خارج أسوار القلب

الفصل السابع والعشرون

****************

جلس (كمال) مع رجل خشن الشعر مجعده، أسمر البشرة تبدو على ملامحه الشراسة خاصة مع شاربه الضخم، كان يلف بيده سيجارة ناولها إياه ثم سأله :
– ها يا أبو كمال، إيه المصلحة اللي عايزني فيها ؟
دخن (كمال) السيجارة ثم نفث دخانها في الهواء بتفكير أجاب بعده :
– مرات أخويا حسام وبنته .
لم يفهم الرجل شيئا فعاد يسأل :
– إيه مالهم ؟
رد :
– هأقولك عشان تفهم أني عايز إيه .
وقص عليه جانبه من الرواية حتى وصل لنهايتها وزواجها وإجبارهم على شراء الأرض بأسعار السوق، كان الرجل يستمع إليه في دهشة ثم هتف بعد أن أنهى كلامه :
– كل ده حصل، وإزاي ترفضك وترفص النعيم ؟ الولية دي ما بتقدرش النعمة ؟
ظهرت العصبية على وجه (كمال) وهو يرد :
– ماهو ده اللي مجنني يافتحي، وكل ماافتكر أتجنن أكتر، لولاها كان زمان حسام اتجوز صفية وخلصت أني منها بدل ما أني مدبس فيها بقى لي 6 سنين مش عارف أفلفص، إنما البيه عجبته بتاعة مصر وصمم يتجوزها، وأبويا اللي كان مدلعه ما بيرفضلوش طلب أبدا، وفي الآخر تيجي فوق دماغي وأتحرم من الذرية.
سحب نفسا آخر من سيجارته ثم أردف بعصبية :
– بس واللي خلقهم وخلقني ما هيتهنوا، هاحرمها بنت الـ ***** من كل حاجة عشان تحرم وتعرف مقامها.
نظر إليه (فتحي) في صمت ثم سأله :
– وعايز تعمل إيه ؟ أني تحت أمرك يا أبو كمال وإنت عارف .
فكر لثوان ثم أجاب بلهجة مخيفة :
– هتخطف وتقتل .
عقد الرجل حاجبيه في تفكير وقال باهتمام :
– لا اشرح لي بقى بالظبط هتعمل إيه ؟
شرح له فكرته سريعا وهو يستمع إليه باهتمام حتى انتهى، بعدها قال :
– يعني هتخطف البت وتقتلها ؟
نهره في غيظ :
– هاقتل بنت أخويا يا فتحي ماتصحصح معايا .
قال بسرعة :
– مش بتقول هتجيب البت وتدفعهم تمن الارض اللي خدوه وبعدين نموتها .
ازدادت عصبيه وهو يهتف :
– ماقلتش نموتها، قلت نموته .
سأله في حيرة :
– تموت مين ؟
كاد يشد شعره من غياب عقله لكنه أجابه وهو يضغط على كلماته في صبر :
– افهمني يافتحي، هنخطف البت، ناخد فلوسنا، نقتل جوزها فهمت ؟
هز (فتحي) رأسه في فهم وسأل :
– آآآآه فهمت، طيب هتقتله ليه مادام هتاخد فلوسك ؟
رد في حقد :
– عشان بنت ال ***** تترمل تاني وتعرف إن الله حق، بنتها هتروح منها وجوزها يموت بسببها وتعيش أرملة لحد ماتموت .
برقت عينا (فتحي) في جشع وقال :
– يادماغك العالية با أبو كمال، وليا كام في العملية دي ؟
أجابه (كمال) بسرعة :
– ميتين ألف جنيه، قلت ايه ؟
قهقه الرجل بفظاظة وهتف :
– يادين النبي ! هأقول ايه دايس معاك يا معلم .
برقت عيناه هو الآخر وقال :
– حلو أوي، ارسم خطتك بقى ونورني لما تيجي تنفذ .
سأله :
– عايز التنفيذ إمتى ؟
فكر قليلا ثم أجاب :
– الحكاية مابقلهاش يومين، هنستنى لما الموضوع يهدى والعين تبقى بعيد عننا ونهجم، يعني خدلك أسبوعين كمان كده تكون ظبطت أمورك .
ابتسم الرجل في وحشية و رد :
– ماتقلقش خالص، حقك هيرجعلك يا أبو كمال، تالت ومتلت .
بادله ابتسامته وهو يشعر بالظفر .
********
جلس (جلال) والد (أدهم) في حديقة منزله يقرأ جريدة ما، وعلى مسافة منه جلست زوجته والحزن بادٍ على وجهها، اتجهت إليهما (سارة) وقالت في تردد :
– بابا، ماما، عاوزة أروح أزور أدهم وجمانة، أدهم وحشني أوي .
ابتسم الأب في حنان وقبل أن يجيب جاء رد زوجته غاضبا :
– سارة اطلعي أوضتك مفيش خروج وانسي إنك تدخلي بيته أبدا .
عقد (جلال) حاجبيه في غضب والتفت إليها بنظرة أرهبتها، هتف بها في صرامة :
– ايه يافريدة ؟ عاوزة بنتك تقاطع أخوها ؟ زي ما إنت مقاطعاه ؟ طيب هو هان عليكي، إنما أخته بتحبه هي حرة .
ضايقها كلامه، فمنذ زواج (أدهم) وهو جاف قاس لا يدخر كلماته الجارحة أو يراعي خاطرها كما كان يفعل، أتراها أخطأت ؟ هي تحب ابنها وحيدها، أول من رأت عيناها وأول من كان قلبه بجوار قلبها، كانت تريد فرحة أكبر له، لكن من أدراها أنه غير سعيد، لمَ تفكر أن اختيارها هو الأصوب ؟ ازدادت حيرتها وابنتها تتطلع إليها في صمت، هي تشعر بمعاناة والدتها وقسوة والدها مؤخرا لكنها لم تكن تملك من الأمر شيء، كان فضولها يقتلها لمعرفة موضوع السرقة التي تتهم أمها أخيها بها، والوحيد الذي ستجرؤ على سؤاله ويجيبها هو (أدهم)، خاطبت والدتها برفق :
– ماما، أدهم بجد وحشني، طيب مش وحشك إنت كمان ؟
تطلعت إليها والدتها وتلألأت دمعة في عينيها منعها كبرياؤها من السماح لها بالمرور عبر جفنيها، عادت تخفض رأسها وتقول في استسلام :
– بعدين أنا يا سارة، روحي زي ما إنت عاوزة .
شعر الأب بالدهشة، فالتفت يتطلع إليها بذهول، أما (سارة) فقد ابتسمت في حنان ثم طبعت قبلة على رأس والدتها وانطلقت خارجة من البيت، ظل (جلال) يتطلع إلى زوجته في دهشة لم تلحظها، فقط وقفت وهمست :
– أنا تعبانة، هاطلع استريح شوية .
تابعها بعينيه وهي تدخل إلى الفيلا والتساؤل والدهشة يمنعانه من النطق .
********
وصلت (سارة) لبيت شقيقها، هي تعلم أنه في عمله لكنه سيعود قبل رحيلها، تريد الانفراد بـ (جمانة) قليلا والتعرف عليها، اكتشاف ماجذب أبا الهول أخيها لها، صعدت للمنزل ورحبت بها (جمانة) للغاية، كانت سعيدة بزيارتها والود الواضح على ملامحها، جلستا تتسامران سويا و(سارة) تلاعب (ملك) وتقبلها، قالت لوالدتها :
– ملوكة عسولة أوي، ربنا يخليهالك .
ابتسمت (جمانة) وردت :
– ربنا يخليكي ياسارة .
ترددت (سارة) قليلا ثم حسمت ترددها وقالت في خجل :
– تعرفي ! كنت دايما نفسي أعرف اللي أدهم هيختارها هتكون عاملة إزاي ؟
صمتت (جمانة) وهي تتطلع إليها في فضول ولهفة، فهي تريد أن تعرف عن ماضيه أكثر، تابعت (سارة) :
– أدهم طول عمره ما فكرش يحب، يمكن حتى كانت البنات بتخاف منه، ولما يكون في بارتي ولا حاجة عندنا كان دايما تلاقيه مع أصحابه الشباب ومفيش في وسطهم ولا بنت، مفيش غير دينا هي اللي كانت بتتجرأ عليه على الرغم من إنه كان دايما بيعاملها بطريقة مش ظريفة بس هي كانت باردة جدا، أنا كمان ماكنتش باستظرفها .
صمتت لحظة ثم ابتسمت وهي تتأمل (جمانة) ثم اكملت :
– إنت مختلفة تماما عن أي صورة جت في بالي، بس الحقيقة له حق أدهم يحبك، إنت رقيقة أوي وطيوبة وروحك حلوة.
ابتسمت (جمانة) وعلا وجهها بعض الخجل جعل ابتسامة (سارة) تتسع فقد شعرت أنها تغازلها، قالت (جمانة) بهدوء :
– ربنا يخليكي ياسارة، بجد إنت كمان زي العسل وحبوبة، إنت عارفة ! خلاص إنت بقيتي أختي، قلتِ ايه ؟
احتفظت (سارة) بابتسامتها وقالت :
– ياريت والله يا جوجو، لو ممكن أقولك جوجو، إنت عارفة ماليش إخوات بنات كله من الصنف الخشن .
ضحكت (جمانة) ثم ردت :
– قولي جوجو قولي جومي قولي جمان، أي حاجة، وبعدين ماله الصنف الخشن بقى ؟
ضحكت هي الأخرى وفهمت ماتقصده فداعبتها :
– زي العسل طبعا هو أنا أقدر أقول حاجة .
كانت (جمانة) سعيدة للغاية ، ترددت قليلا ولاحظت (سارة) ترددها فصمتت حتى تحسم أمرها، بعد تفكير قالت (جمانة) :
– سارو بصي عاوزة أقولك على حاجة، بس مش عاوزاكي تفهميني غلط، إنت دلوقتي زي مااتفقنا أختي وكمان أخت أدهم وتهميني أوي .
صمتت لترى رد فعل (سارة) فوجدت منها الإنصات والابتسامة المشجعة، استطردت :
– ممكن أسألك سؤال ؟
أومأت (سارة) برأسها ووجهها يبعث على الراحة والود فعادت (جمانة) تكمل :
– إنت ماشاء الله عسولة وزي القمر، واضح إن ده عندكم في جينات العيلة .
ضحكت (سارة) فبادلتها ضحكتها بابتسامة وتابعت :
– مش بتفكري تلبسي حجاب ؟
اندهشت (سارة) من سؤالها وشعرت بالخجل فجأة، لكن (جمانة) عاجلتها قائلة :
– بصي أنا مش عاوزة اتدخل في خصوصياتك بس إنت أخت أدهم ومصلحتك تهمني طبعا، أنا شايفة إن إنت لبسك بشكل عام مش زي مابنشوف اليومين دول، اللي لاحظته موضوع الحجاب، طبعا لو اتحجبتي هتغيري ستايلك شوية، بس حاسة هتبقي أحلى وكفاية إنه طاعة لربنا .
ابتسمت (سارة) ثم فكرت قليلا وأجابت :
– عارفة يا جوجو ! أول مرة حد يقوللي الكلام ده، على الرغم من إن صاحباتي كلهم محجبات تقريبا، وعلى الرغم من إن أدهم نوعا ما ملتزم بفروضه وبحاجات تانية كتير بس عمره ما قال لي اتحجبي، كمان بابا عمره ما قال حاجة عن الموضوع ده وطبعا ماما مستحيل تفكر فيه، يمكن بابا وأدهم مش بيقولوا حاجة لأن الوسط اللي احنا فيه عادي الكلام ده على الرغم من إن أدهم كتير كان بيتخانق معايا لو لبست حاجة ماعجبتوش .
ردت (جمانة) بتفهم :
– أيوة أنا فاهمة، بس يا سارو ربنا سبحانه وهبنا نعم كتير منها عقلنا، اللي بيخلينا نميز إيه صح وفطري وإيه بيخالف فطرتنا، ليه تستني حد يدفعك ويقولك اعملي ؟ ليه مش من نفسك تفكري وتبحثي وتعرفي الصح إيه والغلط فين ؟
كان ردها :
– أحيانا الواحد بيكون محتاج حاجة تشده للطريق الصح على الرغم من إنه بيكون شايفه وعارفه، بس يمكن بيكون في حاجة تخليه مش قادر يمشي فيه لحد ماييجي الوقت المناسب .
ابتسمت (جمانة) وقالت :
– ده نوع من التواكل يا سارة، العبادة مش لازم حد يقولك اعمليها، وقت ماعرفتي إنها مفروضة عليكي بتعملي من نفسك، أنا مش هانكر إن الدنيا الفتن فيها كتير، وأحيانا بنكون محتاجين حد ياخد بإيدنا بس الأهم يكون عندنا إحنا كمان استعداد نمسك في إيده كويس ونمشي معاه .
شعرت (سارة) براحة غريبة وهي تتحدث معها فردت بابتسامة :
– وأهو ربنا بعتك ليا عشان تشديني أهو، بأقولك أوقات بتبقي محتاجة حاجة تتعلقي بيها وتطلعي معاها لفوق .
قامت (جمانة) من مكانها وجلست بجوراها ثم قبلت رأسها قائلة :
– وأنا مبسوطة اوي إنك اعتبرتيني كده يا سارو .
ثم وقفت فجأة وهتفت في مرح :
– تعالي بقى نروح المطبخ أعلمك حاجة لدنيتك عشان أدهم زمانه جاي وعاوزين نعمل أكل جديد النهاردة بمناسبة تشريف معاليكي يا أميرة لينا .
ضحكت (سارة) ثم وقفت بجوراها و هي ترد :
– احم احم، أخجلتم تواضعنا، سيري وأنا خلفك .
اتجهتا سويا للمطبخ تتبعهما (ملك) والتي جلست تلعب كما اعتادت أثناء انشغال والدتها، ساعدتها (سارة) في القليل من الأشياء والتي خربت معظمها بالفعل مما جعل (جمانة) تبعدها عن العمل تماما وهما تتضاحكان في مرح، بعد مدة قصيرة عاد (أدهم) للمنزل، دخل بهدوء كأنه يتسلل محاولا عدم إحداث جلبة ثم توجه للمطبخ على أطراف أصابعه، رأته (ملك) فابتسم لها ثم وضع إصبعه على شفتيه مشيرا لها بالصمت، بادلته ابتسامته وصمتت كما طلب منها، رأي (جمانة) واقفة تقطع بعض الخضروات فتوجه إليها بهدوء، ثم فجأة طوقها من الخلف بقوة جعلتها تصرخ رعبا، أما هو فضحك بشدة، خرجت على صوت صراخها (سارة) التي كانت في حجرة المعيشة، وجدت شقيقها هناك يحتضن زوجته بين ذراعيه وهي تهتف في حنق :
– أدهم بجد إنت بتستهبل، ينفع كده يعني ؟
رد بمرح وهو يداعب ذقنها بأصابعه :
– عسل وإنت خايف وزعلان كده، سي أدهم النهاردة عاوز بيتزا سي فوود، إنت عاملة ايه ع الغدا ؟.
شعرت بالحرج فشقيقته هنا وهو لا يعلم وربما يصلها صوته، دفعته برفق وهي تقول بخفوت :
– أدهم بس، سارة هنا .
ابتعد عنها في دهشة وتساءل :
– إيه سارة مين ؟
سمعا حركة عند باب المطبخ فالتفتا سويا ليجدا الهواء في مقابلهما، عقدت (جمانة) حاجبيها وهتفت في استياء :
– عاجبك كده أهي شافتنا، زمانها انكسفت يارخم .
عاد يسأل في عدم فهم :
– سارة مين ؟
تطلعت إليه في دهشة وأجابت :
– هو إيه اللي سارة مين ؟ سارة أختك .
انتقلت دهشتها إليه وهتف :
– بجد ؟ سارة هنا ؟
شعرت بالغيظ ولم تجب، أما هو فشعر ببعض الحرج وقال :
– طيب مش تديني كلاكس طيب ؟
ردت وهي مغتاظة :
– كلاكس إيه في وش القطر اللي كان داخل عليا .
عقد حاجبيه ونظر إليها نظرة فهمتها جيدا وهو يرد بلؤم :
– قطر ؟ ماشي استني بس لما سارة تمشي وأنا هاوريلك يعني إيه قطر بجد .
ابتسمت في خجل وعادت تلتفت لما كانت تقوم به وهي تقول :
– روح شوفها بقى، شكلنا بقى وحش أوي .
دغدغها أسفل ذراعها فانتفضت بقوة فهتف :
– اجمد يا حلو .
ضحكت والتفتت تتابعه بعينين ملؤهما الحب وهو يغادر متجها لغرفة المعيشة، ثم قالت لـ (ملك) وهي تهز رأسها :
– ملوكة مش تقولي لي أي حاجة !.
ابتسمت الصغيرة في عدم فهم وعادت تنشغل بلعبها، أما (أدهم) فقد اتجه لغرفة المعيشة وهو يشعر بالحرج، مهما كان يمازح شقيقته أو يداعبها فلازالت هناك درجة معينة يتوقف عندها الأمر، أما أن تراه مع زوجته فذلك أثار خجله وبشدة، تنحنح ثم دخل الغرفة، وجدها جالسة تتابع التلفاز باهتمام كأنه يشغلها بالفعل، لاحظ حمرة وجنتيها فعلم أنها رأتهما، قال في مرح :
– سارو عندنا ! يامرحبا يامرحبا .
ابتسمت ووقفت متجهة إليه، احتضنها وقبل رأسها في حنان قائلا :
– منورانا والله يا سارة، بس ماقلتليش إنك جاية يعني ؟
ردت في خجل :
– أنا كلمت جمانة وقلت لها إني جاية، قلت أعمل لك مفاجأة .
شعر بخجلها فداعبها :
– وأحلى مفاجأة والله ياقمر، وحشاني، إزي بابا و .. ماما ؟
تطلعت إليه، بدا على وجهه مسحة من الحزن عند ذكر والدته، لكنها ردت بعفوية وبساطة حتى لا تشعره بشيء :
– كويسين الحمد لله، بيسلموا عليك وماما قلت لها تيجي معايا قالت لي المرة الجاية .
ابتسم في حزن، لكنها أكدت :
– بجد يا أدهم، إنت عارف إن ماما بتحبك ويهمها سعادتك، وحتى لو دلوقتي رافضة وزعلانة مصيرها تسامحك لأن مالهاش غيرك .
ابتسم في حنان وقال :
– طيب ابقي سلمي لي عليها هي و بابا كتير أوي، وأنا هاحاول آجي زيارة في أقرب وقت بإذن الله .
شعرت بالسعادة فهتفت :
– أوك هاقولهم ونستناك .
أومأ برأسه إيجابا ثم جلس وجذبها لتجلس بجوراه متسائلا :
– طمنيني بقى عاملة إيه في الكلية ؟
أجابت :
– الحمد لله كله تمام لسه في أول الدراسة وبنستكشف السنة الجديدة .
قال :
– كويس عاوزك بقى التزام من أول السنة عشان التقدير يفضل زي ماهو .
ابتسمت و ردت :
– ده أكيد مش محتاجة وصاية .
ترددت لحظة فلاحظ ترددها، سألها :
– خير يا سارو ؟ عاوزة تقولي حاجة ؟
ترددت لثوان أخرى ثم قالت بسرعة :
– عاوزة أعرف ايه موضوع السرقة اللي ماما دايما بتتكلم عليه مع آدم ده ؟
ظهرت الدهشة على وجهه، نعم كانت صغيرة وقتها لكنها الآن تعلم، ماذا لو ظنت بأخيها سوءا ؟ قرر أن يحكي لها باختصار فقال :
– شوفي يا سارة انا مش عاوزك تفتكري إن آدم ممكن يعمل حاجة زي دي، ماما أوك ضاع منها حاجة بس اتهامها لآدم طبعا مش في محله، مش عارف أقول إيه، أنا مش باقولك إن ماما بتكدب بس هي لقت شماعة تعلق عليها الموضوع وتضايق آدم في نفس الوقت، أيامها ماما ضاع منها كوليه ماس كان بابا لسه جايبه لها هدية، دورنا كتير وحتى الشغالين اللي في الفيلا وكله ملقيناش حاجة، ماما فجأة قررت إن آدم أخده وباعه عشان ياخد فلوسه وخلاص، أيامها آدم انفعل وهدد إنه يسيب البيت لكن ماما مارجعتش عن كلامها وللأسف بابا كمان ماوقفش جنبه وفعلا ساب البيت، بعدها عرفنا إنه سافر كندا وفقدنا اتصالنا بيه لحد مارجع الفترة اللي فاتت .
صمتت تفكر لدقيقة كاملة ثم هتفت فجأة :
– تفتكر شكله إيه الكوليه ده ؟
اندهش من تفكيرها، هل هذا هو السؤال او الرد المناسب على ما حكاه لها ؟، رد في دهشة :
– مش فاكر بالظبط، بس كان أعتقد فيه ياقوتة وعريض شوية .
انتفضت في مكانها فجأة وهتفت :
– مش ممكن الكوليه ده كان معايا .
اتسعت عيناه في ذهول وتساءل مستنكرا :
– معاكي ؟ إنت بتهرجي ؟ معاكي إزاي ؟
أجابت بسرعة وهي تنتفض واقفة لتلتقط حقيبتها :
– انا لازم امشي، الكوليه ده أكيد في وسط لعبي القديمة في الصندوق، أيامها أخدته ألعب بيه والبسه للعروسة بتاعتي من علبة المجوهرات بتاعة ماما وأنا مش فاهمة طبعا، ياخبر أبيض ، سلام بقى .
وقف وجرى خلفها وهو يهتف :
– يامجنونة استني عاوز أفهم .
صاحت وهي تفتح الباب :
– هابقى اكلمك أفهمك المهم أروح أدور عليه و أديه لماما .
أغلقت الباب خلفها وظل هو يتطلع إليه في ذهول في حين أتت (جمانة) مسرعة على صوت رحيل (سارة) وهتفت :
– إيه ده ؟ هي مشيت ؟ ليه ؟ مش معقول تكون انكسفت للدرجة دي ؟
التفت إليها في عدم فهم، ثم رد :
– لا دي افتكرت حاجة وضروري تمشي تعملها .
ثم مط شفتيه وهو يشعر بالغباء، هزت كتفيها في استسلام وصمتت، نظر لزوجته مرة أخرى فوجدها تحمل (ملك) على كتفها نائمة، ثم اتجهت لغرفة الصغيرة لتضعها في الفراش، خرجت من الغرفة فلم تجده، توجهت نحو غرفة النوم، وجدته هناك مستلقيا على الفراش ويتنفس بعمق، شعرت بالشفقة فقد بدا متعبا للغاية حتى أنه نام بقميصه وبنطاله، ابتسمت في حنان، وذهبت إليه، دثرته بغطاء رقيق وربتت على شعره بحنو ثم انحنت تطبع قبلة على جبينه، لكنه جذبها بقوة فسقطت فوق الفراش وهي تشهق في فزع ، هتف هو بلهجة بدت جنونية مرحة :
– مش بتقولي قطر ؟ طيب هاوريكي القطر بيعمل إيه ؟
لم تدر ما تفعل سوى الاستسلام لحبه الذي يذيب خلاياها ويقتلها عشقا .
********
يومها ليلا صنعت حلواه المفضلة، وعلى صينية كبيرة حملتها مع أكواب الشيكولاتة الساخنة التي يعشقها ثم توجهت لغرفة المعيشة حيث يجلس إلى جوار الصغيرة يشاهدان فيلما كرتونيا من جديد، عندما رآها ابتسم لها وقام يحمل عنها الصينية الثقيلة، بادلته ابتسامته وشكرته بنعومة :
– ميرسي ياحبيبي .
نظر إليها بخبث وهمس في أذنها :
– الكلام ده ماينفعش دلوقتي خالص .
ضحكت في خفوت وهي تلكزه في كتفه بخفة، رفع حاجبا واحدا ينظر إليها كأنه يتوعدها، فأعطته ابتسامة رقيقة تطلب مسامحته ليضحك هو في مرح، جلست إلى جواره ثم ناولته طبق الحلوى وهي تقول :
– أدهم عاوزة منك طلب .
نظر إليها بتساؤل وهو يهتف مشاغبا :
– قلتِ لي بقى، يعني سوفليه وهوت شوكليت، مش لله في لله كده !.
ضحكت في سعادة وهي تداعبه :
– يعني، كله بتمنه .
اقترب منها هامسا في مكر :
– على فكرة المثل بتاع أقرب طريق لقلب جوزك معدته ده مش بينطبق عليا أبدا، أنا أقرب طريق ليا حاجة تانية خالص .
اشتعلت وجنتيها خجلا وعادت تلكزه في كتفه فهتف ضاحكا :
– الخبطة التالتة هيتجبس فورا .
ضحكت هي الأخرى ثم تماسكت وحاولت الحديث بجدية قائلة :
– بجد بقى عاوزة منك طلب .
ابتسم لها وهو يتذوق الحلوى بتلذذ ثم رد :
– أؤمريني .
ابتسمت في حب وترددت قليلا، تطلع هو إليها في تساؤل مستغربا ترددها، حسمت أمرها وقالت ببطء وصوت خافت :
– عاوزة أزور جدة ملك .
عقد حاجبيه في عدم فهم، ثم هتف فجأة :
– تقصدي مامة باباها ؟
أومأت برأسها إيجابا فتطلع إليها في صمت للحظات، ضغط شفتيه كأنما يمنع نفسه من الحديث، شعرت هي بإشارات جسده الرافضة، أتاها صوته أخيرا :
– ليه ؟
أجابته بهدوء :
– دي جدة ملك يا أدهم، هي مالهاش غيري أنا وملك بعد حسام الله يرحمه وباعتبرها زي ماما .
عقد حاجبيه بشدة عندما خرج اسم زوجها المتوفى من بين شفتيها، كاد يصرخ غاضبا لكنه تماسك بصعوبة، وضع الطبق على الطاولة أمامه ثم عاد يلتفت إليها ولمس شفتيها بسبابته في ضغطة خفيفة متملكة قائلا في حزم :
– الشفايف دي ماتنطقش غير اسمي وبس، مفهوم !.
كانت تريد استرضاؤه فأمسكت بكفه وقبلت باطنها هامسة :
– هي فعلا مش بتنطق غيره .
نبض قلبه لكنه أشاح بوجهه وهو يجيبها على طلبها :
– خلاص ياجمانة، مش هأقدر أمنعك عنها، زي ما بتقولي هي في مقام مامتك ومالهاش غيرك .
ابتسمت وأدارت وجهه إليها ثانية لتحوطه بنظرة تمتلئ بالحب والدفء، بادلها ابتسامتها في صمت فأمالت رأسها كأنها تخبره ” أفصح عما بداخلك ” ، تنهد بعمق ثم هتف فجأة :
– أيوة غيران خلاص ! أعمل إيه يعني غصب عني ؟ .
احتفظت بابتسامتها وهي تربت على كفه، همست في دلال :
– ومين قال إني مش عاوزاك تغير ! بس دي واحدة ست مش راجل يعني مفيش سبب يستدعي الغيرة .
زم شفتيه بطريقة طفولية وهو يرد :
– بس مامته .
ضحكت بخفوت فنظر إليها في غيظ، كتمت ضحكتها ثم قالت :
– جدة ملك يا أدهم، وبس .
هز رأسه في استسلام صامت فتناولت طبق الحلوى وبدأت تطعمه بيدها قائلة بحنان :
– المفروض تاكله سخن على فكرة .
أكله من يدها متلذذا من جديد، وقلبه ينبض بغيرة تكاد تخنقه رغما عنه .

error: