خارج أسوار القلب

الفصل التاسع عشر

*************

في مساء اليوم التالي كانت (دينا) تقود سيارتها وإلى جوارها (هشام) يتأملها في اشتهاء كما اعتاد واعتادت هي، كان ذلك يصيبها بالغرور أكثر ويشبع رغبتها في لفت الأنظار، قال لها بطريقة مقززة :
– بس إيه رأيك فيا أنفع ممثل مش كده ؟
ضحكت وردت في سخرية :
– ممثل بس، ده إنت ممثل كبير كمان.
ثم رمته بنظرة جانبية وسألته :
– وأنا ايه رأيك في تمثيلي؟
شعر بأنفاسه تتلاحق فجأة وهتف :
– تمثيل إيه ده أنا كان ممكن أموت في إيدك.
ضحكت بمجون فاستطرد بطريقة مقززة :
– بس ايه ؟، مانفسكيش نعمل كده بجد.
التفت تتطلع إليه في دهشة ممتزجة بالسخرية ثم عادت تتابع الطريق وهي تقول بنفس السخرية :
– ايه يا إتش، إنت صدقت نفسك ولا ايه ؟ ماتنساش إن دي مجرد لعبة عشان نوصل لهدفنا.
شعر بالحرج يكسوه والغضب يتمكن منه فهتف ساخطا :
– ليه يعني ؟ مش قد المقام مثلا ؟
قالت مهادنة :
– مش قصدي كده يابيبي، احنا بينا بيزنس وبس، بعدين أنا عاوزة أدهم مش حد تاني.
ضيق عينيه وهو ينظر إليها ثم سألها في سخرية :
– بجد ؟ أدهم بس ؟ ولا أي راجل عاوزاه ياكلك بعنيه في كل خطوة.
أوقفت السيارة بحركة مفاجئة دفعته للأمام وكاد رأسه يرتطم بزجاجها الأمامي ثم التفتت إليه هاتفة بغضب وتعالٍ:
– لا إنت أكيد نسيت نفسك، ازاي تكلمني كده يا هشام ؟
ثم زفرت في حنق واستطردت :
– أدهم بس هو اللي شاغلني، ومش هاسكت إلا لما أشوفه مذلول قدامي وبيتمنى رضايا .
عقد حاجبيه في غضب وقال :
– واحد زيه صعب يعمل كده يا دينا.
ابتسمت وقالت :
– لا مش صعب، لو خطتنا مشيت مظبوط هالاقيه قدامي في غمضة عين.
تطلع إليها مرة أخرى في حنق في حين عادت هي تقود السيارة وعم الصمت المكان.
********
في اليوم التالي كانت (دينا) تجلس مع والدتها في حديقة فيلتهم عندما رن هاتفها فالتقطته سريعا لتجد الاتصال الذي كانت تنتظره، فتحت الخط بسرعة وقالت :
– ها يا صوفي، وصلت له الميموري ؟
جاءها رد (صفاء) بسرعة :
– أيوة وشافها، كنت قريبة من مكتبه زي ماقلتي لي وفجأة لقيته خارج منه زي القطر ودخل مكتب آدم يدور عليها، مالقهاش زي مااتفقنا دور على أخوه برده مالقاهوش شعلل أكتر وكان هاين عليه يموت أي حد في سكته، طلع برا لقى موظف ماشي بيراجع أوراق في ايده خبط فيه وكان هيضربه لولا الراجل جري من قدامه، بعدها ساب الشركة ونزل وشفته من الشباك طالع بالعربية زي الصاروخ.
تنهدت (دينا) في ارتياح وقالت :
– هايل ياصوفي، زي ماخططنا بالظبط، ابقي تعالي لي عشان باقي المبلغ اللي اتفقنا عليه وهدية زيادة مني كمان.
ظهر الطمع في لهجة الفتاة وهي ترد :
– كفاية رضاكي علي يا دينا هانم، هاجيلك النهاردة يا قمر وماتنسيش لما يتحقق المراد وتتجوزي الباشمهندس أدهم لي حلاوة أكبر.
قالت (دينا) بسرعة :
– أكيد ياصوفي وماتنسيش الملف اللي اتفقنا تجيبيهولي، يلا سلام بقى.
أنهت المكالمة ورفعت إصبعها الإبهام مشيرة به لأعلى تجاه والدتها علامة نجاح خطتها، ابتسمت الأم في ارتياح وبادلتها ابنتها البسمة شاعرة بالنصر، الآن كل ما عليها فعله هو الانتظار حتى تحين اللحظة المناسبة ثم تبدأ في رمي شباكها حول (أدهم) المكسور مرة أخرى وسيكون كعجينة لينة بين يديها تشكلها كيفما تشاء، أفاقت من أحلامها على صوت والدتها تسألها :
– دونا، رحتي فين ؟ بأقولك عمل ايه ؟
أفاقت من شرودها وتطلعت لوالدتها لحظة في صمت ثم أجابت :
– زي ما توقعنا بالظبط يا ماما، وصلت له الميموري وطلع بعدها زي الصاروخ من مكتبه يدور عليهم ، طبعا مش كانوا موجودين فخرج من الشركة بعربيته زي المجنون.
تساءلت الأم :
– وانت خرجتيهم مع بعض إزاي من الشركة ؟
أجابت في خبث :
– زي الأفلام مام، فون كول Phone callبتقولها إن بنتها عملت حادثة وطبعا آدم مش هيسبها تخرج لوحدها وانتهى الموضوع.
ابتسمت الم وقالت :
– هايل يا دونا، والولد تيام ده بجد تحفة، عرف يظبط الأصوات تمام مادام أدهم انخدع فيها للدرجة دي.
اومأت برأسها موافقة وهي ترد :
– يس مام، باقي بس ملف المناقصة الجديد يطير منه ومن مكتب آدم شخصيا، ويبقوا يقابلوني بقى، صفاء هتجيبهولي دلوقتي لأن آدم وجمانة مش هناك.
ابتسمت الأم في إعجاب بذكاء ابنتها وبادلتها ابنتها الابتسامة، هكذا هي الذئاب تجتمع وتتوحد عندما تهجم على فريستها، بينما تتفرق الحملان في مواجهة ذئب واحد.
********
نعود للخلف قليلا لننظر للموضوع من زاوية أخرى في مكان آخر، حيث جلس (أدهم) في مكتبه شاردا يحدق في الفراغ، يفكر فيما آلت إليه الأمور، هاهو الآن على شفا الزواج من المرأة التي اختارها قلبه، مع موافقة والده على مضض ورفض والدته التام، لم يكن يريد ذلك أبدا لكنهم راهنوا على قلبه وحكم القلب حكما نهائيا لصالحها، (جمانة) تلك الزهرة الرقيقة التي نبتت فجأة في صحراء قلبه القاحلة والتي لم ترتوي بالماء منذ خلق هو، التي أشعرته فجأة أن في صدره قلبا ينبض، من جعلته طفلا كبيرا مجنونا بالقرب منها صارما مخيفا فيما يتعلق بها أو بما يمكن أن يؤذيها، قطع تفكيره الحالم طرقات على باب مكتبه فرفع عينيه إليه وهو يقول بهدوء :
– ادخل.
دخلت (سهام) وهي تحمل في يدها مظروفا متوسطا وضعته أمامه قائلة :
– اتفضل يافندم، الظرف ده جه لحضرتك ومكتوب عليه خاص وهام، مافتحتوش مع باقي البريد.
تناوله وتطلع إليه في قلق ثم رد :
– طيب يا آنسة سهام اتفضلي إنت.
خرجت (سهام) وظل هو يتطلع للمظروف ثم فتحه برفق ليجد بداخله ورقة مطوية وذاكرة هاتف صغيرة الحجم، تطلع إليها في تساؤل ثم فض الورقة ليقرأ بداخلها جملة مختصرة ” هي دي اللي عاوز تتجوزها ؟ اسمع بتعمل إيه مع أخوك المحترم اللي عاوز يلبسهالك “، عقد حاجبيه بشدة وبدأ قلبه ينبض بعنف، ما هذا الهراء ؟ ثم نظر للذاكرة الموضوعة أمامه كمن ينظر إلى أفعى تهم باقتناص عنقه، مد كفا مترددة ليلتقطها ثم وضعها في قارئ ذاكرة صغير أدخلها بعد ذلك في حاسبه المحمول ثم فتحها، لم يجد عليها سوى ملف صوتي صغير مدته حوالي 20 دقيقة، نظر إليه في قلق ثم تغلب فضوله على قلقه فنقل زر الفأرة إليه وفتحه، ظل الصمت يخيم على الجهاز لثوان ثم بدأ بعده ظهور الصوت، دقق فيما يسمع فكان صوت (جمانة) هو ما قابله وهي تقول بدلال ونبرة لم تعجبه مطلقا :
– آدومي وحشتني أوي.
سمع بعدها صوت أخيه يجيبها بنبرة مشابهة وإن شعر فيها بشهوانية أثارت تقززه :
– إنت أكتر ياجمانة، هاتجنن وأشوفك.
ردت (جمانة) بنفس النبرة :
– طيب أجيلك ؟
قال بعد ضحكة ماجنة :
– هو أنا أقدر أقول لا بس مش هينفع نتقابل اليومين دول زي زمان، أدهم دلوقتي هيبقى معاكي أكتر ومش عاوزينه ياخد باله.
تنهدت بتأفف وهي ترد :
– وليه السيرة الزفت دي دلوقتي وأنا معاك، انا مش فاهمة ازاي اقنعتني اتجوزه، ده واحد جلف ومش يناسبني خالص.
سمع صوت أخيه يقول في طمع :
– عشان فلوسه تبقى لينا يا حلوة ماتركزي معايا شوية.
تنهدت مرة أخرى ولكن في دلال هذا المرة وعادت لنفس النبرة السابقة :
– طيب المهم إنك وحشتني وعاوزاك حالا.
أجابها بنفس طريقتها :
– مش أكتر مني، بس مش لازم نتقابل عشان نبقى مع بعض، أمال التليفون اخترعوه ليه.
سمع ضحكة تشبه ضحكات العاهرات تصدر منها تبعها حديث لم يستطع أن يكمل ربعه حتى لمدى ما فيه من انحطاط وقذارة لم يتصورها فيهما، لم يدر بنفسه إلا وهو ينتزع الذاكرة من الجهاز مع الورقة والمظروف وينطلق كالصاروخ تجاه مكتب أخيه ثم فتح بابه بعنف ليجد مكتبها فارغا منها، تطلع إليه في غضب شديد فلو كانت أمامه لقتلها، نظر باتجاه مكتب أخيه واتجه إليه بسرعة وفتحه ليجد الهواء في مقابله هناك أيضا، ازداد غضبه وتأججت نيرانه أكثر، فرفع سماعة الهاتف واتصل باستقبال الشركة سائلا عن (آدم) ليرد عليه الموظف :
– خرج يافندم من حوالي ربع ساعة مع مدام جمانة أبو الفتوح.
حدق في سماعة الهاتف في صدمة، أهذا ممكن ؟ هل يستغفلانه فعلا ؟ ألقى السماعة على المكتب بعنف وانطلق مغادرا المكتب بسرعة حتى أنه اصطدم خارجه بأحد موظفيه فأوقع منه بعض الأوراق وكاد يوقعه هو شخصيا فهتف مفرغا غضبه فيه :
– إنت مش شايفني ماشي قدامك ؟.
ارتبك الرجل وانحنى يجمع أوراقه بسرعة وهو يعتذر قائلا :
– أنا آسف يافندم بس حضرتك كنت ماشي بسرعة و …
قاطعه في عصبية شديدة :
– حضرتي ايه ؟ أنا اللي خبطت فيك مثلا ؟
شعر الرجل بمزيد من الارتباك وبعض الخوف فجمع أوراقه ثم قال وهو يبتعد في سرعة :
– آسف يا فندم معلش ماخدتش بالي.
تطلع إليه (أدهم) وهو يزفر في حنق وغضب شديدين ثم انطلق خارجا من الشركة بسيارته يقودها بسرعة كالمجنون، وصل بها إلى وسط المدينة وحنقه يزداد بسبب الزحام، فترك السيارة جانبا وترجل منها ليسير على قدميه محاولا تبديد غضبه وألمه والتفكير بمنطقية، تساءل كثيرا هل يمكن أن يحدث هذا ؟ أتكون (جمانة) التي اختارها قلبه بعد كل تلك السنون من الوحدة بهذه الأخلاق، أتكون أفعى في ثياب يمامة رقيقة ؟ وماذا عن مثله الأعلى في الحياة ؟ (آدم) رفيق قلبه والناصح الأمين ؟ هل هو بهذه الخسة ؟ بهذا الانحطاط وهذه السفالة ؟ .. هز رأسه في عنف محاولا طرد تلك الأفكار الغائمة كسحب تحجب ضوء الشمس في سمائه ، وجد أن قدميه قادته لمكانه المفضل على نيل القاهرة وعلى الرغم من حرارة الجو اتجه ليجلس بداخل المقهى ليرحب به أحد العاملين هناك بحرارة شديدة ويطلب هو مشروبا باردا يطفئ به لهيب صدره، جلس يتطلع إلى مياه النيل وتركها تنساب داخل عقله ماحية كم القذارة التي انتقلت إليه عبر أذنيه، فكر لدقائق ثم هب واقفا قبل أن يصل مشروبه وألقى ببعض النقود على الطاولة أمامه وانطلق كالصاروخ عائدا لسيارته في خطوات أقرب للعدو، ثم قادها متجها لصديق يعلم جيدا أنه سيفيده، فوجيء صديقه هذا بجرس بابه يرن ففتح ليجد (أدهم) في حالة سيئة والغضب والحزن يمتزجان سويا في لوحة سيريالية على ملامحه، هتف في ترحاب به لمحة من قلق :
– أدهم الحسيني، عاش من شافك ياراجل، وأخيرا افتكرتنا !
ابتسم (أدهم) في نوع من الخجل ورد وهو يدلف إلى المكان :
– إزيك يا حاتم عامل ايه ؟
رد (حاتم) بمرح وهو يقوده لأريكة كبيرة في استقبال منزله :
– زي الفل ياكبير، ولما شفتك بقيت زي الفل والياسمين مع بعض.
اتسعت ابتسامة (أدهم) ورمي بجسده على الأريكة في تهالك وهو يقول :
– واحشني والله يا حتوم ، الظروف بتاخد الواحد من أقرب الناس ليه.
ابتسم (حاتم) وقال بعفوية :
– أكيد يا أدهم معلش ربنا يعينك، عامل ايه في التجارة بعد ما سبت الهندسة ؟
(أدهم) وهو يمط شفتيه :
– عادي ماشي الحال، كل يوم بنتعلم جديد.
سأله مرة أخرى :
– وإزي أخوك آدم، رجع من السفر ولا لسه ؟
ظهر الضيق فور نطق (حاتم) لاسم (آدم) على ملامحه، ثم قال :
– لا رجع يا حاتم، وجاي لك بخصوص حاجة متعلقة بيه.
ابتسم (حاتم) ثم قام من مكانه قائلا :
– طيب هاجيب حاجة ساقعة نشربها ونتكلم براحتنا.
أومأ (أدهم) برأسه ثم انتظره حتى عاد بعد دقائق قليلة وجلس بجوراه يناوله علبة العصير ثم تساءل :
– ها خير يا كبير ؟
ناوله (أدهم) الذاكرة الصغيرة وقال :
– في ملف صوتي هنا عاوزك تتأكد لي إذا كان صح فعلا ولا متفبرك.
التقطها منه (حاتم) في دهشة ثم سأله بطريقة عملية :
– طيب عندك أي ملف صوت تاني للي هنتأكد من صوته هنا ؟
عقد (أدهم) حاجبيه في محاولة للتذكر ثم التقط هاتفه من جيبه وبحث فيه سريعا حتى وصل لفيديو قصير لأخيه فبرقت عيناه في ظفر وهو يناوله لصديقه هاتفا :
– أيوة ده فيديو بس الصوت واضح فيه.
تناوله منه وهو يشغل الفيديو ويستمع للصوت ثم قال :
– الصوت كويس، مش ده آدم ؟
أومأ (أدهم) برأسه إيجابا فعاد (حاتم) يسأل :
– هو في ايه يا أدهم خير ؟
لم يكن (أدهم) يرغب في شرح الأمر بكامله لصديقه فقال في عجالة :
– أبدا ده ملف ابتعت لي وبيخوفوني من آدم فعاوز أطمن انه صح ولا لأ لأني متأكد إن اخويا ما يعملش كده ولا الانسانة اللي اخترتها.
عقد (حاتم) حاجبيه في دهشة، ثم تردد قليلا قبل أن يسأله في خفوت :
– ولما إنت متأكد، بتعمل كده ليه وجاي تقولي شوف لي صح ولا متفبرك ؟
طعنه سؤال صديقه البسيط، لم يجد إجابة فاكتفى بالصمت، أما صديقه فربت على كتفه برفق وقال في تفهم :
– خلاص يا أدهم معلش، انا هاقوم ألبس وننزل الاستوديو سوا لأن الجهاز والبرنامج اللي هيبين لنا الفرق هناك.
قال (أدهم) :
– أوك ياحتوم، هاستناك تحت في العربية.
رد (حاتم) :
– خلاص ماشي خمس دقايق بالكتير وهانزلك.
وبعد نصف ساعة كانا يدلفان سويا للاستوديو الخاص بعمل (حاتم) الذي اتجه من فوره لأحد أجهزة الكمبيوتر وأوصله بجهاز آخر ثم أوصله بهاتف (أدهم) وأيضا وضع الذاكرة الصغيرة بداخله، نقل الملفات المطلوبة للجهاز وقال وهو يشرح لـ (أدهم) مايقوم به :
– شوف انا نقلت الملفين هنا، هاسحب الصوت الاول من الفيديو واحطه مع الملف التاني واعمل مقارنة بينهم ببرنامج audacity ، يمكن الموضوع ما يبقاش واضح أوي بس لو في فرق غالبا هيبان وهاعمل مقارنة كمان بالجهاز ده، ده بيقيس الذبذبات برده زي جاهز كشف الكذب كده.
أومأ (أدهم) برأسه في صمت وهو يتابعه باهتمام حتى التقط صورتين لسطح المكتب لكلا الملفين على البرنامج، فتح الصورتين متجاورتين وتمعن فيهما بدقة ثم قال بثقة :
– لا يا أدهم مش نفس الصوت، في اختلاف في ذبذبات معينة بس اللي عمل التعديل على الصوت التاني ممتاز بجد، الفرق ماتلاحظوش إلا عين خبيرة وصعب جدا تلاحظه بالودن.
ثم التفت إليه فرآه يتنهد في ارتياح فابتسم وقال :
– تعالى كده نسمع الاتنين بتركيز ونشوف، ولو إن محتوى الملف ده مستحيل أصدق إنه يطلع من أخوك اللي كلنا بنحترمه يا أدهوم.
أجابه (أدهم) :
– أنا عارف بس وقت الغضب ما بتحسش إنت بتعمل ايه، ده كمان اللي عاوز يعمل المشكلة دي اتسبب في حاجة عشان يثبت الموضوع عليهم أكتر بس مش عارف إزاي ؟ لكن سهل اتأكد منها.
ثم صمت مفكرا لثوان احترمها (حاتم) ثم قال بعدها :
– أنا تقريبا عرفت مين عمل كده، وحسابه معايا هيكون عسير بجد لو ثبت الموضوع عليه.
سأله (حاتم) :
– بجد ؟ طيب كويس، ربنا يوفقك يا أدهم، إنت تستاهل كل خير.
ثم ضحك واستطرد مداعبا :
– وأخيرا طبيت يا كبير.
ابتسم (أدهم) ابتسامة واسعة ثم قال :
– أنا مش عارف أشكرك إزاي يا حاتم، بجد ساعدتني جامد.
ربت (حاتم) على كتفه في مودة وهو يرد :
– شكر ايه بس يا بني إحنا إخوات حتى لو انشغلنا عن بعض، إنت ناسي أيام الجامعة ولا ايه ؟
رد (أدهم) بابتسامة واسعة أخرى :
– لا طبعا ودي أيام تتنسي.
قضيا بعض الوقت سويا يسترجعان ذكرياتهما، كان (أدهم) خلاله عقله يسبح في عالم آخر .
********
عاد (آدم) مع (جمانة) للشركة وهي تزفر في غضب هاتفة في حنق :
– حسبي الله ونعم الوكيل، الناس دي بتستهبل، هو الهزار بقى في كده كمان ؟
التفت إليها (آدم) وهما يسيران متجهين إلى مكتبه قائلا :
– انا مش عارف الموضوع ده قالقني وحاسس إنه مش مجرد هزار او سخافة من حد غلس.
كان يلف في الممر الموجود به مكتبه عندما لمح إحدى موظفات الشركة تخرج من مكتبه بسرعة وتتلفت حولها في ارتباك فعقد حاجبيه في تساؤل قلق وهتف مناديا :
– إنت يا آنسة كنت بتعملي ايه عندك ؟
التفتت إليه في رعب وجرت في الجهة المعاكسة لكنها اصطدمت بموظف آخر يسير في الاتجاه المقابل فسقطت أرضا وتناثرت منها بعض الأوراق، اتجه إليها (آدم) في خطوات سريعة تصحبه (جمانة) ثم انحنى يحمل الأوراق ويتطلع إلى محتواها بسرعة جعلت عيناه تتسعان في صدمة وهو يرفع عينيه إليه بعدما وقفت منكسة رأسها أرضا وهتف فيها بصرامة شديدة :
– ايه ده ؟ كنت واخدة الورق ده ورايحة فين ؟
لم ترد، فاتجه لمكتبه واتصل بأمن الشركة وهي تكاد تسقط من الرعب.
********
كانت (فريدة) تتناول إفطار متأخرا في حديقة الفيلا وترشف كوبا من الشاي الأخضر كما اعتادت كل صباح عندما فزعت فجأة على طرقة قوية ويد توضع أمامها على الطاولة، رفعت رأسها لصاحب اليد لتجده (أدهم) فشعرت بالدهشة وسألته :
– أدهم !! إنت ليه مش في الشركة ؟ وايه اللي عملته ده خضتني؟
رفع (أدهم) كفه عن الطاولة فظهر تحتها مظروف ورقي صغير مكتوب عليه اسمه وكلمتي خاص وهام فتطلعت إليه في تساؤل، جعله ينحنى لمستواها وهي جالسة وينظر في عينيها بغضب قائلا :
– خطتك فشلت يافريدة هانم.
شعرت بالتوتر يغزو قلبها لكنها تماسكت قدر الإمكان وهي تسأله في دهشة :
– خطة ايه يا أدهم إنت بتتكلم عن ايه ؟
نظر إليها محاولا سبر أغوارها ثم جلس أمامها وهو يرد :
– مش عارفة خطة ايه يا أمي ؟ ماحاولتيش تشوهي صورة جمانة وآدم قدامي، كل ده عشان الفلوس، تكرهيني في أخويا ؟ حتى لو إنت مش عاوزاها حصلت آدم كمان ؟ وبالطريقة القذرة دي ؟ مين ساعدك في كده ؟ دينا ؟ ومين المنحط اللي عمل معاها التمثيلية دي ؟ هي دي اللي راضية عنها تبقى مراتي يا .. يا أمي ؟
ازداد توترها لكنها حاولت التماسك وهتفت مدعية عدم الفهم :
– أدهم أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن ايه، موضوعك اتقفل بالنسبة لي خلاص، مش جلال وافق ! خلاص روح اتجوزها زي ماانت عاوز بس خليك فاكر إني مش راضية عن الجوازة دي وماليش دعوة بيكم ولما تفشل ما تبقاش تيجي تعتذر وتقول أنا غلطت لأني مش هاسامحك.
ظل ينظر إليها في صمت، كان شبه متأكد من علاقتها بهذه الخطة القذرة لكنه لا يستطيع إثبات ذلك، فقال غاضبا وهو يقف مرة أخرى :
– يعني مصممة تنكري إنك ماتعرفيش حاجة عن الموضوع ده ؟ أنا متأكد إنك عندك علم وبالشكل ده مايشرفنيش اعيش في البيت ده بعد كده وأمي بتتعامل مع واحدة **** عشان تجوزها ابنها وشايفاها مناسبة له على الرغم من ****.
صرخت في وجهه بغضب :
– أدهم إنت بتقول ايه وايه الالفاظ القذرة دي ؟ إنت لحقت تنزل بمستواك ليها ؟
صاح في صرامة :
– أمي، من فضلك ماتغلطيش فيها، مستوايا اللي بتتكلمي عليه نزل بسبب القذارة اللي حواليا أنا واللي خلاص ماعدتش قادر أتنفس وانا عايش فيها.
ثم أدار وجهه متجها للفيلا فنادته في توتر :
– هتعمل ايه يا أدهم ؟
استدار إليها في صمت ثم قال في حزم :
– هامشي واسيب البيت، هاقعد مع آدم لحد ماربنا يسهل والاقي مكان مناسب ليا أنا وجمانة.
انتفضت واقفة وهتفت :
– لا يا أدهم تسيب البيت إزاي انا مش فاهمة انت بتتكلم عن ايه ولا الظرف ده فيه وانت مصمم تتهمني، أنا هاسألك سؤال واحد؛ الحاجة اللي في الظرف فعلا ممكن أنا اعملها وتتوقع إنها تصدر مني ؟ إنت بتتكلم عن حاجة قذرة إنت شايف إن انا ممكن اعمل حاجة زي كده ؟
تطلع إليها مفكراً، هل هي صادقة أم تدعي أمامه حتى لا تخسره ؟ اقتربت هي منه في هدوء وأمسكت بكفه وقالت في حنان :
– أدهم أنا مامتك تفتكر ممكن أأذيك ؟ إنت أغلى حاجة عندي يا أدهم.
ظل يتطلع إليها في حذر غير قادر على ابتلاع ذلك الحنان الذي ظهر فجأة.

error: