خارج أسوار القلب

الفصل السادس عشر

*************

كانت الصدمة هي المسيطرة على كل خلية في (جمانة)، لم تتوقع مطلقا أن يقدم لها عرضا كهذا، هل هو جاد بالفعل ؟ هل ستحل مشكلتها الآن وبهذه البساطة ؟ ما الذي أصابه جعله يتصرف بهذا الجنون ؟ وما الذي أصابها لينتفض قلبها بين ضلوعها بهذا الشكل ؟ شعرت بالخجل يكتنفها وبالصمت يخيم على المكان، لم ينبس هو ببنت شفة، ولم تعلق هي بحرف، صمت مطلق لم يظهر فيه سوى صوت أنفاسهما المضطربة، أخيرا رفعت عينيها إليه فقرأ فيهما الكثير، التردد، الخوف، القلق، الدهشة، وشيء غامض لم يتبينه، لم يفهم من عينيها ردها على طلبه فاستمر صامتا منتظرا جوابها، جوابها الذي عندما أتى لم يكن يتوقعه مطلقا :
– ليه ؟
شعر بالتوتر، هل يجيبها بأنه يحبها ؟ بأنها تثير جنونه وأنه عندما يكون حولها يفقد قدرته على التفكير المنطقي السليم ويتصرف بكل عفوية وجموح لم يعهدهما في نفسه قط، بمَ يجيب حقا ؟ بأنه يغار عليها بشدة تكاد تفجر عقله وتجعله يقتل من يقترب منها ؟ بأن استفزازها ورؤيتها غاضبة كطفلة صغيرة يسعده للغاية ؟ بأنه يريد ضمها لصدره وتقبيل دموعها ومحو أحزانها ؟ أنه يريد أن يكون هو رجلها وحاميها وسندها وأن يسكنها بين ضلوعه ؟ طال صمته ففسرته هي بطريقة خاطئة عندما قالت مرة أخرى :
– مش لاقي إجابة، السؤال صعب اوي كده ؟
جلس أمامها على الكرسي المقابل للمكتب و رد بهدوء :
– مش عارف ليه، فجأة لقيت حاجة بتقولي لازم تطلب منها الجواز حالا.
اندهشت وتساءلت :
– حاجة ؟
لمعت عينيه وأجاب :
– أيوة، حاجة مش فاهمها ولا عارفها، حاجة بتخليني مجنون وخلاص.
لم تفهم للمرة الثانية فصمتت مرة أخرى، هاهو عرض زواج من رجل تعلم جيدا أن مخيف صارم قادر على حمايتها، لكن هل يمكنها أن تطلب منه أن يكون زوجها على الورق فقط ؟ ماذا سيكون رد فعل ذلك المخيف ؟ هل سيقبل ؟ شعرت بأنه سيتزوجها عنوة إن أراد، وكم دغدغ ذلك أنوثتها وداعب مشاعرها المدفونة، اجتاحها الحزن والقلق مرة أخرى بسبب ما تذكرته فسألته :
– طيب ودينا ؟
عقد حاجبيه في تساؤل ودهشة :
– دينا مين ؟
رفعت حاجبيها في نوع من الاستنكار الممتزج بالاستهجان ففهم مقصدها، وتذكر الموقف السخيف الذي وضعته (دينا) فيه ومعها هي بالذات وكأنها كانت تعنيها بالفعل، فأخذ نفسا عميقا وأجاب :
– لو قلت لك هتصدقيني ولا هتصدقي بس اللي شفتيه ؟
ردت بحزم :
– لو منطقي أصدقه مش كل حاجة في الزمن ده نشوفها تبقى حقيقة.
علت ابتسامة فَرِحة شفتيه وشرح لها الأمر برمته خاتما حديثه قائلا :
– أنا مستحيل أعمل حاجة زي دي حتى لو مع اللي بأحبها مادام مفيش بيننا رباط شرعي، واللي باحبها مستحيل تكون بشكل دينا او بطريقتها، أكيد هتكون مختلفة وعلى النقيض تماما، هتكون محل ثقتي وفخري بيها قدام الناس كلها.
شعرت بنوع من السعادة يداعب قلبها في رفق وهدوء، أعقبها دهشة ملأتها حتى النخاع، لما تشعر بالسعادة ؟ هل هو بالفعل من كانت تتمناه ؟ هل تثق بحمايته ؟ هل تعلم أنه سيكون حارسها الأمين ؟ ولكن كيف ستخبره أن الزواج لن يكون فعليا ؟ مهلا لحظة ! هي تفكر في الأمر وكأنه يعلم بمشكلتها ويعرض عليها الزواج ليكون بجانبها، ماذا لو أنه يعرض عليها زواجا حقيقيا دائما لا ينتهي ؟ رفعت رأسها إليه وقالت في تردد :
– انا عندي مشكلة، وكان حلها الجواز، وحتى لو وافقت فأنا …
صمتت ولم تستطع أن تكمل حديثها شاعرة بالخجل فحثها قائلا :
– المشكلة عارفها وعندي استعداد أحلها من بكرة لو وافقتي، إنما اللي بعد حتى ايه بالظبط ؟
ترددت مرة أخرى ثم حسمت أمرها فجأة وقالت بسرعة :
– الجواز هيكون صوري لأني مستحيل أتجوز بعد حسام الله يرحمه، وهيكون لمدة معينة لما تتحل مشكلتي ينتهي.
شعر بالصدمة، صمت وطال صمته كثيرا، طال حتى أنها اعتقدت أنه يراجع نفسه وسيتراجع عن طلبه وحزنت لذلك ثم أصابها حزنها بغضب شديد، لمَ يهمها الأمر إن كان هو لا يعنيها في شيء، قطع تفكيرها صوته الحازم وهو يقول :
– ماعنديش مانع، بس بشرط.
حملت عينيها تساؤلا أجاب عنه بنفس الحزم :
– الجواز هيكون عادي، هأنفذ لك طلبك في موضوع الصوري ده، إنما حكاية النهاية دي سيبيها لوقتها، مفيش حاجة اسمها مدة معينة بعدها ينتهي الجواز.
سألته :
– ليه ؟
نهض واقفا وهو يرد :
– من غير ليه، هو كده وده اللي عندي.
ثم صمت لحظة يتطلع إليها فأطرقت برأسها خجلا استطرد بعدها وهو يميل نحوها قليلا :
– هأسيبلك وقت تفكري براحتك ومنتظر موافقتك، ولو مش موافقة هاتجوزك غصب عنك.
تطلعت إليه في دهشة، وشعرت بتلك الدغدغة في مشاعرها مرة أخرى لكنه عاد يعتدل ثم التفت عائدا لمكتبه فسألته بسرعة عن أمر نسيته في وسط حديثهما :
– عرفت مشكلتي منين ؟
التفت إليها مرة أخرى ثم نظر لمكتب (آدم) المغلق وقال بهدوء :
– من آدم.
سألته بسرعة على الرغم من دهشتها :
– وليه قالك عليها ؟
أجاب وهو ينظر في عينيها :
– عشان شاف حاجة انا ماكنتش شايفها.
لم تفهم وهو لم يعطها فرصة لمزيد من الأسئلة بل استدار مغادرا المكان بسرعة.
********
ظلت (جمانة) بعد مغادرته محدقة في الباب، لم تكن تعي ماحولها جيدا، رن هاتف المكتب الداخلي فلم تشعر به، فتح باب مكتب (آدم) وأطل منه في قلق فوجدها تجلس صامتة تحدق في باب المكتب الخارجي، نظر إليه في عدم فهم ثم ناداها فلم تجبه، وبدا أنها لم تسمعه مطلقا، ناداها بصوت أعلى وهو يقترب منها فانتفضت في مكانها والتفتت تنظر إليه وعيناها لاتزالان تحملان صورة (أدهم) فأغمضتهما لحظة ثم فتحتهما لتجد (آدم) يقف أمامها ويبدو عليه القلق، سألها :
– مالك يا جمانة؟ سرحانة في ايه أوي كده ؟ في حاجة حصلت؟
أومأت برأسها في صمت فعاد يسأل في قلق :
– خير ؟ حصل ايه ؟
أشارت للباب وقالت :
– باشمهندس أدهم.
تطلع إلى حيث تشير فلم يجد أحدا فعاد يلتفت إليها متسائلا :
– ماله ؟ كان هنا ؟
أومأت برأسها إيجابا فسأل :
– ومادخلش ليه ؟
أجابت :
– كان جاي عشاني.
شعر بالدهشة وعاد يسأل :
– عشانك ؟ كان عاوز ايه ؟
نظرت إليه في خجل ثم خفضت عينيها أرضا وهي تجيب في خفوت :
– عرض علي الجواز!
ارتفع حاجبا (آدم) بشدة وهو يشعر بدهشة لا حد لها ثم هتف ضاحكا :
– بجد ؟ يا ابن الإيه يامجنون .
تطلعت إليه في دهشة وهو يستطرد :
– طيب وإنت رأيك ايه ؟
هزت كتفيها في حيرة وردت :
– مش عارفة!
سألها :
– مش عارفة ليه ؟ إنت شايفة إن أدهم كويس ويصلح زوج ليكي ولا لا ؟
أجابت بعفوية :
– المشكلة مش في كده، المشكلة هل هيقدر يحل المشكلة فعلا ويقف لأهل حسام، ولو قدر هو بيعمل كده ليه ؟
سأل في استغراب :
– هو ماقالكيش هو عرض عليكي الجواز ليه ؟
هزت رأسها نافية وهي تجيب :
– لا، سألته قالي مش عارف وحاجة مجنونة بتخليه يعمل كده، مافهمتش.
ابتسم في حنان ولم يعلق في حين انتبهت هي لأمر كانت قد نسيته فسألته بسرعة :
– دكتور آدم هو حضرتك حكيت له على مشكلتي ليه ؟
صمت قليلا ثم أجاب وهو ينتقي كلماته بعناية :
– مادام هو ما شرحش ليه عرض عليكي الجواز ماأقدرش أقولك ليه قلت له على مشكلتك، خليه هو يقولك بنفسه لو ربنا أراد واتجوزتوا.
شعرت بالدهشة فقالت بإلحاح :
– دكتور آدم من فضلك قول لي، مخي تعبان من التفكير أصلا وكده الضغط بيزيد عليه.
ضحك وهو يرد معاندا :
– لا ، مش من حقي.
ثم اتجه عائدا لمكتبه في بطء وكأنما يريد إثارة غيظها أكثر ، وعندما وصل لبابه التفت إليها قائلا :
– يلا نسينا نقطة مهمة في الملف لازم نخلصها النهاردة، بس عاوزك تصحصحي معايا.
تطلعت إليه والدهشة تغمرها والحنق يتمكن منها، كادت تضرب بقدميها في الأرض كطفلة عنيدة، ثم تذكرت أين هي فقامت متجهة لمكتبه باستسلام.
********
كانت (جمانة) وهي عائدة لمنزلها تشعر كأنها تحلق بين السحب القطنية، تنساب من أعلى كقطرة ندى في الفجر تنحني لها الزهور، لم تعلم لما تجتاحها تلك المشاعر كالمراهقات لكنها كانت سعيدة وهذا يكفيها، شاعرة بنوع من الأمان وهذا يسعدها أكثر، دلفت للمنزل بهدوء وملامحها تحمل شرودا واضحا، وجدت شقيقتها وأمها وطفلتها جالسات في غرفة المعيشة في انتظارها لتناول الغذاء سويا، ألقت السلام ثم جلست ملقية بجسدها على إحدى الأرائك وأسندت رأسها للخلف مغمضة عينيها في سلام، تبادلت الأم والأخت نظرة تساؤل في حين اقتربت منها (ملك) وجلست فوق ساقيها ونادتها :
– ماما ؟
فتحت عينيها ومالت تتطلع للصغيرة بحب وسألتها :
– أيوة ياحبيبة ماما !
رمت (ملك) بنفسها في حضن أمها ولم تتكلم عندما سألتها شقيقتها :
– مالك يابنتي شكلك غريب كده ليه ؟
ردت في هدوء :
– مفيش جالي عريس.
اندهشت المرأتان بشدة وأمها تهتف :
– عريس ؟ بجد ياجمانة ؟ دكتور حسام كلمك ؟
هزت رأسها نفيا وقالت :
– لا يا ماما مش دكتور حسام.
سألتها شقيقتها بانعدام صبر :
– أمال مين يابنتي ما تتكلمي .
أجابت بخفوت :
– مديري في الشركة.
هتفت (لمياء) :
– دكتور آدم ؟
نفت مرة أخرى وهي تجيب :
– لا أخوه.
ابتسمت الأم وهي تتذكره وسألت :
– مش ده اللي كان بيزور ملك بعد الحادثة ؟
هزت رأسها موافقة وقالت :
– أيوة يا ماما هو.
سألتها (لمياء) :
– وعرض عليكي الجواز إزاي فجأة كده ؟
هزت كتفيها بعدم فهم وهي تجيب :
– مش عارفة، كنت في مكتبي لقيته فجأة واقف قدامي بيقولي تتجوزيني.
اندهشت (لمياء) بشدة في حين ابتسمت الأم بحنان، ثم قالت شقيقتها :
– فجأة كده ؟ ده مجنون ولا ايه ؟
ضحكت (جمانة) وهي ترد :
– تقريبا.
(لمياء) باهتمام :
– طيب و قلتي له ايه ؟
(جمانة) :
– ولا حاجة، ماعرفتش أرد.
(لمياء) :
– وهو سكت ؟
(جمانة) بابتسامة :
– لا قال لي منتظر موافقتك ولو ما وافقتيش هاتجوزك غصب عنك.
رفعت (لمياء) حاجبيها ثم ضحكت بشدة صاحبتها ابتسامة الأم وقالت :
-لا ده مجنون رسمي، طيب عرف بموضوعك ؟
أجابت :
– أيوة بيقولي دكتور آدم قال له.
مطت (لمياء) شفتيها في استغراب وتساءلت :
– طيب وقال له ليه؟
هزت كتفيها مجددا وأجابت :
– مش عارفة بيقولي شاف حاجة أنا ماكنتش شايفها.
ابتسمت (لمياء) في فهم وتبادلت نظرة حنان مع الأم و(جمانة) تتطلع إليهما بنوع من الغباء ثم سألتها :
– بتبتسموا ليه ؟
قالت (لمياء) بلهجة عابثة :
– أبدا أصلك كالعادة هبلة وهو باين عليه متيم.
حدقت فيها بدهشة، ثم ضحكت من أعماق قلبها و ردت بسخرية :
– متيم مين يابنتي ! ده مرعب مخيف دراكيولا إنما حب وكلام رومانسي وفاضي من ده مالوش فيه.
(لمياء) بذكاء :
– طيب ماسألتيهوش عاوز يتجوزك ليه ؟
ردت :
– سألته طبعا قال لي حاجة مجنونة خلته يعمل كده .
قالت بحنكة وهي تضحك :
– مش بأقولك متيم ومجنون كمان، مزيج هايل مبروك عليكي يابنتي .
ضحكت هي الأخرى ثم قالت :
– مش معقول يا لميا، أكيد هو بس حابب يساعدني.
هزت (لمياء) كتفيها ثم سألتها :
– طيب ورأيك إيه ؟
أجابت في حيرة :
– مش عارفة.
هنا قالت الأم التي كانت تتابع حديثهما في صمت :
– الحقيقة أنا شايفاه مناسب، من ساعة ماشفته في المستشفى حسيت إنه شديد وكلمته واحدة، حاسة إنه هيقدر يقف قدامهم ويجيب لك حقك ياجمانة.
ردت (لمياء) :
– لو زي مابتقولوا كده مرعب وشديد يبقى قدامك حاجة واحدة تعمليها يا جوجو .
نظرت لها شقيقتها في تساؤل فأكلمت :
– صلي استخارة وسيبيها على الله، لو الموضوع اتيسر يبقى هو نصيبك.
أومأت (جمانة) برأسها مجيبة :
– معاكي حق، ربنا يعمل اللي فيه الخير.
قالتها ثم سرحت بخيالها بعيدا فيما قالته أختها، استعادت الكلمة “متيم” أهو حقا يحبها ؟ وإن كان يحبها لما وافق على الزواج الصوري بينهما، هل ينوي خلف وعده لها بعد ذلك ؟ أم أنه يحبها لدرجة الموافقة على أمر كهذا ؟ شعرت بالحيرة تجتاحها حتى أصابها الصداع وكاد رأسها ينفجر من التفكير.
********
في نفس اليوم عرض (أدهم) على والديه الأمر بدون انتظار لردها على طلبه، وأبلغهما أنه يرغب في الزواج منها، كانت الصدمة شديدة بالنسبة إليهما، سكت والده ولم يجد ما يمكنه التعليق به أما أمه فقد صرخت في وجهه :
– إنت بتقول ايه يا أدهم ؟ إنت أكيد اتجننت.
كان صامدا في وجه صراخها فرد بهدوء :
– اتجننت ليه يا أمي مش ده اللي نفسك فيه من زمان، أتجوز؟
ظلت تصرخ :
– تتجوز مين يا أدهم؟ واحدة أرملة ؟ لا هي من مستواك ولا من بيئتك ولا تصلح لك بالمرة.
قال في حدة :
– ليه ماتصحلش يا أمي ؟ هي كل حاجة فلوس وخلاص وعلى فكرة بقى هي غنية، غنية بحاجات كتير مش عند اللي كنت عاوزة تجوزيهم لي لمجرد الفلل والقصور والسفريات لأوروبا وأمريكا، مش ده اللي هاعيش فيه مبسوط.
ردت بعصبية شديدة :
– أمال هتبقى مبسوط مع الأرملة وبنتها ؟ هتتجوز عشان تربي بنت غيرك ؟ هي دي الفرحة اللي كنت مستنياها ليك يا أدهم ؟ تكسر قلبي وتقولي أتجوز دي ؟ عملت لك ايه ؟ فيها إيه زيادة عن أي واحدة تانية، عن دينا بنت العيلة المحترمة الغنية الجميلة اللي هتكون إنت أول راجل في حياتها وولادها منك بس ؟
ابتسم في سخرية وقال :
– ع الأقل يا أمي لما تحبي تعملي مقارنة بين جمانة وواحدة تانية بلاش دينا بالذات عشان المقارنة بينهم مش عادلة نهائي، بالنسبة لدينا.
صرخت مرة أخرى :
– انت بتستهبل يا أدهم، مهما كبرت هتفضل ما بتفهمش حاجة ومندفع، قولي فيها إيه زيادة ؟ قولي !رد عليَّ .
رد بحزم :
– فيها حاجات كتير زيادة يا فريدة هانم، فيها حب وحنان فيها جنون، فيها براءة طفلة، فيها التزامها ، فيها إني هاقدر أنزل من البيت وأنا مطمن وواثق فيها وفي أخلاقها ودينها، فيها واحدة حبيتها، فيها حاجة تخليني عاوز أحميها وفي نفس الوقت أكسر رقبتها، فيها حاجة بتخليني مجنون، مطلوب حاجة زيادة يا .. أمي ؟
تطلع إليه والده في صمت وذهول وهو كرجل يفهم ما قاله ابنه حرفا حرفا، في حين ضحكت هي بسخرية جعلته يتطلع إليها في غضب ثم قالت :
– كل ده فيها ؟ واحدة لوكال باباك شغلها في الشركة وعرفت توقعك في حبها يا باشمهندس يا كبير، بس والله حاجة زي دي مش ممكن تحصل أبدا وأنا موجودة.
رد بعناد :
– هتحصل يا أمي، هتحصل لأني عاوزها ومستحيل أتجوز واحدة على ذوقك او مزاجك، مراتي هتكون من اختياري أنا ولأسباب مستحيل تكون في حساباتك أنت.
استمرت في الصراخ :
– ماله ذوقي يا أدهم ؟ مش عاجبك في إيه ؟ مالها دينا اللي بتحبك من زمان ولسه عاوزاك على الرغم من طريقتك الزبالة في معاملتها ؟
ابتسم في سخرية ولم يدر بنفسه إلا وهو يخرج الصورة المزيفة له مع (دينا) من جيبه ثم يلقي بها عند قدمي والدته لتنظر إليها في دهشة وهو يقول :
– هي دي اللي عاوزاني اتجوزها ؟ هي دي الأخلاق اللي ترضيكي يا أمي وهتبقي مطمنة على ابنك معاها ؟
تطلعت للصورة في ذهول أما والده فقد مال يلتقطها متطلعا إليها فيما يشبه الصدمة، وظل ينقل بصره بينها وبين ابنه عندما سألته أمه في غضب :
– ايه دي ؟ وهي ذنبها ايه وهي بتحبك وما صدقت تكون قريب منها فسابتك تحضنها ؟ الغلطة في الصورة مش منها ، منك إنت يا باشمهندس.
أطلق (أدهم) ضحكة ساخرة عالية ثم هتف بسخرية أكبر :
– ايه يا أمي إنت مصدقة فعلا الكلام اللي بتقوليه ؟ ليه مش عارفة ابنك ولا عاوزة تلبسي لي الموضوع وخلاص ؟ ولا يمكن ماكنتيش في الحفلة دي وعارفة هي كانت بترقص مع مين فعلا بالشكل الزبالة ده ؟ يعني واحدة لابسة حاجة كده مكانها أوضة النوم وماشية بيها قدام الناس عادي ورايحة ترقص مع واحد صاحبها وسايباه يعمل في جسمها اللي هو عاوزه وزيادة عن الصورة دي حاجات ما شفتهاش وجاية تقولي لي أنا اللي معاها، ليه ماشفتيهاش بنفسك يومها ؟ دي أقذر مخلوقة قابلتها في حياتي ولو هي آخر واحدة في الدنيا مستحيل أفكر فيها أصلا.
تنهد في غضب مكتوم ثم أكمل :
– هي دي اللي بتقولي لي أحسن ؟ وعشان ايه ؟ فلوس ولا صداقتك مع مامتها ؟ الصورة دي هي عملتها وعملت غيرها كذا واحدة وباسم الحب .. ها ، حب إيه مش فاهم.
سألته بحذر :
– وإيه وصل الصورة دي ليك ؟ وعملت معاها إيه ؟
رفع حاجبه بسخرية وهو يتساءل بداخله عن كنه الأم التي تهتم بفتاة لا خلاق لها عوضا عن الاهتمام بابنها وبمن اختارها لنفسه، رد بعد صمت :
– الصورة وصلت لي غلط في ملف شركة باشتغل عليه واللي وصلها للملف الهانم لما راحت تعرض الصور على سكرتيرتي ووقعت منها واحدة هناك بالغلط، ربنا أراد إن كذبها ينكشف، وهاكون عملت ايه يعني، طردتها من الشركة طبعا وكويس أوي إن مابعتش الصورة لباباها وده بس احتراما له وخوف على مشاعره مش عشانها.
صرخت مرة أخرى :
– إيه طردتها ؟ إنت أكيد اتجننت ؟ هو أي حد بيغلط عندك بتطرده ؟ ليها ماعاقبتهاش ونهيت الموضوع بهدوء ؟
قال في غضب :
– وهي دي غلطة عادية، في إيه يا أمي ؟ هو أنا ابنك ولا هي ؟ هي سمعتي والطعن في أخلاقي ما تهمكيش ؟
توترت لثوان لكنها عادت تصيح بغضب :
– كل ده عشان الست اللوكال اللي عاوز تتجوزها ؟
قال في حزم غاضب :
– اللي بتتكلمي عليها هتكون مراتي إن شاء الله ومراتي مش مسموح لأي حد أيا كان يغلط فيها.
هتفت بدهشة :
– هي دي آخرتها يا أدهم ؟ تعلي صوتك على مامتك وتهددها عشان خاطرها ؟
تنهد في استياء ثم قال :
– إنت اللي استفزيتيني يا أمي.
التفتت صارخة في وجه زوجها :
– وأنت ساكت ليه يا جلال، إنت موافق ابنك على الجنون ده ؟ هيخلي سمعتنا في الأرض بواحدة مانعرفش عنها حاجة وكانت متجوزة ومخلفة، طمعانة في فلوسه وخلاص.
اجتاح (أدهم) غضب شديد وقبل أن يرد قال والده :
– عاوزاني أقول ايه يافريدة ؟ أنا مصدوم، مصدوم في ابني وطريقة تفكيره واندفاعه، مصدوم في اللي كنت فاكره عاقل وفاهم ورافض دينا لسبب وجيه ألاقيه عشان واحدة بتشتغل عنده وأرملة ومخلفة كمان، أقول إيه يافريدة ؟ مفيش حاجة عارف أقولها.
ثم التفت لابنه مستطردا :
– هي دي آخرتها يا أدهم ؟ يا عاقل يا مدير الشركة، عاوز تتجوز حتة موظفة عندك سبق لها الجواز وعندها طفلة هتربيها إنت، هيبقى إحساسك إيه وإنت مش أول واحد في حياتها ؟ وإنت بتدلع بنت مش منك ؟ لما يجيلك أولاد منها هتعامل بنتها برده زيهم ولا ميزانك هيميل، فكر كويس يا أدهم قبل ماتظلمها وتظلم نفسك، فكر كويس قبل ما تتحدى أهلك عشانها، مش هأقولك عشان دينا لأنها ماتستاهلش واحد زيك ولا إنت تستاهل واحدة بالأخلاق دي، لكن عشان نفسك وأهلك وعشانها هي كمان لو بتحبها.
هتفت (فريدة) في حنق :
– ومالها دينا يا جلال إنت كمان ؟ البنت بتحبه وطايشة شوية فيها إيه لو هو علمها وقربها منها ورباها على طباعه ؟
ابتسم (أدهم) في سخرية شديدة ولم يعلق في حين قال والده :
– مش دي اللي أتمناها لابني يافريدة مهما كانت غنية ومهما كانت شراكتنا هتفيدني.
ثم التفت لابنه قائلا في هدوء مفتعل :
– اطلع اوضتك يا أدهم وفكر مليون مرة قبل ما تاخد قرار تندم عليه، قرار يخسرك أهلك ومكانتك في المجتمع.
شعر (أدهم) بالحنق الشديد، فهاهم يضعون أنفسهم في كفة مقابلة لكفتها ولو ترك الميزان لرجحت هي لكنه لا يستطيع، ومرة أخرى يُعَوِّل والده على أمور مادية ومظاهر لا تسمن ولا تغني من جوع، ماكان منه بعدها إلا أن قال :
– أنا فعلا هافكر يا بابا وقبلها هأستخير ربنا لأنه هو بس اللي عارف الخير لي فين ومع مين، أنا خارج عشان حاسس إني مخنوق هنا، بعد إذنكم.
أنهى كلامه واستدار متجها لمدخل الفيلا عندما لمح شقيقته تقف أعلى السلم تتطلع إليه بحزن، أدار وجهه و اتجه ليخرج من الباب ثم أغلقه خلفه بعنف، كان غضبه يشعل في صدره نارا لا يستطيع السيطرة عليها، نارا لو تركها لأتت على الأخضر واليابس ولو استسلم لأفكاره السوداء لترك هذا المنزل بلا رجعة .

error: