كبيرة وأرمل وعندي ابن.
ثم ضحك مرة أخرى وهي على نفس الحال من الذهول لكنه استطرد رافعا الحرج عنها :
– إيه يابنتي باهزر، عملتي كده ليه ؟
وهو يتطلع إليها باستغراب فابتسمت قائلة بنوع من الخجل :
– أصل يادكتور آدم بأشوف من حضرتك جانب ماكنتش متعودة عليه أيام الجامعة.
ضحك مرة أخرى ثم قال في شرود كأنه يتذكر أمرا ما :
– كلنا بنتغير يا جمانة، هاخد ايه من البوز والوش الخشب يعني وبعدين إنت أختي الصغيرة باغلس عليكي شوية.
ابتسمت وردت :
– ده شرف لي والله يادكتور.
تنهد وقال بسرعة :
– عموما فكري في اقتراحي واسألي أختك، إنت قلت لي إنها محامية !! ولو وافقت نبتدي نسعى في الموضوع وننزل طلبك في باب أريد عريسا في أي مجلة.
قالها وقهقه عاليا فابتسمت هي الأخرى، في حين كان الغضب يتجسد على وجه (أدهم) وهو يعود لمكتبه بخطوات سريعة حانقة.

error: