خارج أسوار القلب

الفصل السابع عشر

*************

بعد خروج (أدهم) من الفيلا نزلت (سارة) لوالديها بينما كانت والدته ترمي بجسدها على أحد المقاعد وتهتف متباكية :
– شفت يا جلال ؟ آدي آخرة دلعك فيه وتربيتك اللي بتقولي خليه يعتمد على نفسه وهو حر في قراراته، كان زمانه دلوقتي متجوز ومخلف من زمان، وآدي آخرة خدمات صحابك حطتنا في مصيبة والبنت ضحكت على ابنك وخلته يحبها ويقف قصادنا اللي عمره ماعملها، آه أعمل ايه ؟
كانت (سارة) قد وصلت إليهما فقالت بتردد :
– مادام بيحبها يا بابا ليه لا ؟ أدهم عمره ما حب ولا كان له علاقات زي الشباب غيره ودايما كان واقف جنبك وجنبنا كلنا وهو اللي بنعتمد عليه، ليه لما جه يختار حاجة في حياته وقفنا كلنا قصاده وبنقوله في دي كمان لا، لازم تختار اللي احنا عاوزينه إنت مش من حقك تحب وتختار تعيش مع اللي بتحبها.
صرخت فيها والدتها :
– بنت اخرسي، انت اتجننتي انت كمان.
أما والدها فقد صمت مفكرا في كلمات ابنته وهو يتطلع إليها وكأنما انتبه لأول مرة أنها كبرت ونضجت، (سارة) ذات العشرون ربيعا لم تعد طفلة بل أصبحت أنثى تناقشهم وتتكلم في الحب ولغة القلوب معهم، وهاهي تدافع عن شقيقها، لم يرد أن يخسر تأييدها لموقفهم فرد بهدوء مشيرا لزوجته بالصمت :
– يا سارة احنا ماقلناش مش من حقه يختار، كل واحد من حقه يختار اللي يكمل حياته معاها لكن يابنتي لما نلاقي اختياره غلط يبقى نتكلم لو سكتنا يبقى بنقصر في حقه، لازم ننصحه ونوضح له اللي هو بسبب الحب مش شايف إنه غلط.
شجعتها كلمات والدها على محاورته فعادت تقول :
– أيوة يا بابا بس أدهم مش صغير، كلامه عنها بيدل هي قد ايه حد كويس وقد ايه هو حاسس إنه هيرتاح معاها، مش معقول هتكون قدرت تضحك عليه ودينا بقى لها سنين بتحاول تقربه منها ومش قادرة، أدهم أكتر حد باحس انه فاهم وقد المسئولية مش طفل صغير اتعلق بأي حاجة وعاوزها وخلاص، ليه مانسيبوش يخوض التجربة ولو نجحت يبقى ما خسرناهوش وفضل معانا وعاش مع اللي قلبه اختارها ولو فشلت يبقى اتعلم درس وبرده مش هنخسره وهيرجع لنا من تاني.
كادت والدتها تصيح في وجهها مرة أخرى بغضب لولا أن أشار لها (جلال) وقال :
– استني يافريدة.
ثم صمت، كان يفكر في كلام ابنته، لقد كبرت بالفعل، كبرت وتناقشه بل وتحاول إقناعه وتفند براهينه وأدلته، سُعِد بها للغاية لكن أقلقه أنها تساند شقيقها وفقط، ربما لديها وجهة نظر تستحق التوقف عندها، لكن تبقى فوارق كثيرة تمنع هذه الزيجة، قاطع تفكيره صوت زوجته تهتف في عصبية :
– بتفكر في ايه يا جلال ؟ عاوز توافق إنت كمان ؟ هي دي اللي ابنك صبر السنين دي كلها عشان يتجوزها ؟
ثم قامت من كرسيها بعنف وأكملت :
– انا طالعة فوق أستريح، ماعدتش قادرة استحمل خلاص.
ثم تركتهم صاعدة لغرفتها، استمر هو صامتا يفكر في كلام طفلته التي مر العمر وهو لم يشعر بها تكبر أمام ناظريه.
وفي الأعلى دلفت (فريدة) إلى غرفتها ثم أمسكت هاتفها واتصلت بأحد الأرقام وأثناء الرنين كانت تحدث نفسها بعصبية :
– بقى كده يا أدهم، بتتحداني ورايح جايب لنا واحدة من الشارع تتجوزها والمصيبة إنها أرملة وعندها بنت، طيب يا أدهم إن ما ….
قطع حديثها الغاضب صوت يرد على الهاتف :
– ألو، أيوة يافريدة، عاوزة ايه تاني بعد اللي ابنك عمله مع دينا ؟
هتفت في عصبية :
– ناريمان أنا مااعرفش حاجة عن الموضوع ده إلا دلوقتي المشكلة مش في كده المشكلة إن أدهم عاوز يتجوز واحدة أرملة بتشتغل عنده في الشركة ومصمم على كده وأنا وجلال مش قادرين نقنعه، لازم نتصرف ونعمل أي حاجة تمنع الجوازة دي.
سمعت شهقة صديقتها ثم قالت :
– ابنك اتجنن يا فيري، يعني كلام دينا صح واللي عملته كان معاها حق فيه.
تساءلت (فريدة) في دهشة :
– كلام ايه ودينا عملت ايه ؟
حكت لها (ناريمان) ما قصته عليها ابنتها سابقا وعن الخطة التي اتبعتها لتوقع بينهما حتى أدت لوقوع الصورة في يد (أدهم) وطرده لابنتها من الشركة، قالت (فريدة) وهي مندهشة مما تسمع :
– يعني فعلا في حاجة بينهم مش بس بيحبها ؟
أكدت (ناريمان) :
– دينا متأكدة من كده.
صمتت (فريدة)، لا يمكن، (أدهم) ليس أبدا من ذلك النوع ولو كان على علاقة بها فلما يكلف نفسه عناء الزواج منها إذن؟ هل (دينا) تكذب ؟ لكن لماذا ؟ كاد عقلها ينفجر من التفكير والحيرة، سمعت صوت صديقتها يقول :
– الكلام في التليفون مش هينفع يا فيري، تعالي نقعد نتكلم أنا وإنت ودينا ونشوف هنعمل ايه في الكارثة دي.
أجابتها بالموافقة واتفقتا على اللقاء في اليوم التالي ليرين ما ستفعلن في أمر هذه الزيجة وتبحثن عن طريقة لمنعها.
********
خرج (أدهم) من الفيلا غاضبا حانقا والأهم حزينا، كان يشعر بحزن عميق لرد فعل والديه، هاهي والدته ترفض بعنف وتصرخ في وجهه ووالده يتخاذل في نصرته أمامها كما فعل مع أخيه من قبل، أخيه الذي يعلم تماما أنه يسانده ويقف إلى جانبه دوما، أخيه الذي هاجر وترك بلده وأهله بسبب والدته هو، لم يدر إلا وهو يزفر في حنق شديد ويلتقط هاتفه ليطلب رقمه، استمع للرنين على الجانب الآخر لثوان ثم فتح الخط ليسمع صوت أخيه يقول في مرح :
– أدهم المجنون، فينك يابني، ايه المصيبة اللي عملتها النهاردة دي ؟
تنهد (أدهم) وقال في ضيق :
– مش فايق للهزار يا آدم إنت فين ؟
شعر (آدم) بلهيب تنهيدته ومدى الضيق المحتشد فيها فسأله في قلق :
– مالك يا أدهم خير ؟
رد (أدهم) في عصبية :
– يابني رد علي إنت فين عاوز أشوفك.
قال بسرعة :
– أنا في البيت تعالى.
أجاب (أدهم) بزفرة أخرى :
– لا عاوز أقعد في مكان مفتوح انزل قابلني.
شعر (آدم) بالحيرة وهو يقول :
– مش هينفع يا أدهم يوسف لوحده، طيب تعالى ونقعد في البلكونة نتكلم.
زفر (أدهم) في ضيق مرة أخرى ثم قال في استسلام :
– طيب أنا جاي.
جلس (آدم) منتظرا أخيه في قلق شديد، لم يسمع صوته بهذا الشكل من قبل، كان كم الضيق فيه ونبرة الحزن التي تخالطه كبيرا جدا، رن جرس منزله فقام لفتح الباب بسرعة ليجد (أدهم) يقف مستندا للجدار المجاور للباب ويبدو عليه الإرهاق والغضب واليأس فمد يده يجذبه للداخل هاتفا :
– تعالى يا أدهم، مالك ايه اللي حصل وشكلك عامل كده ليه ؟
دخل (أدهم) مع أخيه ليرمي جسده في تهالك على أقرب مقعد وجده في طريقه ويتنهد بعمق ثم أسند رأسه لمسند المقعد وأسبل عينيه، جلس (آدم) على مقعد مجاور وربت على كفه متسائلا في حنان :
– حصل إيه يا أدهم طمني، مالك ؟
فتح عينيه وغمغم في حزن :
– مش موافقين يا آدم.
لم يفهم أخاه في البداية لكن فجأة علم ما يتحدث عنه (أدهم) فقال :
– انت قلت لهم ؟ طيب مش كنت تستنى رأيها ؟
زفر في حنق وقال في عصبية :
– يابني باقولك مش موافقين، يعني رأيها لحد دلوقتي مش فارق معاهم المهم اللي هما عاوزينه وبس.
سأله بتردد محاولا عدم إغضابه :
– طيب افرض هي ماوافقتش ؟ يبقى انك تفاتحهم في الموضوع مالوش لازمة، كنت استنى رأيها بدل ما تعمل مشكلة.
نظر إليه في استياء وقال :
– خلاص اللي حصل حصل يا آدم، مش ناقص بقى.
تنهد (آدم) وسأل :
– قالوا لك ايه ؟
قص عليه (أدهم) تفاصيل الموقف وأنهى كلامه قائلا :
– كل اللي هاممهم الفلوس والمركز الاجتماعي وصحابنا يقولوا ايه، وأمي كل اللي في بالها إني اتجوز دينا بنت صاحبتها وخلاص بغض النظر عن إنها تناسبني او لا، بحبها ولا لا.
شعر (آدم) بالضيق من أجل أخيه، هاهو موقف آخر يتكرر يخذل فيه الأب ابنه أمام زوجته، وهذه المرة كان الابن ابنها أيضا، لكنها تريد فقط السيطرة وتملك ما تستطيع من الدنيا حتى وإن كان على حساب ابنها، في النهاية سأله :
– إنت بتحبها يا أدهم ؟
تطلع إليه في دهشة، أهذا هو الوقت المناسب لمثل هذا السؤال ؟ كرر (آدم) :
– رد علي بتحبها ؟
خفض (أدهم) عينيه أرضا وخرجت من صدره تنهيدة حارة تعبر عن اللهيب الذي يشتعل بداخله ويقتله احتراقا، صمت محاولا إيجاد كلمات تعبر عما يشعر فلم يجد، أجاب بعد صمت :
– مش عارف اللي حاسس بيه أسميه إيه يا آدم ! أقولك إني أول ما شفتها حسيت بحاجة غريبة كأني لأول مرة بأشوف واحدة ست ؟ أقولك إني اتخانقت معاها أول مااشتغلت ومن ساعتها وأنا نفسي أقولها آسف في وشها بس مش قادر، إني لما بأكون في نفس المكان اللي هي فيه بأرتبك واتلخبط وفي نفس الوقت باحس إني مجنون وعنيف وقاسي وعصبي زي اللي عنده شيزوفرينيا، إني بحب استفزها واشوفها متعصبة ووشها أحمر من الغضب أو الخجل، إن نفسي تكون لي وأخبيها جوايا وماحدش يلمسها أو يشوفها أو حتى يفكر فيها، مش عارف أقول إيه، مااعتقدش إن ده حب، دي حالة غريبة بقت بتجيلي بسببها ومش عارف أتخلص منها.
ابتسم (آدم) في حنان شديد وقال :
– إنت تخطيت مرحلة الحب بكتير، يعني إنت عرضت عليها الجواز للأسباب دي كلها مش مسألة بس إنها محتاجة حد يحل لها مشكلتها ؟
أومأ برأسه إيجابا في صمت ثم قال بصوت متحشرج مخنوق :
– مشكلتها كانت بس الدافع اللي خلاني أفتح عيني على مشاعري وأجبرني أعترف بيها، مجرد تفكيري إنها ممكن تقتنع بالحل اللي انت اقترحته عليها وتفكر فيه وتقبله وإن ممكن حد تاني أنا عارف إنه في ثواني ممكن ياخدها مني خلتني زي المسعور اللي ممكن يرتكب جريمة عشان تفضل ليا أنا وبس، كان لازم أعترف قدام نفسي وكان لازم أحبسها وأسلسلها حتى لو غصب عنها، هتكون ليا يعني هتكون ليا، كابرت كتير واستغربت أحيانا الضيق والغيرة اللي كنت باحس بيهم لكن وقت الجد جه وما ينفعش أكابر أكتر من كده، كنت زي المجنون ماحسيتش بنفسي غير وأنا واقف قدامها وهي قاعدة على كرسي مكتبها وكمية إرهاق غير عادية على ملامحها، حسيت بيه إرهاق جواها في قلبها وعقلها أكتر منه جسدي، كان نفسي أحضنها وأحاول أمحي الحزن اللي عايش جواها وأرسم بسمة على شفايفها، كل اللي طلع مني لما لاقيتها بتبص لي بخوف وقلق وتنزل عينيها في الأرض من نظرتي ليها هو كلمة واحدة، طلبت منها الجواز، لما سألتني ليه …
صمت ثانية ثم ابتسم في حنان وهو يكمل :
– ماقدرتش أقاوم إني أستفزها تاني وأقولها مش عارف، يمكن غلاسة يمكن شوية كبرياء إني برده مش عاوز أعترف لها، بس قلت لها إني هاتجوزها حتى لو ماوافقتش، أعمل ايه يا آدم ؟ الوحيدة اللي قلبي اختارها وقفل على نفسه عشانها طول السنين دي مش قادر يوصلها وكأن الدنيا كلها واقفة قصاده.
سأله (آدم) :
– تحب أتكلم مع بابا ؟
رفع (أدهم) عينيه إليه في أمل وهتف :
– بجد يا آدم هتكلمه ؟
هز كتفيه وقال بابتسامة :
– هاحاول يمكن كلامي يفرق معاه.
ابتسم (أدهم) و رد في حماس :
– أكيد هيفرق، بابا بيحبك جدا وبعد الغياب اللي غبته بيتمنى منك تطلب منه أي حاجة.
طمأنه (آدم) :
– خلاص هاحاول، تفتكر أقابله فين ؟
تراجع (أدهم) وفتر حماسه فجأة وهو يجيب :
– بابا اليومين دول مش بيخرج من البيت زي ماانت عارف، كان تعبان شوية ومش بيقدر يخرج.
فكر (آدم) لدقيقة أو يزيد واحترم (أدهم) صمته، كان يأمل أن يذهب إليه ولو لدقائق من أجل خاطره، رفع (آدم) رأسه وقال بحزم :
– خلاص يا أدهم بلغه إني هازوره بكرة وربنا يحلها من عنده.
شعر (أدهم) بالسعادة، هاهو الأقرب إليه يثبت دوما أن يستحق تلك المكانة في القرب منه، ابتسم ابتسامة واسعة وقال :
– ربنا يخليك ليا يا آدوم، مش عارف من غيرك كنت عملت ايه، إنت رجعت في الوقت المناسب .
ربت أخوه على كتفه وابتسم مشجعا وهو يقول :
– على ايه يا أدهم دعواتك بس نوصل لحاجة لأن بابا لو وافق طنط فريدة مش هتقدر تعارض.
أومأ (أدهم) برأسه موافقا ثم قام متسائلا :
– فين يوسف ؟ نايم ؟
أجاب أخوه :
– أيوة عنده مدرسة الصبح.
(أدهم) :
– طيب تمام، أنا كنت ناوي أنام عندك النهاردة بس مادام هتيجي بكرة خليني أروح أمهد لبابا .
(آدم) موافقا :
– ماشي يا أدهم.
تبادلا السلام ثم انطلق (أدهم) عائدا لمنزله في حين بقي (آدم) يفكر في طريقة لإقناع والده أن يترك لأخيه حرية اختيار من يريدها ولا يمنعه حتى لا يفقده هو الآخر .
********
في اليوم التالي كان اللقاء العاصف بين (دينا) ووالدتها وبين (فريدة)، كانت (دينا) تشعر بحقد لا مثيل له وتغلي من الغضب لا يماثله سوى الغضب المتجمع في سماء (فريدة)، قالت (دينا) بعصبية شديدة :
– يعني إحساسي كان في محله ! أنا مش فاهمة أدهم بيفكر إزاي وايه اللوكال دي اللي فضلها عليه، مش جميلة مش شيك يوزد Used وعندها بنت كمان، إزاي يسيبني انا ويروح لدي ؟
حاولت والدتها تهدئتها :
– ماتقلقيش يا دينا، جوازة زي دي مستحيل تتم، مفيش توافق أبدا، واحنا هنتصرف بس عاوزين خطة مظبوطة مش يعرف زي المرة اللي فاتت.
قالت (فريدة) بحنق :
– طبعا مستحيل، دي ايه دي اللي اسمح لها تتجوز ابني وتاخد فلوسنا كلها، لا نعرف لها أصل ولا فصل ولا مركز اجتماعي ولا عندها أي حاجة.
تأملتها (ناريمان) ثم تساءلت في بطء :
– طيب وهنتصرف إزاي يافيري ؟
ردت (فريدة) بعصبية شديدة :
– مش عارفة يا ناني، مش عارفة أنا هاتجنن ونفسي اشوفها عشان هاقتلها بجد.
تبادلت الفتاة وأمها نظرة خبيثة ثم قالت (دينا) :
– مش لدرجة القتل يا أنتي فيري، في حاجات بتكون أفظع من القتل، أنا هاعرفها شغلها الرابيش Rubbish دي، وإزاي تفكر تاخد حاجة مش بتاعتها، لازم أدهم يعرف إنها لها علاقات كتير ويحتقرها زي ماعمل معايا عشان مجرد صورة، ولازم يفقد ثقته فيها، من ناحية الحب ومن ناحية الشغل كمان لأن واضح إنها مش عاوزة تسيبه على الرغم من اللي فهمته لها إن في علاقة بينا.
تطلعت إليها المرأتان في تساؤل صاحبه بعض القلق والخوف لدى (فريدة)، هل هذه من تريد إجبار ابنها على زواجها ؟ هل بالفعل ستصونه وتحفظ غيبته ؟ أما (دينا) فأكلمت :
– أنا هاشرح لكم الفكرة اللي جت لي لما شفت اللي اسمه هشام ده اللي كان بيشتغل في الصيدلية بتاعة جوزها اللي مات، أنا لي عيون في الشركة مش معنى إني خرجت منها إني خلاص مش هاقدر اعرف ايه اللي بيحصل هناك، وكله بتمنه طبعا.
صمتت لترى تأثير كلماتها على والدتها ووالدته فوجدت منهما الإنصات والتساؤل والفضول فانطلقت تحكي لهما خطتها، والتي كانت خطة شيطانية آثمة لا تنبع إلا من عقل لا يعرف للفضيلة طريقا.
********
في فيلا (الحسيني) احتضن (جلال) ابنه الأكبر في شوق وسعادة جمة قائلا :
– آدم مش مصدق إنك جيت هنا، ماشفتكش بقى لي اكتر من أسبوعين وحشتني يابني، وفين يوسف ؟
رد (آدم) بحنان :
– إنت أكتر يا بابا، يوسف في مدرسته دلوقتي، أنا جاي لك بخصوص موضوع سريع مش محتاج إني أجيبه معايا ولما رجلك تتحسن تبقى تيجي وتقضي معانا يوم كده في أي مكان بإذن الله، طمني عليك وعلى صحتك عامل ايه ؟
أجاب الوالد :
– الحمد لله، أهو يوم كده ويوم كده، حتى الشركة زي ماانت شايف كنت باروح لها زيارة كل أسبوع دلوقتي مش بأقدر.
ابتسم (آدم) قائلا :
– ربنا يديك الصحة يا بابا.
ثم التفت لأخيه الصامت مداعبا :
– ايه يا أدهم مفيش حاجة عندكم تتشرب ولا ايه ؟
ابتسم (أدهم) وعلم أن أخاه يريد الانفراد بوالده فقام وهو يقول ممازحا :
– هاروح استكشف كده بس بيتهيألي مفيش.
قالها وخرج من غرفة المكتب الذي عمه الصمت لثوان بعد خروجه، قطعه بعد ذلك الوالد :
– إنت جاي عشان موضوع جواز أدهم مش كده يا آدم ؟ مفيش حاجة تخليك تتنازل وتيجي الفيلا هنا غير أخوك.
رد (آدم) بابتسامة لذكاء والده :
– معاك حق يا بابا وانا مش هاقول لا لأني عاوز أتكلم معاك في الموضوع بجد وهدوء من غير عصبية.
نظر إليه والده وصمت منتظرا منه بدء الحديث فاستطرد :
– بابا مش كل حاجة في حياتنا هنقيسها بالفلوس وده مركزه الاجتماعي ايه وعنده كم شركة وهيورثنا ونورثه والمهم حسابنا يزيد في البنك ونغير العربية كل شهرين ونتفسح في أوروبا، مش دي السعادة اللي ابنك أدهم بشخصيته محتاجها، أدهم دماغه كبيرة وعقله أكبر، أكبر بكتير من إنك تختزله في حاجة مادية أو شكل خارجي لواحدة شايفينها حلوة وغنية وتستاهله أكتر، أدهم محتاج واحدة يحبها، يحبها بجد ويعيش معاها الحب اللي كان محبوس جواه طول عمره لحد مالقاها، صعب تحرمه منها، صعب بعد ما وصل للسن ده تستغل حبه وتقديره لك وتجبره على حاجة مش عاوزها، صعب تقوله مستقبلك وحياتك وزوجتك وأولادك أنا هاختارهم كانه ملك يمين تتحكم فيه زي ماتحب.
كان الكلام يشق قلب والده بسهولة كما تشق سكين حادة قالبا من الزبد البارد، أكمل (آدم) بعد تنهيدة حارة :
– بلاش تخذل أدهم يا بابا، أنا مش عاوز أقولك إنك خذلتني وخليتني أبعد بس ده اللي حصل، أدهم لو حس بالخذلان مش بس هيبعد، لا هيبعد أوي أوي ومش هيرجع، أدهم فيه مني كتير بس شخصيته أصعب، شديد وفيه حتة قسوة هو بيسيطر عليها، الحتة الصغيرة دي لو طغت على مشاعره هتخليه إنسان مختلف تماما، بلاش تدوس عليها يا بابا عشان ماتخسروش، وللأبد.
لحظة صمت أخرى تابع بعدها :
– فكر بقلبك يا بابا، قلبك اللي مفروض همه الأول سعادة ولاده، خلي عقلك برا شوية، عقل التاجر ورجل الأعمال مش هينفع في موقف زي ده قلب وعقل الأب هو بس اللي من حقه يفكر هنا ويقول قراره، اديله حرية الاختيار وسيبه يتحمل نتيجة اختياره، لو صح تبقى ساندته ووقفت جنبه وهو كمان فضل جنبك ولو غلط هيرجع لك ويعتذر لك ويفضل جنبك، في الحالتين هتبقى ما كسرتش قلبه أو بعدته عنك.
تطلع إليه الوالد في دهشة، هاهو يكرر عبارة أخته، هل هو الوحيد الذي يرى أن الأمر ليس كما ينبغي ؟ وأن اختيار ابنه خاطئ ويجب أن يمنعه ؟ .
في هذه اللحظة عادت (فريدة) من الخارج لتفاجأ بوجود سيارة غريبة لا تعرفها أمام المنزل، خرجت من سيارتها ووقفت تتطلع إليها للحظة ثم اتجهت بخطوات سريعة للداخل، نادت أقرب العاملين في الفيلا إليها وسألته :
– هو احنا عندنا ضيوف ؟
هز الرجل المسن رأسه نافيا وأجاب :
– لا ياهانم ده آدم بيه ابن جلال بيه، معاه في المكتب.
شعرت بالصدمة، ما الذي أتى به إلى هنا ؟ ألم يقل يوما بأنه لن يعود مهما حدث، فكرت لدقيقة ثم استنتجت سبب وجوده، لابد أنه يحاول إقناع والده بزواج أخيه، إنه دوما يغار منه ويسعد كلما حدث له شيء يشعره بدونية أخيه، انطلقت كالصاروخ تجاه المكتب في أثناء عودة (أدهم) من المطبخ مبتسما وهو يحمل ثلاثة اكواب من العصير البارد والذي رآها تتجه في غضب للمكتب وتفتح بابه في عنف بدون استئذان، وضع الصينية من يده وتبدلت ملامحه للغيظ والغضب خاصة عندما بدأ صوتها يعلو هاتفة :
– بتعمل إيه هنا يا آدم ؟ مش مكفيك اللي عملته قبل كده جاي عاوز أخوك يتجوز واحدة من الشارع ؟
انتفض (آدم) واقفا في غضب تبعه والده هاتفا فيها بصرامة :
– فريدة، ايه الكلام ده ؟ ماتتكلميش مع ابني بالشكل ده.
صرخت في وجهه :
– إنت مش شايف يا جلال، جاي عاوزك تجوزه واحدة كانت متجوزة لا هي من مستوانا ولا بيئتنا طول عمره بيغير من أخوه عشان اتعلم أحسن منه وكان دايما أذكى منه و متربي في حضن مامته .
ارتسم الألم على وجه (آدم) في حين قال (أدهم) بقسوة بعدما وصل للغرفة :
– مامته مين ؟ الأم دي حاجة مش في قاموسك يا فريدة هانم، أخويا اللي كنت السبب في بعده عننا وعلى الرغم من كده اتنازل وجه بيتك تاني وبرده بتهينيه هو أكتر حد وقف جنبي وشجعني وعلمني ووصاني أقف جنب والدي، لولاه كان ممكن أكون واحد تاني مختلف 180 درجة بس إنت مش واخدة بالك.
صرخت مرة أخرى :
– اخرس إنت يا أدهم.
ثم التفتت مخاطبة (آدم) :
– شوف يا آدم لو عاجباكو البنت أوي روح اتجوزها انت اهو انتو الاتنين أرامل ومناسبين لبعض وكل واحد يربي ابن التاني ونخلص، إنما ابني مستحيل يتجوزها فاهم؟ مهما عملت عشان تقلل من قيمته أو تنتقم مني فيه مش هاسمحلك، مستحيل كفاية سرقتني قبل كده ودلوقتي جاي عاوز تضيع ابني مني.
هتف فيها (جلال) غاضبا :
– فريدة.
تطلعت إليه في قسوة واكتفى هو بالصمت، لم يجد كلاما يقوله ليداوي به جرح ابنه فكان صمته بمثابة ملحا على الجرح، لم يرد (آدم) اكتفى هو الآخر بالصمت ونظرة عتاب طويلة ألقاها على والده الساكن ثم التفت مغادرا المكان يتبعه (أدهم) هاتفا :
– آدم استنى، أنا جاي معاك.
وألقى نظرة غاضبة على والديه وهو يغادر الفيلا ويغلق بابها خلفه في عنف، ومن الطابق العلوي كانت عيني (سارة) المصدومتين تتابعان مايحدث في حزن .

error: