خارج أسوار القلب

الفصل العشرون

***********

كانت (دينا) تتمايل على أنغام إحدى الأغنيات لأحد الفرق الأمريكية الشهيرة وهي جالسة على إحدى الطاولات في النادي بصحبة (هشام) الذي يتطلع إليها كما هي العادة بطريقة مقززة لم تأبه لها، عندما قال لها :
– تيجي نرقص ؟
نظرت إليه ساخرة وردت :
– هو انت اتعلمت الرقص ولا ايه ؟ فاكر آخر مرة ؟
شعر بالحنق فهتف :
– يعني اهو نتعلم منك يا أستاذة.
رفعت حاجبيها في سخرية أكبر كأنها تغيظه ثم قالت :
– اوك، ليتس جو Let’s go .
وقاما يرقصان سويا، كانت تتمايل بطريقة مثيرة أثارت غيرة البعض ممن يتابعونها ويحسدون (هشام) لأنه يراقصها، في حين شعر هو بإثارة أكبر وهو يحاول متابعة حركاتها وتلمسها كلما سنحت له الفرصة محاولا عدم إشعارها بذلك، شعر أيضا بالغرور عندما رأى نظرات الحسد في عيون المحيطين بهم فها هي أجمل فتاة في المكان وأكثرهن إثارة معه هو، انتهت الرقصة فتنهدت وناولته يدها ليعودا لطاولتهما، سألها بعد جلوسهما :
– إنما إنت مصممة على أدهم ده ليه ؟ إنت غنية اهو ومش محتاجاه.
عادت لها نظرتها الساخرة وردت :
– عشان مااتخلقش اللي يقولي لا، وبعدين فيها إيه لما أكون أغنى ؟
سألها بسرعة :
– بس كده ؟ متأكدة.
تحولت نظرتها الساخرة لدهشة بعد سؤاله وقابلته بسؤال :
– ليه بتقول كده ؟
كانت السخرية تملأ ملامحه هو هذه المرة وهو يجيب :
– يعني عاوزة تفهميني إنه مش عاجبك ؟ أنا أينعم ماشفتوش غير دقيقتين تلاتة بس باين عليه جامد أوي وده رأيي كراجل فما بالك برأي الستات بقى.
ضحكت في دلال وهزت كتفيها وهي تجيب :
– طبعا عاجبني، وهو مايعجبش مين، كفاية عينيه ولا طوله ولا دقنه اللي مصمم يحلقها أي كلام دي، أدهم ده فارس أحلام من الدرجة الأولى، وسيم سكسي غني مركز اجتماعي مرموق ومهندس ورجل أعمال ناجح، بيتهيألي كفاية أوي كده عشان أبقى عاوزاه.
شعر بالغيظ لكنه حبسه في صدره وقال :
– طيب لو رفضك برده بعد كده ؟
صاحت فيه بغضب :
– ايه رفضك دي ؟ هشام إلزم حدودك معايا.
قال مهادنا :
– أنا قصدي لو خطتنا فشلت ؟
كان الحنق لا يزال مرتسما على وجهها مما زادها جمالا، وجعلها الغضب تبدو كأنثى نمر تكاد تنقض على فريستها وهي ترد :
– مش هتفشل طبعا.
ثم صمتت لحظة قالت بعدها :
– وهشام مش معنى إننا عملنا التمثيلية دي مع بعض إنك تصدق فعلا إن في حاجة بينا، ده مجرد فيلم عشان هدف.
شعر بالغضب يجتاحه، هاهي للمرة المائة تقلل من شأنه وتخبره صراحة أنه ليس من مقامها أو مناسبا لها، أقسم بداخله أن يجعلها تندم على طريقتها في التعامل معه وأن يجعلها جاريته للأبد، إنها لا تعلم من هو ولا ما يمكنه فعله عندما يتعلق الأمر بشيء يرغبه بشدة، والآن هو يرغبها بشدة وهي من فعلت به ذلك، رن هاتفها مقاطعا أفكاره فنظر إليها وهي تلتقطه لتتطلع لاسم المتصل والذي ما إن رأته حتى عقدت حاجبيها في تساؤل ثم ردت عليه :
– أيوة يا أنتي فيري، خير ؟ أدهم رجع البيت ؟
جاءها صوت (فريدة) غاضبا حانقا :
– أيوة رجع وخرج تاني، عاجبك كده يا دينا ؟ ابني كان هيسيب لي البيت ويمشي بسبب فكرتك الغبية دي.
شعرت بقلق شديد وهي تسألها :
– حصل ايه ؟
ردت (فريدة) بنفس الحنق :
– أدهم ماصدقش الموضوع ومااعرفش اكتشف إزاي إنه متفبرك وجه البيت اتهمني بصراحة إني وراه وطبعا إني عملت كده معاكي وهددني إنه هيسيب البيت على طول، أقنعته بصعوبة إني مااعرفش ايه اللي حصل ولا هو بيتكلم عن ايه، أعمل فيكي ايه دلوقتي ؟
شعرت (دينا) بالانهيار وهي تهتف :
– معقولة ؟ إزاي طيب ؟ الملف كان بيرفيكت Perfect جدا إزاي عرف ؟
صاحت (فريدة) :
– معرفش ومش عاوزة أعرف، خلاص يا دينا سيبي الموضوع ده دلوقتي ونشوف له حل بعدين، أدهم صعب ولو عرف إن لي علاقة بالموضوع ده هيقاطعني فعلا.
قالتها وأغلقت الخط فظلت (دينا) تتطلع للهاتف في يدها في دهشة ممتزجة بالحسرة والغيظ، كان غضبها شديداً للغاية في هذه اللحظة كبالون امتلأ بالهواء ويوشك على الانفجار، وينتظر فقط سببا مناسبا، شعر (هشام) بالقلق وهو يتطلع إليها فسألها في خفوت :
– حصل ايه يا دينا ؟
وقفت بعنف وصاحت فيه بغضب ولم تهتم بلفت الانتباه إليها :
– إنت السبب يا هشام، وعامل لي فيها أستاذ، بلا قرف.
عقد حاجبيه في غضب شديد خاصة عندما لمح البعض يتابع ما يحدث بينهما وينصت باهتمام وسخرية، فقام واقفا أمامها وهتف في غضب :
– في ايه يادينا ؟ ايه الطريقة اللي بتكلميني بيها دي ؟
ضحكت بسخرية مفرغة غضبها في وجهه وقالت :
– طريقة ايه يا إتش، إنت فاكر نفسك حاجة بجد وعاوزني أختار الطريقة اللي باكلمك بيها، يابني إنت مجرد سلمة دست عليها عشان أطلع على اللي فوقها.
ثم نظرت إليه بحقد وهو يتطلع إليها في مزيج من الدهشة من جرأتها والغضب مما قالته عنه للتو وأكملت :
– مش معنى إني رقصت معاك ولا كلمتك كلمتين تفتكر خلاص إنك بقيت زيي، فوق شوية وشوف إنت واقف مع مين ؟
ازداد غضبه اشتعالا وتطلع إليها بنظرة نارية قابلتها في سخرية وهي تستطرد مرة أخرى :
– الخطة فشلت يا أستاذ ؟ وأكيد أدهم اتأكد بسبب صوتك إنت لأن أكيد مش معاه صوت جمانة عشان يقارن بيني وبينها، إنت فاشل بجد وتستحق الطرد زي ماهي عملت.
كان غضبه قد تأججت نيرانه أكثر وسارت في عقله تلتهم كل خلاياه فصاح غاضبا :
– الزمي بقى أنت حدودك يا دينا هانم، الخطة كانت خطتك وفشلها بسببك مش بسببي وكل كلمة قلتيها دلوقتي هتندمي عليها وهتشوفي.
ثم تركها وخرج غاضبا من المكان وهي تتابعه في حنق شديد .
********
جلست (صفاء) وهي ترتجف رعبا على مقعد في غرفة مكتب (أدهم) الذي كان جالسا خلف مكتبه يتطلع إليها في صرامة وغضب شديدين، وجلس أمامه (آدم) والذي لم تكن نظرته بأقل صرامة من مثيلتها في عيني أخيه، سألها (أدهم) في حزم غاضب :
– كنت واخدة ورق المناقصة على فين يا صفاء ؟
ارتبكت أكثر وبدأت في البكاء وهي ترد :
– والله يافندم مااعرفش إنه ورق مهم للدرجة دي، أنا كنت هاعمل منه نسخة عشان باذاكر اليومين دول للدراسات وبيهمني أوراق المناقصات عشان أتعلم منها.
قال (آدم) في غضب :
– وهو اللي عاوز ياخد ورق من مكتب حد يستنى عدم وجوده ويروح يسرقه؟
دافعت عن نفسها وبكاؤها يشتد :
– ماكنتش باسرقه أنا بس كنت هاصوره ولما رحت مالقيتش حد فاضطريت آخده وكنت هارجعه.
دوت ضحكة (أدهم) الساخرة المجلجلة في المكان فتطلعت إليه في خوف شديد ومثله دهشة على وجه أخيه، قال بعدها :
– انا مش عارف أقولك ايه بصراحة ؟ إنت شايفة نفسك قاعدة مع أطفال وهأقولهم أي حاجة غير منطقية وهيصدقوها وخلاص هاخرج من هنا ولا كأن حاجة حصلت.
ثم هب واقفا خلف مكتبه فجأة مما جعلها تتراجع في ذعر خاصة بعدما صاح فيها بغضب :
– مادام مش عاوزة تتكلمي بالذوق يبقى البوليس يشوف شغله معاكي، اتصل لنا بيهم يا آدم وبلغ عن حالة سرقة وحرامي لقيناه متلبس.
شعرت بالرعب فصرخت :
– لا لا أرجوك يا باشمهندس بلاش بوليس، أنا ماعملتش حاجة.
لم يهتم لها وهتف في اخيه :
– يلا يا آدم.
جاراه (آدم) وبالفعل أمسك الهاتف وبدأ بالاتصال عندما انهارت (صفاء) وازداد نحيبها وهتفت :
– خلاص هأقولك ع اللي حصل يا باشمهندس، بس أرجوك بلاش البوليس.
توقف (آدم) عن إكمال الاتصال في حين تطلع إليها (أدهم) في صمت صارم جعلها تخفض عينيها و بدأت تقص عليهما ما تعلمه عن الأمر برمته، قصت عليهما ما تعرفه عن الذاكرة التي وضعتها في بريده وطلب (دينا) منها إحضار نسخة من ملف المناقصة الجديدة التي تهتم بها الشركة بشدة ثم اوضحت لهما المقصود من وراء ذلك، سواء الإيقاع بينه وبين أخيه أو التفريق بينه وبين (جمانة)، عاد (أدهم) للجلوس خلف مكتبه وهو يستمع للخطة التي وضعتها الأفعى (دينا) ومع كل جملة تنطقها الفتاة كان غضبه يتضاعف حتى شعرت (صفاء) بلهيبه يكاد يحرقها وهو لم يتحدث بعد، عقد حاجبيه في صرامة شديدة لم تكن بأقل من المرسومة على وجه أخيه وهما يتطلعان إليها في صمت زاد ارتباكها فجلست ترتجف أمامهما، تراجع في مقعده وظل يفكر لدقيقة ثم قال بعدها في حزم :
– يعني كنت بتسرقي الورق عشان دينا، ماراعتيش المكان اللي فيه شغلك وأكل عيشك واللي المفروض ولائك له قبل أي حد تاني، ليه عشان فلوس، مجرد مبلغ تافه بالنسبة لها حسيتي إنك هتمتعي نفسك بيه شوية وخلاص، طب وبعد مايخلص ؟ كنت متوقعة إن ماحدش هيكشفك في الشركة مادام التهمة هتلبس في الأستاذة جمانة ودكتور آدم ؟ إيه التفكير الحقير ده ؟ طيب هي وعارف أخلاقها، ليه إنت تعملي كده، عشان فلوس حرام ؟
صمت ثوان و هو يلتقط أنفاسه في حين ظل (آدم) صامتا وملامحه تعلوها الدهشة شاعرا بصدمة مما سمعه للتو، أي حقارة تلك التي تدفع امرأة للتفكير بخطة كهذه فقط لتنال رجلا ما أو حتى ماله، سمع (أدهم) يكمل في صرامة شديدة بها لمحة غضب :
– شوفي يا صفاء، عاوزة تخرجي من المشكلة وبدل ما نسلمك للبوليس تروحي بيتك، هتعملي اللي هأقولك عليه.
أومأت برأسها إيجابا وهي تقول بسرعة :
– أنا تحت أمرك يا باشمهندس.
رد بنفس الصرامة :
– هتكلمي دينا وتعيطي لها وتعرفيها إن الخطة فشلت وكنا هنسلمك للبوليس وتروحي في ستين مصيبة، شوفي هتتعامل معاكي إزاي ؟ هتواسيكي وتقولك معلش وتدفع لك لو حتى جزء من اللي اتفقتوا عليه ولا هتقلب عليكي وتتنكر لك، وساعتها هتعرفي إنك اخترتي الجانب الغلط عشان تساعديه.
تطلعت إليه من وسط دموعها، هل يريد فقط أن يلقنها درسا، وماذا بعد، وكأنه سمع تساؤلها الذي لم تنطقه فقال بلهجة آمرة :
– هتكلميها دلوقتي بعدها هتروحي تسلمي أي عهدة او ملفات كانت معاكي وتنزلي الحسابات تاخدي مستحقاتك وتكوني برا الشركة في خلال ساعة بالكتير.
انهارت تبكي مرة أخرى ولم تستطع النطق بحرف فهي تعلم أنها مخطئة ويكفي أنه لم يسلمها للشرطة، سمعته يقول مرة أخرى :
– يلا كلميها وعرفيها اللي حصل وعرفيها كمان إنك حكيتي على كل حاجة وعرفنا مين ورا الموضوع.
ارتسمت الدهشة على وجهها ووجه (آدم) لكنهما لم يعلقا وقامت هي بالاتصال بها أمامهما، انتظرت الرنين لثوان قبل أن تسمع صوت (دينا) فقالت في توتر :
– دينا هانم أنا رحت في داهية … أيوة مالحقتش آخد الورق وأمشي فجأة لقيتهم قدامي وعرفوا اللي عملته كانوا هيسلموني للبوليس بس الباشمهندس أدهم قالي لو قلت مين وراكي هنسيبك …
كان صوت صراخ (دينا) واضحا في هذه اللحظة عبر الهاتف لكنها أكملت في خوف :
– يعني أعمل إيه أسيبهم يسجنوني؟ .. قلت لهم على كل حاجة واديني اترفدت من الشركة وكويس اني هاروح بيتي مش هابيت في التخشيبة … يعني هو ده بس اللي يهمك وأنا اللي كنت باخدمك ؟ … بتمنه فعلا معاكي حق حتى لو رحت في داهية ماهو تمن الداهية مدفوع ..
فجأة أبعدت الهاتف عن أذنيها ودموعها تنهمر في صمت جعل (أدهم) يقول :
– عرفتي إني معايا حق، أهي باعتك وماكانش عندها مشكلة تتسجني مادام مش هتعترفي عليها.
نظرت إليه في صمت شاعرة بالذل والمهانة فأكمل في حزم :
– اتفضلي زي ماقلتلك، سلمي عهدتك وخدي مستحقاتك و امشي.
قامت في استسلام منكسر وغادرت المكان في صمت، بعد خروجها التفت (آدم) لأخيه متسائلا بدهشة :
– هو في ناس كده فعلا ؟ كل ده عشان توصلك، تشوه سمعة واحدة شريفة وتوقع بينك وبين أخوك ؟
تنهد (أدهم) في غضب، كان يريد أن يكسر أي شيء أمامه لكنه لم يجد فاكتفى بضم قبضتيه بشدة وقال وهو يضغط على أسنانه :
– لو شفتها قدامي دلوقتي هاكسر لها دماغها القذرة دي، لا وأمي عاوزاني أتجوزها وبتقولي طايشة بس وربيها إنت زي ماتحب، أربي مين إذا كان أهلها ماعرفوش يربوها ؟
هز (آدم) رأسه في حزن وقال :
– معلش يا أدهم اهدى، الحمد لله إن الموضوع انكشف في أوله وماحصلش مشاكل بسببه خصوصا مع جمانة، تخيل لو كنت رحت قلت لها قبل ماتعرف الحقيقة كان رد فعلها هيبقى إيه وهتبص لك إزاي ؟
شعر (أدهم) بالرهبة من مجرد تخيل الأمر وحمد الله أن أنار بصيرته في اللحظة المناسبة، تراجع في كرسيه وهو يتنفس الصعداء في حين رغب (آدم) في تخفيف جو الصدمة فداعبه قائلا :
– أمال فين الميموري اللي بتقول عليها صفاء دي ؟
عقد حاجبيه وهو يعتدل في كرسيه مرة أخرى وهتف في استنكار :
– نعم ؟ بتسأل عليها ليه ؟
هز كتفيه وهو يجيب بلامبالاة :
– أبدا عاوز أعرف فيها إيه وإزاي عرفوا يخلوا الاصوات زي صوتي أنا وجمانة ؟
زفر (أدهم) في غضب وقال حانقا :
– لا والله ؟ باقولك إيه ! يلا روح مكتبك .
قهقه (آدم) في مرح ولاحظ الغيظ على وجه أخيه فقال وهو ينهض من مقعده :
– عموما أهي جمانة في المكتب هاروح أحكيلها الاخبار .
لاحقه صوت (أدهم) بسرعة هاتفا :
– آدم إوعى تحكي لها حكاية الميموري دي، قول لها بس ع الملف .
أراد (آدم) برغبة طفولية إغاظته أكثر فتساءل متصنعا عدم الفهم :
– ليه يعني مش لازم تعرف كانت عاوزة تعمل فيها إيه ؟
غضب (أدهم) وهب واقفا وصاح :
– انت بتستهبل يعني عاوز تقولها لفقوا لي علاقة معاكي ومكالمة زبالة ؟
ثم تراجع للخلف في صدمة فحتى هذه اللحظة لم يكن (آدم) يعلم محتوى الذاكرة بالضبط لكنه علم أنه شيء يتعلق به و (جمانة) أما أن يكن هذا الشيء علاقة قذرة عبر الهاتف فلم يكن هذا في حسبانه حتى أنه فهم الآن سر رفض (أدهم) إعطائه الذاكرة ليسمع محتواها، تساءل باندهاش :
– إنت بتقول ايه ؟ الميموري عليها كده فعلا ؟
زفر (أدهم) في حنق شديد وأجاب في استياء لاعنا هفوته :
– أيوة.
ظهر الضيق على وجه أخيه، وشعر بحجم المعاناة التي وضع فيها (أدهم) بسبب حبه لها، أراد أن يمر الأمر بسلام وأن ينسياه فأضفى على صوته أكبر قدر استطاع استحضاره من المرح وهو يقول :
– طيب هاروح اصلح غلطتي بقى واستر ع البنت اللي سمعتها باظت بسببي.
قالها ثم تحرك في سرعة متجها نحو باب المكتب عندما قذفه (أدهم) بملف ورقي كان أمامه وهو يشعر بالغضب منه ويضحك في نفس الوقت، ثم هتف قبل أن يخرج :
– آدم ! إنت رحت فين مع جمانة من شوية ؟
التفت إليه (آدم) وقال يغيظه :
– وإنت مالك يعني ؟
هتف به في غيظ :
– آدم !!
ضحك (آدم) بشدة ثم قال في هدوء :
– أبدا يابني حاجة كده هبلة زي الأفلام القديمة، اتصلوا بيها وقالوا لها إنهم مستشفى وإن ملك بنتها هناك وكده، طبعا طلعت تجري وأنا وراها لأنها كانت معايا وقتها بنشتغل على ملف المناقصة، ولما مشينا بالعربية شوية قلت لها تتصل بمامتها أو أختها تتأكد منها وطلع مقلب زي ما شفت.
بدا الغضب على وجه (أدهم) وهو يقول :
– الناس دي بتفكر إزاي ؟ بأقولك ايه ؟ بعد كده أي تليفون أي حاجة تقولي وأنا أوصلها اطلع منها إنت ماشي ؟
ضحك (آدم) و رد :
– من أولها، يابني استنى لما توافق عليك طيب .
هتف فيه في غيظ :
– امشي يا آدم، روح مكتبك يلا .
ضحك مرة أخرى ثم استدار خارجا من الغرفة، بعدما خرج (آدم) جلس في صمت يفكر : لما يشعر بالضيق من (آدم) ؟ هل يغار من أخيه بالفعل أم بسبب مزاحه ؟ ثم اتخذ قرارا انتوى تنفيذه بعد زواجه منها في الحال .
********
عاد (آدم) لمكتبه ليجد (جمانة) في انتظاره والقلق يبدو على ملامحها، عندما رأته سألته في لهفة :
– خير يا دكتور ؟ كانت عاوزة إيه ؟
هز كتفيه في بساطة و رد :
– أبدا كانت عاوزة تعمل مشكلة بيننا وبين أدهم، هتسرق ورق المناقصة وتبيعه ونلبسها إحنا لما تضيع المناقصة مننا .
عقدت حاجبيها وبدا عليها الضيق ثم تساءلت مرة أخرى :
– طيب وليه كده ؟
أجابها باقتضاب :
– دينا
فهمت على الفور ما يقصده وتساءلت بداخلها : أكل هذا من أجله ؟ شعرت بالحزن يكتنفها، تساءلت عن سره فلم تدري له سببا فاستكانت لأمرها الواقع وضاعت في متاهة حيرتها مكتفية بالصمت، استغرب هو صمتها وشعر بحيرتها و لمحة الحزن التي ظهرت في عينيها، أراد أن يواسيها لكنه بهذا كان سيفشي شيئا حبسه أخاه بداخله فغير الموضوع تماما قائلا :
– بس الحمد لله إننا رجعنا في الوقت المناسب، كويس إني قلت لك كلمي مامتك او اختك واطمني.
رفعت عينيها إليه ووافقته في خفوت :
– معاك حق يادكتور، ساعتها مافهمتش قصدهم إيه من مقلب زي ده بس دلوقتي عرفت السبب، الحمد لله على إنه سترها.
رد بهدوء :
– الحمد لله.
ثم نهض متجها إلى مكتبه وهو يسألها :
– مركزة نشتغل ع المناقصة دي النهاردة ولا نأجلها لبكرة ؟
تطلعت إلى ساعتها لحظة ثم قالت :
– لا للأسف لو ممكن امشي بدري شوية، تركيزي ضايع خالص.
أومأ برأسه موافقا ثم سألها :
– هتمشي إمتى ؟
أجابت :
– يعني كمان نص ساعة كده هاخلص الورق اللي معايا ده وامشي.
قال :
– أوك.
ثم اتجه لمكتبه وبعد دخوله اتصل بأخيه قائلا بسرعة وصوت خافت :
– أيوة يا أدهم … جمانة هتروح كمان شوية متضايقة ومش مركزة … إنت اديت لها مهلة قد ايه تفكر ؟ طيب كويس بقى لها كم يوم أهي تعالى اعرف رأيها وحسسها باهتمامك … إيه ؟ أبدا حسيت إنها اتضايقت لما عرفت إن دينا كانت عاوزة تلبسنا موضوع المناقصة، كأنها سألت نفسها كل ده عشانك وحسيت إنها قلقانة … ايه ياعبيط إنت هتغير مني ؟ يووووه باقولك إيه إنت حر .
ثم أغلق الهاتف وضحك وهو يقول :
– بيغير مني، مجنون.
ثم بدأ في العمل على الأوراق التي أمامه وهو يضحك كلما تذكر جملة أخيه :
– حسيت إنها قلقانة ؟ وانت مركز معاها أوي كده ليه يعني ؟
وعاد يضحك في مرح .
********
كان الحاج (عبد الرحمن) جالسا في بهو منزله الكبير عندما دخل عليه شقيقه (كمال) مندفعا بغضب :
– إيه ياحاج ؟ هنفضل ساكتين كده كتير ؟ يعني رفضتني ورفضت تدينا الأرض هنعمل إيه ونتصرف إزاي معاها عشان أني مش ناوي أسيبها تتهنى باللي عملته .
عقد الحاج حاجبيه في غضب وهتف فيه بصرامة :
– في إيه يا كمال مالك عامل زي القطر كده ليه، إهمد بقى وبطل فكرك الأهبل دِه عشان مش عارف أفكر منك.
نظر إليه في أمل وسأله :
– يعني في حاجة في بالك يا حاج ؟
رمقه بنظرة استخفاف و رد :
– أمال فاكر هسيبها تهينك وترفضك وتاخد أرضنا والموضوع يعدي بالساهل، أني بأفكر لها في حاجة نكسر عينها بيها ونلوع كبدها على بنتها، عشان تبقى تتعلم تتعامل مع ولاد زيدان إزاي .
علت ابتسامة شيطانية شفتي (كمال) وهو ينظر إليه وتساءل :
– يعني وصلت لحاجة يا حاج ؟
رد عليه بنفاد صبر :
– يعني يا كمال أديني بأفكر، وأوعدك خطتي هتكون فيها نهايتها هي واللي يتشدد لها وتبقى تخلي القانون ينفعها .
سأله مرة أخرى :
– طيب احكيلي ياحاج يمكن أفكر معاك ونوصل لحاجة نذلها بيها .
تطلع إليه الرجل في صمت لثوان ثم قص عليه ما يفكر وهو ينظر إليه في تبجيل مستمعا لخطته .

error: