خارج أسوار القلب

الفصل الثاني والثلاثون

**************

مرت عدة أيام و (أدهم) في تحسن مستمر، عاد له تورد وجهه وروحه المرحة ودعاباته التي افتقدها الجميع، تبدو عليه سعادة جمة لما لمسه من رضا والدته عن زوجته والتقارب الحاصل بينهما، كان يداعب أمه قائلا :
– لو كنت أعرف إن الرصاصة هتخليكي تقربي من جمانة كنت أخدتها من زمان .
وتغضب هي فيداعبها مرة أخرى حتى ترضى، و(جمانة) الحبيبة قل كلامها كثيرا فقط كانت تتابعه بعينيها وابتسامة حنون على شفتيها تحمل قدرا هائلا من السعادة ، لقد عاد حبيبها، بروحه وحبه وحنانه وقلبه الذي يتسع للجميع، استيقظ على دعابة لم تدري وقتها أتضحك أم تبكي أم تصرخ من فرحتها، وهو لاحظ صمتها، أقلقه لكنه دوما كان يحاول جذبها من منطقة السكون تلك، هي أحيانا تستجيب وأحيانا لا، تشعر به قلقا وتحاول طمأنته لكن قهرا تعود لصمتها و تتأمله في حب كان هو المسيطر على خلاياها .
في يوم اطمأن الطبيب على جرحه وسأله عن عدة أشياء وأوصاه بأشياء أخرى ثم تركه وانصرف، و (جمانة) إلى جواره فابتسم لها، أمسك كفها وهمس :
– وحشتيني .
ابتسمت هي الأخرى وظهر عشقها له جليا في عينيها ثم بادلته همسا بهمس :
– إنت أكتر .
تنهد في حب وسألها :
– هنروح بيتنا إمتى ؟
أجابت :
– مش عارفة الدكتور لسه ماقررش .
تأفف وقال بلهجة حالمة :
– بأقولك وحشتيني وعاوز أروح تقولي لي دكتور ؟
ضحكت برقة فنظر إليها بغيظ وهتف :
– على فكرة مش وقت ضحكتك دي خالص، خلي بالك يعني دي رصاصة قريبة من القلب ودم وكده.
شعرت بالخجل وقالت :
– خلاص من غير ضحك .
ابتسم و رد :
– أيوة كده، إيه مفيش انسانية ؟
عادت تضحك من جديد فتظاهر بالغضب هاتفا :
– لا إنت بتستهبلي بقى ؟ أكيد إنت قاصدة ؟
كتمت ضحكتها بصعوبة وتطلعت إليه بحب جعله يقول :
– يعني نقول امنعوا الضحك تبصي لي كده، إنت عاوزة ايه بالظبط ؟
سحبت يدها من يده ووقفت هاتفة :
– يوووه خلاص أنا هاخرج برا.
أمسك يدها مرة اخرى بسرعة وهتف :
– لا لا خلاص، خليكي، أمري لله .
ابتسمت وجلست إلى جوراه مرة أخرى، في هذه الأثناء كانت (لمياء) قد أتت للاطمئنان عليه فلمحتهما يتشاكسان من نافذة الغرفة، وقفت على مسافة قريبة تتطلع إليهما في سعادة تضيء وجهها، وعلى مسافة منها هي وقف (آدم) ينظر لوجهها السعيد في صمت، شعر بنوع من الخجل فخفض عينيه أرضا ووجد قلبه يدق بطريقة غريبة، تلك المرأة الحنون التي تعتبر نفسها أما ثانية لشقيقتها، لم يرى مثلها من قبل، دق قلبه مرة أخرى فاتجه نحوها وقال بخفوت :
– إزيك يا مدام لميا .
انتبهت على صوته فجأة وشعرت بالحرج، لابد أنه لمحها تنظر لشقيقتها وزوجها، ابتسمت في حرج و ردت :
– الحمد لله إزي حضرتك يا دكتور آدم ؟
ابتسم هو الآخر و رد :
– الحمد لله تمام .
ثم أشار لصغيره الواقف إلى جواره و استطرد :
– يوسف صمم ييجي يشوف عمه النهاردة .
نظرت للصغير بحنان وربتت على رأسه برفق قائلة :
– إزيك يايوسف ؟ عامل ايه في المدرسة ؟
ابتسم لها (يوسف) فنبض قلبها بدفقة حنان مفاجئة جعلت ابتسامتها تتسع، أجاب هو بخجل :
– الحمد لله .
ربتت على رأسه مرة أخرى ورفعت رأسها لوالده قائلة في حنان :
– يوسف هادي وخجول أوي .
ربت على رأس ابنه هو الآخر و رد :
– أيوة، مفيش اختلاط كتير يادوب المدرسة بس وحتى هناك برده بيقولوا عليه خجول وانطوائي .
عادت تنظر إليه مرة أخرى وفتحت فمها لتقول شيئا لولا أن سمعت من خلفها صوت مرح يقول :
– أستاذة لميا، مساء الخير .
التفتت لمصدر الصوت في هدوء ومثلها فعل (آدم) لكنه عقد حاجبيه عندما وجده المقدم (حازم)، قالت (لمياء) :
– أهلا يا سيادة المقدم .
ابتسم ونقل بصره لـ (آدم) ثم هز رأسه محييا وقال :
– إزي حضرتك ؟ أستاذ آدم مش كده ؟
أومأ (آدم) برأسه وبدا عليه بعض الضيق وهو يجيبه :
– أيوة، إزي حضرتك يا فندم ؟
أجاب بهدوء :
– الحمد لله تمام، ها المصاب بتاعنا أخباره ايه ؟ أنا جيت لما كلمتيني فورا أهو .
أجابت :
– الحمد لله بقى أحسن، حضرتك تقدر كمان تسأل دكتور أحمد عنه وتشوف إذا ينفع ولا لا .
تطلع إليه مع زوجته من خلف زجاج النافذة لثوان وهما يتشاكسان تارة ويتضاحكان تارة ويتهامسان تارة أخرى ثم ابتسم فجأة وسأل :
– طيب هو فاضي ؟ أكلمه بشكل ودي كده لحد مانعمل المحضر ؟
عقد (آدم) حاجبيه في ضيق من جرأته وشعرت هي بالحرج، قال (آدم) في حزم :
– ثواني هابلغه بوجود حضرتك .
ترك (يوسف) مع (لمياء) واتجه بخطوات سريعة لغرفة (أدهم) ثم طرق بابها ودخل ليخبر أخيه بوجود الضابط، خرج وخلفه خرجت (جمانة) ودخل إليه (حازم) بابتسامة هادئة.
جلسا سويا مايقرب من نصف ساعة، ترك بعدها (حازم) الغرفة وهو يشد على يد (أدهم) ويتمنى له تمام الشفاء، وقفت (جمانة) مع شقيقتها والضابط ليسألها هي الأخرى عدة أسئلة في حين دخل (آدم) لأخيه وابتسامة رائعة على وجهه تاركا طفله ممسكا بيد (لمياء)، بادله (أدهم) ابتسامته هاتفا في مرح :
– آدوم واحشني ياكبير .
ضحك (آدم) وهو يقبل رأسه، قال بمرح هو لآخر :
– تصدق إنت أكتر ، ماشفتكش من امبارح يابني، وبعدين ارحمني بقى وقوم الشركة كلها فوق دماغي .
رد (أدهم) مشاغبا :
– عاوزني أقوم واروح الشغل كمان، دي رصاصة يابني، هانام فيها شهرين تلاتة أربعة، وأعمل فيها شهريار، وبعض الناس كده هتبقى شهرزاد وتحكي لي قصة كل يوم .
ضحك (آدم) مرة أخرى وهتف :
– ده استغلال بقى ؟
رد (أدهم) :
– طبعا، حد يلاقي فرصة للاستغلال ويقول لا !
هز رأسه في تعجب، ثم رسم الجدية على ملامحه وقال وهو ينظر للخارج للحظة :
– عاوزك في موضوع مهم .
نظر إليه (أدهم) باهتمام وسأله :
– خير ؟
اقترب منه أكثر وقال بلهجة غريبة كأنه يتوقع خطرا فبدا مضحكا :
– أنا طالب القرب منك .
ساد الصمت لثوان ثم تطلع (أدهم) لأخيه لحظة في عدم فهم، بعدها سأله :
– في مين يابني، مش قلت لك قبل كده ملك لسه صغيرة وهتكمل تعليمها الأول ! وبعدين أنا مش مستريح لجو شكله بتاع بنات وزير نساء، لا ياعم ماعندناش بنات للجواز .
شعر (آدم) بالغيظ فقال :
– تصدق الرصاصة غلطت فيك كان المفروض تيجي في لسانك .
ضحك (أدهم) لثوان ثم تأوه فتغيرت تعابير (آدم) للقلق وهتف :
– إيه مالك ؟
تماسك (أدهم) وابتسم وهو يجيب :
– مفيش واحد رخم بيضحكني وفي جرح ورصاصة ودم بقى وكده .
اغتاظ (آدم) وقال :
– إيه يا بني مفيش غير الجملة دي ؟ غيرها .
تظاهر (أدهم) بالتفكير لثوان ثم عاد يقول :
– طيب خد دي، في دم وجرح ورصاصة حلو التغيير ده ؟
داعبه (آدم) :
– حلو أوي .
ثم ظهرت الجدية على وجهه مرة أخرى وقال :
– باكلمك جد .
عقد (أدهم) حاجبيه في عدم فهم وسأله :
– مني في مين مش فاهم ؟ هو أنا عندي غير ملك ؟
شعر (آدم) بالغيظ مرة أخرى وهتف فيه :
– يابني ما تركز، مش إنت جوز جمانة برده ولا ايه ؟
ابتسم و رد :
– ولا ايه ؟
قال (آدم) في حنق :
– يا بارد يا تلاجة .
عاد يضحك مرة أخرى أعقبها بتأوه لكنه تماسك وقال في جدية :
– خلاص خلاص، نتكلم جد، ها هات اللي عندك .
جلس (آدم) إلى جواره وقال :
– أنا طالب إيد لميا .
ظهرت الدهشة على وجه (أدهم) وصمت لثوان ثم عاد يقول :
– بس إنت فاجأتني .
كاد (آدم) يلقي في وجهه بوسادة لولا أن هتف وهو يرفع ذراعيه أمام وجهه هاتفا :
– خلاص خلاص .
نظر إليه أخيه في غيظ، فصمت قليلا يفكر، ثم قال :
– طيب عاوز مني إيه ؟ أكلمها ؟
تنهد (آدم) وهتف :
– يارب صبرني، يابني خلي مراتك تلمح لها كده وشوف .
رد (أدهم) :
– اممممم مش عارف، يعني ليه اخدمك يعني لما ممكن أغلس عليك وأضايقك .
هتف (آدم) بغضب مصطنع وهو يتحرك متجها للخارج :
– تصدق أنا غلطان إني عملتك راجل العيلة وجاي أتكلم معاك بجد .
أمسكه (أدهم) بسرعة من يده وقال :
– خلاص ياحِمئي، تعالى هنتكلم جد .
التفت إليه (آدم) ولم ينطق، فقال له :
– طيب سؤال، إنت مش شايف إن الموضوع جه فجأة ؟ يعني أنا بقى لي كم شهر متجوز جمانة وإنت ماتعرفش حاجة عن لميا غير يادوب الكم يوم اللي فاتوا وتدخل على جواز كده ؟ لاحظ كمان إنها لسه خارجة من تجربة صعبة من شهور بسيطة، يعني مش سهل نفاتحها في موضوع زي ده .
جلس (آدم) إلى جواره مرة أخرى و قال :
– شوف يا أدهم إنت عارف إني واحد دوغري، لا بتاع لف ودوران ولا تسبيل والكلام الفاضي ده، مادام حطيت هدف يبقى أوصل له صح وبالطريق المستقيم، لا طرق ملتوية ولا شبابيك، ها قلت إيه ؟
سأله بجدية مرة أخرى :
– يعني إنت معجب بيها ؟ مش هأقول بتحبها ماشي .
رد بسرعة :
– جدا جدا، حاسس فيها بحاجات غريبة مش متعود عليها في الست الشرقية، انسانة صلبة وقوية، حنونة بشكل غير عادي، أحيانا تلاقيها طفلة وأحيان تانية تلاقيها عاملة زي أم لأختها، تشكيلة صفات عجيبة طلعت منها حاجة لازم تتحب .
تنهد (أدهم) وقال في لهجة حالمة :
– ها ، وايه كمان ؟
نظر إليه في غيظ مرة أخرى وهتف :
– يا بارد إنت جاي من سيبيريا يابني ؟
ضحك مرة أخرى بخفوت وقال :
– والله يا أدوم الرصاصة بتاعتي دي عملت شغل، أمي قربت من جمانة وإنت أعجبت بلميا، والدنيا آخر روقان، لو كنت أعرف كده كنت قلت لأبوكمال يطخني طخ من زمان .
ابتسم (آدم) ثم سأله :
– ها قلت ايه ؟
فكر (أدهم) لثوان أخرى ثم رد :
– يابني مش عارف أقولك ايه ؟ بس أصل في ناس متكلمين عليها وسبقوك .
كاد يضربه بالفعل لولا أن هتف :
– باتكلم جد يامجنون هتعمل إيه ؟
تراجع في دهشة وسأله :
– جد ؟ يا سلام ؟
أومأ برأسه إيجابا وقال :
– أيوة، قبلك حالا .
تطلع إليه (آدم) في شك ثم هتف فجأة :
– المقدم حازم ؟؟
شعر (أدهم) بالدهشة هو الآخر وسأله :
– عرفت منين ؟
شعر بالغيظ والغيرة وهو يجيب :
– باين عليه ياسيدي أصلا .
ضحك (أدهم) مرة أخرى وقال :
– بس إنت أخويا يا أدوم يعني لو فاتحناها في الموضوع هنجيب سيرتك بس يعني .
ابتسم (آدم) وسأله بلهفة :
– بجد ؟
رد يشاغبه :
– لا طبعا، من حقها تعرف وتختار .
مط شفتيه في حنق، حتى وإن تمنى ألا يخبرها أخيه عن الرجل الآخر فمن حقها أن تختار، لكن ماذا لو اختارته ؟ شعر بغضب يعتريه، هل يمكنها فعل ذلك ؟ قاطع (أدهم) أفكاره قائلا برفق :
– أدوم ماتقلقش، إن شاء الله خير، وبعدين إنت أخويا يابني يعني بونط زيادة .
سأله بتعجب :
– ليه يعني ؟
غمزه وهو يضحك :
– يعني جرح ورصاصة ودم وكده .
ابتسم فجأة وهتف :
– إنت عارف إن دمها بيجري في عروقك ؟
اندهش (أدهم) وسأل بجدية :
– إيه ده بجد ؟
أومأ برأسه إيجابا وقال :
– أيوة، جمانة كانت عاوزة تديك بس كانت يومها تعبانة جدا وأنا رفضت، كانت ممكن يجرى لها حاجة، ساعتها لميا قالت إنها ممكن تتبرع لك لو نفس الفصيلة وفعلا اتبرعت لك بلتر كامل يا مفتري .
عقد (أدهم) حاجبيه لحظة ثم قال في غيرة :
– وإنت مهتم أوي جمانة تعبانة وأنا رفضت، إيه ياعم ما تخليك في حالك .
شعر بالغيظ للمرة المائة وقال :
– تصدق، كان المفروض أسيبها وتفوق إنت تلاقيها هي في غيبوبة .
ابتسم و هتف :
– لا يا أدوم ده إنت حبيبي غيبوبة إيه بس، كفاية الرصاصة ….
قاطعه (آدم) بضحكة مرحة :
– أيوة والجرح والدم وكده، حفظتها .
ضحك هو الآخر ليختمها بتأوه مرة أخرى أثار قلق (آدم) فسأله :
– إنت الضحك بيتعبك للدرجة دي ؟
ابتسم (أدهم) وأجاب :
– يعني مش أوي، ماتضحكنيش بقى .
قال في حنان :
– ماشي بلاش ضحك .
اتسعت ابتسامة (أدهم) وهو يقول :
– ياسيدي ع الحنية، كل ده بتجر ناعم عشان اللي بالي بالك ؟
ابتسم هو الآخر و رد :
– مشكلتك إنك فاهمني ، ها، هاتخلي جمانة تكلمها ؟
فكر (أدهم) لثوان ثم هتف :
– طيب ماتكلمها إنت ؟ فاجأها وهوووب قولها تتجوزيني ؟
ضحك (آدم) و غمغم :
– مجنون، هو أنا زيك ؟
(أدهم) متصنعا الحزن :
– بقى كده ؟
ربت (آدم) على كفه وقال :
– لا لا خلاص ماتزعلش، المهم تشوفني، ده أنا آدم حبيبك .
تظاهر بالطيبة وهو يرد:
– طيب طيب عفونا عنك، هنشوف ونشاور البنت ونرد عليك .
ابتسم (آدم) ابتسامة واسعة هاتفا :
– متشكر أوي ياعمي، وإن شاء الله أبقى عند حسن ظن حضرتك .
أومأ (أدهم) برأسه في وقار وغمغم :
– أتعشم يا ابني، أتعشم .
ثم ضحكا سويا عندما دخلت (جمانة) للغرفة بصحبة شقيقتها والصغير (يوسف) وهي تقول :
– المقدم حازم ده بجد إنسان ممتاز، ربنا يكرمه .
نظر (أدهم) و (آدم) لبعضهما البعض في غيظ وهتف (أدهم) في غيرة :
– ممتاز ليه يعني ؟
كان الرد من (لمياء) :
– يعني كان بيتكلم معانا ودي الأول قبل التحقيقات وخلافه وبيحاول يستنى لحد ماصحتك تتحسن للنهاية، غيره طبعا مش بيعملوا كده .
عادا ينظران لبعضهما البعض مرة أخرى والغيرة واضحة على وجه (أدهم) في مقابل الغيظ على وجه (آدم)، مطت (جمانة) شفتيها في عدم فهم وصمتت .
********
جلسوا قليلا وجاء والديه وشقيقته لزيارته، كان سعيدا للغاية بالمودة الواضحة بين زوجته ووالدته، ويتطلع إليهما في حنان بابتسامة آسرة، بعد رحيلهم أتت إحدى الممرضات لتعطي (أدهم) أدويته في موعدها اليومي، خرجت (جمانة) لتتحدث في الهاتف وتطمئن على صغيرتها وعندما عادت وجدته يضحك في مرح والممرضة تكشف ذراعه لتحقنه بدواء ما، عقدت حاجبيها في غضب وهي تسمع الممرضة تقول بلهجة لم تعجبها :
– ها وجعتك ؟ أنا إيدي خفيفة جدا على فكرة .
قالت (جمانة) في سرها ” وجع في قلبك، إيه السهوكة دي ؟ “، لمحها تنظر إليه في غيظ فرد بمرح :
– لا خالص، فعلا ماحسيتش بحاجة، تسلم ايدك .
بدت السعادة على وجه الممرضة وهي تتطلع إلى وجهه الوسيم وكتفيه العريضين ثم قالت بدلال :
– تحب أحلق لك دقنك ؟ شكلك ماحلقتش من كم يوم، لو مش قادر تحرك إيدك ؟
ألقى نظرة جانبية أخرى على زوجته التي احمرت وجنتاها وبدا أنها ستهجم على عنقها وتقتلع رأسها عن جسدها ثم أجاب بابتسامته الآسرة :
– لا لا، أنا مش باحلقها أصلا باسيبها كده .
ابتسمت قائلة :
– فعلا كده أحلى .
أعطته قرصا من الدواء في فمه وتعمدت لمس شفتيه فعقد حاجبيه في ضيق لم تلحظه هي، ثم تراجع للخلف وهي تناوله كوبا من الماء قائلة :
– اتفضل، تحب أشربك ؟
وقبل أن ينطق كانت (جمانة) قد اكتفت فتدخلت قائلة في غضب :
– على فكرة هو إيده سليمة وبيعرف يمسك القرص ويمسك الكوباية .
انتفضت الممرضة في وجل وبدا على (أدهم) وكأنه يتسلى ناظرا إليهما باستمتاع، التفتت بسرعة قائلة في توتر :
– أيوة يافندم عارفة بس أحيانا ممكن يكون الجرح بيتعبه ولا حاجة .
ردت (جمانة) في سخرية :
– والله فعلا، ممكن، معاكي حق .
ثم اقتربت منه وهو يتطلع إليها في صمت وخبث، وجلست إلى جواره وأمسكت بذراعه ثم حركته مستطردة :
– أهو الحمد لله كويس مش بيوجعه .
التفتت بعدها إليه متسائلة بصوت هامس :
– إيه ياحبيبي بيوجعك ؟
ابتسم لها ابتسامة واسعة و أجابها بهدوء :
– لا أبدا .
عادت تهمس :
– طيب ارفعه كده ؟ حاول تحطه على كتفي بس لوحدك شوف هتقدر ولا لا .
كان مستمتعا باللعبة للغاية فرفع ذراعه ببطء ووضعه على كتفها، اقتربت منه أكثر وقالت وهي تنظر إليها :
– الحمد لله طلع سليم .
توترت الممرضة و ردت بسرعة :
– الحمد لله، بعد إذنكم كده العلاج تمام .
ثم خرجت مهرولة من الغرفة، بعدها أبعدت (جمانة) ذراع زوجها والتفتت تتطلع إليه في حنق أما هو فانطلق يقهقه في مرح شديد زاد من غيظها، فهتفت :
– إنت بتهرج مش كده ؟ ماشي يا أدهم .
ضحك ثانية ثم أمسك يدها وهمس في حب :
– أموت فيك وإنت غيران كده .
ابتعدت عنه وقالت في حنق :
– مش غيرانة على فكرة، بس إنت أوفر .
عاد يمسك كفها ويجذبها لتجلس إلى جواره هامسا :
– لا غيرانة وهتتجنني كمان، اعترفي .
التفتت إليه لحظة تتطلع إلى وجهه، ثم مدت يدها تتحس ذقنه فقبل أصابعها، وشعر بقلبه ينبض بقوة، قالت فجأة :
– دقنك دي هنحلقها خالص .
تراجع فجأة في دهشة، ثم هتف :
– لا طبعا، أنا بحبها كده .
عاندته :
– لا هنشيلها من الصفر .
أصر :
– مستحيل .
سألته :
– ليه مستحيل بقى ؟
رد في خبث :
– أصل دي مغناطيس .
تطلعت إليه في دهشة وقالت :
– بقى كده ؟ ماشي استني عليا .
ضحك بشدة وضمها إليه هامسا في أذنها :
– بأموت فيكِ يا مجنونة .
********
في تلك الليلة جلست (جمانة) إلى جوار زوجها تطعمه بيدها بحنان، وهو يتطلع إليها في حب بابتسامة تعلو شفتيه، أنهت المهمة التي تصر على القيام بها على الرغم من استطاعته فعلها بنفسه لكنه يتركها من باب ( من الذي يجد دلالا ولا يتدلل ! ) ، جلست أمامه قليلا على الفراش المقابل تنظر إليه عندما سألها فجأة :
– هي لميا مش بتفكر في الجواز تاني ؟
اندهشت (جمانة) من سؤاله فصمتت لحظة ثم قالت :
– ليه بتسأل ؟
هز كتفيه وابتسم مجيبا :
– جاي لها عريس .
علت الصدمة ملامحها هذه المرة، هتفت مشدوهة :
– عريس ؟
حافظ على ابتسامته وهو يجيب :
– الحقيقة عريسين .
ظلت تتطلع إليه في ذهول، ثم قفزت فجأة من فراشها لتجلس إلى جواره متطلعة إليه باهتمام وهي تسأل بلهفة :
– طيب احكيلي مين وإمتى وإزاي بسرعة ؟
ضحك في خفوت وهتف :
– إيه يامجنونة إنت بالراحة .
هتفت مرة أخرى :
– طيب طيب معلش احكي لي بقى بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .
عاندها قائلا :
– لا .
تراجعت وهي تمط شفتيها كالأطفال وتهمس في حزن :
– كده ؟ ماشي .
ابتسم مداعبا :
– لا لا مااقدرش على كده، خلاص تعالي هاحكي لك بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .
ابتسمت هي الأخرى وأصغت إليه وهو يحدثها بجدية عن تقدم المقدم (حازم) وأخيه (آدم) لخطبة شقيقتها، أنهى حديثه فابتسمت في سعادة متسائلة :
– يعني دكتور آدم عاوز يتجوز لميا ؟
عقد حاجبيه في شك وأجاب :
– أمال أنا كنت بأقول ايه ؟
ابتسمت في صمت فسألها وهو يشعر بالغيرة :
– إنت مالك مبتسمة كده ليه ؟
أجابته :
– أبدا، دكتور آدم إنسان ممتاز وهيعوض لميا الألم اللي عاشته .
هتف في وجهها :
– نعم ؟ ممتاز وابتسامة و مدح، إيه ياحبيبتي لاحظي إنك قاعدة بتتكلمي مع جوزك .
تطلعت إليه في دهشة للحظات ثم ابتسمت وقالت تشاغبه :
– آآآآه، معلش، نسيت إنك بتغير ع الحريم بتوعك .
عقد حاجبيه وقال :
– أيوة كويس إنك فاكرة، لو عملتِ كده تاني إنت حرة هيبقى لي تصرف تاني .
ضحكت وربتت على خده وهي ترد :
– لا لا، مش هاعمل كده تاني .
هز كتفيه وهو يقول :
– أيوة كده، المهم، ايه رأيك تلمحي لها ؟
فكرت للحظات، ثم غمغمت في شرود :
– امممممم
زوى مابين حاجبيه متسائلا :
– إيه امممممم هو التلميح طعمه حلو ولا ايه ؟
ضحكت، ثم ردت :
– هاشوف، ولو إني مااضمنش رد فعلها، بس ربنا يسعدها، ويبقى خير إن شاء الله .
قال في حزم :
– قولي لها ع الاتنين، مش بس آدم .
ردت :
– أكيد .
تطلع إليها في صمت للحظات فشعرت بالخجل مما جعله يبتسم ويسأل في مرح :
– هو إحنا هنروح أمتى ؟
ضحكت في سعادة وقلبها ينبض بحبه ويقفز فرحا بعودته .
********
في اليوم التالي وفي مكتب المحامية (لمياء أبو الفتوح) جلس ذلك الرجل وهو يشعر بالارتباك، كان يرى أنه يقدم على خطوة حمقاء ليست من شيمه أبدا، لكنه وجد نفسه مدفوعا لاتخاذها خوفا من التأخر والانتظار، اتجه لسكرتيرتها في هدوء ووقف أمامها، لم تلتفت إليه فشعر بالضيق، تنحنح في ارتباك فرفعت عينين باردتين تجاهه في صمت منتظرة، قال في خفوت :
– ممكن أقابل أستاذة لميا ؟
سألت بعملية :
– حضرتك في ميعاد سابق ؟
أجاب في توتر :
– لا للأسف .
عادت تخفض عينيها منهية بذلك الحديث :
– لازم ميعاد سابق يافندم، أستاذة لميا مشغولة جدا، تقدر حضرتك تقابل حد من الأساتذة المحامين هنا وتعرض عليهم قضيتك .
شعر بالغضب، فقال في حزم :
– الموضوع شخصي .
رفعت عينيها إليه قائلة في برود :
– طيب يبقى مكانه مش المكتب يافندم .
قال بنفس اللهجة :
– طيب ممكن تبلغيها بالاسم لو سمحتي .
عقدت حاجبيها في ضيق وبدا عليها التأفف وهي تسأل رافعة سماعة الهاتف الداخلي للمكتب :
– طيب اسم حضرتك إيه ؟
أجاب بهدوء :
– آدم الحسيني .
حادثت مديرتها لتخبرها بالاسم والذي ما إن سمعته حتى سمحت بدخوله فورا، ابتسم هو في نوع من التشفي واتجه للمكتب، طرق الباب ثم فتحه ودخل تحمل شفتيه ابتسامة كبيرة تقابلها أخرى على شفتي (لمياء) وهي تقف مرحبة :
– اهلا دكتور آدم اتفضل.
وأشارت للمقعد أمام مكتبها فجلس عليه بهدوء وابتسامته لازالت تملأ وجهه، سألته بهدوء :
– ها تشرب ايه ؟
هز رأسه نفيا وقال :
– لا لا مالوش لزوم، أنا جاي في موضوع سريع وهامشي على طول .
أصرت :
– لا طبعا لازم تشرب حاجة .
عاد يبتسم وأجاب :
– أوك، نسكافيه .. بلاك .
ردت :
– تمام .
ثم طلبت قهوته ومشروبا باردا لنفسها، تطلعت إليه في اهتمام ممتزج بالتساؤل جعله يتنحنح ويقول في ارتباك :
– مدام لميا الحقيقة مش عارف ابتدي منين، يمكن تصرفي دلوقتي مخالف تماما لفكري ومعتقداتي أو حتى شخصيتي، بس أحيانا بتلاقي نفسك مضطر تعمل حاجة مخالفة لطباعك لمجرد الخوف من إن الحاجة اللي عاوزها تضيع منك .
عقدت حاجبيها ولم تفهم كما لم تتكلم، استطرد هو :
– امممم ، هاكون سعيد جدا لو قبلتي تتجوزيني !
تراجعت في مقعدها فجأة شاعرة بالصدمة، ظلت تحدق فيه بصمت والحروف مجتمعة أعلى حلقها لا تستطيع الخروج ، شعر هو بالخجل فأطرق برأسه أرضا وصمت، سمعها تقول :
– دكتور آدم، مش عارفة أقول لحضرتك ايه ؟
رفع عينيه إليها في لهفة وكاد يهتف ” قولي موافقة ” لكنه انتظر أن تتم حديثها فأكملت هي :
– الحقيقة حضرتك فاجأتني بطلبك، وطلبك …. حاجة مش بافكر فيها في الوقت الحالي أبدا .
شعر بالصدمة هو الآخر فاندفع يقول :
– مدام لميا من فضلك، خدي وقت وفكري، بلاش تردي بسرعة عادي تاخدي مهلة تفكري فيها وتستخيري وتستشيري .
أطرقت هي الأخرى برأسها أرضا وقبل أن تجيب طُرِق الباب ودخل منه عامل البوفيه يحمل صينية عليها قهوته السوداء ومشروبها البارد وضعها على المكتب أمامهما ثم انصرف، تطلع إليها في صمت يخالطه بعض الأمل، تنهدت ثم قالت في خفوت :
– دكتور آدم هأكون صريحة معاك، أنا لسه خارجة من تجربة بالنسبة لي كانت قاسية جدا، حرمان من غريزة اتولدت بيها بعدها حرمان من الشخص اللي تساهلت في حرماني من أمومتي عشانه، بطعنة غدر، حاجات كتير انكسرت جوايا وسببت لي آلام مالهاش عدد، حاجات تخليني ما عنديش أدنى استعداد للارتباط بأي حد، ع الأقل في الوقت الحالي، يمكن الحاجات دي تتغير بعدين ويمكن تفضل موجودة معايا للأبد، للأسف انا باحترم حضرتك جدا وطلبك أكيد بأقدره، لكن مش هاقدر أقبله .
أنهت كلامها ثم صمتت، لم يدر ما يقول، كان يريد مجابهتها والإصرار على مطلبه، لكن جرحها الذي رآه ينزف أمامه منعه، وألزمه رداء الصمت احتراما لوجع تعانيه، بالفعل زاد تقديره لها وشعر أنها هي، هي المناسبة له وربما عوضها ابنه قطعة من الحرمان الذي عاشته ولا زالت تعيشه، فكر لدقيقة أو أكثر ثم كان صوته حازما حنونا في مزيج مدهش وهو يقول :
– على فكرة، أنا مش ملول، وصبري لأبعد حد، خدي وقتك في التفكير وأنا مش مستعجل، شهر اتنين سنة او اتنين، أنا منتظر، مش سهل تلاقي حد تكون عارف ومتأكد إن هو ده اللي بيكملك، ولما تلاقيه مستحيل تقدر أو تجرؤ إنك تسيبه يضيع من إيدك أيا كان السبب، أنا اتعودت دايما إني احط هدف قدامي وأكون عارف إني هأقدر أحققه، دايما أهدافي بأكون عارف إني هاوصلها حتى لو اتأخرت شوية …. وإنت هدفي الجديد، أنا هافضل منتظر موافقتك وخدي كل الوقت اللي تحتاجيه، لأني مش هاتنازل عن هدفي اللي هو إنتِ أبدا .
كانت تتطلع إليه في دهشة، لم تستطع الرد، أما هو فأنهى حديثه ومنحها ابتسامة حنون، تاركا بصمة على جدار ألمها وانصرف ، انصرف على وعد بلقاء جديد، وعد لم ينطقه بلسانه، إنما عبرت عنه كلماته التي ظلت تحلق في سماء عقلها حتى بعد أن رحل من أمام ناظريها .
********
مر شهرين استعاد فيهما (أدهم) كامل طاقته وعافيته، عاد لممارسة حياته بشكل طبيعي، استأنف عمله مع أخيه الذي كان يحاول باستمرار هدم سور الانكسار وجدران الألم المحيطة بالمرأة التي يراها تسد نقاط ضعفه وتكمل نقصانه، ظل دوما يحاول معها وشقيقتها تحاول ومازال هو على وعد بالصبر والانتظار على أمل مهما طال الوقت .
في يوم كانت (جمانة) واقفة في مطبخها تفكر في زوجها وهي تطهو له الطعام وتضع لمساتها المميزة كأنه طفلها الصغير، أما (أدهم) فقد كان جالسا يتابع أحد أفلام الكرتون كعادته كلما اجتمع مع (ملك) التي تبدو سعيدة للغاية وهي تحتضن دميتها عندما سمع صوت (جمانة) تناديه فذهب إليها، وجدها تستند إلى حوض المطبخ ويبدو عليها الإعياء، فاندفع نحوها هاتفا في لهفة :
– إيه مالك يا جمانة ؟
تنحنحت وقالت في إعياء :
– مش عارفة دخت فجأة وأنا باطبخ وبعدين حسيت بقرف فظيع ووجع في معدتي، مش قادرة أكمل يا أدهم .
أسندها وهو يخرجها من المطبخ وقال :
– طيب يا ستي خلاص ما حبكش الطبخ، تعالي استريحي ونبقى نجيب أي حاجة من برا.
أومأت برأسها وهي تسير معه ثم سألته :
– هتجيب إيه ؟ عشان ملك ؟
فكر لثوان ثم قال في خبث :
– امممم إيه رأيك نجيب بيتزا .. سي فوود ؟
توقفت تنظر إليه ثم ضحكت هاتفة :
– برده سي فوود ؟ إيه مش بتزهق ؟
اقترب منها وقال يداعبها :
– لا طبعا أزهق إزاي يعني ؟
لكنها تراجعت للخلف وردت :
– لا بلاش سي فوود بطني بتوجعني .
رفع حاجبيه وتساءل :
– الله وإيه علاقة بطنك بالموضوع ؟
قالت بمشاغبة :
– سي فوود لا .
جذبها من يدها واتجه نحو (ملك) ثم سألها :
– ملوكة تاكلي بيتزا ؟ بالجمبري امممممممم ؟
ابتسمت الصغيرة في فرح وقالت :
– بيتزا أيوة باحبها .
التفت لزوجته وهتف :
– شفتي حتى ملك بتحبها، ده إدمان يابنتي، إدمان .
تنهدت في استسلام وقالت :
– خلاص سي فوود سي فوود وأمري لله .
ضمها إليه وهو يضحك ثم داعبها :
– أيوة كده أحبك وانت مؤدب وبتسمع الكلام .
بادلته ضحكته وانتظروا سويا حتى وصل الطعام فجلسوا يأكلون، بعد أن أكلت (جمانة) بضع لقيمات شعرت بمعدتها تؤلمها للغاية وبرغبة شديدة في القيء فألقت الطعام من يدها وقامت مسرعة تجاه الحمام، قام يتبعها بقلق، رآها تفرغ معدتها فعقد حاجبيه وانتظر حتى انتهت وسألها باهتمام :
– خير مالك يا جوجو ؟
ردت في إعياء وهي تستند للحوض :
– مش عارفة يا أدهم معدتي فجأة وجعتني وماقدرتش أستحمل الأكل.
اقترب منها قائلا :
– طيب تعالي اقعدي، وكمان شوية نروح للدكتورة نشوف معدتك مالها.
قالت بسرعة :
– لا لا مالوش داعي أنا شكلي بس أخدت برد فيها ومحتاجة أنام شوية .
جاءها رده حاسما :
– خلاص استريحي دلوقتي وبعدين هننزل للدكتورة ضروري .
عادت تمانع :
– يا أدهم مالوش …
لكنه قاطعها :
– ششششش هنروح كمان شوية، روحي استريحي .
عادت تتنهد في استسلام عندما رن هاتفه النقال فاتجه إليه ونظر ليجد أخيه (آدم)، ابتسم والتقط الهاتف ليرد :
– آدوم، السلام عليكم .. عامل إيه ؟ لا تاني ؟ يابني مش هينفع النهاردة … طيب خلصهم إنت … لا مش هاقدر … أيوة جمانة تعبانة شوية وهنروح للدكتور .
لاحظ إشارتها له من بعيد فنظر إليها في صرامة وأشار لها بالصمت ثم عاد يقول :
– صدقني مش هينفع … طيب يعني هتروح لوحدها ؟ … اممممم خلاص خلاص هاشوف وارد عليك … تمام .. ماشي ماشي خلاص بقى … بيتزا سي فوود تاكل ؟ …. خليك في حالك يابني .. ماشي سلام بقى .
سألته :
– خير ؟
رد :
– آدم عاوزني أرجع الشركة عشان في ورق مهم لازم نراجعه النهاردة ونخلصه ضروري وهيتسلم الصبح .
قالت :
– طيب خلاص روح .
عقد حاجبيه وقال :
– والدكتورة ؟
هزت رأسها وهي تهتف :
-أنا كويسة صدقني بس هادفي بطني وانام شوية .
أصر على رأيه :
– لا هتروحي يعني هتروحي، كلمي لميا خليها تيجي معاكي يا إما هاكبر دماغي وآجي معاكي أنا .
قالت بسرعة :
– خلاص خلاص هاكلمها وأمري لله.
عاد (أدهم) للشركة وذهبت هي للطبيبة مع شقيقتها، تأخر هو في العمل حتى شعر بالإرهاق فأغلق الملف أمامه ثم قال لأخيه وهو يفرك عينيه :
– آدم كفاية بقى أنا تعبت بجد وبعدين عاوز أطمن على جمانة، يلا نروح.
داعبه أخيه في خبث :
– أيوة ياعم عندك اللي تطمن عليهم ويطمنوا عليك، مش زينا غلبانين مقهورين .
هتف يغيظه :
– إيه يابني وصلة القر دي، وانا اقول البنت تعبت ليه أتاري ! روح اتجوز يا سيدي وخلينا في حالنا.
هتف :
– هو أنا قلت لا، كلموهالي خلوها توافق وأنا أتجوز من بكرة .
ضحك (أدهم) وقال بمرح :
– ياعيني ع الحلو لما تبهدله الأيام !
رد بغيظ :
– أيوة دلوقتي شمتان في عشان متبهدل كده ؟ ماشي ماشي الله يرحم أيام زمان .
استمر (أدهم) في الضحك فقذفه (آدم) بقلم كان في يده جعله يهتف :
– إيه ده ؟ بالقلم كمان يا آدم، بقى كده ؟
ضحك وقال :
– أيوة كده عشان تبقى تشمت فيا.
قبل أن يرد ارتفع رنين هاتفه يعلن عن وصول رسالة قصيرة، عقد حاجبيه في استغراب ثم التقطه ليجد رسالة زوجته المختصرة ” أدهم أنا تعبانة اوي، إنت اتأخرت ليه ؟”، نهض بسرعة من مقعده وهو يكاد يجن، هتف في أخيه :
– آدم انا هامشي، جمانة الظاهر تعبت بزيادة .
شعر (آدم) هو الآخر بالقلق فقال :
– ياخبر، طيب ابقى طمني .
أومأ برأسه وهو يلتقط مفاتيح سيارته ويخرج بسرعة للحاق بحبيبته، وصل للمنزل ليجد الصمت والهدوء في مقابله، طوال الطريق حاول الاتصال بها لكن هاتفها كان مغلقا وهذا اعتصره قلقا، اتجه من فوره لغرفة النوم فوجدها نائمة في عمق، ذهب إليها وجلس إلى جوارها، ربت على كتفها برفق هامسا :
– جمانة حبيبتي، مالك طمنيني ؟ عملتي إيه ؟ وإيه الرسالة اللي بعتيهالي دي ؟
التفتت إليه بهدوء وردت بخفوت :
– أبدا مفيش ياحبيبي .
هتف :
– إنت صاحية ؟ طيب طمنيني الدكتورة قالت لك إيه ؟
ردت بأسى :
– الدكتورة قالت لي عندي حاجة غريبة علاجها هياخد مش أقل من 8 شهور .
سقط قلبه بين قدميه وهتف في لوعة :
– حاجة ايه ؟
مطت شفتيها في حزن :
– حاجة فظيعة بتيجي عادةً عند الستات بتبقى صغننة خالص وبعدين تفضل تكبر تكبر تكبر لحد ماتتضخم، تخلي الواحدة مش عارفة تتحرك أو تتنفس كويس أو تاكل وتشرب، لحد ما ربنا يريد .
عقد حاجبيه في عدم فهم وهو ينظر إليها في قلق، فضحكت فجأة وهي تهتف :
– ياربي يا أدهم ! للدرجة دي الموضوع صعب ومش قادر تخمن ؟
تراجع في دهشة وهي لاتزال تضحك وهو على صمته وعدم فهمه، حتى هزت رأسها وأخذت كفه ووضعته على بطنها برفق هامسة :
– أنا حامل .
بدلا من أن تخف دهشته ازدادت حتى باتت للذهول أقرب وهي تنظر إليه في تعجب، ثم وكأنما أفاق فجاة من الصدمة هتف :
– حاااامل ؟
ابتسمت وهي تومئ برأسها في صمت، في اللحظة التالية كان وجهه لوحة ممتازة لمشاعر غريبة مختلطة، فرح، دهشة، ذهول، حنان، سعادة، شوق، ابتسامة رائعة علت شفتيه ثم ضمها لصدره فجأة وهو يهمس :
– حامل ؟
استغربت ترديده للكلمة فهمست عند قلبه :
– أيوة .
عاد يبعدها عنه ويقول في غيظ :
– وتجيبيني مخضوض وسايق زي المجنون وتقوليلي حاجة وبتكبر، أعمل فيكي ايه دلوقتي ؟
ابتسمت وهمست :
– حبني أكتر .
تطلع إليها في حب ولهفة و بادلها همسها :
– أكتر من كده، أموت .
هتفت :
– بعد الشر ماتقولش كده .
اقترب منها وقال بلهجة ذات مغزى :
– طيب ما أنا باموت أهو، مفيش تنفس صناعي .
ابتعدت عنه في دلال و ردت :
– لا مفيش، ممنوع .
اتسعت عيناه وتساءل في صدمة :
– ممنوع ؟ هو إيه اللي ممنوع ؟ يعني إيه ممنوع ؟ ممنوع إزاي يعني ؟ إنت بتهزري ؟ ولا بتستهبلي ؟
أوقفته ضاحكة :
– إيه إيه، لا باهزر ولا حاجة، بجد ممنوع، بأمر الدكتورة .
هتف :
– نعم، ده جاي عليَّ بخسارة بقى .
أومأت برأسها إيجابا وقالت :
– أيوة، وبعدين ماهو إنت السبب، يعني هو جه لوحده ؟
زم شفتيه في غضب طفولي أضحكها ثم قال :
– يعني هنبطل السي فوود ؟
ضحكت مرة أخرى فهتف بها :
– بطلي ضحك بقى، مش فهمتك قبل كده ضحكتك بتعمل فيا ايه ؟
ردت بابتسامة مشاغبة :
– أيوة، بتخليك مجنون، وأنا عاوزاك دايما مجنون .
اقترب منها أكثر وقال بهدوء والحب يطل من ملامحه بوضوح :
– بس جنوني خطر .
همست :
– مش باخاف من الخطر طول ما أنا معاك .
ضمها لصدره بحنان، وفي خياله رسم مستقبل أسرته الصغيرة وحلم بطفله الذي ينمو بالقرب من قلب خليلة روحه ويشاركها نبضه .

تمت بحمد الله

بقلم / صابرين الديب
Anfas Elfajer

 

 

error: